دروس يتلقاها بعض الاجانب عن الاندماج الاجتماعي
مرت سنة الآن على مقتل المخرج السينمائي الهولندي ثيو فان غوخ، واقعة أثرت على علاقة هولندا بالأقلية العربية في البلاد. ما هي تداعياتها على مستقبل الجالية العربية في الغرب؟ موقعنا تحدث مع أثنين من أبناء الجالية في هولندا.
أحدثت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الإرهابية العديد من المتغيرات على مستوى العلاقات الدولية بين الشعوب والدول على حد سواء. وكان من نتائجها المباشرة ما سمي بـ "الحرب على الإرهاب"، هذه الحرب التي أدت إلى زعزعة الاستقرار الدولي وزادت من حدة الصراع بين الغرب وباقي المجتمعات من جهة، وبينه وبين الأقليات الدينية والعرقية التي تعيش على أراضيه خصوصا الجاليات العربية المسلمة من جهة أخرى. وقد كان أيضا من جملة نتائجها المباشرة تغيير عدد من القوانين والإجراءات التي تهدف إلى الحد من تزايد عدد المهاجرين الى الغرب وفرض درجة أكبر من الرقابة على المقيمين أصلا فيه. ثم جاءت أحداث أخرى زادت من تعقيد هذه العلاقة مثل حادثة مقتل المخرج السينمائي الهولندي ثيو فان غوخ والأحداث الإرهابية التي هزت العاصمة البريطانية لندن. غير أن الجديد في هذين الحدثين أنهما من تدبير شبان أوروبيين ولدوا وترعرعوا في أوروبا وتلقوا تنشئتم الاجتماعية فيها. هذه الأحداث وغيرها تدعو الى طرح السؤال القديم الجديد حول الاندماج وتعدد الثقافات والمجتمعات المتوازية في الغرب.
أي اندماج وأي مجتمع؟
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: المخرج السنيمائي ثيو فان غوخ كان مقتل المخرج الهولندي ثيو فان غوخ بمثابة هزة نفسية خلخلت علاقة المجتمعات الغربية بالجالية العربية المسلمة. وقد زاد في حدتها كون أن الجاني شاب هولندي من أبوين مهاجرين.هذه الواقعة، التي مر عليها الآن سنة، وما تلاها من أحداث أعتداء على أبناء الجالية العربية المسلمة، اضافة الى عدد من الإجراءات القانونية ضدها، أظهرت أن المجتمع الهولندي، كباقي المجتمعات الغربية، يعيش هو الآخر نوعا من الصراع الذي يأخذ أشكالا مختلفة بين هولندا الدولة الأم والشباب الهولندي المنحدر من أسر مهاجرة ذات أصول عربية ومسلمة، صراع يتبادل فيه الطرفان التهم والتهم المضادة من بينها مثلا أن الأسر المهاجرة تعيش في مجتمع موازي للمجتمع الهولندي وأنها لا تحاول الاندماج فيه. أما الجالية العربية المسلمة فترى أن الاندماج الذي يرجوه الهولنديون ما هو إلا شكل من أشكال الانسلاخ عن قيمها ومعتقداتها الثقافية والدينية وأن المجتمع الغربي عموما، والهولندي خصوصا، يشن حملة عليها من أجل إخضاعها وتذويبها في ثقافته ومعتقداته المسيحية.
انعكاسات مقتل غوخ على الجالية العربية والإسلامية
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: حرق أحد المساجد وحول تداعيات مقتل ثيو فان غوخ داخل المجتمع الهولندي، تحدثنا مع الكاتب والباحث المغربي المقيم في هولندا السيد التجاني بولعوالي الذي أشار الى أن الحدث جعل الصراع مع الجالية العربية والمسلمة، خصوصا المغربية منها، مفتوحا. وأكد بولعوالي على اعتبار أن هولندا كانت تعتبر دائما أرضا للسلام وتعايش الأقليات، غير أن هذا الحادث الإجرامي، في نظر الباحث، أعاد طرح السؤال حول إمكانية استمرار هذا التعايش في ظل الهجوم الشرس على المهاجرين، حتى أن التوجه العام داخل الدولة والمجتمع الهولندي بدأ يتجه نحو تقليص عدد المهاجرين وترحيل كل المشتبه فيهم، ناهيك عن سن عدد من القوانين التي تقيد حريتهم وحركتهم، وكذا اعتبار تعلم اللغة الهولندية كشرط أساسي للعيش في هولندا، بالإضافة إلى ضرورة تأهيل أئمة المساجد داخل الاراضي الهولندية. غير أن الكاتب المغربي التجاني يرى أن الأمر لا يتعلق باللغة الهولندية والدليل هو وجود عدد من الشباب الهولندي من أصول مهاجرة حصل على شهادات عليا ويعيش على هامش المجتمع والسبب في نظره هو تلك النظرة الدونية تجاه المهاجرين.
مستقبل الأقليات
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: مظاهرة ضد الكراهية لقد ألقى هذا الحادث بظلاله ليس على طبيعة العلاقة القائمة بين المجتمع الهولندي والجالية العربية فيه فحسب، بل على مستقبل المهاجرين اجمالا في هولندا. فعقب حادثة الاغتيال توالت الاتهامات من كل صوب وحدب بأن هذه الجالية تعيش في مجتمع موازي وترفض الاندماج، غير أن السيد عبد الرؤوف منصري، المستشار الاجتماعي لدى بلدية أمستردام والذي ينحدر من أصول مغربية، يرى أن الضجة التي خلفها الحادث بدأت تتراجع حدتها، بل أنها فتحت نقاشا كبيرا داخل المجتمع الهولندي وجعلت المسؤولية مشتركة بين الطرفين. ولذلك يجب تظافر جهود الطرفين من أجل أن نصل إلى مجتمع متوازن يحترم القانون والأقليات الثقافية بعيدا عن المزايدات الانتخابية لليمين السياسي الذي استثمر هذه الواقعة لصالح حساباته الانتخابية والحزبية الضيقة، وذلك على حد قول السيد منصري.
محمد مسعاد
محمد مسعاد | www.dw-world.de | © Deutsche Welle.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق