فرار من حرير
منال الشيخ
كل ليلة تستقبل الأبواب الذابلة هذه الأمطار المغادرة، التي لا تقبل تكويني، وهي موقنة بوجود مسامات إسفلتية على ظهر حقيقة رسمتها قبل رحيل الاشبينات ..
كيف تهضم هذا الموقف وكيف تتمنى التحليق بعد كل هذه القرارات الصادرة عن أرصفة مشاعر آسنة أوغلت في تعفين الاستسلام...في هذا الطريق الطويل تبقى تلك الآلهة تشرع أفئدتها مقابل قضاء ليلة جافة في تمام الساعات الصفر المطلة على حلبة مصارعة رومانسية.
يورث هديل الاختلاق عقما لمريديه، و تدور الحلقة حول راس الكبير ويقع الاحتلام عن خطيئة الكهنة، لست أنادي من يلجم كبوتي ويخلق مائة قرص من غفلتي، ولست من يشرب الشاي المعتق في خانة أعناق تغزوها ثقوب مستهينة بألم عبيد.....
....، يعصر كل ما يظهر على كفه من قباب ومسامير عضوية .. نستأنف الود في جلسات حولية ونراقب القمر وهو ينمو .. كيف ينمو وكيف يختزل الشمس على حين غرة.. في تلك الأمسيات التي قضيناها كنا نلف أوراق عتاب حول أنفاسنا المنبهرة بمغادرة أباطرة من قلب التاريخ …
حلم يتألق، حلم ينزلق، حلم يتدحرج على فراش الأزمنة ..يتصافح الاستمرار ويتخذ النار وسيلة للاختصار ويدير ظهره على خلوده في الربَات أنفسهن، يمحو أسماء ويكتب أسماء ويبقى الظهير الأيمن مخلدا في النوم، يحدثه عما يعتريه من صفات آثمة وأصوات ازيزية، مستقلة عن ذات الروح ويتوهم بقص الأوراق البيض قصاصات اغتسال والبلعوم حاضر يحتكر كل ما هو آت من أفكار وكل ما هو رقيق من أسرار، رائحة شياطين ولكنها صفحات تتقلب أمام عينيّ .. وكان جوف أمه مسكونا بآفات وتقلبات وعش عصافير محفور على بطنها، لم يجدوا من هم تحت مأوى آخر غير أحلام عجوز مغادرة ثم انقطع الاتصال، فالتفت بعينيه المتكأتين الى ظهر القلب، خفت كثيرا من جني ثمار نومه ولكن الأب الكبير التقط آخر قطرة ندم لي تدلت من شفتي وحملني مسؤولية فقء اللقاء ان نطقت، وهكذا استمر في حك ظهر القدر واستنطاق الابن البار بما ليس فبه واختلفت الساعة في ضبط الموقف، وخذلان الثواني في قطف ثمار الجمرة المعتقة في آواني النحاس المراوغة للهاث عزائه، استمري في المواء مثل البراري واقذفي هذا الوهج خارج احتمال العبور. تزخر الباحة المروية بحكايات امتثال وانعتاق مستديرة بكل تحفة حاول حفرها في الماضي وحقق منها ما يضاهي النجوم جمالا في الهذيان؛ يحفر ويظل يحفر إلى أن يصطدم بالقدر المسمى الانتهاء ويختم الذاكرة باستغفار أعضائه الخمسة والعشرين، حافظة لغيبه، زاهدة في استغلاله ويظل كتفه يأخذ بالنمو ويستحيل رصيفا من الم يمر عليه الصابرون من أمثالي. ارقب اللحظات التي تذوي خلف ساعة بوح، حتى نظراته أصبحت كرات رملية يقذف بها كاهلي فينطبع الغبار على حدبة غفوتي.. افتح الباب المزموري الأزيز الذي بناه جده، أورثته الطبيعة قفلا من أحلام معتقة وأوهام منمقة.. افتح مثل الشاطر حسن وادخل مع ظهيري الأيسر الى الباحة المستفيقة على مغادرتي، يخبرني وهو ماض في انتشاره أن لا سلالم حولية توصلنا إلى الرهبة المثلى وان هناك مصاعد ومغازل فولاذية تنقل كل ما هو مؤلم الى طوابق الرمق وينتقص منه القيض ويمنح الأشقياء رطوبة أفكاره المختزلة لزمن نجري فيه ويجري معنا بقلنسوة حيائه وقد اغفل شعر رغبته في بطن أمه فأقبل على ربته دون استئذان، يتذكر، ويدون رأسا زاخرا بأفكار وأخبار،،، لكنها استلمت منه كل البرقيات فأقفلت الباب بإحكام كي لا يطير الزبد الآخر من أنفاسه المستقيلة عن الحروب…
نرقب داخل هذه العروة المستديرة، المقبلة على شاطئ ليس له جوع الأمواج.. قراره في الرجوع عن الماضي واستقراء الأيام المتقوقعة تحت جسر الوديعة، منذ تلك الصفعة توجهت أوهامي نحو اقتراف الواقع وارتجال الموت المحرج مثل ختم على عورة الزمن وسواء واجهته وحدي أم كان معي بظهره المنحني المنتمي الى الأزمنة المشمسة المنتقمة لدم الجنوب ..وهذا مشروع آخر لإنماء الأرواح، يستفتح استمالته السحرية حيث روح الشخص الثالث وجسده وصوته المتلاشي في قدح الماء المتلألىء في بئر اختراق، اختراق ذلك العالم السفلي المنطوي على طبقات أنفاسه السبع، لكل خانة في روحه باب سماوي فاقع، هو فتح الأقفال الاثني عشر وانطلق عبر الأثير على متن ظهيرة قارصة، فيما كانت لساعات الذابلة تتورم في جفون عشاق التاريخ ورجال الآفات الصعبة… كفاك أيها الحلم نموا على كتف الأخطبوط، هذه التفرعات البغيضة تداعب ما تبقى لي من أفكار دامعة، تعلن عن آلام اقتنيتها من قارعة طريق… انشغل بهذه الضجة التي تضخ كل دفق موت تختارها حسب رغبة المهاجرين مستعملين إيلامي أداة تهديد للرياح السارية عبر وجهي قرابة قرن الى ثلاث سنين محتملة الوقوع بالخطأ بين أوراق شجرة مسترخية، مطمئنة على تلك التلة المراد بترها يوم الزينة الموعود، وهي لا تخلف الميعاد، وكذلك الملوك ساروا نحو المنصة التي رسمتها لهم على خطوط أفكارهم المخزونة في ذاكرة الروح، واستنبطوا التحية من وحي السحرة العظام واختاروا الغفلة بداية لانطلاق ذائقة الموت الحر…
أراقب الشدة وأهز الهمزة وأمد الراء حتى يصل الى بلدانك المغتربة ..كم ستصمت هذه المرة ..وكم ستقول فيما مضى ،ترى هل ينحني عنق الليل أمام مرآة النهاية …احتمال حضورك وارد في ذهن الجرائر واختلافهم في تسميتك يوازي اختلافي في وجودي بينهم ..حتما هناك أصوات جديدة قادمة من غرفة التعميد المهشمة فوق رأس الحلم، وهناك حتما نفس لا يختفي تحت قميصك.. قميصك المسكون بـ(لاءات) منتهية الأصول، ترقب هفوة كف يريد العدول عن تقمص أصابع حذر، هنالك دائما مسميات لكل هذه الأوهام ولكن في الوقت الراهن وأنا انقر فوق مفتاح القدر، تتجلى صورك المتسلسلة حتى نهاية المفر المؤدي نحوي ..لا ينفك المطر ان يخذل عيني مرة أخرى ويوفر ما تبقى من همساته لأوقات ليس لها تصنيف دموي بين الفصول، هذه الوقفة متعبة، هذه الوصفة مخزية، هذه النطفة ربما ..!
موحلة طرق المسرات، مثل بندقة تتدحرج وما ان تصل مسارح القوم حتى تكون جزيرة أخرى للهجر…
ما أجمل أن انهي ما بدأت 1990وانتهيت عام 2004 وما أجمل أن انهي الورقة الموحشة بإمضاء غريب يشبه انحناءة أغصان طرية أمام خطاب أشباح..
غريب أمر هذه الصفحات …غريب أمر رائحتها، كأنها غيمة افتراضية تحمل معها أغطية ووسادة .. أيقونة وقلادة .. عادية طبعا.. غدا سيمر زورق أبيض حاملا تحت دفتيه دفء المحيط، وكيف أحدثك عن رائحة الموت ولم أذق يوما طعما لبحر صغير اختفى في مسامات غيابي..
أغلق الأوتار على أنفاسها وادخر احتفالا سريا وعشاء مقبورا نستقبل فيه ضيفنا الكريم بعد غياب حال دون إدراك الساعات.. حتما سنغني، حتما سنستفيق على صهيل ديك مهجن، وربما صياح مبستر، لقد علمت منذ اللحظة التي نقرت فيها بإصبع القدر على مفتاح الولوج ، عرفت أن أكون كما تكون أمر محتمل، وأقوم دون قامة واقعد دون احتلال جسدي، قفصا صدريا بمقاس ضيق ……
حول نافذة البرق ثمة انتظار لطائر، وأي طائر! طائر يجهل ما تحتويه هذه الجثة المتموجة، مع أنفاسه المتضاربة باختلاق، ولا يعرف هذا المخلوق الجميل انه من خلق هذه الربة المعتقلة في غضون اختصاراتها المتكالبة أمام معبدها الزهري …..يجري من تحت قدميه سيل من تساؤلات، تصلني رضوضها متعفنة ويتأخر الألم عن حفلته الليلية المعتادة…
لا ارغب بالتنافس عبر خصلات الساحرة، وهي تتدلى من شرفات البيوت المعلقة، والمتبلة بأوهام … لم يحمل الأعمدة بعيدا كما أمروه، ولكنه خاض معركة دامية في صحراء انفلاته المستغني عن قناع التخفي…
هذه النجوم غادرت مع المقامرين على وهج السماء، وأدبرت في وجه الأرواح .. دفعته البراكين إلى حيث يجب أن يكون، ولكن القبة نسيت ان تتدحرج حول محيط خصره وسحبنا الخيط الأزرق من فوهة الاحتمال، ولكن الأرض لم تتوقف عن الاشتعال، أراه كل لحظة يذوي في تلك الأرض الخضراء، يفقد عينيه ويكسر أسف المارة بتواضعه أمام ذوبان بدأ يفصح عن جيوبه الرطبة، ويفصح بمراسيم تأجيل حتى تظهر التحاليل سلامة موقفه القهري .. لم يحدد الحالة، ارتطم مشرطه بما هو أمضى من الحقيقة، تحملت رائحة وردية وانتعلت رحيله الأخير..
هكذا أثمر اللقاء عن مجد مسبوق بمرآة سماسرة، بدأ ينمو على جلدة حقيبته الدبلوماسية .. رأيت العلم الحريري الصغير، قربه لم تكن أداة الجريمة رغم وجود دم أسلافه على سارية خنوعه ..
بكى حتى اخرج حقبة من عمره، أعتق هضم اللسان لتاريخ ملاذه، وعجنت له نائبته آهات مختلفة من رغاوي ليلة سريرية قشرية فأحب النار وكذا سنحاريب ..
اعتلت هذه القافلة التي تخلفت عن مراسيم التدجين غيوم الغيب المطلق على أشجار الغار . أنقذنا العالم وبقي أن نمنح نصل الإساءة فرصة الانبهار للون غير لون الدم والفراش ..يسترق السمع الى أجفانهم المذهبة بغبار التراتيل، تطقطق خلفهم كل تلك المؤلفات التاريخية ينفرط العنقود لأجل سلام مغادر فوهة العدول وتتأوه الريح، لا مفر من ولادة أفلاطون غائر يحتمل كل هذا السواد.. غرست العبور في قلب الأرض واتخذت حملات النحيب مواضيع رئيسة في اقتراف تاريخ مزجج.. الآن كتفي يروق لي، بعدما حقنت صدره بالغيض وتورم ناقوس في كاتدرائية أحلامه، كان الأب الحائر لكل احتمالات وجوده، يغفر للتين تهاونه في إطفاء زنبقته وتلقي هاتف الحجر الأخير.. تهافتت البياضات على حافلة الأخبار: سنرسل الموج في طريق العبد المهاجر أئمته نحو أوردة لا تخالف المرور ونستعين باعتبارات جبارة نرمم ما تبقى لنا من وطأة حلم. و سوف احمل هذا الطين عبارة استفزاز، لحمه الوتري خلع قبعة الإباء أمام خلية الأجداد المتشابكين ( نحن هنا )، ونراقب ما يجري في دمك. أوشام حزن مبستر على الطريقة الامزونية، حيث الجدران مع حراب الوشق تتلاطم وحيث الوشق يحمل مؤخرة وطن غاب عن كينونة إصره..
لم تكن ترتدي احتمالك بردة نبي، والآن وفي صنف ارب الإغريق تغبر بكل وخز تلك المبادرات الإلهية نحو علو الحمائم، وتحت الصخور البهرزية تنمي أوكار القبيلة نحو بناء سفن لا يتغوط عليها الأحبار من العشاق، وتعلق الوديعة دون طوفان.. دون غراب فيلسوف يمنح جواز قهر لمقترفي البقاء. تعالينا كي نكون، وعلمنا الأرواح كيفية الاحتقان في حدقة الموت.. العصمة في قبري والقلب في وحدي مستأسد وأنا ارثي أمتي بعرقها الأسود الغائر في ضمير الإله، أتلو الأسماء في لوح الافتراق، وتمنح أنت هذا الطريق ذا الكفين وأخر ذا الكفنين..
خففوا عن أجناسهم بتمسيدها على عمره المتبقي بين أصابعهم، ورتبوا الأحجار الملونة على ضوء عينيه، ثمة كسوف آخر يحتضر في كبد الرياء.. لماذا أوقفت الافتراش على غيب اللحظة وتركت الهدهد ينخر في بلعوم لهفتي.. كان صينيا تزهدك .. منحتني رأس حِبر محفوف بالمآرب، وسيل أخاديد سبأ وبندقة نبأ .. حملنا القطر والعويل في دلاء، التصقت بها عملات (هاجر) وقسم (ابراهيم)، فاختلفنا على تسميته ونحبه في ملتقى العين الهاربة الى ضمير التبليغ.
تحرك وتحرق واقذف سارية العلم العفنة في غياهب النوح، وامنح الهدهد المذبوح رقصة أخيرة في حلبة دورة المحروق.. بلا منجنيقات ارم ذات العماد ..
______________________________
كاتبة من العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق