صالح السويسي
كاتب وصحفي تونسي
souissisalah@yahoo.fr
9/23/2006
( أرتميدا) للتونسي محمد الهادي الجزيري
محمد الهادي الجزيري شاعر تمكّن من التفرد بنص شعري امتلك شرعيته وسط زحمة النصوص الشعرية بسلاسة اللغة و بساطتها و عنق الرؤية و امتدادها .. فالجزيري يؤثث نصا يحمل خصوصيته بين حروفه و يخبئ و وعوده بين سطوره فلا يجد القارئ مفرا من قراءة القصيد مرتين ، قراءة بصرية و أخرى عاشقة و بين هذه و تلك يبقى النص مفتوحا لأكثر من قراءة و أكثر من تأويل ..
يقول الشاعر :
ها نحن فوق الحيّ
فوق الناس والأيّام نبصر كلّ شيءْ
لا تسألي دمعي عن السور القديم
أنا أراه
وإن أزالته السنون
أنا أراه فلم نزل طفلين بعد
نطير في أرجوحة ونصيح من فرح وخوفْ
كانت الأسطورة و مازالت تغازل أقلام الشعراء و كل يرى فيها ما يشتهي و " أرتميدا " الأسطورة الإغريقية بدت عند الجزيري حكاية عصرية ةو واقعا نكاد نلمس تفاصيله و حلما نتنسم بهاءه .. فالكاتب يقدم لنا " أرتميدا " التي يشتهيها الشاعر بين سطوره بعيدا عن الإحالات التاريخية أو الأسطورية التي تحيط بها و تحفها ، و هنا يمكن أن نلحظ التميز و التفرد حيث يحملنا الشاعر إلى عالمه الأثير .. إلى فتوحاته و هزائمه ...
أنا الغازي
فتحت عواصم الدنيا
ويوم همست لي: أهلاً
عرفتُ على يديك هزيمتي الكبرى
النص الشعري لدى الجزيري لوحات سينمائية متعانقة ، دفق من الصور الرهيفة المتجاورة ترسم مدائن البوح ، و بين تداعيات الصورة و انزياحات اللغة يكتمل المشهد ....
يختال فوق بياض أوراقي
ويهطل في سكون الليل بالضحكات
يدنو ثمّ ينفر
ثمّ يدنو ثمّ ينفر في انثناء موجع
ليعود من أقصى النفور إلى مدار يديَّ
تمثالا مشرّعة يداه كالصليبِ
و يمتد حلم الشاعر / الإنسان سواحل بلا نهاية و أجنحة تعانق البحر / الحكاية فتختلط خيوط الماضي بالحاضر الغائب بالقادم الـ......
قديما كانت لي موانئ و دفتر مواعيد
و جرار طافحة بالحبر و الخمرة و الشهوة
كانت الصباحات أشرعتي المتجددة
و الرياح نساء الصدفة
لم يفاجئني نهار في ميناء
و ما عاقني ليل عن الإسراء
ما كانت لي مرساة غير الدهشة
فيا كيف .... يا كيف أغواني الملاّح الأسمر
و أنا الغواية ذاتها ؟
و لأنّ الشعراء أشقاء الوجع و العذاب و الألم و لأنّ الشعراء إخوان الأحزان و الهزائم نجد الشاعر في " أرتميدا " يحضن ألمه و رغبته في الغياب و عناق الظلمة ليموت في صمت مثل الفراشات .....
غيّبيني أيتها الظلمة
فقد صدئت رغبتي في الإغراء و الإيذاء
أرغب فقط في تشرّب الملح وحدي
و مواصلة الرسوب في طيات الرمل
وحدي جئت
و وحدي أمّحي في صمت....
" أرتميدا " كتاب يؤكد مرة أخرى أنّ محمد الهادي الجزيري شاعر يدبج قصائده بماء الوجع و يقد رؤيته الخاصة للأشياء كما أنّ الكتاب يشي بهمّ وطني و إنساني يحمله الشاعر بين ضلوعه ، فالوطن / الانتماء كان حاضرا بقوة و لو أنه اختفى أحيانا بين طيات الكلام و الإنسان / الشاعر بدا سيد كل القصائد و ربان البوح الصادق ..
لو كان الأمر بيدي لأخترت الحلول في كل شيء جميل و نافع : في شجرة توت منحنية يطالها الصبيان و عابرو السبيل ، في أرغفة ساخنة تقدمها يد عابرة إلى بطون يسطنها الجوع ، آه كم أود أن أصير مرة واحدة حذاء جديدا ، تنتعلني في يوم عيد جديد قدما طفلة يتيمة ، إن كان لي ذلك فلن أؤلم قدميها الرهيفتين ، أنا الحذاء الجديد ........
الشاعر
محمد الهادي الجزيري
شاعر تونسي من الجيل الجديد للقصيدة التونسية
أصدر إلى حد الآن
زفرات الملك المخلوع 1994
رقصة الطائر الذبيح 1996
ليس لي ما أضيف 2003
أرتميدا 2006
مسرحية شعرية بعنوان " طبيبي عديتو "
يقول عنه عبد الرحمان مجيد الربيعي : الجزيري شاعر لم يختر الطريق السهل في إنجاز قصيدته ، لقد جاءها من الدرب الشائك الصعب ، بدأ معها من " الأصول " حيث الانحياز إلى عروض الشعر ، إلى الوزن ، ومنه يبدأ المسار ، مسار القصيدة و مسار الشاعر ، إننا أمام شاعر / شاعر / ، و إن خرج بعد هذا يوما على " الأصول " و قيودها فإنّ خروجه .. يملك مشروعيته إذ هو رجل أجاد القصيدة الموزونة و منها إلى فضاء آخر ، قد يكون " نصا " أو " قصيدة نثر " ...
الكتاب
أرتيميدا كتاب شعري صدر عن مسكلياني للنشر و التوزيع في طبعته الأولى لسنة 2006 و جاء الكتاب في 111 صفحة من الحجم المتوسط في طبعة أنيقة جدا صممها و أخرجها محسن الخميسي و تضمن الكتاب سبع قصائد بالإضافة إلى " أرتميدا "
مجلة فكرية ثقافية عامة بإشراف حكمت الحاج وتحرير نادية حنظل و لقاء الحر و كاتارينا اسكسون و محمد علي أحمد
٢٩/٩/٢٠٠٦
صحيفة الحقائق - لاحقائق إلافي الحقائق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق