أزمة الرسوم الكاريكاتورية: وسائل الإعلام العربية والأوروبية في قفص الاتهام
يذهب البعض إلى أن طريقة تعاطي وسائل الإعلام العربية مع قضية الرسوم المسيئة لنبي الإسلام قد أدت من جديد إلى توسيع الفجوة بين الشرق والغرب. موقعنا يحاور عدداً من الصحفيين العرب لمعرفة دور الإعلام العربي في هذه الأزمة.
"قبل كل شيء وقبل أن نتساءل عن دور وسائل الإعلام العربية في هذه الأزمة، علينا أن نبحث أولا عن سبب نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية في الصحف الأوروبية في هذا الوقت بالذات. كان يسهل على الأوروبيين توقع أن نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية سيقابل بموجة استنكار وغضب عارمة في العالم الإسلامي. وبعد تفجر أعمال العنف في العالم العربي علينا أيضاً أن نتساءل عن سبب استغلال وسائل الإعلام الغربية لردود أفعال المسلمين واتهامهم بأنهم ضد ما هو غربي في بلدانهم وتصوير الرسوم على انها حدث عادي لا يستحق كل هذه الضجة "المسيسة". إن كل ذلك يأتي في وقت تتحدث فيه الجهات الرسمية عن الحوار والانفتاح على الآخر"، أسئلة تطرحها رانيا جعفر من جريدة الأهرام الأسبوعية المصرية في معرض حديثها مع موقعنا حول الاتهام الموجه لوسائل الإعلام العربية بتعبئة مشاعر المسلمين. ويأتي ذلك بعد أن أدى نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد في جريدة "يولاند بوستن" الدنمركية وإعادة نشرها في صحف أوروبية أخرى إلى إثارة ردود فعل واسعة في أنحاء العالم الإسلامي. وخرجت ردود الأفعال العربية والإسلامية عن حدود المألوف، فلم تقتصر على المظاهرات السلمية، وإنما تجاوزتها إلى مقاطعة البضائع الدنمركية وحرق أعلام عدة دول أوروبية، وإشعال النيران في سفارتي الدنمرك والنرويج في دمشق، بالإضافة إلى القنصلية الدنمركية في بيروت. ومع إصرار وسائل إعلام أوروبية على إعادة نشر الصور وباسم حرية الصحافة يستمر تأجيج مشاعر المسلمين ضد الغرب واستفزازهم.
صورة الغرب ضحية الأزمة
Bildunterschrift : Groكansicht des Bildes mit der Bildunterschrift : حادث اشعال النيران في السفارة الدنمركية في دمشق مما لا شك فيه أن الأزمة الراهنة قد هزت صورة الغرب في الإعلام العربي. موسى قوس، المنسق الإعلامي بالمعهد الفلسطيني لتعزيز الحوار العالمي والديمقراطية (مفتاح) في القدس، يعتقد أنه قبل هذه الأزمة: "كان يُنظر إلى الغرب كمنارة للقيم الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان. لكن بعد تفشى أزمة الرسوم يُتهم الغربيين حالياً في الإعلام العربي بوجه عام بأنهم ينظرون إلى المسلمين نظرة استعلائية تتسم بنوع من الاحتقار والكراهية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأكبر الرموز الإسلامية". وعن دور الإعلام العربي في تصعيد هذه الأزمة يقول قوس: "لا يمكن أن نقول أن الإعلام العربي لم يكن منحازاً. فالإعلام العربي تعاطى مع القضية كما لو كانت معركته الخاصة، بالإضافة إلى أنه حاول إثارة القضية بشكل ضخم." ويرى قوس أن للإعلام العربي دور كبير في تأجيج المشاعر الدينية عند كافة المسلمين في شتى أنحاء المعمورة، مما أدى إلى تفجر أعمال العنف والاعتداء على المنشآت الأوروبية في سوريا ولبنان، على حد تعبيره.
"يبقى الدين رضيعاً للسياسة"
Bildunterschrift : Groكansicht des Bildes mit der Bildunterschrift : من هو المستفيد من هذه الأزمة؟ أما سلطان خطاب، الصحفي بجريدة الرأي الأردنية ومدير دار العروبة للنشر، فيرى أنه هناك تباين في طريقة تعاطي وسائل الإعلام العربية مع إشكالية تصوير وتجسيد الرموز الدينية الإسلامية، "فبعضها تعاطي معها بصورة راشدة وبعضها لم يتعاط كما يجب مع هذه القضية. البعض أجج الأزمة ليس فقط بسبب الرسوم وإنما نكاية في الأنظمة. هناك تعبيرات متطرفة لها علاقة بالمواقف السلبية من الأنظمة العربية، التي لم تحرك ساكناً إزاء مقدسات أخرى غير الرسول"، على حد قوله. في هذا السياق يرى سلطان خطاب أن الدين يتم تسييسه ليس من قوى التطرف فحسب، وإنما على أيدي الحكام العرب أيضاً، وبالتالي فإن "الدين ليس مستقلاً." واستشهد الصحفي الأردني بمقولة ابن رشد الشهيرة "يبقى الدين رضيعاً للسياسة."
"حرية التعبير حق مقدس، لكن...
Bildunterschrift : Groكansicht des Bildes mit der Bildunterschrift : رانيا جعفر، جريدة الأهرام ويكلي مازال الإعلام الغربي يساند الصحيفة الدنمركية التي تسببت في وقوع هذه الأزمة، ليس من مبدأ الدفاع عن الرسوم الكاريكاتورية بحد ذاتها أو عن ما تحمله من مغزى ومضمون، وإنما من مبدأ الدفاع عن الحرية الفكرية وعدم خضوع الصحافة لرغبة هذا الطرف أو ذاك. على ذلك يعلق موسى قوس بالقول: "حرية التعبير حق مقدس والكل يقدر ذلك، لكن حرية التعبير تنفي في نفس الوقت إهانة الأديان وإيذاء مشاعر الآخرين." أما سلطان خطاب فيرى أن حرية التعبير "يجب أن تفهم على نحو يختلف قليلاً، فحرية التعبير ليست مطلقة. فلا تستطيع الأنظمة العربية أن تبرر الأعمال المشينة كحرق السفارات في دمشق وبيروت بأنها حرية تعبير أيضاً كما حدث في دمشق وبيروت." أما رانيا جعفر فترى أن حرية التعبير "يجب ألا تستغل كغطاء لعدم قدرة وسائل الإعلام الغربية على التعامل بطريقة سليمة مع المقدسات الإسلامية. فحرية التعبير ليست حكراً على الغرب. ويجب ألا تعطي وسائل الإعلام الغربية انطباعاً بأن هذه الحرية حق غربي يجب الدفاع عنه أمام العالم الإسلامي. علينا ألا نغفل أن هناك أيضاً عددا من الجهات العربية والإسلامية، التي تعمل على تعزيز حرية التعبير في الدول، المتواجدة بها منذ سنوات."
...هناك ثمة ازدواجية في المعايير"
Bildunterschrift : Groكansicht des Bildes mit der Bildunterschrift : يجب ألا يتوقف الحوار بسبب أعمال العنف أما موسى قوس فيعتب على بعض الهيئات الإعلامية في أوروبا ازدواجية المعايير وعدم الكيل بمكيال واحد في التعامل مع القضايا الدولية. ويضيف قوس في هذا السياق: "يجب إعادة تعريف حرية التعبير. وهذا ما يقع على عاتق الأمم المتحدة. فلا بد أن توضح الأمم المتحدة أن القضايا الدينية الحساسة أمور مقدسة لا ينبغي المساس بها بذريعة حرية التعبير." وتأتي أزمة الرسوم الكاريكاتورية بعد أن أظهرت العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا حماسة وجدية في محاولاتها الهادفة إلى تفعيل الحوار الثقافي بين العالم الإسلامي وأوروبا. لكن من المؤكد أن الأزمة الراهنة سيكون لها عظيم الأثر على هذا الحوار. في هذا السياق يقول سلطان خطاب: "نلاحظ الآن شيئاً جديداً بعد أن تقربنا الى الحضارة الغربية واعتبرنا أن بنينا وبينها جسراً. كان على الغرب أن يدرك من خلال مستشرقيه ومن خلال بعثاته الدبلوماسية وسفرائه أن للشرق حساسيته إزاء الأديان والتقاليد." ويدعو خطاب المثقفين الغربيين إلى أن يدركوا خصوصيات الشعوب الإسلامية، وأن ينظروا الى الشرق بمنظور الشرق، كما نرى الغرب نحن أيضاً بمنظوره." يجب أن تستخلص من هذه الزوبعة الدروس والعبر ويجب ألا تتحول إلى صراع حضارات بالمعنى الذي تريده بعض الأوساط هنا أو هناك، وإنما لابد أن تكون نوع من الاحتكاك الذي تبنى من خلاله الجسور بين الثقافات.
//ونلفت الانتباه الى أننا سننقل غدا رأي الطرف الآخر: كيف يقيم الخبراء والصحفيون في الغرب القضايا التي طرحناها على الصحفيين العرب؟//
ناصر شروف / علاء الدين سرحان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق