«العربي للمصممين»: كتاب يمزج ثقافة الغرب بتراث العرب
GMT 8:00:00 2006 الخميس 5 أكتوبر
إيلاف
«إيلاف» من لندن: صدر في نيويورك مؤخرا عن منشورات «مارك باتي» كتاب يحمل عنوان «العربي للمصممين» Arabic for Designers لمؤلفه مراد بطرس. ويمكن القول ان الكتاب، الصادر بالانكليزية، فريد في تنّوعه، بحيث يبدو ان اكثر من يكون حاجة اليه، هم الناطقون بغير العربية، من العامليـن في الشركات العالـمية، وشركات الإعلان، والـمستشارين الفنييـن، والأساتذة والطلاب الباحثيـن عن القواعد الـمدققة، والأصول الأكيدة حول كيفية استعمال فن الطباعة العربية، بعد الأخذ بعيـن الاعتبار كل الأبعاد الثقافية والإبداعية، ضمن تواصلٍ متبادلٍ، بغض النظر عن قدرات الصناعة ومستويات الـخبرة.
والملاحظ انه خلال السنوات القليلة الـماضية، في ظل العولـمة، شعر العالم الغربي بحافز الإطلاع على الثقافات العربية من حاضرها الى ماضيها، وتتبع مراحلها وكان الدافع الى ذلك التكنولوجيا ومفرداتها والسياسة ومتغيراتها. ونتيجة لهذا التطور صار من الـمـألوف عند مصمميـن من كل انحاء العالم، أن يعملوا بجهد اختباري مضاعف، وجدية عملية أكثر اطلاعاً وإلـماماً، في مختلف مجالات فنون الطباعة اللاتينية والعربية.
قد يرى البعض في هذا الأمر ظاهرة لافتة، غير ان مراد بطرس لا يرى فيه اكثر من حلقة جديدة، تضاف الى اربعيـن سنة من عمره في عمل دؤوب متواصل الـحلقات، ترّكز في معظمه على مزج الـحروف العربية حيناً، أو تطعيمها أحياناً، بـما هو غربي الطالع، استقامة او تدويراً او تـحويلا او تربيعاً او انحناءً او تقويـماً او تزييناً او تلويناً، من اجل ابتداع مجموعة متجانسة ومركبة، حديثة وفعالة، من اعلانات جذابة ومثيرة، مقروءة ومرئية او من علامات مـميزة خاصة باسماء شركات من مختلف الاختصاصات في الـمجالات كافة، اضافة الى كل ما من شأنه شدّ الانظار الى جريدة أو مجلة او كتاب، او ما يلفت تلك الانظار في التمهيد الى برنامج تلفزيوني، او في تقديـم شريط تسجيلي، او في دعوة الى حوار على الهواء.
منهنا، يمكن القول ان الكتاب يحوي بين دفتيه تـجربة رائدة في التصميم، اكتسبها المؤلف وخاض غمارها طوال سنوات، وخرج منها باقتناع مفاده ان مستقبل التصميم بالعربية يفترض معرفة الـماضي خير معرفة، مضافاً اليها الفن الـجمالي الـمعاصر، والالتزام بـما وفرته التكنولوجيا وافرازاتها الـمتعددة في تقنيات جديدة . وعلى الصعيد العملي، انطلاقاً من هذا الاساس ذي الطابع القديـم، الـمتجدد بالتكنولوجيا وما تـمثله من مفهوم الـحداثة، يـمكن للخط العربي ان يتمسك بتراثه التاريخي التوضيحي، لينطلق في سباق مع الـمستقبل، فتنتج عن ذلك تصميمات وفنون طباعية خلاّقة وفعّالة تساهم الى حد كبير في التعليم والالهام.
ويفتح كتاب «العربي للمصممين» ابواب الـمعرفة بدقة موثقة، ويقدم شرحاً سريعاً ومقتضباً لعبور العربية من لغة محكية الى لغة مكتوبة من اجل نقل كلمة الله. وفي الكتاب مراجع مفيدة تعطي فكرة كاملة عن كيفية تطور الكتابة العربية، وكذلك عن الطباعة مع اختراع الـمطابع. وبتغطيته هذه الـمواضيع يؤسس مؤلف الكتاب في كتابه هذا لـمفهوم يشير الى طبيعة نشوء اللغة الـمكتوبة للهوية الثقافية.
وعلى الرغم من ان تسليط الأضواء التاريخية على العربية، حرفاً ولغة، وتـحليل مراحلها، من الاهمية بـمكان في هذا الكتاب، لا بد قطعاً من التركيز على فصول اخرى في الكتاب، مكرسة لـما اتقنه مؤلف الكتاب بعمق وشفافية ودراية الا وهو كيف تصّمم بالعربية. وبعد ان يكشف كيف ان الاخطاء الـجسيمة مكلفة بالنسبة الى الـمال، ناهيك من السمعة، يوفر مراد بطرس عدداً من الامثلة الـمصورة لنماذج من الشعارات الـمحولة الناجحة، بالاضافة الى عرض من تطبيقات التصاميم التي تشمل فيما تشمل، اغلفة كتب، والصفحات الاولى من صحف ونشرات، واغلفة مجلات، وملصقات تـجارية وصناعية، اضافة الى اعمال ابداعية مرفقة كلها بتفسيرات تثقيفية.
وما يلفت، اضافة الى الصور التي تزين كتاب «العربي للمصمميـن» انه يحتوي مجموعة من الدراسات القيمة التي تؤكد اعتقاد مؤلف الكتاب الراسخ بان التصميم يمكنه ان يحترم الـماضي ويعانق الـحـاضـر. وهنـا يبـرز التمهيـد التصميـمـي لنشرة اخبـار فضائية «العربية» بخط عربي هو في منتهى الابداع الفني. ويشرح مؤلف الكتاب آلية التصميم الـمطبوع، كما يناقش مسألة التصميم الهادئ غير المعقد لـمتطلبات التلفزيون والانترنت، كما يناقش عملية أحياء التصاميم الغربية الـجمالية بفن الطباعة العربي، وهو ما سيكون عليه نوع التصاميم للقرن الـحادي والعشرين.
على صعيد آخر، يمكن القول ان «العربي للمصمميـن» كتاب قيم ومفيد من حيث انه الاول من نوعه، لـجهة التنقيب العلمي التوثيقي للمواضيع الـمشار اليها، باسلوب البساطة الذواقة التي يمكن فهمها من دون حاجة الى اعادة او تكرار. ومن الانصاف القـول ان الكتاب يسجل بداية واعـدة لاتـجاه جـديد فـي عـالـم النشـر، خصوصـاً ان فن الطباعـة اللاتيـنيـة وفـن الطباعـة العـربيـة لا بد سيتعايشان، بل يتآخيان، في الـمستقبل الـمنظور.
يبقى القول ان اربعيـن عاماً من خبرة المؤلف تبدو جلية بين دفتي كتابه، ومن هنا تنبع اهمية هذا العمل المـشوق بعرضه ووقائعه. ولـمزيد من الـمعلومات يمكن الكتابة الى المؤلف على العنوان التالي:
مجلة فكرية ثقافية عامة بإشراف حكمت الحاج وتحرير نادية حنظل و لقاء الحر و كاتارينا اسكسون و محمد علي أحمد
٧/١٠/٢٠٠٦
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق