توضيح التّهافت في حمّي النّقد الجرائدي
2007/04/04
استوقفني مقال السيّد عمر الغدامسي من الشّارقة والقاهرة قائمة بأسماء نقّاد تونسيين وهميين بتاريخ 27 آذار (مارس) 2007 المنشور بصحيفة القدس العربي واستغربت أيّما استغراب من الهجوم المجّاني والثّلب (الذي يجرّمه قانون الصّحافة) في شخصي، من شخص عرفته لطيفا في السّابق ووديعا وعصاميّا نهما للأخذ بأسباب تطوير كتابته في النّقد الجرائدي (أستعير عبارة النّاقد الحبيب بيده). ولذلك يهمّني أن أبيّن بكلّ أدب مغالطات وزيف صاحب المقال الذي يبدو أنّ شيئا خفيّا ألمّ به فإذا هو يخبط شمالا وجنوبا بحثا عن موقع في الخارطة. وإذ أبدأ بتزكية قوله بأنّه أمدّني في إطار بحثي الجامعي (بعنوان: سرديّة التّشكيل في تجربة الفنّان عادل مقديش ) بالملفّ الصحافي للفنّان عادل مقديش، وهي معونة لا شكّ أنّها دلّت آنذاك علي مودّة صافية بيننا، فإنّي أشير إلي أنّني لا أنكر فضل الرّجل في مدّي بما أسماه مراجع ثمينة وأساسية ولا يملكها غيري بما في ذلك المكتبات المختصّة ولا أدري في الحقيقة أكان الملفّ الصّحافي لفنّان ما هو الثّروة العتيدة في البحث الجامعي، إذ يبدو أنّ صاحبي غير معنيّ بشروط البحث الجامعي، وأتفهّم ذلك جيّدا لانعدام صلته بالجامعة أصلا وذلك ليس نقيصة وإنّما من باب العلم بالشّيء فقط. كما أزكّي قوله بأنّني كتبت عن تجربة صديقي الفنّان المصري عبد الرزّاق عكاشة فأنا لا أكتب إلاّ عن التّجارب التي أستشعر بحميميّتها فالنّاقد ليس مطالبا بالكتابة عن كلّ التّجارب الفنّيّة وهو ليس مومسا فيما أعتقد كي يهب قلمه لـ الماخور النّقدي كما هو رائج عند العديدين، هذا وإنّي لم أنشر مقالا عن التّجربة الفنّيّة لصديقي عكاشة في مجلّة الحياة الثقافيّة التّونسيّة بل نشر المقال في مجلّة إبداع المصريّة وفي صحيفة الزّمان اللّندنيّة ولم يكن هذا أوّل مقال في تاريخ كتابتي المتواضعة جدّا. كما أنّي كتبت عن تجربة صديقي الفنّان رؤوف الكرّاي عشرات المقالات وليس مقالا في جذاذة معرض بل وانفردت بإعداد بحث جامعي عن عمله الفنّي عن كتاب الرّوض العاطر في نزهة الخاطر للنّفزاوي وكان بتأطير من الأستاذ النّاصر بالشّيخ، وهو من البحوث الجامعيّة الجريئة بشهادة اللّجنة وقد كتب عنه الأخ حكمت الحاج مقالا مطوّلا في صحيفة الزّمان . ولا أدري من أين أتي صاحبنا بتشخيصه المقترح لجينيالوجيا الكتابة النّقديّة في مسيرتي الأدبيّة، وإن كنت أتفهّم نيّته الشّريفة في دراسة مسيرتي فإنّي لا أعيب عليه مغالطتي ولكن مغالطة الرّأي العامّ الثقافي ومراودة صحيفتنا الغرّاء القدس العربي. فلقد تبيّن لي أنّ السّيّد عمر الغدامسي الذي ساهمت في الصّفحة التي يشرف عليها بجريدة الصّحافة التّونسيّة، بمقالات عديدة حول الممارسة التّشكيليّة ـ وبطلب منه ـ أصابته عادة عربيّة تسبّبت في تقهقر النّخبة والمتشبّهين بها، وهي عادة عدم القراءة والاكتفاء بالزّاد الثّقافي الشّفوي. فقد أشار بصريح العبارة الي أنني لم أكتب غير نصّين فقط عن تجربتين فنّيتين وهو أمر غريب فعلا يدلّ علي أنّ الغدامسي الذي نشر مقاله في القدس العربي لا يقرأ حتّي صحيفة القدس العربي أصلا فكيف نطلب منه أن يطّلع علي ما كتبته في منابر إعلاميّة أخري منها الصّحف والدّوريّات إضافة إلي مشاركات في ندوات وطنيّة ودوليّة خارج تونس.
أضف إلي ذلك أنّه لا يعلم إلي الآن ـ ربّما ـ أنّني كنت مديرا لمكتب جريدة المستقبل بصفاقس (وهي جريدة معارضة) في الزّمن البورقيبي، وترأست تحرير مجلّة شمس الجنوب في مطلع التّسعينات وأتفهّم جيّدا ولع بعض الصّحافيّين العصاميّين في إثارة زوابع في الفناجين. ثمّ إنّي مندهش أكثر من منطلق المقال نفسه، إذ لا علم لي بوجود قائمة نهائيّة ورسميّة لـ جمعيّة أو رابطة النّقّاد العرب ففيما أعلم أنّ هناك مشاورات واستشارات يقوم بها الصّديق طلال معلّي وأنّ هناك هيئة تأسيسيّة توسّع دائرة التّشاور وهي ممارسة نزيهة فيما أعتقد. وقد تمّت مراسلتي للانضمام إلي الهيئة الموسّعة كما تمّت مكاتبة العشرات من النّقّاد ومن المهتمّين بالكتابة الفنّيّة في الوطن العربي، وقد أرسلت إلي الأخ طلال برسالة مطوّلة ومليئة بالاستفسارات والاقتراحات أيضا ولا علم لي البتّة بوجود قائمة رسميّة ولا أعرف إن وجّهت دعوة للانخراط في المشروع لعمر الغدامسي، وربّما يكون ذلك هو السّبب الرّئيسي في تهجّمه علي المشروع بهذه الحدّة المستهجنة للقلم الصّحافي التّونسي علي المنابر العربيّة. والمشكلة أنّه لم يطلب من أحد وساطة لينخرط في المشروع الافتراضي، رغم أنّ سعة صدر طلال معلّي معروفة فالرّجل شاعر بأحوال النّاس وعطوف وكريم إلي أبعد الحدود ولا يحتاج أيّ امرئ للتّقرّب منه أو من مشاريعه (شرف لطلال إذ أصبح صاحب مشروع) صكّا أو إكراميّة.
كما أنّنا قد أكرمنا عمر الغدامسي باستضافتنا له في أكثر من مناسبة ثقافيّة بل ولقد دعوته شخصيّا صحبة الرّسّام والنّاقد سامي بن عامر إلي المنبر النّقدي مرافئ النّقد التّشكيلي الذي أشرفت عليه طيلة أربع سنوات بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس كما كان آخر لقائي به حين دعته جمعيّة مهرجان المحرس للفنون التّشكيليّة ليحضر اللّقاء الذي عقدته مع الصّديق نور الدّين أفاية وقد تحادثنا ليلة اللّقاء علي مأدبة العشاء طويلا وبصفاء، لذلك أكرّر عجبي من سخاء هجومه مقابل سخائي..... وأعجب للرّجل هجمته علي مدينة صفاقس بحذلقة حين قال بـ أنّها مدينة صناعيّة ولا أدري هل انّ المجال اقتصادي أم تجاري، ثمّ يستدرك ليقول بأنّ له علاقات ودّ مع أهلها.
إلاّ أنّنا نفهم هذا الغمز الذي لا يستطيع القارئ العربي فكّه فننبّهه إليه. فقد درج بعضهم علي نعت مدينة صفاقس (المدينة التّونسيّة الثّانية) بأنّها مدينة الصّناعة والاسمنت المسلّح في إشارة إلي أنّ المدينة الصّناعيّة لا يمكن أن تنجب المبدعين، لذلك إذا أريد إطلاق حكم بعقم المدينة إبداعيّا يشار إلي هذا التّشخيص المادّي. وهو أمر نتندّر به في صفاقس وهو ما جعل الصّديق الشّاعر المنصف المزغنّي يتندّر بدوره قائلا: صفاقس/ علّمتني الشّحّ / في الكلمات . أمّا وقد أنجبت هذه المدينة كلّ الكفاءات التّونسيّة التي ذكرها صاحب المقال، في مجال النّقد الفنّي، فذاك من هبة السّماء، أفنخرج من جلدتنا كي يرضي عنّا عمر الغدامسي ولا يتّهمنا بالجهويّة. ثمّ عن أيّ نزوع جهويّ يتحدّث وهو الذي يتّهمني بالكتابة عن فنّان مصري يعيش في باريس (ولا أعرف أكان يقصد أنّه متفرنس مثلا أو غير جدير بالتّمصّر أو ماذا بالضّبط، وهو الذي كتب عنه أيضا؟). وبأنّي لا أهتمّ بالتّجربة التّونسيّة، أليست هذه دعوة للقطريّة؟
أعتقد أنّ مقال عمر الغدامسي مفيد جدّا لتشخيص مخبري لحالة عربيّة تعيشها بعض الأقلام العربيّة وهي جزء من واقعنا الإعلامي المتردّي وسبب من أسباب تقهقرنا. فشكرا للسيّد عمر الغدامسي الذي منحنا نموذجا حيّا لهذا الواقع.
كاتب من تونس
QMK
0
أ.د. حمدى الجابرى - تعليق على الموضوع والتوضيح
بمناسبة السجال حول التهافت فى حمى النقد الجرائدى وتوضيح التهافت وهو الخلاف النقدى بين كل من السيدين عمر الغدامسى ونزار شقرون على صفحات جريدتكم الغراء ، وبعيدا عن الجوانب الشخصية، قد يكون من المفيد التذكير بأن الإعتراض والإدانة للنقد فى الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية عادة ما يأتى ليس فقط من الفنان المبدع كاتبا كان أم مخرجا ولكن أيضا من الناقد الأكاديمى الذى يحيط نفسه وأفكاره بجدران قاعات الدرس .. و.. النتيجة الأكيدة لهذا الإعتراض وتلك الإدانة ليس فقط تشويه صورة النقد فى الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية وإنما أيضا دفع القارىء الى فقدان الثقة فيما يكتب من نقد وفى المنتج الفنى وأصحابه وجدوى النقد نفسه .. ومحاولات النيل من الكتابات الصحفية قديمة لعلنا نذكر منها رأى جان جاك روسو وديدرو فى منتصف القرن الثامن عشر ، فمثلا عام 1755 قال روسو ( ما الكتاب الدورى ؟ إن هو إلا نشرة عابرة لا فضل لها ولا إفادة منها ، لا تفيد قراءتها المهملة والمحتقرة من قبل الرجال المثقفين إلا فى إعطاء النساء والأغبياء غرورا غير ذى تهذيب) ، ولم يقل هجوم ديدرو عن ذلك عنفا حيث قال فى موسوعته (هذه الأوراق غذاء الجاهلين ومورد الذين يريدون التحدث والحكم بدون قراءة ، وهى آفة الذين يعملون وسبب نفورهم . ولم ُتخرج قط جملة صالحة لمفكر ظريف ولم تمنع كاتبا مبتذلا من تأليف كتاب سقيم ) ومع ذلك إزدهرت الصحافة ومعها النقد حتى وصل الأمر الى الإعتراف بأنه علينا أن نتحدث عن كتاب اليوم ليس فى الصالونات إنما فى الصحيفة التى هى تماما صحيفة اليوم ، كتاب الأربعة والعشرين ساعة ، ولكن مازالت محاولات النيل منهما قائمة ولكن لأسباب مختلفة .. فمحاولات الإساءة الى النقد ، وخاصة النقد التحليلى الذى يضع الأخطاء تحت دائرة الضوء ، محاولات الإساءة تلك من جانب الفنان أو منتج المسرحية أو حتى المدير الادارى للمسرح فى بعض الأحيان تأتى عادة بسبب توقع هذا الفريق أن يكون الناقد مناصرا لأخيه الفنان ظالما أم مظلوما ، وبالطبع يصبح الناقد ومقاله النقدى محل اتهام من هذا الفريق خاصة إذا ما إبتعد الناقد عن أن يحصر نفسه مثلا فى دائرة عارض المسرحيات المتحمس الذى يفرط كثيرا فى تقدير المسرحية والذى يحتفى به عادة الفنان المسرحى دون قناعة حقيقية بما يكتبه من نقد أو عرض ، وبالتالى يصبح الناقد المسرحى الذى لا يتمتع بمواصفات موظف العلاقات العامة أو إمكانيات عارض المسرحيات محل إتهام هذا الفريق ، وعادة أيضا هنا لا يقتصر هذا الإتهام على الناقد بل يشمل النقد المسرحى فى الصحف اليومية كأنه نوع من النقد فاقد الأهلية لا يعتد به.. خاصة عندما نجد عند الناقد ميلا إلى الحكم لأسباب لا تمت للأدب بأية صلة وهو ما يظهر أحيانافى الصحافة الدورية . والاعتراض الآخر على النقد المسرحى فى الصحف اليومية يأتى من الجانب الأكاديمى فى الجامعات والذى يتهم النقد الصحفى بالتحيز والسطحية والإهتمام بالمسرح القائم بلا أسس علمية وموضوعية توجه أو يجب أن توجه مسار النقد الصحفى ، ولذلك يحرص الناقد الأكاديمى على الحصول على صفة الموضوعية وعادة ما يتم ذلك بالإبتعاد عن المسرح الحاضر ليهتم بالتاريخ والمحافظة على عرض وجهات النظر المختلفة وربما أحيانا الثبات عند نصوص مسرحية معينة راسخة دون اهتمام بالمسرح الجارى، وبالطبع فان هذا النوع من النقد لابد أن يصبح فاقد الصلة بالواقع ومعاد للنقد الصحفى الذى لا يتعامل إلا مع هذا الواقع .. ليس فقط فى عالمنا العربى ولكن فى أمريكا أيضا ، فمثلا جون جاسنر يؤكد أن هذا الناقد الأكاديمى ( لا يكاد يمكن الاعتماد على آرائه حول الفن الدرامى مثلما لا يعتمد على تقدير رجل ضرير للوحة من لوحات ماتيس لأن حاسة المسرح التى تضفى على النقد قيمته غالبا ما تكون مفتقدة لديه على الدوام ، وأيا كانت المميزات التى قد يزعمونها للموضوعية المفترضة بصورة نظرية فى النقد الأدبى عادة ما تكون نتيجتها هى إجداب النقد الدرامى وعقمه .) وبالطبع ليس خافيا أن كل ذلك ليس ببعيد عن المجالات التى عرضها كل من السادة الغدامسى وشقرون .. وإن كنت أتمنى أن نبتعد قليلا عن الجوانب الشخصية .. فالموضوع أكبر وأهم بكثير ومن الظلم أن يضيع فيها وهو ما أكده أيضا الناقد عبده وازن فى بحثه القيم حول نفس الموضوع الذى عرضه منذ عدة أسابيع فى ندوة للمجلس الوطنى للثقافة والفنون فى الكويت برئاسة بدر الرفاعى وكان لها أجمل الأثر بين الحضور لمحاولتها الإقتراب بكثير من الموضوعية من هذا الموضوع القديم الجديد الذى يحتمل الكثير بعيدا عن .. الجوانب الشخصية التى لابد أن تفسد للود كل قضية . ولكم وللجريدة تحياتى وإحترامى . د. حمدى الجابرى ناقد مسرحى - مصر
مجلة فكرية ثقافية عامة بإشراف حكمت الحاج وتحرير نادية حنظل و لقاء الحر و كاتارينا اسكسون و محمد علي أحمد
٤/٤/٢٠٠٧
alquds alarabi
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق