١٠‏/٢‏/٢٠٠٧

قراءة فلسفية في مجموعة شعرية

بين النظام والفوضى كيف (تمرُّ العاصفة وتبقى الصحراء)..
قصائد ُتُذَكِّرُ بالأصالة في زمن الانبتات وتحملنا المسؤولية في زمن الهشاشة
_______________________________
بقلم الزاهي بلعيد *


 في الوقت الذي يُمَثِّلُ فيه كتاب "تَمُرُّ العاصفة وتبقى الصحراء" نقطة تحوّل هامة في التجربة الشعرية لدى "حكمت الحاج"، فإنه يؤكّد من جهة أخرى صمود الانتماء إلى تجربة شعرية لا تزال بصدد صناعة تاريخها. وإن كان سبق لحكمت الحاج أن أصدر من قبل مجموعات شعرية تندرج في إطار قصيدة النثر مثل " بغدادات" و "الكلام المستعاد" و "الوردة بدون لماذا.."، وكلها صدرت في بغداد، فإن المجموعة الأخيرة الصادرة بالمكسيك، عن منشورات "الحركة الشعرية"، التي يديرها الشاعر قيصر عفيف، تقوم حافزا على أن الإنسان المبدع للكلمات هو في ذات الوقت الإنسان الذي لا ينفكُّ يحتدُّ وعيُه بذاتِه، ولن يتسنى له ذلك إلا من حيث هو كائن اجتماعي، على حد قول الفيلسوف " نيتشه". وإن كنت من جهتي لا أستطيع الاحاطة بكل ما ورد في هذا الكتاب الشعري الذي يحتوي بدوره على أربع وعشرين قصيدة نثر، فانني أفضل الاشتغال على رصد حركة المفاهيم وتطورها واختلافها ورسم حدودها مما يضطرني إلى المقارنة بين الواقع المفاهيمي لدى شعراء التفعيلة وما يقابله من تغيير لدى شعراء قصيدة النثر. وما يهمني هنا ليس الانتصار لفريق دون آخر بقدر ما تستحوذ على فكرة البحث عن طبيعة تطور المفاهيم واختلافها وقدرتها على التأقلم مع الخارطة الشعرية الجديدة. بل لعلّ الأطروحة التي تدافع عنها هذه الورقة تتأسس على أن الانتقال من فضاء شعري إلى آخر يكمن في مراجعة المفاهيم الأساسية له. لأن مهمة إخراج القصائد من صمتها ومخاطبة أفقها التعبيري تكمن أساسا في رصد مفاهيمها، أي تلك الصور الذهنية التي يشير إليها لفظ ما أو حتّى حين يقصيها لأن المفاهيم تطغى على روح القصيدة إلى درجة أنه يصعب استبدالها بمرادف.
وتلتقي كلّ النصوص الشعرية في صناعة مفاهيمها بهذا الشكل. ومن هنا يبدأ الاختلاف، حيث يتشكل المفهوم ويكبر حتّى يتحول إلى قناعة تدافع عنها الجماعة. ولذلك لابد من الإشارة إلى أهمية المفاهيم من ناحية وقدرتها على صنع الاختلاف وفيما إذا كانت قادرة على رسم الخط الفاصل ما بين جيل وجيل أو مدرسة شعرية وأخرى، وان كان ذلك في بعض الأحيان إجرائيا فقط. فمثلا، يختلف مفهوم "الوطن" عند شعراء قصيدة التفعيلة عنه عند شعراء قصيدة النثر. فالوطن عند شعراء التفعيلة هو كتلة مادية تقوم على رسم حدوده الجغرافية تتبنى الماضي وتحافظ على نمط حياة وبالتالي تعمل الذات على تأكيد ذاتها، واثبات وجودها ومعرفة حقيقة إمكانياتها بمواجهة الآخر، فالأنا لا يدرك ذاته من خلال قنوات الاتصال بالعالم وإنما هو فعالية تتألف من نشاطات تحليلية، وانفعالية، فالعين التي ترى العالم واليد التي تكتب القصيدة يقومان على تناسق يفضي إلى "أنا" متمركزة في فكرة الأرض تؤسس للقومية في السياسة والنمطية في الشعر.
ولكن مع شعراء قصيدة النثر، تغير هذا المفهوم وأصبح يعني تمركز الذات في أبعادها الشمولية. فالعالم كله مكان واحد، لأن الحدود والكمارك وجوازات السفر والتأشيرة كلها رسوم وهمية، لأنهم يؤمنون أن قلوبهم حمالة لأوطانهم، يحملون أوطانهم إلى أمكنة غربتهم، فلا يعني الانتماء إلى الوطن البقاء في مدينةٍ ما بداخله، وإنما يكون الانتماء باستمرارية واستحضار همومه ومعاينتها والإقامة داخل أوجاعه، فكسروا بذلك مفهوم الوطن المركزي، والوطن الأرض وأقاموا "تصورا" جديدا يقوم على ما يلي: "حيثما تكون يقف الوطن أمامك شامخا"، يقول الشاعر "سركون بولص" أحد رموز الشعر العراقي الحديث: "نحن نعتبر العالم كله مكانا واحدا، وأن العراق مازال موجودا بالنسبة لنا، نحمله معنا ولا نفكر بالشكل الضيق بمعنى أن نبقى في مدينة ما من العراق لنكون منتمين إلى عراقيتنا". فمن "الوطن" ينبجس "المكان" لينكسر ويخرج هو الآخر عن أبعاده الفيزيائية فيختفي الطول والعرض والعمق ليصبح المكان صدمة للمهووسين بجمع خرائطه ورعبا كونيا تتقاطع فيه الأجناس وتصبح استعارة الأمكنة ممكنة بعد أن كانت عبر تاريخ المدونة الشعرية عارا ومذلة.
يقول "حكمت الحاج" مخاطبا الرسام العراقي "لطيف الخطيب"في قصيدة بعنوان "كنيسة القديسة تيريزا في السنك" ص30 من الكتاب:



"
هل صنعت لنا مكانا /
ننتظر فيه السيارات العابرة للحدود؟ /
قل لي يا خطيب /
من في بغداد يعبأ بك؟
من في بغداد يحمل نفسه ويذهب /
ليرى ظلالك تحت قبة "الحيدرخانه" /
أو عند باب مدرسة "التفيض"؟ /
بالنسبة لي /
كانت أوهامي دائما سدى /
فلما رأيتك /
صارت هباء..."



إلى أن يقول في نفس القصيدة ص 32:



"
وماذا جنيت؟ /
أغلقت المكان وحاولت /
ولكن يا خطيب قل لي: /
من في عَمَّان سيعبأ بك؟ /
من في عمَّان سيحمل نفسه ويذهب بها /
ليرى ظلالك في فناء كنيسة ميتة ؟/
أغلقت المكان وحاولت أن تنساه/
والموت؟/
الموت عرفت أنه لم يكن في المثلث والشاقول/
وعرفت أنه لم يكن في المسطرة والفرجال /
فماذا فعلت؟..."



إن هذا النوع من "الأمكنة" تحركه ثنائية "الملء / الفراغ" Le plein / le vide فيمتلأ المكان حيث لا يوجد بالفعل، ويفرغ المكان الذي نحن في حاجة إلى وجوده. إن مفهوم "المكان" يستعيد حقوقه الصوفية داخل صناعة تقتضيها تقنية القصيدة فيقيم حصنا من التجريد، بمقتضاه يؤثم "حكمت الحاج" المعقول، ويطارد المنقول ويتخلى عن المألوف، وهذه التجربة تؤكد مرة أخرى قيمة الإنسان وحقه في التفكير لا بالمعنى المؤسساتي للكلمة وإنما بمعناها الإبداعي التحرري. إن الإحساس بالحرية شكل أكيد من أشكال التعبير عن الذات ولعله أيضا شكل أكيد من أشكال افتكاك الاعتراف من الآخر.
ولحظة الحرية لا يحققها العقل بمعزل عن الشعر (الوجدان) لأن الشعر بما هو مغامرة تبعدنا عن أسر المعطى الحسي وسلبيات العقل العمومي، يقوم شاهدا على بناء مدينة أفلاطونية جديدة يخجل افلاطون هذه المرة من طرد الشعراء منها. من أجل هذا شَكَّل الشعر محطة من محطات ترقي الوعي الجدلي عند الشعوب مما لا يبرر مجانية الاستبداد على مملكة الشعر وتحويله إلى ثكنة للقمع. إن العمل الشعري كما يراه حكمت الحاج لا يتحقق في ذاته دلالة جاهزة ونهائية وإنما يقوم النص الشعري على قطبين أحدهما "تقني" وهو النص كما أبدعه المؤلف أي كبنية افتراضية وثانيهما "جمالي" وهو تلقي القارئ له أي كبنية متحققة، بمعنى أن بنية النص تحتاج إلى قارئ يحققها. فتكون القراءة هي النص الذي يرى من خلاله الشاعر جمالية القصيدة أي أن القارئ يحقق البنية وليس الضرورة أن ينتصر من خلالها فإذا كان انتصار المتلقي للقصيدة في نظام التفعيلة تستمد من روح الانتصار لدى الشعراء لدى معظم شعراء التفعيلة، فان عالم قصيدة النثر تفتح على صناعة أخرى، صناعة تعمل على خدش كرامة التفكير، وانتصار للسؤال أكثر من حضور الأجوبة مساحة تستجيب لصدمة الإنسان المعاصر، الإنسان الشيء/الرقم/ البضاعة الذي بدأ يتوقف عن إنتاج المرجعية الواحدة والايدولوجيا الواحدة، والذي بدأ يشرع للهشاشة واللامسؤولية، ويتأقلم لاستقبال الاستثناء، ويبرز الشذوذ لكل إشكالية. لم تعد قصيدة "لسان حال القبائل" بما هي قصيدة النظام والإيقاع والوزن ولم تعد قادرة على إحداث التطابق في وجدان الناس لأنه من غير الممكن أن تكون عوامل مثل النظام والإيقاع والأمل تشدّ المنطلقات النظرية للقصيدة وهي غائبة عن واقع الناس فيما يعج الكون بالفوضى.
إن الشعر بهذا المعنى لا يكون إلا "وعيا زائفا" بالمعنى الماركسي للكلمة. إن فضل قصيدة النثر- إن كان لها فضل - يكمن في محاولة الاستعاضة عن مفهوم الإنسان الأنموذج، إنسان الاكتمال والتمركز، بالإنسان الذي يعي تدريجيا الإقرار بهذا الوضع الإنساني الجديد صانع الاختلاف والمؤسس للمعنى الأكثر تعقيدا. هذا الإنسان الذي اثبت مرة أخرى أنه لن يكون خليفة الله على الأرض وفي نفس الوقت غير مطمئن إلى وضعه الأرضي. فشكل هذا التمزق (التشتت) رغبة لديه في الانتقام من ذاته في إطار ما تسمح به أجهزته وأدواته وتقنياته والانتقام من كلّ أشكال الوصاية الفجة. فتساوى عندهم، أي عند شعراء قصيدة النثر، الاهتمام باللغة كإفسادها واحترام التراث كإهماله، ويتساوى الوضوح بالغموض، والمجانية بالمعنى، والصلابة بالهشاشة والذكورة بالأنوثة، وبالتالي أصبح الإنسان يمارس وضعه الناقص دون الاختفاء وراء أقنعة اللاهوت.
يقول حكمت الحاج، في قصيدته الطويلة "الكلام المستعاد" المنشورة في مجلة الحياة الثقافية عدد شباط (فبراير) 1999 الخاص بقصيدة النثر، معبرا عن هذه الدهشة المستمرة، وهذا القلق الجوال، وهذا الوضع الإنساني الناقص:



"
دع الموتى يدفنون موتاهم
وأنزل لوحدك إلى اليابسة
حاملا دفاترك القصب..."



وأيضا، في نفس القصيدة يقول :



"
بلغة البحر أتكلّم
ومن آخر نقطة على اليابسة
كنت أرى الحشود تصيح
ألا فلتسقط الحياة..."



"
إن سقوط الحياة" لا يقف  عند حدود كونها ليست جديرة بأن تعاش، وإنما يتعداها لتقرير أهمية "العدم"، لا من جهة أن الأشياء تحمل بذور فنائها في ذاتها كما صنعتها "الفلسفة الهيجلية" وإنما من جهة رفض منطق الأهمية والدعوة المفتوحة إلى المجانية، والتخلي عن التلبس بجدية الحياة، لأن التجربة تسخر كلّ يوم من الصرامة والتعقيد وتلك التعقيدات التي تقتل معنى الحاضر في قصيدة تنتصر للإنسان على الطبيعة، ذات أفق مستقبلي، كما يذهب إلى ذلك الناقد "محمد الجزائري"
أليس من حقنا الانتصار لنصوص تعبر عن دهشتنا وقلقنا كاحتجاج مهذّب على قصائد تذكرنا بالأصالة في زمن الانبتات وتحمّلنا المسؤولية في زمن الهشاشة وتعلن عن رجولة بلا معنى وأنوثة مهزوزة وقيم فارغة؟
إن قصيدة النظام العروضي تعيد إنتاج الاستبداد.
ألا يستقيم المشهد الشعري العربي إلا في الاستبداد وبالاستبداد؟
إن منطق الجدل لا يسمح لقصيدة التفعيلة أن تستحوذ إلى التنكر لها بتعلة إنها تمثل الماضي "اللاشعري" لتاريخ الشعر، ولا يعني من جهة أخرى أن "قصيدة النثر" هي إعادة بناء لقصيدة التفعيلة، وإنما يعني إن مفهوم الإنسان بما هو مفهوم يتشكل في لحظته ولا يستقيم إلا انطلاقا من كونه إفرازا للوضع الذي يشرع لقصيدته هو، فتصبح علاقتنا بالقصيدة لا من جهة النظام والنمط وإنما من جهة قدرتها على تلمس مواطن الإنسانية المعاشة بقبحها وجمالها، بمعرفتها وجهلها، بثبوتيتها وعرضيتها. إن "قصيدة النثر" دعوة واضحة للتخلي عن "المعلن" و"اللارسمي" والانخراط في "بلاغة الحياة اليومية" أي كلّ ما يعطي الفرصة للشعر لكي يتكلم عن الممنوع والمسكوت عنه فيكفّ الشعر عن أن يكون بوق دعاية للسائد بل ويخوض في تجربة انطولوجية قائمة بذاتها، لا تستقيم إلا من الداخل، أي بممارسة كتابة الشعر نفسه. وهذا ما ذهب إليه حكمت الحاج في إحدى قصائده في "الكلام المستعاد":



"
تلبسين قميصك تحت الجسد
وكل امرئ يلبس قميصه فوق الجسد
إلاّ أنت،
تظلين تلبسين
جسدك فوق القميص..."



إن التأمل في هذا المقطع، لا يتطابق مع ما ذهب إليه المناطقة من أن صحة الحجة المنطقية تستوفي إذا كانت نتيجتها لازمة بالضرورة عن المقدمات وكانت هذه المقدمات صحيحة كأن يقول:



كلّ إنسان يلبس قميصه فوق الجسد ............ مقدمة أولى
أنت إنسان .............. مقدّمة ثانية
إذن تلبسين القميص فوق الجسد ......... النتيجة
 
إن مفهوم الشعر كما تجمع القواميس عليه هو "فن نظم الأبيات وفق قوانين الوزن والعروض" في حين تعمل هذه القصيدة - بما هي قصيدة نثر - على نسف هذا المفهوم وإقصائه. فهي تنطوي على مبدأ فوضوي وهدام إذ نشأت من التمرّد على قوانين الوزن والعروض أحيانا وعلى القوانين العادية للغة. ولعل هذا المعنى هو المقصود في هذا النص لحكمت الحاج والذي يزداد ترسخا وشرعية عندما نقرأه في حوار بين "غوته" و"أيكرمان"، حيث يقول الأوّل : "كلما كان الشعر غير قابل للقياس والتحديد المنطقي وغير قابل للإدراك العقلي كلما كان أفضل وأعمق مستوى وصناعة". في حين يقول "بول فاليري": "خطران يواصلان تهديد العالم، النظام والفوضى..".
ولقد تجسم ذلك في كلّ مجالات الثقافة.
إن العلاقة بين هذا الشعر وذاك الشعر ليست علاقة استبدال مشروع بمشروع.  إن ما نغنمه من قولة "فاليري" هو التقارب بين "النظام" و"الفوضى"، لا من جهة الخطر الذي يهدد العالم، وإنما من جهة أن النظام لا يلغي الفوضى كما إن النجاح لا يلغي الفشل، والانتصار لا يلغي الهزيمة. وإنما يصح للمنطق وللواقع أن يتعايشا معا فتقوم هذه المفاهيم على مساحة واحدة تأكيدا لأهمية الصراع.
إن الظاهرة المميزة للشعر عبر تاريخه هي أنه لا يكاد يخرج من "أزمة" حتّى يقع في "أزمة" أخرى. وأزمة الشعر العربي اليوم لا يجب أن تؤخذ مأخذ الفاجعة وتكون مصدرا للحيرة وانسداد الأفق بقدر ما يجب أن تؤخذ كفاتحة لعهد جديد يبشر بميلاد نص جديد و"إنسان" جديد يثور على ذاته حتّى "تمر العاصفة ويبقى الإنسان" هذا الإنسان الذي لا يختلف عن "الصحراء: في أفقه وصفاته، ولا يختلف عنها في تعقيدها وغموضها.
___________________________________
*
كاتب من تونس

شعيب حليفي

سجلات الشوق


 


     يتأطر نص "المدارج" بجزأيه ضمن الأشكال السردية الباحثة عن بناء شهادة وسط السرود المغربية، شهادة تنطلق من وعي خاص بمبحثي الجماليات والعشق الصوفي، فتتنازع النص الروائي حالتان من التجريب في موضوع ممتد لقضايا واحدة ، تمت مقاربتهما في (مدارج الليلة الموعودة) و(مدارج الليلة البيضاء)، وهو اشتغال اتخذ نفس المسار.. وإن كان الجزء الثاني قد اتخذ من الجزء الأول مرجعا حاضرا وبشكل صريح، مثلما كان الجزء الأول يتضمن الجزء الثاني كمرجع قادم له.


     إنها تجربة تحتضن يقينها الوحيد واحتمالاتها الشتى، كما تمتلك مرجعيتها وخطابها وطريقة تصريف صوتها وأيضا صيغ إنصاتها وتأملها للعلامات والمستويات، مما يعطي يجعل الصور في نسق يغذي التخييل ويبلور أفق الكتابة.


   في المدارج، هناك التصادي العنيف للأشياء والكلمات والمرجعيات حيث انفتاح الحكاية من نقطة مضيئة وضيقة إلى تيه موسع بحثا عن الإدراك الذي يتجاوز به الراوي، قواعد الواقع اللامدرك.


من ثمة، كانت الذات هي المدخل الأثير للمدارج وخطابها عبر التمرد على اليقين الوحيد والمشتت في أشياء وعناصر كثيرة داخل الحياة.


   في المدارج أيضا يفتح الروائي، منذ البداية بابا وهميا عامرا بالتخييل، يورط فيه الحكاية والقارئ عبر تعبيرات توظف نظاما حكائيا، سرودا وأوصافا، تشريحية، عمودية، ملغمة بأسئلة وظيفية متنوعة تضيء أنواع الخطابات المتجاورة بين الديني والصوفي والأدبي والأسطوري والشخصي... بقصد خلق معرفة معينة ومعنى فلسفيا حول الوجود والحياة وباقي المصائر.


وقد تغيا الراوي، وخلفه المؤلف، تأثيث المدارج بمجموعة من العناصر التي شكلت محركا للحكاية ولبناء الأخيلة والمرايا الجامعة لمتناقضات ضرورية.


 


*السرد الاستكشافي:


    هو السرد الاستكشافي المتدرج عبر المقامات والمستويات في إطار المدارج وعلاقتها بما هو روحي للوصول إلى الجسداني.


   إن الراوي في المدارج هو في بحث جذري عن الحقائق داخل الأوهام، حينا، وعن الأوهام داخل اليقينيات، شأن بحثه عن الجمال، حينا آخر، ويعزز هذا البحث، الحكي بضمير المتكلم وقدرته على تحرير السرد من سلطة الغياب إلى تأكيد سلطة التذويت، من خلال مبدأ التمثل الذي يبني المدارج بشكل قوي من أجل تثبيت رؤية للعالم تمر عبر الذات. وبالتالي فإن السرد الاستكشافي هو صيغة للتعرف على الذات متخذا صيغة الانسياب واستدراج المتلقي عبر  أفعال حكائية :


"سارت بي أياما دون أن تتوقف وكنت خلالها أنام بعين واحدة كالذئب. انتبهت، فكانت أصوات الرعاة ونباح الكلاب وغثاء الخرفان قد انقطعت نهائيا، مددت يدي إلى الشواري الموجودة على ظهر مطيتي، وأكلت بعض حبات الزيتون المر، كان له وقع المنبه على جسدي، جلت ببصري في الآفاق، فرأيت الجبال الجرداء وبعض النباتات الغريبة التي تقاوم الريح في قلق وجودي ظاهر" (ص77ج 2).


يتحول السرد إلى عمليات حفرية عن خطابات فيها الاستيهامي والعجائبي، والتماثلي، وهنا تبرز قوة الأداة السردية في يد الراوي الذي يرسم في لحظة واحدة واقعا أولا وواقعا ثانيا، وذلك رهان من أجل تعديد الصورة وتعجيبها لغاية السيطرة عليها.


ويعتبر الجسد في المدارج تيمة دينامية لتحفيز السرد وتأكيد الحكي، كونه منبع الغواية والامتداد:


"أظن، كل مرة تعلق بي جسد عذري أنني أخدع. الجسد العذري هو مبتغاي الدائم، لكنني أظن أن منطلق الغواية كان الأم" (ص 13-ج 1)


وهو أيضا هنا، يشبه الكتابة التي يسعى عبرها ومن خلالها إلى التطهر، كذلك الجسد العذري البكر الذي يصبح ملاذا وعلامة على كينونة مفتقدة وهوية مشتركة.


وبين السرد والذات يتحقق الحكي عن الجسد والتعرف على العشق ونسائج العلاقات المتداخلة في الخيال والواقع بين وحدتي الشيخ والطفل من جهة، ثم بين علي ومريم من جهة ثانية، وما ينفرز عنهما من علاقات تؤسس لعنصر جديد هو المرآة والإدراك حيث يصبح التداخل تذاوتيا ويتحول الحلم من صيغة الالتباس إلى حلم في الآخر.


إن الراوي يشتغل بأدوات تحمل سمات وتعمل باقتصاد بحيث تعطي للوصف إمكانية التحول إلى صورة تساهم بدورها، في البناء إلى جانب اللغة التي لا تؤمن بالخطية أو بما هو ظاهري فتعمد إلى التموقع، احتماليا، حاملة لنواياها التي قد لا تتفق بالضرورة مع نوايا المتلقي، لكونها تعتمد طبقات اللاشعور وتبني خطاب التعدد.


كما إن الراوي يعطي للحوار فرصة مضاعفة الصوت وتجذير الأصوات الأخرى في وعي الحكاية، حتى أن بناء الحوارات في المدارج يسعى إلى الجمع بين الفكاهة السوداء والتعجيب في أفق البحث عن تلك المعرفة بالذات ومستتبعاتها.


" السلام عليكم يا ولدي "


رفعت بصري فرأيت شيخا هرما وكأنه قطعة صلصال.


-وعليكم السلام، لكنني لست ولدك.


أنسيت لغة بني جلدتك وأخلاقهم، إن من حق من يكبرك سنا أن يدعوك ولدي.


-من هم بنو جلدتي ؟ أي الحيوانات تقصد ؟


-أقصد البشر طبعا، ألست بشرا مثلي ؟


-أنا لست بشرا. هل أنت أعمى ؟


-لا. لست أعمى، ومن أي الفصائل الغريبة أنت ؟ إنك تتكلم لغتي على كل حال.


-وما هي لغتك أيها المخلوق الصلصالي الغريب ؟


-اللغة العربية الأصيلة، لغة أجدادي الذين صنعوا تاريخ البشرية جمعاء.


-إنني محتاج إلى النوم وأرى أنك محتاج إلى بعض الأكل حتى لا تستمر بعض عضلاتك في التآكل (ص97 ج2).


إن الراوي يعمد إلى تأسيس معرفة ملآى بالشك والافتراضات واللعب، تنتظم داخل التخييل الأدبي والفني في نص المدارج.


 


*المرجع:


   تتمظهر السجلات المرجعية للأداة التأويلية باعتبار قيمة المرجع في المدارج وأهميته في تشكل النص واستدراج قضايا متقابلة ذات قدرة على خلق أنوية حكائية متوالدة.


   ففضلا عن كون اللغة هي الأداة الحاملة لهذا المرجع فإن قدرتها تكمن في صهر لغات أخرى تحقق للتجربة حضورها مع أصوات السيرة والبيوغرافيا وأصوات استيهامية تقف على مرجع يحيل على المبدأ الصوفي والعنصر الجمالي، وهما معا (المبدأ أو العنصر) يقودان الخطاب إلى مستوى الترميز.


إن المرجع في المدارج تختزله، المقامات والحكايات في تشكلهما وتفاعلهما لإنتاج سياقات خطابية للإخبار والتأمل وصياغة مفاهيم وجودية وجمالية, خاصة بالذات : معرفتها وعلاقاتها. ويحتل مرجع المسار الرومانسي الحاضر بعنف باطني في شكلي العلاقة والاستيهام بعدا آخر يستولد مرجعيات ذاتية للمحنة والتيه، ومرجعيات متعلقة بالسرود الكلاسيكية تستدعي العجيب والمعرفي، وتغيب –بشكل أو بآخر- التاريخي والإيديولوجي، الذي طالما استحضرته وما زالت النصوص الروائية المغربية والعربية، وهو إشكال يفتح في المدارج سؤالا محرجا ويضع النص الفني أمام سلطة المصفاة التي حاولت إبداع نص فني متحرر من التاريخ والإيديولوجيا ومقيد بهذا الإقصاء.


 


    يلتفت النص في بناء مرجعيته إلى المرآة، جماليا وتقنيا، لتغذية سؤال العلاقة بين الشخصيات أو الأقنعة لاستيضاح حافز البوح بالعشق وما يترتب عن ذلك من مشاعر تتراوح بين الاندفاع والاستيهام وبين التأمل والهمود، بالرجوع إلى الذاكرة وقدرتها على التخيل والاندماج ثم التواصل والإدراك في حضور الظل وسلطته على الذات والخطاب :


"إننا نتصرف في حياتنا وكأن النسخة لا شأن لها. هب أن هذا الظل اختفى، ألا يكون شرطا من شروط وجودي ؟ وما سر هذا الارتباط الغريب الذي يسري بينه وبيني ؟ هل يدافع فقط عن وجوده لا أظن ذلك ! (ص 143-ج2).


إن نص المدارج بهذه الصيغة وهو يرصد سؤال العلاقة، يتعدد في علاقات الأجيال ببعضها : الذكورة بالأنوثة، الروح بالجسد، الذات والآخر، الماضي والحاضر، ثم الواقعي والحلمي... وهي أسئلة تختزل الأسئلة الجوهرية في مباحث الفلسفة.


    هذا التركيب اللغوي الحواري في المدارج يصور المشاعر في تشكلها وانحلالها لتدمير المرجعيات واليقينيات ووجهات النظر وينضد الحوارات الكثيفة من الليلة الموعودة إلى الليلة البيضاء وما تخلقه من صدى الإحباط وآثار الأخيلة المثقلة بالتطلعات الروحانية.


كاتب وأستاذ جامعي من المغرب


chouaibhalifi@yahoo.fr


 


 


*موليم العروسي : مدارج الليلة الموعودة، الدار البيضاء، 1993.


*موليم العروسي : مدارج الليلة البيضاء، الدار البيضاء، 1994.

حلقة نقاشية

الصحافة والخطاب السياسي


(الوعي والمعرفة)


 


 


وليد السليماني


 


             التأمت أشغال المائدة المستديرة والتي نظمها نادي القلم المغربي ومختبر السرديات في موضوع:(الصحافة والخطاب السياسي:الوعي والمعرفة) وذلك يوم الجمعة 26يناير 2007..حيث ترأس اللقاء د/شمس الدين بلقايد ممهدا للموضوع بورقة تأطيرية عرض فيها لنقطتين أساسيتين:


·       الأولى وتتعلق بطبيعة التحولات السريعة التي مست علاقة الصحافة بالوعي السياسي.


·       الثانية  من تأثير الأولى وتتعلق بالأخلاق والالتزام  وطبيعة المعرفة.


 


          المتدخل الأول جلال الطاهر(محامي بهيئة الدارالبيضاء ورئيس تحرير مجلة المحامي) قدم قراءة نقدية وتصنيفية للتجربة المغربية حيث عرض في البداية لوضعية الصحافة التي هي عين المجتمع على حركيته الذائبة..وانعكاس لتفاعل الحاكمين والمحكومين،ثم ربط ذ/ جلال قوة هذا الطرف أو ذاك بمدى حضور الوعي السياسي..ممثلا لذلك بالصحافة المغربية  إبان الاحتلال الفرنسي والاسباني..فرغم بساطتها وعدم حرفيتها فقد تميزت بوعي سياسي وطني صادق شكل إطارا آخر للصراع من اجل قضايا الحرية والاستقلال ..وهي مطالب تهم الشعب المغربي برمته.


انتقل،بعد ذلك المتدخل إلى سنوات ما بعد الاستقلال وقد شهدت الصحافة المغربية توجهات أخرى، بنفس مباشر،للتعبير عن قضايا الاستقلال بنوع من المعالجة البسيطة والتي لا تخلو من الطوباوية بالنسبة للأهداف والغايات.


        المرحلة الأخرى التي عالجها ذ/جلال هي الفترة التي انشطرت فيها الحركة الوطنية سياسيا إلى توجهين برزا عبر صحافة كل طرف:توجه يريد استقلالا شاملا ينعكس على كل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.


 أما الفريق الآخر فكان يقصر الاستقلال على الراية والنشيد الوطني  فيما بقية القضايا فإنها تظل  مؤجلة...هنا أصبحت صحافة تعتنق مبادئ وقيم والتزامات الاستقلال الشامل مقابل صحافة ثانية موالية للحاكمين.والمتتبع للصحافة وخطابها السياسي في هذه المرحلة وما تلاها  يدرك مدى التمزق الاجتماعي  كتعبير عن هذين التيارين وقد شهدا العديد من النزالات  التي كانت دموية- أحيانا- بين مكونات الشعب المغربي ، والذي وحدته المقاومة وفرقه الاستقلال..وهي مفارقة يجد المتتبع آثارها من خلال افتتاحيات وتعاليق نخبة من السياسيين من  الفريقين، عبر صحافة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ممثلة التيار الأول ، وعبر جريدة التحرير وافتتاحيات الفقيه البصري وعبد الرحمن اليوسفي وعبد الله إبراهيم.


الاتجاه الآخر تعبر عنه صحافة (الماص) وبعض توابعها .


        المحور الأخير الذي قاربه الميتر جلال الطاهر هو الصحافة الجديدة في هذه المرحلة حيث اعتبرها انعكاسا للتطور الإعلامي والثقافي وللمتغيرات العالمية اذ يمكن رصد الوعي السياسي الصحافي في المزاوجة بين الانكباب على الراهن بكل تفاصيله والعودة –في فترات- إلى الماضي السياسي لقراءته بصيغة أخرى ليست بالحدة التي كانت من قبل..ووسط ثقافة التراضي والتوافق.


         إن الصحافة المستقلة/الخاصة  اليوم  هي عين ناقدة وأحيانا بقسوة لعيوب ونقائص العملية التوافقية التي تمت بين الطرفين المتصارعين منذ الاستقلال إلى أواخر الثمانينات.


  وختم الأستاذ تدخله بتقديم خلاصات مركزة حول المتاعب التي واجهتها الصحافة بالأمس وطبيعتها ومشاكل اليوم ونبل القيم التي تطبع مسار صحافتنا.


 مداخلة د/عبد الرحمن غانمي (أستاذ جامعي ) تركزت حول عمر بنجلون وجدلية التفكير الإعلامي ،معتبرا أن عمر بنجلون  هوعلم بارز، جمع بين اهتمامات وانشغالات متعددة، والأهم من دلك فإن مسؤولياته وتضحياته النضالية لم تحوله إلى "مناضل آلي" يكتفي بتنفيذ وترجمة البرامج السياسية، بل يمكن القول أن خبرته هذه كانت بمثابة ذخيرة فكرية لافتة، وأيضا إعلامية من خلال الكثير من الأفكار والآراء التي كانت تعكسها مشاركته في منتديات سياسية وفكرية وإعلامية، باعتباره كان مشرفا على جريدة "المحرر" التي تعرضت للمنع منذ أزيد من ستة وعشرين سنة، حيث أن عمله لم يكن مقتصرا على التعريف الإداري والتقني والمالي الروتيني، وإنما كان يتجاوزه إلى مساهمته الكبرى في رسم خط تحريري حداثي ديمقراطي، احتجاجي بصوت مسؤول وعال ووطني، يتوخى تكريس الحريةالإعلامية والسياسية في ظل ظروف القمع والاضطهاد والمنع المتواصل للكلمة المعارضة، التي كان لها ثمنها الغالي، وهو ما جسده عمر بنجلون، باستشهاده على إثر اغتيال غادر، سنة 1975.


بعد ذلك انتقل عبد الرحمان إلى مقترح ضرورة جمع وتوثيق وضبط المقالات والافتتاحيات التي كتبها عمر بنجلون، والتي تكشف عن حس فكري متميز، حيث لم يكن يكتفي بعرض الأخبار بشكل سطحي، وإنما نجح في رصد الواقع وفضحه وربط المعطيات ببعضها البعض، وتحليلها فكريا وإعلاميا، أي أن هذه المقالات لم تكن فقط حاجة إعلامية روتينية، بقدر ما كانت تكشف عن رؤية عميقة تربط السياق الإعلامي بعوامل سياسية وتاريخية وفكرية مؤثرة، في إطار الصراع الشامل مع قوى الارتداد في مجتمعنا، مع التأكيد على الثوابت الوطنية، وعلى رأسها القضية المقدسة لدى كل المغاربة، أي الصحراء المغربية، وربط كل هذه بجدلية الصراع مع قوى الاستعمار الجديد في فلسطين وكل الأقطار العربية، ولا نبالغ إذا اعتبرنا أن مساهمات عمر بنجلون الإعلامية والفكرية، تكشف عن فكر متجذر، وكأنه لا يزال يعيش بيننا.


وختم غانمي مداخلته بالتأكيد  أن تأثير عمر بنجلون الإعلامي لم يشمل فقط جريدة حزبه ومحازبيه، وقراءها، وإنما من خلال ما كانت تصدح به مقالاته من جرأة وتحليل واستشراف للمستقبل، ومن ترسيخ عملي لأسس الحرية والديمقراطية والحداثة، بمعناها العميق، لا المشوه والإيديولوجي، كان يتسع هذا التأثير ليمس تيارات سياسية أخرى، ويستفز قوى نافذة في الدولة، والأهم من ذلك، فإن صدى تحليلاته ومقالاته كان له وقع قوي على المجتمع، وهذا ما نفتقده كثيرا في وقتنا.


 


    مداخلة د/شعيب حليفي(أستاذ جامعي وكاتب) اهتمت بقراءة في تحليل الخطاب السياسي لأحد أعمدة الصحافة العربية بالعالم العربي  عبد الباري عطوان، والذي أصبحت تحليلاته مرجعا في تشكيل رؤية غير مغلوطة عما يجري من أحداث في العالم العربي ،خصوصا وان الآلة الإعلامية الغربية والأمريكية والصهيوبية المأجورة حاضرة بكل الأساليب لفرض تحليلاتها.


  وبعد تمهيدات ضرورية انتقل المتدخل للحديث بشكل عام عن خصوصيات الوعي السياسي في خطابات /افتتاحيات عبد الباري عطوان  في جريدة القدس العربي على مدى السنوات الفارطة ، وما يميزها من قدرة على التفكيك  والبناء وضمنهما يتحقق الكشف والتعليق الذي تحول مع اكتساب المصداقية إلى رؤية تنطلق من قناعات لاتلتزم بجهة ما ، بقدر ما هي ملزمة بأخلاق وقيم اعتبارية، قيم الكتابة والصحافة والمواطنة.


         ثم انتقل شعيب بعد ذلك إلى تحليل نموذج افتتاحية كتبها عبد الباري عطوان  في عدد ثامن  يناير 2007 بجريدة القدس العربي.. وقد استعان الباحث لتقريب التحليل بعرض نص  الافتتاحية على شاشة مكبرة متحكم فيها ..مفصلا من خلال عرض مفصل لثلاثة محاور طبعت الخطاب :


   اولا:المنهجية في بناء الموضوع وتشكيل الرؤية والموقف.فالافتتاحية كما يكتبها ذ/عطوان تبدع طريقتها في عرض الأفكار والمعلومات والأخبار والمواقف  بمنهجية تشد المتلقي وتجعله مساهما  ومشاركا.وقد أوضح حليفي على الشاشة الفقرات الأربع المكونة للافتتاحية وكيفيات صوغ الرؤية عبر تدرج يعتمد الوضوح واللغة الصحفية التي تمتح من معجم سياسي وأدبي-جمالي.


 


   ثانيا:التنسيب وهو النقطة الثانية التي عالجها الباحث لإبراز أن التحليل السياسي عند عطوان من ركائزه الأساسية الابتعاد عن اللغة المتخشبة والمتسلطة التي تقدم خطابها باعتباره تحليلا مقدسا ومطلقا.. وقد بين ،عبر الشاشة، أهم الفقرات التي تطرح وجهة النظر والموقف من منظور نسبي بالحديث عن الاحتمالات الممكنة والفرضيات المتوقعة( الفقرة الأولى والثالثة).


 


   ثالثا:تحدث شعيب حليفي في المحور الثالث ،بشكل مسهب، عن  إنتاج المعرفة في الخطاب عند عبد الباري عطوان..في تنوعها .معرفة سياسية وتاريخية، وهو ما وضحه من خلال كتابة تركيبية تتضمن معلومات وشواهد ماضية وأحداث ونتائج حاضرة تفضي إلى معرفة محملة بمرجعيات تمتلك القدرة على تفكيك الخطابات  وفضحها .


 وقد عرف هذا اللقاء بعد نهايته نقاشا عاليا قدم في المشاركون ملاحظات ورؤى أخرى في التحليل.

نضير الخزرجي

السيرة الحسينية تعود بالحق الى نصابه والتاريخ الى محرابه


*


من السهل على المرء قراءة التاريخ، بل يجد فيه المتعة الكبيرة التي تزيح عنه هموم الحياة، ويجد فيه العبرة تلو العبرة التي تمكنه من تخطي العقبات، ولكن من الصعب على المؤرخين وضع التاريخ في سياقه الطبيعي، بخاصة اذا تعلق الأمر بشخصية واحدة، فعندها يحتاج المؤرخ المحقق الى استعمال كل أدوات المعرفة، لترتيب أوراق ديوان الشخصية المعنية، بما لا يخل بالسياق التاريخي ولا يترك فجوة زمنية بين مرحلة وأخرى، لان الزمن سلسلة حلقات تعرف اللاحقة بالسابقة وتشير السابقة الى اللاحقة.


ومثل هذه القراءة الدقيقة والفاحصة، لا تتوفر عند كل أحد، ولهذا فان بعض كتب التاريخ، تفتقد الى الشرعية المعرفية، وتوصف بأنها كتب هجينة غير طاهرة المولد، تلقحت بويضاتها في أنبوبة القصر الخليفي او الملكي، يكتب المؤرخ بما يمليه عليه القصر ويتحرك مداده بعجلة الدرهم والدينار، وهذه السمة الغالبة لعدد غير قليل من كتب التاريخ.


المحقق والبحاثة الدكتور محمد صادق الكرباسي، يستحضر كل الأدوات المعرفية في بيان الجزء الثاني من سلسلة كتب "السيرة الحسينية" الذي صدر عن المركز الحسيني للدراسات في لندن، في 470 صفحة من القطع الوزيري. وفي هذا الجزء يواصل قراءة سيرة الامام الحسين بن علي (ع) وهو في كنف جده رسول الله محمد (ص)، حيث يشكل هذا الجزء والجزء الذي قبله الفصل الأول من سبعة فصول توزعت على عشرة أجزاء هي باقة من باقات دائرة المعارف الحسينية ذات الستمائة جزء والذي صدر منها 32 جزءاً، وحيث قسّم الفصل الأول الى تسعة مقاطع، فان الجزء الأول ضم أربعة مقاطع وجانبا من المقطع الخامس، فيما استقل الجزء الثاني ببقية المقطع الخامس والأربعة الباقية.


 


يوميات السنة السابعة


تناول المؤرخ الكرباسي في المقطع الخامس حوادث ووقائع السنة السابعة من الهجرة النبوية الشريفة التي كانت تمثل الذكرى الثانية من مولد الحسين، وفيما تبقى من المقطع، يتابع المؤرخ سيرة الامام الحسين (ع) منذ شهر جمادى الأولى، على هيئة يوميات وضع لكل يوم عنوانا مستوحى من الحدث او الواقعة،  أبدع في ترتيبها ضمن سياق زمني متوالي يتابع نمو الامام الحسين (ع) في ظل جده محمد (ص) يوما بعد آخر، معتمدا على التحقيق والتمحيص، وسوق النصوص الشريفة من آيات وأحاديث بما يخدم اليوميات وترجمتها الى وقائع اعتمادا على سبب النزول او استحضار التأويل المنصوص عليه في التفاسير وكتب الحديث. فتحت عنوان: "عطش الحسين"، يبحث النبي محمد (ص) وسط عطش أصاب المدينة، عن ماء صالح للشرب يسقي به سبطيه الحسن والحسين، فلا يجد، فيقرب لسانه من فمهما ويدعهما يمضغانه ويمصانه، ثك يأتيه جبريل بالنبأ بموت الحسن مسموما وموت الحسين عطشانا مذبوحا. وفي "الحسنان سيدا شباب أهل الجنة" يخبر النبي الصحابي الحذيفة بن اليمان أن جبريل بشره أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما أفضل منهما. ويمنع الرسول (ص) حفيده الحسين من تناول "تمر الصدقة" لأن الصدقة لا تحل على أهل البيت (ع). وكان النبي (ص) يحب منظر "مصارعة الحسنين" وهما صغيران، فكان يشجع الحسن ويشجع جبريل الحسين. ويروي أبو هريرة في "قتلة الحسين" أن النبي لعنهم وقال: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا وأبغض الله من أبغض حسينا، حسين سبط من الأسباط لعن الله قاتله). وفي "عمران والحسنين" يحدث النبي عمران بن الحصين عن موقع الحسنين من قلبه إذ: (إن الله أمرني بحبهما).


 


الذكرى الثالثة للمولد


وتحل على البيت النبوي الذكرى الثالثة لمولد الامام الحسين (ع)، ويتذكر ابن عباس كيف كان الرسول (ص) يجلل أهل بيته ويشير الى الحسين: (أما الحسين فانه مني، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه وهو إمام المسلمين...). وتنزل في أواخر فصل الخريف "مائدة من السماء" وفق شهية الحسين الذي اختار ما كان ينزل على مريم بنت عمران، فأكلوا جميعا رطبا جنيا. ويسأل أبو هريرة عن "آية العقب"، فيجيب الرسول إن قوله تعالى (وجعلها كلمة باقية في عقبه) يعني أن الله جعل الإمامة في عقب الحسين، يخرج من صلبه تسعة من الأئمة منهم مهدي هذه الأمة. ويلاحظ أبو هريرة إن النبي في "سجدة الشكر" هوى الى الأرض خمس مرات، مرة عن حب الله لعلي وثانية عن حبه تعالى للحسن وثالثة عن حبه للحسين ورابعة عن حبه لفاطمة وخامسة عن حبه لمن أحبهم بوصفهم أهل البيت الذين طهرهم تطهيرا. ويرجع جبريل الى النبي (ص) ليخبره بنبأ الملَك "مشفوع الحسنين"، الذي تاب الله عليه بشفاعة الحسن والحسين، فارتقى السماء ثانية يفتخر على ملائكة السماوات السبع: (مَن مثلي وأنا في شفاعة السيدين السبطين الحسن والحسين). ويرى أبو هريرة "تكريم الحسين" حيث كلما هوى الرسول (ص) الى السجود وثب على ظهره الحسن والحسين، فيضعهما على الأرض برفق ولا يمنعهما، ويتكرر الأمر في كل سجود. ويخرج "الحسين في نزهة" الى خارج المدينة مع جده محمد (ص) يصحبهما الحسن. وتترك أم سلمة "قرة العين" يلعب فوق صدر جده وهو ابن ثلاث سنين وأشهر، فتحاول أن تنحيه فيقول لها زوجها: (دعيه يا أم سلمة متى أراد الانحدار ينحدر، واعلمي من آذى منه شعرة فقد آذاني). وخلال استعداده لأداء "عمرة القضاء" يودع الرسول البيت العلوي ويخلف أبا ذر الغفاري على المدينة. ويرى صالح بن رقعة اليهودي، الحسين يسير لوحده فيأخذه لداره، فيعرف الحسن بموضع أخيه فيأتيه، فيسمع صالح بلاغة الطفل، فتأسره شخصيته ويسلمه أخيه، وتكون الواقعة طريقا الى "إسلام جماعة من اليهود" سمعوا بخبر صالح والحسنين. ويخبرنا أبو هريرة عن "علاقة الرسول بالحسنين" وينقل عن الرسول (ص) قوله في الحسين: (اللهم إني أحبّه فأحبه). ويعود أبو هريرة ليخبرنا عن "الترحيب بالحسين" من قبل جده (ص) وقوله فيه وفي أخيه الحسن: (اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب مَن يحبهما).


 


يوميات السنة الثامنة


ويستوعب المقطع السادس من الفصل الأول يوميات السنة الثامنة للهجرة الذي يستهل بيوم الأحد الأول من محرم الحرام للسنة الثامنة الهجرية الموافق للثلاثين من نيسان/أبريل 629 م، وبدخول العام الجديد يحزن الحسين ومعه البيت العلوي والنبوي بسبب "موت الخالة زينب" شقيقة والدته فاطمة الزهراء في بداية العام، وقد لازمتها علتها منذ أن طرحت جنينها وهي خارجة من مكة عام 2 للهجرة. ثم إن "المرض يعاود النبي" بعد سنة من تسممه بخيبر بفعل فخذ شاة، فيأكل من طبق فيه رمان وعنب أتى به جبريل، فيدخل الحسن ثم الحسين ثم أبوهما على النبي (ص) ويأكلون معه وهو يسبح. وننتقل الى "رؤيا فاطمة" في ولديها الحسن والحسين وخوفها الشديد من مكائد الأعداء كما فعلوا بأبيها عندما سموه، فيخفف الرسول (ص) عنها الوطء. وتجود فاطمة (ع) بما تملك والحسن والحسين جوعى، فيكون ذلك طريقا الى "إسلام الإعرابي" وأربعة آلاف من عشيرته، ويكون سببا في إسلام شمعون اليهودي، ويكون سببا في نزول المائدة على أهل البيت كمريم بنت عمران كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا. ويدخل الحزن قلب الحسين بعد سماع "مقتل العم جعفر في مؤتة" وزاد من حزنه انه رأى بكاء جده (ص) المر على ابن عمه جعفر بن أبي طالب. وفي "سرية وادي يابس" بإمرة علي بن أبي طالب، يتعاهد الرسول (ص) البيت العلوي. ولا يساور قلب سلمان الشك بان "الحسين سيد" ويخبره الرسول (ص) عن سبطيه الحسن والحسين: (يا سلمان: مَن أحبهم فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله). ومرة أخرى ينقلنا أبو هريرة ومعه ابن عباس الى مشهد "الحسين على عاتق الرسول" ومعه الحسن، وهنا يعيد الرسول قوله: (من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني). ويعود جابر بن عبد الله الأنصاري من "غزوة الخبط" ويلتقي النبي (ص) فيخبره: (إن كل بني بنت ينسبون الى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم). ومرة أخرى يخبرنا جابر عن النبي (ص) حديث "الأصلاب الشامخة"، فقد: (اجتمعت النطفتان مني ومن علي فولدتا الجهر والجهير الحسنان فختم الله بهما أسباط النبوة وجعل ذريتي منهما).


 


الذكرى الرابعة للمولد


ويدخل الحسين في ذكراه الرابعة، ويسمع أبو هريرة قول الرسول في الحسين في مشاهد يوم القيامة: (ويحشر ابنا فاطمة على ناقتي العضباء والقصواء واحشر أنا على البراق). ويتعلم الأقرع بن حابس من علاقة النبي (ص) بحفيده الحسين (ع) قوله (ص): "مَن لا يَرحم لا يُرحم" عندما شاهد إكثار النبي تقبيل سبطه. وبعدما نقضت قريش عهدها مع النبي (ص) جاء "أبو سفيان يستجير بالحسنين"، فلم ينفعه ذلك. ويذهب الرسول (ص) الى "فتح مكة" فيستظهر الكرباسي أن الحسن والحسين صاحبا أمهما فاطمة في رحلة الفتح مع أبيها. ويعلنها النبي (ص) جهارا أني "سلم لمن سالمكم" يا أهل بيتي، حيث اقبل أبو بكر والنبي واقف أمام خيمة فيها علي وفاطمة والحسن والحسين، فيخاطب الرسول (ص) معشر المسلمين: (أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد – الأصل- طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد، ردئ الولادة). وبعد "عمرة الرسول وفريضة الحج" تعود البسمة الى البيت العلوي بعودة الجد. وتسأل أم سلمة عن "فضل أهل البيت" في قوله تعالى (من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا)، فيجيبها بعلها (ص): من النبيين أنا، والصدّيقين علي بن أبي طالب، والشهداء الحسن والحسين، والصالحين حمزة، وحسن أولئك رفيقا الأئمة الإثنا عشر بعدي. وترى الشيخ الكبير "أبو رافع يلاعب الحسين" تكريما له ولجده. ويحدثنا أحمد بن حنبل عن "الرفق بالحسين" حيث كان الحسن والحسين يثبان على ظهر الرسول (ص) وهو في الصلاة، فيرفق بهما. وفي يوم السبت السابع عشر من شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة الموافق للثامن من نيسان/أبريل العام 620 م يدخل السرور قلب الحسين عند "ولادة الخال إبراهيم" من مارية القبطية. ويصعب على بعض المسلمين قبول "كرامة لأبي ذر" فيقول الرسول (ص) فيه: (لقد آمنت به أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وكفاه بذلك فخراً).


 


يوميات السنة التاسعة


ويستوعب المقطع السابع، يوميات السنة التاسعة، الذي يستهل بيوم السبت الأول من محرم الحرام للسنة التاسعة الهجرية الموافق للثاني والعشرين من نيسان/أبريل العام 630 م، وفي هذا الشهر تقع "الوشاية الخسيسة" من شقي يخبر فاطمة بخطبة علي لبنت أبي جهل، فأخذت الحسن والحسين وزينب الى النبي وأعلمته بالوشاية، لكن المحقق الكرباسي مع إيراده الحدث يطعن في الرواية كليا ويخلص الى أنها من وضع الوضاعين ودسائسهم. ويسمع أنس بن الحارث الأسدي وهو من أصحاب الصُّفة نداء الرسول (ص) ودعوته الى "نصرة الحسين" فيطول به العمر ويحضر كربلاء المقدسة ويستشهد بين يدي سبط الرسول. وعند "عيادة العباس للرسول" أنبأه ابن أخيه (ص) عن حب الحسن والحسين. وعند "نزول سورة النصر" يستقرأ العباس موت الرسول (ص) فيؤيد الرسول (ص) استقراءه، ويرجو الحسن والحسين في قصة طويلة، عكاشة الأسدي أن لا يقتص من النبي (ص) فانكب على بطنه يقبله وهو يقول: فداك أبي وأمي. وجاء عبد الرحمن بن سمرة المدينة ماضيا في "البحث عن النجاة" ويخبره الرسول (ص) أن النجاة في التمسك بعلي بن أبي طالب (ع) اذا اختلفت الأهواء فهو: (زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإن منه إمامي أمتي، وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين..). ويقدم الكرباسي رسما تخطيطيا عن المسجد النبوي عند "سد الأبواب" إذ أمر الله بسد أبواب الصحابة وبقية أقربائه إلا باب علي وأقر مسكن فاطمة والحسن والحسين على حاله. ويجهز الرسول (ص) "سرية علي الى فُلس" فيعاهد البيت العلوي بالرعاية. وبلغ الرسول (ص) "حديث المنافقين" في أهل بيته، فيخطب في فضلهم: (أولهم علي بن أبي طالب وهو خيرهم وأفضلهم، ثم ابني الحسن ثم الحسين ثم فاطمة الزهراء، والتسعة من أولاد الحسين...). ويستظهر الكرباسي من "عناية الرسول بالحسنين" في قصة جميلة أن الحسن والحسين كانا يلبسان العمامة في مثل هذا العمر. ويخلف الرسول (ص) عليا (ع) على المدينة وهو في طريقه الى "غزوة تبوك" فيعظّم في عيون المسلمين منزلته وأهل بيته. وتدخل الفرحة قلب الحسين وأخيه الحسن وأخته زينب الكبرى بعد "ولادة الأخت أم كلثوم" يوم الخميس السادس عشر من شهر رمضان. ويشهد المسلمون حضور "وفد ثقيف وتوثيق الحسين" لكتاب الرسول الى مسلمي ثقيف حيث شهد عليه هو وأبوه وأخوه. وفي "الحسين وأم أسلم" من أسد بن ربيعة، تجد هذه المرأة التي وفدت على الرسول (ص) في قصة طويلة أن صفات الإمامة قائمة في الحسين (ع) كما قرأتها في كتب الماضين. ويجهز الرسول (ص) "سرية علي الى بني زبيد" فيتعاهد البيت العلوي بالرعاية. وينقضي شهر رمضان ويطلب الحسنان "هدية العيد" ولا يجدانها في البيت العلوي، فيأتيهما جبريل بحلتين. واخبر الرسول (ص) احد الصحابة "نزول الرحمة" على علي والحسن والحسين. ويذهب علي (ع) الى مكة من اجل "إبلاغ البراءة" ويرعى النبي البيت العلوي. لفت انتباه عروة البارقي "شم النبي للحسنين" فسأله عنهما، فقال (ص): (إنهما إبنا ابنتي وابنا آخي وابن عمّي وأحب الرجال اليّ ومن هو سمعي وبصري ..). ويتقدم الرسول (ص) ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين نحو "المباهلة" مع نصارى نجران، فيمتنعون عن المباهلة، وبعد فترة أسلموا. ولم يمض العام حتى نرى "الحسين يقود الإعرابي الى دار أبيه" في المدينة حيث كان علي (ع) قد ضمن قضاء حاجة الإعرابي وهو بمكة.


 


يوميات السنة العاشرة


ويستوعب المقطع الثامن، يوميات السنة العاشرة، الذي يستهل بيوم الأربعاء الأول من محرم الحرام، الموافق للعاشر من نيسان/أبريل العام 631 م، وفي هذا العام تزايدت الوفود على النبي، فأراد الأنصار والمهاجرون تقديم شيء لتخفيف العبء عن الرسول (ص)، ولكن الأمر الإلهي نزل بأن يكون أجر الرسول (ص) هو "المودة في القربى" في علي وفاطمة وولداهما الحسن والحسين، وهنا قال الرسول للمسلمين كما يستظهر المحقق: (أساس الأسلام حبي وحب أهل بيتي). ويسمع الرسول (ص) عن "مفاخرة فاطمة وعائشة"، فيقول: (يا عائشة أو ما علمت أن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران وعليا والحسن والحسين وحمزة وجعفرا وفاطمة وخديجة على العالمين). وينقلنا ابن عباس وأبو رافع الى مجلس الرسول ليخبرانا عن "تحية أهل البيت". ويخبرنا جابر الأنصاري عن "طاعة أهل البيت" حيث التفت النبي (ص) الى المسلمين وقد أقبل علي والحسن والحسين: (أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى باهى بهما وبأبيهما وبأمهما وبالأبرار من ولدهما الملائكة جميعا). ثم إن "المرض يعاود الرسول" وهو نائم والحسن عن يمينه والحسين عن يساره لا يبارحان المكان حتى يصحو الجد ويلعب معهما. ثم إن "الرسول يُؤكل سبطيه" وهو يقول: (كُلا هنيئا لكما ..). ولطالما كان "جبريل يداعب الحسين" فينتقل من حجر النبي الى حجر جبريل الذي كان ينزل بصورة الصحابي دحية الكلبي. وتتجدد أحزان الرسول عندما يسمع "رؤيا هند" جدة يزيد قاتل سبطه الحسين (ع). ويدخل النبي على فاطمة (ع) في بيتها المتواضع، ثم يسليها ويذكرنا أن الحسن والحسين "زينة العرش" وركنان من أركانه. ويطيب النبي قلب ابنته وزوجها وسبطيه ويخبرهم عن "إشتقاق أسمائهم" من أسماء الله الحسنى. ويدخل الحسن والحسين مجلس جدهما وعنده جبريل بصورة دحية الكلبي، فيناولهما المَلك "فاكهة الجنة" تفاحة وسفرجلة. ويسمع الحسين (ع) "حوار اليهودي" مع جده حول علامات نبوته، فيطلعه على خبره أهل بيته في التوراة فيصدّق المحاور قول النبي. ويقف الصحابة على "كرامة الله للحسنين"، فيُرى النبي وعلى عاتقيه الحسين والحسين، فينشد حسان بن ثابت: فجاء وقد ركبا عاتقيه   فنعم المطية والراكبان. ويموت ابراهيم بن النبي محمد (ص) "فداء للحسين". ويحل الحزن قلب الحسين عند "وفاة الخال إبراهيم"، ولكن النبي (ص) يضمه الى صدره ويرشف ثناياه وهو يقول: (فديت من فديته بابني إبراهيم). وفضّل النبي "الشفاعة لأمته" يوم القيامة في موت الحسن مسموما وموت الحسين مقتولا.


 


الذكرى السادسة للمولد


وتحل الذكرى السادسة لمولد الحسين (ع) في الخامس من شعبان العام 10 هجرية الموافق للسادس من تشرين الثاني/نوفمبر العام 631 م، ويُرى الحسين يدخل المسجد النبوي، فيستقبله جده ويجلسه في حجره وهو يقول باكيا: (بُعداً لمن يقتلك يا حسين لا رحم الله من يعين على قتلك).  ويستظهر المحقق أن "الشقيق محسن" سماه الرسول وهو في بطن أمه فاطمة لعلمه أنها ستسقطه في عصرة الباب قبل أن يولد. ويجهز الرسول (ص) "سرية علي الى اليمن" فيعاهد البيت العلوي بالرعاية التامة. ويمضي شهر رمضان والحسنان لا يملكان حلة جديدة، فيقدم رضوان الملَك لهما "هدية العيد" قميصان ودرّاعتان وسروالان ورداءان وعمامتان وخفّان أسودان معقبان بحمرة. وفي "حجة الوداع" خطب النبي في عرفات وقال: (يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي..). وفي "غدير خم" يؤمر النبي بأن يبلغ الرسالة والله سيعصمه من الناس، فيطالبهم بالتمسك بالثقلين، وعندما يسأل السائل عنهما، يقول (ص): (كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، وعندها أخذ البيعة لعلي من جميع المسلمين نساءاً ورجالا، بما فيهم الصغار، مما يوحي أن الصغار لهم حق المشاركة السياسية كما الكبار. وبعد عودته الى المدينة أخذ النبي يعمل على "تكريس الولاية"، ويذكر المسلمين: (ألا وإني قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرّقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم..). ويسمع الرسول "مفاخرة الحسين لأبيه" فيدخل السرور في قلبه لعظمة الاثنين، ثم يعتنق علي ابنه وهو يقول: (زادك الله شرفا وفخرا، وعلما وحلما، ولعن الله تعالى ظالميك يا أبا عبد الله). وتدخل فاطمة (ع) في "حوار مع الحسين"، فيخبرها بعدها النبي في قصة طويلة عن اسم قاتل الحسين. ومن يريد معرفة "طريق الهداية" فليسمع النبي وهو يقول لأصحابه وقد دخل الحسن والحسين مجلسه: (هذان والله سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما، إن أخير الناس عندي وأحبهم اليّ وأكرمهم عليّ أبوهما ثم أمهما). واعلم أن "من ينكر فضلهم" فلا يزيده من الإسلام إلا ابتعادا. ويسأل الحسين (ع) جده (ص) عن "الأرحام والأوصياء" في تأويل قوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، فيقول (ص): (والله ما عنى بها غيركم، وأنتم أولو الأرحام، فإذا متُ فأبوك عليّ أولى بي وبمكاني، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به ...).


 


يوميات السنة الحادية عشرة


ويستوعب المقطع التاسع والأخير من الفصل الأول، يوميات السنة الحادية عشرة للهجرة، الذي يقع مستهلها يوم الأحد الأول من محرم الحرام، الموافق للتاسع والعشرين من شهر آذار/مارس العام 632 م، وهذه السنة هي الأخيرة من حياة النبي الأكرم، وكان يكثر من بيان فضل أهل بيته، ويخبرهم مرة بعد أخرى أن الحسن والحسين "ابناه عترته"، ولكن كما أخبره الحق: إن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس وسيخفرون ذمتك في ولدك، وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك ألا أُحله محل كرامتي ولا أُسكنه جنتي، ولا أنظر إليه بعين رحمتي يوم القيامة. ويجيب النبي (ص) على سؤال حذيفة بن اليمان أن "الأئمة من بعدي" عددهم :(عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم خزّان علم الله ومعادن وحيه). وتدخل جماعة على الرسول وفيهم عمر بن سعد بن أبي الوقاص "قاتل الحسين" وقائد الجيش الأموي في الكوفة فيتغير وجه الرسول وحاله. ويسأل أُبي بن كعب الخزرجي نبي الإسلام كيف يكون "الحسين مصباح هدى" فيجيبه (ص): (يا أُبيّ والذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعز وفخر وعلم وذخر...). ويدخل بعض الصحابة على النبي ويسألونه عن "الوصاية" من بعده فيشير الى علي ثم ابنه الحسن ثم الحسين والتسعة من صلب الحسين. ويخبرنا إبن عباس بشيء "من الوصايا" التي قالها النبي (ص) للمسلمين في فاطمة وعلي والحسن والحسين. ويواصل النبي يخبر صحابته عن "الخلفاء من بعده وفضائلهم" علي والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين آخرهم مهدي هذه الأمة القائم المنتظر. ويتحقق "إيمان نعثل" أحد علماء اليمن بعد أن أيقن أن قول النبي محمد (ص) في أوصيائه صدق. وسمع المقدام بن معديكرب الكندي قول النبي (ص) في سبطه "حسين من علي" بلحاظ الشبه الجسماني في القسم العلوي، كما يستظهر المحقق. وعند "مفاخرة أهل البيت" قال النبي لعلي وفاطمة والحسن والحسين: (أنتم مني وأنا منكم). ويحدث علي ابن عمه عبد الله بن عباس عن "رؤيا فاطمة" في ولديه الحسن والحسين. ويشدد النبي على ابن عباس "التمسك بالآل"، ويخبره بمقتل حفيده الحسين (ع). ويُسأل الحسين على صغره عن "تسبيح الحيوان" فيجيب عن لسان حال 52 حيوانا، ويدعمه المحقق بصور ملونة للحيوانات، مع شرح مفصل لكل حيوان من طائر او راجل أو زاحف. وأمر الرسول (ص) عليا (ع) "النداء في المدينة" فيعلمهم فضل أهل بيته. وينقل الحسين (ع) قصة "الشهادة بالولاية" وتسليم الصحابة على علي (ع) بإمرة المؤمنين. وقبل أيام من رحيله صعد الرسول (ص) المنبر "يخطب الناس في الحسين" ويبين لهم ما يحل على أمته وأهل بيته من بعده ومن ذلك مقتل ولده الحسين في كربلاء. وينقل الحسين قصة "ابن صياد الدجّال" وهو في محضر جده محمد (ص). وينفذ الرسول (ص) "جيش أسامة" لمقارعة الروم على الأطراف الشمالية لدولة الإسلام، والحسين يشاهد الاستعدادات والتجهيزات، وتخلف البعض عن ذلك. وعن "مرض النبي ووصاياه" نسمع وصيته في أهل بيته المرة بعد الأخرى. وقبل الرحيل يحصل "الاجتماع بالمهاجرين والأنصار" والحسين يشاهد تحركات جده ووصاياه للمسلمين ودعوته لأن يتمسكوا بالقران والعترة. ويخفف النبي (ص) عن "حزن علي" ويبشره بمنزلته يوم القيامة واللواء بيده حيث الحسن عن يمينه والحسين عن شماله. وتزداد وتيرة "زيارات فردية" يقوم بها كبار الصحابة للنبي في مرض الموت، ولا ينقطع الرسول (ص) عن الوصية بالقرآن وأهل بيته. وحيث حلَّ الخميس الرابع والعشرون من صفر "أربع قبل الرحيل" فان بعض الصحابة منع الرسول في هذه الليلة من كتابة الوصية فسماها ابن عباس رزية يوم الخميس، حيث أراد النبي (ص) كما يقول علي (ع) أن يسمي الخلفاء من بعده. وبعد صلاة الفجر "ثلاث قبل الرحيل" خطب النبي (ص) بالمسلمين وأشار عليهم التمسك بأهل بيته وبالقران الكريم. و"يومان قبل الرحيل" دخل سلمان وأبو ذر والمقداد وأبو أيوب الأنصاري على النبي (ص) فدعاهم الى التمسك بولاية علي والحسن والحسين (ع). و"يوم قبل الرحيل" يخطب الرسول آخر خطبة ويدعو المسلمين الى التمسك بالقرآن وبعترته الطاهرة. وفي "الليلة الأخيرة" يوصي النبي (ص) عليا (ع) أن يحضر معه فاطمة والحسن والحسين عند تجهيزه. وفي يوم الإثنين "يوم الرحيل واللُقى" الثامن والعشرين من صفر، يبشر النبي (ص) ابنته فاطمة (ع) ببشائر ويخفف من بكائها عليه، وكان كل من الحسن والحسين يناديان الرسول بقولهما: يا أبتي، حتى فاضت روحه الطاهرة (ص) وهو بين يدي علي (ع). ثم "وأخيرا" ينهي الحسين بفقد جده (ص) مرحلة هامة من مراحل حياته، ليتوقف عندها قلم المحقق الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، وليعرج بنا الى سماء الحسين في مراحله اللاحقة في الأجزاء الثمانية الباقية من السيرة الحسينية.


 


ملاحظات عامة


أولا: عاهد المحقق الكرباسي قراءه تقديم المعلومة موثقة بالتاريخ والصورة والجداول لتكون المعلومة أكثر هضما وفهما، يجعلنا نعيش اليوميات والوقائع على بعد أربعة عشر قرنا كأننا نعيشها اليوم ونتعايش معها، ولذلك نجد في هذا الجزء فضلا عن اليوميات الموثقة بالخرائط، جداول للوقائع والأحداث، وجداول بالسرايا التي أرسلها الرسول، وقائمة بالوفود التي وفدت على الرسول (ص)، وجدول بمعظم الغزوات والمعارك التي أمر الرسول بها والمتزامنة مع حياة الامام الحسين (ع)، وجدول الوثائق التي أصدرها الرسول أثناء بناء كيان الدولة الاسلامية.


ثانيا: لا يستغني المحقق عن تذليل المعلومة للقارئ بالفهارس المتنوعة، فنجد فهرس الآيات المباركة، الأحاديث والأخبار، الأمثال والحكم، الأعلام والشخصيات، القبائل والأنساب والجماعات، الطوائف والملل، الوفود، الجداول والخرائط، الوظائف والرتب، الآلات والأدوات، الإنسان ومتعلقاته، الحيوان ومتعلقاته، النبات ومستحضراته، الفضاء ومتعلقاته، الأرض ومتعلقاتها، المعادن، الأماكن والبقاع، الزمان، الوقائع والأحداث، التأريخ، مصطلحات الشريعة، المصطلحات العلمية والفنية، الفهرس اللغوي، المصادر والمراجع، المؤلفات والمصنفات، فهرس مؤلفي المراجع، بالإضافة الى فهرس محتويات الكتاب ومندرجاته.


ثالثا: إن قراءتنا ليوميات الحسين (ص) من منظار سيرة جده محمد (ص)، تجعلنا نؤمن أن الحسين على صغره عايش الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في المدينة خطوة بخطوة، وحسب تعبير المصنف: "أدرك مسائل الحياة: صغيرها وكبيرها، مرها وحلوها، خاصّها وعامها، فلم يضرب بينه وبينها حجاب، ولم يبتعد عنها لحظة، واكب الدين والدنيا، وزق العلم والثقافة والأخلاق والسياسة والحكمة زقا، لم يغب عنه أمر ولم يخفَ عليه شيء إنه من النبي والنبي منه.


رابعا: إننا نقرأ من خلال عدسة اليوميات في هذا الجزء والذي سبقه، جانبا من سيرة النبي الأكرم محمد (ص) وأهل بيته، ونطلع على جوانب من فضائل صحابته الكرام، ومكانتهم عند النبي (ص) وموقعهم من خارطة الإسلام.


خامسا: لا ينفك النبي (ص) يخبرنا عن المهدي المنتظر الذي سيخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا.


سادسا: نستوحي من اليوميات، أن البيت العلوي لم يكن منغلقا على نفسه، بل كان وما يملك للمسلمين، وما أخبار تعب فاطمة (ع) من عجن الطحين وخبزه وسواد القدر، بسبب خدمتها لزوجها وأطفالها فحسب، وإنما لكثرة الطارقين بيتها يطلبون الطعام او المساعدة المادية، حتى نزلت فيهم سورة الدهر.


سابعا: نقرأ من خلال اليوميات، سبب نزول الآيات وتأويلها، بخاصة النازلة في أهل البيت (ع)، ولذلك فان السيرة الحسينية تنفتح على القرآن وعلومه من بابه الواسع.


ثامنا: تسلط اليوميات الضوء على جوانب مضيئة من شخصية سيد الشهداء الحمزة بن عبد المطلب حامل لواء الإسلام والمدافع عن دين الله، وشخصية سفير الإسلام السامي الى العالم الخارجي الشهيد جعفر بن أبي طالب.


تاسعا: إن اليوميات التي ساقها الكرباسي بأسلوب سلسل، تشكل في واقع الأمر مادة خصبة لرواد الفن المسرحي والتلفزيوني والسينمائي، كما إنها مادة خصبة لخطباء المنبر الحسيني، وبخاصة وان المحقق لم يمر على واقعة او يومية دون أن يُعمل فيها جهده من تدقيق وتمحيص.


عاشرا: لا نكاد ننهي قراءة أي جزء من أجزاء الموسوعة الحسينية دون أن نقرأ عنه رأيا أو عرضا أو نقدا لعالم من العلماء ومن جنسيات وأديان ومذاهب مختلفة.


 من هنا يؤكد الباحث الفلسطيني ومن الموحدين الدروز رئيس الكلية الأكاديمية العربية للتربية في حيفا، الدكتور نجيب نبواني وتحت عنوان (الرقم القياسي في العمل الموسوعي) على أننا في الجزء الثاني من السيرة الحسينية: "طالعنا العديد من سير الرجال في عصور التاريخ المختلفة، فلم نطالع سيرة أكبر ولا أعطر من سيرة سيد الشهداء الحسين بن علي كرم الله وجه، لقد كانت حياة هذا الانسان العظيم قصيرة ولكنها حافلة بجلائل الأمور وكان لها اكبر الأثر على الأجيال العديدة التي تعاقبت بعد مصرعه المروع والمؤلم في كربلاء" مثنيا على المحقق الكرباسي الذي: "حاول ناجحا التوقف عند محطات في حياة الامام الحسين محاولا إرجاع الحق الى نصابه ورد التاريخ الى محرابه من اجل إبراز الحقيقة الواضحة للأجيال القادمة".


 


* إعلامي وباحث عراقي


الرأي الآخر للدراسات – لندن


alrayalakhar@hotmail.com