الثقافة الثالثة
في معرض تشكيلي مشترك
د. حسن السوداني
مالمو السويد
swdiny@yahoo.com
تستمرشبكة الفنانين المهاجرين في الاتحاد الاوربي في اقامة معارض فنية مشتركة تضم اعمال الفنانين التشكيليين المنضوين فيها, وهو عدد تجاور المئات من مختلف بلدان الاتحاد الاوربي, ويأتي معرضها الحالي والذي سيفتتح في مدينة مالمو السويدية وبمشاركة ثلاثة فنانين عراقيين مغتربين هم .عبد الكريم السعدون من مدينة يوتوبوري السويدية و ياسين عزيز من العاصمة السويدية ستوكهولم وعبد الامير الخطيب من العاصمة الفنلندية هيلسنكي دليل على استمراريتها في تحقيق اهدافها كما يشكل نقلة جديدة من حيث التنظيم وطريقة العرض وهو ما دأبت على تقديمة قاعة اور للعروض التشكيلية و التي يشرف عليها الفنان التشكيلي العراقي جعفر طاعون.
ورغم تعدد مرجعيات هؤلاء الفنانين واختلاف اساليبهم فقد اتفقوا على تقديم تجاربهم في اللوحة كما في الاعمال التركيبية وياتي عنوان المعرض "الثقافة الثالثة" وهي فكرة طرحها للتأمل الفنان أمير كاتب كجزء من مشروع فني ضخم يحاول فيه جمع عشرات الفنانين من معظم دول اوربا تجمعهم ثيمة واحدة هي ابتعادهم عن ثقافتم الاصلية الاولى وعيشهم في دول الاغتراب وتفاعلهم معها وتاثرهم بثقافاتها . يحاول المعرض التركيز على دراماتيكية التحولات الداخلية الحسية منها والفنية التي قد تؤثرعلى رؤية الفنان المغترب وتاملاته او حتى على قراءته لمساحات الجمال والطبيعة
الفنان عبد الامير الخطيب يعمد الى استخدام ثيمة في معروضاته تتمثل في سبر غور اللوحة بفعل مشاكس واختراقها بأحداث ثقب في داخلها او مركزها وتمحور مفردات اللوحة على تلك الفتحة, ولعل اقتناص هذه الثيمة كدلالة متعددة التأويل تعبر عن توظيف معرفي لمفردات حياتية قد تكون ذات اشتراكات مختلفة لهم ثقافي عالمي. فالفتحة او الثقب علامة تبدأ منها الحياة" الولادة" مرورا بمئات الاحالات السرية وانتهاءً بفتحة الموت المتأرجحة بين الاوزون والقبر وما بينهما. ففي واحدة من تلك التجارب ينتشر على جوانب الفتحة في اللوحة عدد كبير من المفاتيح المتشابكة والمتناثرة وربما السؤال الملح هنا هو: ماذا يريد الخطيب من تلك المفاتيح واية مغاليق يريد ان يولجها عبر ذلك الثقب الموغل بالعمق؟ وربما الاجابة عن ذلك السؤال تتعقد كثيرا في عالم لا مفاتيح لمغاليقه أو لا مغاليق لفتحاته الجديدة. ان استخدام تلك الفتحة يشكل من ناحية اخرى دعوة للمتلقي بتوظيف البعد الثالث المتمثل بالعمق وهو سعي حثيث لمحاورة جمهور صامت غالبا ما يمر سريعا لا توقفه الا مثيرات محددة ربما يكون الثقب واحد منها. كما انها تشكل نوعا من الحوار الحضاري مع الاخر او كجزء من حوار الثقافات وربما ذلك يصب في هدف شبكة الفنانيين التي يتولى رئاستها الخطيب منذ سنوات, ومن عناصر الحوار تلك هو الوجود الحقيقي للمثقفين المهاجرين في البلاد الاوربية والذي ينبغي الانتباه اليه وعدم تجاهله او النظر اليه كأدب او فن مهاجر ايضا وهي نظرة غالبا ما تتسم بالدونية او عدم الاكتراث, وفتحات الخطيب تلك ثير نمطا من هذه التساؤلات او الاعتراضات او الاحتجاجات او سمها ما شئت خاصة اذا تمحورت في توظيف خاص داخل عمل تركيبي يستمد فكرته من " صندوق العجائب" او الحكايات المخبوءة التي نكتشفها في مكنوناته.
اما الفنان عبد الكريم السعدون من مواليد بغداد . بكالوريوس نحت ،كلية الفنون الجميلة بغداد .وعضو نقابة الفنانين العراقيين . عضو جمعية التشكيليين العراقيين . عضو نقابة الصحفيين العراقيين . عضو مؤسس للجنة الكاريكاتيرية العراقية . مؤسس رابطة الكاريكاتيريين الشباب .نشرت تخطيطاته منذ 1979 في معظم الصحف و المجلات العراقية .كما نشرت تخطيطاته في بعض الصحف و المجلات العربية لندن ،باريس ،عمان،مدريد. متفرغ حاليا للتصميم و الرسم . وله الكثير من المعارض الشخصية : 1984 قاعة الرشيد ،بغداد .1987 قاعة الرواق بغداد 1992 مركزالفنون ، بغداد ، 1992 قاعة جمعية التشكيليين العراقيين ، بغداد . 2001 قاعة اكد بغداد، 2002 قاعة المركز الثقافي مدريد، 2004 قاعة( لير سنتر) فال شوبنك السويد وقد خضعت تجربته لللعديد من الفحوص النقدية , فقد كتب عنه الناقد عادل كامل مشخصا تجربته بالقول " عبد الكريم السعدون ، في هذا الإطار ، منح بصره حرية اكبر في الانتقال ، وفي ذات الوقت ، لا يظهر تطرفاً في القطيعة فخبرته تقود التجربة الفنية إلى معالجة منهجية ، كلاسيكية غالباً . فهو يمتلك قاعدة الامتداد .. ولكنه سيمارس دور الرقيب في عمليتي الحذف والإضافة . ان اللوحة لديه ، منذ البدء ، غير منجزة الا عبر تعديلات تستند الى خبرته ، وحذره ، امام تراث جدير بالتأمل ، فالفنان سعدون ، لا يمنح الافكار الكبرى الا اشارات مدفونة داخل ذاكرته المتوقدة .. فهو شديد الصلة بالمشاهد الواقعية ، متفوقاً على التجارب الأكثر نجاحاً لدى زملائه ، تلك التي اعتمدت خلاصات أوربية .. فنظام اللوحة ، بالحذف والإضافة ، مر بمختبر بالغ التعقيد ، ولكن بخلق كان جواد سليم ، قد نبهنا أليه : الولع بإشكالنا ، بعد الانشداد النفسي لمحركاته . وسعدون لا يقلب مفاهيم الرسم ، لصالح ( الحداثة ) كحذف للتجربة العراقية في الرسم.
اما الفنان ياسين عزيز علي فهو من مواليد بغداد, بكالوريوس فنون تشكيلية من اكاديمية طهران للفنون 1987, عضو جمعية التشكيليين العراقيين في السويد . اقام العديد من المعارض الشخصية داخل وخارج السويد. ويتميز الفنان ياسين عزيز ببحثه الدائم عن التأثيرات المحيطة باللوحة من سيسولوجية او اركولوجية وانعكاساتها داخل اللوحة او تاثيراتها على الفنان .
ويقول الفنان ياسين في هذا الموضوع" ان فن التجريد الشرقي يختلف عن التجريد الغربي بعناصر متعددة منها الالوان , ففي كل لون لنا حكاية ومكان وشخوص, فالاخضر يمتد بحكايته الشرقية من المغرب حتى الصين,للالوان فلسفة منشطرة بين الشرق والغرب لكنها لاتقف حيال الحياة وتداخلاتها ومن هنا جائت فلسفة الاشراق والفلسفة الافلاطونية,نحن خرجنا للفضاء قبل اي مرحلة فنية سبقتنا مع الخيال وصورنا ورسمنا لونا كذلك التجريد قبل الاكاديمي والاكاديمي قبل التجريد كان على ارضنا منذ اقدم العصور.اهم الواني الرماديات من الاخضر والازرق والتدرج البني ,اميل للالوان الهادئة اكثر", ان استمرار هذه الشبكة في العطاء وابراز الجديد والمنوع في مختلف بلدان الاتحاد الاوربي يشكل نمطا من الحوار الجمالي الهادئ مع الطرف الاخر والذي بات اليوم مفقودا وسط تصاعد نغمة الارهاب الملتصق في النهاية بهؤلاء القادمين من البلدان التي كتب عليها تقديم الدفاعات عن نفسها في كل الاحوال والمناسبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق