٢١‏/٧‏/٢٠٠٥

قصة قصيرة من نور الدين العلوي

قصة فقير أو حالة فقر عامة

*نور الدين العلوي

كتبت مفكرا في أحمد الـ/ك/ش/ج/لبي... ولد فقيرا جدا حتى انه لما رأى النقود المزيفة التي يلعب بها أطفاله في المدرسة حسبها نقودا حقيقية واحتال عليها ليشتري بها سروالا جديدا غير مثقوب عند الركبتين ، كان فقيرا جدا حتى ان أولاده لم يذهبوا إلى المدرسة ولم يلعبوا بالنقود المزيفة... كان فقيرا جدا حتى انه لما تزوج ، لم ينجب أولادا، البعض قال انه كان ينام بلا عشاء فلا يدفع جيدا فلم تلقح النعجة . كان فقيرا جدا حتى انه لم يتزوج... لما خطب فتاة أفقر منه ترى الخبز كنزا في الأساطير ، كان فقيرا جدا حتى انه لم يفكر في الزواج . كان اسمه احمد وله رقم بطاقة لم ترد في القصيدة ولكنه في السجلات على كل حال ... وربما نودي للانتخابات يوما فمن يدري فهو مدخر للوطن .

كان فقيرا ولكنه لم يمت ... قوانين الدين تقول انه مبتلى وسيصبر ، قوانين أخرى تقول انه مؤهل للانتفاض على الغنى وقوانين علم النفس تقول انه يتعزى بالأمل وقوانين الاجتماع تقول انه حالة عامة ،وكذلك كان ...

كان له صحب من الأغنياء بالأمل ... سهروا يتدفئون على عيني قط مرعوب من سيقانهم الطويلة العارية تحاصره فلا يجد فكاكا مثلما في قصص الدوعاجي وبقية الحشاشين على طرف المدينة . اجتنبوا الحديث في السياسة فهي لا تغني إلا فئات قليلة تضيق باستمرار ، ويلزمها شيء من قلة الخلق الحميد ، تحدثوا عن الرياضة وعندما وصلوا إلى الجمعيات التي تربح دائما بضربة الجزاء سكتوا فالهواء له أذان ، تحدثوا عن الدراهم وعن الفلوس وعن البسيطة التي صارت بزيته وعن الصرف وعن التبادل أحدهم يسمع الأخبار دائما فحاز ثقافة وفهم فعلا انه حالة عامة فهدأت خواطرهم ... وذهبوا للنوم .

ذهب للنوم ونام ... كان فقيرا ونام ، رغم الجوع نام وحلم ان السماء تمطر ذهبا ، في البداية أمطرت فضة ولكن بعد تحرير سعر الفضة وإسقاطها من قائمة المعادن الثمينة نظر إلى السماء شزرا ، فصارت تمطر ذهبا خالصا. لم ترسل السماء سبائك، لم تشأ السماء ان ترجمه . أرسلت قطعا خفيفة كريش النعام ،كالند يف ، كالسحب السينمائية، تظل تسبح في الفضاء حتى تصل إليه فيلتقطها وهو سابح قريبا من الأرض التي اصفرت ذهبا رقيقا ، ملا جيوب قميصه كلها رص فيها الريش الذهبي رصا ثم في جيوب البلوزة السوداء ملا الجيوب الداخلية حتى انتفخت ثم الجيوب الخارجية حتى تساقط من حوافها الذهب الريشي. صب عليها الماء لتلتصق ببعضها البعض . صارت كتلة متراصة متضامنة حتى أراد تشبيهها بالحكام العرب ، لكنه لم يشأ ان يفسد حلمه بمشاعر كابوسية ، زاد عليها قليلا من الذهب حتى فاضت من جديد . الذهب كثير ويتكاثر والبلوزة لم تعد تحوي اكثر مما حوت ... صار ما بين السماء والأرض ذهبا ، تمطر... تمطر... تمطر ، وهو يعض أصابعه ندما على ان ملابسه لم تكن أوسع على انه لم يكن يضع اكثر من بلوزة على انه لا يملك اكثر من بلوزة على انه فقير بلا ملابس كثيرة ولكن السماء لا تزال كريمة وسيجمع الذهب وينسى الفقر إلى الأبد . ارتفع فرأى الذهب ينزل في أماكن كثيرة فنزل عليه داء الأغنياء سيجمع الناس مثله الذهب وسيصيرون أغنياء مثله سيكون غنيا من بين الأغنياء وليس الأغنى. بدأت مرارة تصعد في لعابه اللاهث ،سيكونون أغنى منه لانهم أغنياء بعد وهو غني مستجد ، فقير من فقراء الأغنياء .ليت الناس لا يتفطنون إلى الذهب السماوي فيظل الأغنى فوق الأغنى من الأغنياء . ثم عض على أطراف أصابعه ،عليه الجمع وليتوقف عن التفكير ، عندما كان فقيرا كان يقول ان المعز هو الأذكى من الحيوان لانه يأكل و يثغو فيحتج على الجدب دون ان تضيع منه قضمة واحدة. طور أفكاره بسرعة كالأغنياء ، نزع البلوزة ربط كميها ، حمد الله ، لان البلوزة مما يدخل فيها اللابس كالبرميل فليس بها أزرار يمكن ان تحتاج إلى إخاطة أو غلق ، ربطها من مخرجها الأسفل وهو مدخلها الوحيد. لم يكن له جورب ليربطها بجوربه فربطها بحبل صارت كيسا ملأها ذهبا ند يفيا اصفر كالحياة ، وقال الفقراء وحدهم يشوهون اللون الأصفر فيرون الموت أصفر لانهم لا يطالون الذهب الذي بين يديه . امتلأت حتى خرج الذهب من عنقها من موضع العنق فيها لمزيد من التدقيق ، أخذها من كميها طاف بها عانقها قبل فتحتها بلا سوء ظن، زوادة للأيام القادمة المجيدة ، نهض ثم قرفص ورمى الحاوية على ظهره بمشقة وعسر، ثمن الثروة التعب،هكذا يرى الأغنياء ولا بأس من اجل الغنى بشئ من التعب ، كانت ثقيلة اثقل من أموال الدنيا كلها ، ما اثقل الذهب السماوي ، انه اثقل من الذهب الأرضي وهذا سبب للغنى انه أغلى سعرا في السوق ، أغلى من نفط العرب على كل حال ، وبصق على السياسة ،و دب والكيس الذهبي على ظهره ، إلى الأمام لم يسال نفسه عن الوجهة، لم يكن له بيت ليعود إليه ولكنه سار إلى الأمام فقط إلى الأمام كالأغنياء الذين لا يتراجعون ، ... لم تطل به الطريق أحس نشيشا باردا يسيل على مؤخرته ورجليه ... بارد كالصقيع ، وله ملمس الماء الذي يشربه الأغنياء في الصيف... أدار يده خلف ظهره ، تحسس مصدر البرودة ، كان الذهب يسيل من البلوزة المثقوبة ثقبا لطيفا من الخلف ، حيث تصل يده بصعوبة لتسده ، لم تشغله البلوزة إلا بقدر سيكون غنيا ويشتري غيرها ، شغله سيل الذهب على مؤخرته .. لا يهمه ان تكون صفراء زعفرانية مشتهاة سيكون غنيا وسيغطيها ، شغله ضياع الذهب الذي تعب في تحصيله ، الغني لا يفرط في ثروته من ثقوب صغيرة ، يسد الثقب بما يتيسر ويحفظ ثروته ، برك على الأرض فانسد الثقب ، وكف الذهب عن السيلان ، ولكن عليه ان يذهب إلى الأمام فهو غني ، قام وتقدم ، البعض يقول نهض وارتقى ولكنها عبارات ليس إلا وهو ليس في محل استعراض لغة الأغنياء ان الأغنياء لا يثرثرون كالمثقفين والعرب منهم خاصة بعد اختراع القنوات الفضائية وحرية الصحافة حيث يريح الكلام من مشقة الصياح في الشوارع ، مع الغوغاء ، التي لا تنتج قيادتها إلا في كرة القدم ، تقدم ...عاد الذهب البارد يسيل على قفاه ، أدار إصبعه الأوسط فهو الأغلظ من بين الخمسة ، أولج الإصبع في الثقب فكف الذهب عن السيلان ، لكن ثقل الحمل جعله يطحر ... يحشرج بالعربية القديمة ، تتدلى الزكيبة خلف ظهره فيرفعها فيزمها زما... وهو لفظ محلي لم يدخل في القاموس الذي أغلقه ابن المجتهد ، يبحث عن الهواء ويتقدم يسحب الهواء والحمل الثقيل ممسكا بيد ساد الثقب بوسطى اليد الأخرى ، .

الحكاية يمكن ان تنتهي هكذا ...

اكثر من الصوات المكتوم الصادر من مكنون نفسه الحالمة بمجد الأغنياء ، تحت ضغط حمله الغالي ، لكن صوات المرء لا يزعجه ، لذلك نضيف بجانبه امرأة تنزعج من صواته ، المخنوق وقد بدا يوسع المكان ليضع الكيس بجانبه ، ويخيط ثقبه الآخذ في الاتساع ، قبل ان يتسع الفتق على الراتق مثلما قالت العرب التي لم تعرف آلات الخياطة وعرفت فقط ان تشبه البغي بالإبرة لأنها مثقوبة ثقبا صالحا للاستعمال دائما ، صارت المرأة على حافة السرير ولا باس ان ينام الفقراء في الحكاية على أسرة ، لم يشر إليها في البداية ، أوشك ان يوقعها أرضا انزعجت ، قامت سحبت بقية الغطاء من فوقه اشتد به البرد وهو يطحر ، قام مرعوبا أو مشمئزا كان عاريا من جبته القديمة متكورا على نفسه كما في نوم الفقراء البعض يراه منكمشا كالقنفذ ويجد في ذلك دلالات ... وكانت يده خلف ظهره الأجرد وإصبعه الوسطى تسد ثقبه الخلفي ... ان يسيل ذهبا .../

* روائي من تونس

خمس قصائد لكريلي موزونة

إيلاف>> ثقافات>> فن الترجمة

خمس قصائد لكريلي موزونة

GMT 13:45:00 2005 الثلائاء 12 يوليو


عبدالقادر الجنابي

كلما أعود إلى روبرت كريلي (1926- 2005)، أشعر أن لديه قصائد، خصوصا الصغيرة منها، بمثابة بناءات تجريدية حيث الألفاظ أشبه بقطع ملموسة ومحددة لا تحتمل أي اجتهادات بديلة: هكذا منتصبة بكل ما تحمله من ثقل استعمالي. ففي قصائد كريلي، ليس هناك صور بلاغية أو تراكيب تبتغي الصدمة، وإنما كلمات عادية وأشياء تجاورت تجاور الكلمات في اللغة اليومية، تستمد شعريتها من خرسها ومن وجودها بيتا شعريا جد مقتصد، بل من مستهلها وخاتمتها بعناوينها البعيدة جدا... وبكسر البيت بفاصلة ثم بفراغ يمحو كريلي أي إيحاءات دلالية. وهكذا تصبح الأبيات في كل قصيدة رؤوس أقلام مستلة من دفتر. إنه الشاعر الوحيد الذي لا يطلب من المترجم كتابة شروحات كـ"والشاعر يقصد هنا... وأن المعنى المراد في هذه العبارة.." إلى آخر ما يلزمك به شعراء آخرون.
قصائد روبرت كريلي الطالع من حركة "الجبل الأسود"، مصغّرات ذهنية، تفصيلات لمنظر شعري يرتسم في ملكة إدراك الشاعر وهو في سيرورة الحياة اليومية. وها هي صعوبة نقله إلى لغة أخرى خصوصا إلى العربية. إذ يستلزم على كل من تراوده حمى نقله أن يركز كل جهده على التقطيع الإيقاعي الموحي لهذا التجريد، مع الالتزام بالمعنى الحرفي قدر المستطاع. ذلك لأنه إذا اخترت المقابل النثري لشعر كريلي معتبرا إياه وسيلة يعبر عن فكرة واضحة، فإن البناء سيتهاوى وتصبح تجريداته في فراغ الصفحة محض أحجية.
إذن، كيف يمكن نقل هذه الكتل - الادراكات المشيّدة بناءً صغيرا وسط بياض لغة أجنبية إلى بياض العربية، في حين إيقاع هذه الأخيرة مرسوم سلفا بتفعيلات أشبه بحجر صلد لا تحتمل الكسر. ألم يُضطر كل الذين أغرتهم فكرة نقل الشعر الأوروبي إلى العربية موزونا، إلى إضافة كلمات وصور وعبارات لا توجد في الأصل مماشاة للوزن... هذه تساؤلات دارت في خلدي وأنا أحاول، للمتعة لا غير، نقل أربع قصائد بكل حرفية ولكن ضمن الإيقاع العربي حتى أني ارتكبت في آخر قصيدة هرطقة لا يحبًذها بعض "جهابذة" التفعيلة المتربصين عند كل منعطف:

Here

What
Has happened
Makes

The world.
Live on the edge,

Looking.




« there… »

There is a world
Underneath, or
On top of,
This one – and
It’s here, now



Joy

I could look at
An empty hole for hours
thinking it will
get something in it,



Will collect
things. There is
an infinite emptiness
placed there.








The Farm

Tips of celery,
clouds of

grass – one
day I’ll go away






Here again

After we
Were all
A bed,
A door, two
Windows
And a chair
1- هُنا

ما حدثْ
يجْعلُ الكونَ

يَحيا
على هُـوّةٍ،

ناظراً.



2- "هناك.."

عالمٌ
تحتَ، أو
فوق هذا الذي بيننا–
إنما الآن ها، ها هنا.



3- فرح



استطعت النظر ساعةً
في فراغ الثقـُبْ،
فاكراً أن شيئأ سيدخلـُهُ
أو سيلقطـُ مّما يرد.



ها هنا
كلّ ما هو كائن،
خوى
لا نهايةَ لهْ



الحقل

ضُـلوعِ الكـَرَفـْس ِ،
غيومٌ

من العُشْب - يوْ
ماً سأرْحلْ.



4- هنا ثانية



ثُمّ كـٌـنـّا
كـُلـُنا
سريراً
وبابا
ونافذتين
وكرسي.



روبرت كريلي: في الكتابة