١٥‏/٨‏/٢٠٠٦

تسيبي لفني شخصية مستقلة وتملك القدرة علي وراثة اولمرت المتغطرس
2006/08/15
زعيم يطعن وزيرة خارجيته زمن الحرب ليس حكيما
يُذكرنا اهود اولمرت احيانا بايهود باراك. لا بخبرته العسكرية، ولا بتفكيره التحليلي، ولا بسجله الشخصي كمقاتل من أبطال اسرائيل. في هذه الموضوعات يأكله باراك في فطوره. انه يشبهه في الأساس في عجرفته، وفي كِبره، وفي اطلاقه الاوتوماتيكي النار علي الخصوم، سواء أكانوا حقيقيين أم وهميين.
تغطرس اولمرت هذا قاده في نهاية الاسبوع الي أن يعلن الحرب علي وزيرة خارجيته ايضا تسيبي لفني. لقد انقض بقسوة علي من غضت احتراما له عينيها، وكأنها لم تعرف ما سجله، وطعنها بسكين طويلة، وضمها الي أعدائه بموهبة كبيرة. وقد اعترف بذلك بأنها قادرة علي هزيمته في المنافسة علي رئاسة الحكومة.
يمكن توجيه النقد الي لفني في موضوعات مختلفة. لكنها بصراحة ليست اولمرت: فليس لها هياكل عظمية في الخزانة، وليس لها ملفات مفتوحة أو مغلقة في النيابة العامة أو في مكاتب مراقب الدولة، وليست لها علاقات بمخالفين للقانون. لفني حذرة مسؤولة في عملها الرسمي، وتعرف كيف تتلقي وتتحمل النقد، ولا تُهدد الصحفيين. إن حقيقة أن ليس فيها شر وسوء، كما هي الحال عندنا، جعلت الأمور حسنة معها في هذه الاثناء. اولمرت يفهم هذا.
تستطيع لفني اليوم أن تجلس في كرسي رئيس الحكومة. بحسب الاستطلاعات، كان النصر في جيبها. لكنها تخوفت من أن تُسقط الحرب داخل كديما علي تركة شارون حزب الفجر الجديد، وتصرفت تصرفا فروسيا: لقد نزلت سلفا عن كرسي المُلك، وغضت عينيها، وأغلقت أنفها. وقد دعت الي تأييد من لا يزيد عليها موهبة، وأقنعت كثيرين ساذجين بالانضمام الي الجماعة. يجوز أن نُقدر أن جزءا كبيرا من انجاز كديما مسطور اليوم في سجل اسمها.
عرف اولمرت، مثل عدد من مخلصيه في ديوانه وفي الاعلام، ما الذي تساويه لفني في يوم الانتخابات، لهذا وافق فورا علي ترفيعها واحتضنها احتضانا شديدا. بيد أن هذه الاحتضانات لم تمحُ الحسد والريبة: ابتدأ اولمرت يقص من أجنحة وزيرة خارجيته، وتركها في الظل، وألمح الي أنها شديدة الاستقلال. وقد كشف عن أنها تحظي باجلال كبير في الخارج، وأن لها خطوطا حمراء، وأنها تخاف التعبير عن رأيها حتي لو لم يكن يقبله. انها ليست خاضعة عمياء.
إن هذا التأليف بين اليدين النقيتين ورفض وزيرة الخارجية أن تكون ممثلا ثانويا في مسرح حكومة اولمرت، جعلها في الاسابيع الأخيرة خطرا علي المملكة ، جُرح اولمرت الان جرحا شديدا في حرب لبنان الثانية، وابتدأ الجمهور يفهم أن الحديث عن هاوٍ، وتنتصب لفني مرة اخري مرشحة مناسبة لوراثته. بعد ما حدث لرئيس الاركان دان حلوتس في هذه الحرب - بعد أن وُجد من خاطوا لاجله حُلل رئيس الحكومة - بقيت منافِسة وحيدة. هذا، كما يبدو، ما أخرج ويخرج الصديق اولمرت عن طوره. بدل أن يعد الي عشرة، وأن يري بازائه مصلحة الدولة، وأن يُجيز في يوم الجمعة خروج وزيرة الخارجية لمباحثات مجلس الأمن - أمرها رئيس الحكومة بالبقاء في البيت، وكأنه حاول أن يعاقبها علي زيادة استقلالها التي كشفت عنها في المجلس الوزاري للحرب. لقد أجري عليها مراسم إذلال معلنة.
إن الزعيم الذي يطعن وزيرة خارجيته بسكين في ظهرها، وبخاصة في الحرب وبغير علّة حقيقية، ليس حكيما اذا لم نشأ المبالغة. إن عدم الفهم هذا، ولن نقول الغباء، يدلنا أكثر من سواه من الذي وضعت الدولة حياة الناس تحت مسؤوليته. انه لا يري لمتر واحد أمامه. ومن الحقائق أنه لم يفهم أنه لن ينجح بذلك في القضاء علي تسيبي لفني. لقد ردت بالنار علي مصادر اطلاق النار وخرجت قوية. بطريقتها المهذبة وجهت اليه صفعة.
مردخاي غيلات
(يديعوت احرونوت) ـ 14/8/2006
كارينا تغني للسلام

GMT 4:45:00 2006 الثلائاء 15 أغسطس

إيلاف


الفنانة اللبنانية كارينا
   إيلاف من بيروت: تحت إدارة المخرج "جيلبير الغبري" ومدير التصوير "زياد خوري"، انتهت الفنّانة كارينا من تسجيل أغنية "السلام" من ألبومها الأخير " على طول " في استوديو " أوديو فيزيون "، وتأتي الأغنية كتعبير عن المرحلة التي يعيشها لبنان، والتي استفزّت الكثير من الفنّانين العرب لتسجيل أغان خاصّة بلبنان.
الأغنية من كلمات "عادل رفول" وكارينا وألحان "هايغو"، وهي تتضمّن مقاطع بالعربية، الإنكليزية ، الفرنسية ، الإسبانية، الأرمنية و"الولوف" اللغة الأفريقية حيث ولدت.
لقطة من الكليب
  وتدعو بكل هذه اللغات إلى السلام، الوحدة، التضامن واحترام حقوق الإنسان.

 

يُدها التي في مَكْمن ضعْفٍ

عماد فؤاد

لمْ تكن عَرْجاءَ
كانتْ كُتلةَ عِظامٍ
جُمِّعتْ إلى بعْضها البعضِ
بعفويَّةِ صانعٍ مبتدئ

الحَدْبَةُ الخفيفةُ خلفَ كتفها الأيمنْ
سوَّتْ بُروزَ نهديها الملفوفينِ
بصدرِها المَلْمُوم
وقِصرُ إحدى ساقيها خمسة سنتيمترات
جعلها تمشي بانحناءةٍ مفضوحةٍ؛

كان على يدها اليسرى
أن تتَّكئ بقوةٍ
إلى رُكْبةِ ساقها
فينحني جذعُها كلَّما مشتْ
كعبدةٍ.
سبعةٌ وعشرون عاماً
ولم ترعشها النَّشوةُ
بين ذراعين حقيقيتينِ
لم يختلطْ عرق جسمها البضِّ
بماءِ سواها

سبعةٌ وعشرون
لكنَّها شبقةٌ بما يكفي
لتخيّل طعمه في فمها
هِيَ التَّي
سرقتْه نتفاً في زحامِ المواصلاتِ العامة
تلصَّصتْ كممسوسةٍ
على شبابيك جيرانها المتزوجين حديثاً
أرهفتْ سمْعَها بحرصٍ
لطقطقة عِظام زوجات أشقائِها في الغرف المجاورة
وتركتْ نفسها هامدةً كجثَّةٍ
تحت يد جارِها الذي هَرَسَ لحمَها على بَسْطةِ السُّلمِ
حين انقطعَ النُّورْ.

كانت صبورةً
الصَّبر الذي علَّمها تحمُّل هشاشة عظامها
عمراً بأكملهِ
وقسوة زوجات أشقائها
حين ينادينها بكلمة "عانسٍ"
كلَّما تشاجرن معها.

المغفَّلة
لم تُبدِ نظرةَ تشجيعٍ
للجِلفِ الذي ألصقَ جذعَهُ بكتفِها في الأتوبيس
كذبَّتْ ظنونَها في البدايةِ
ثمَّ أغمضتْ جفنيها على كحلهما العربيِّ بقوةٍ
فيما سنَّتاها الأماميتان
تضغطان بنشوةٍ على شفتها السُفْلى
حين أحسَّتْ بانتصابه يتمسَّحُ كطفلٍ
بنهدِها المحمومْ
شعَرتْ به بارزاً تحت بنطاله الرَّماديِّ
وصلباً كعمودِ خيمةٍ
فحرَّكتْ كتفها قليلاً
كي تحسَّ نبضَه كاملاً
بين نهديها.

في جلستها الضَّئيلة أمام خاصرته
جرحتْها عيون المتطفلين وهْي تمسحها بنظرة لومٍ
فرمتْ عينيها خارج النَّافذة محطَّمة الزُّجاج
وهْي تدسُّ أصابعَها المرتعشة بين فخذيها
حيث بللٌ مفاجئٌ ضربها كزلزلةٍ
في مَكْمَنِ ضعْف.

مغفَّلةٌ
لو انتظرتْ قليلاً
لشعرتْ بقذفِهِ القويِّ فوق صدرِها المرفوعْ
لكنَّها سحبتْ كَتْفيها إلى مسندِ كرسيَّها العتيق
حين أحسَّتْ بروحِها تنسابُ كقبضةٍ من مياهٍ
بين وركيها
وتشنجتْ أصابعُها الخمسةُ
على حافةِ الإفريزْ.

كلُّ ليلةٍ
تدخل غرفتَها المطلَّة على الشَّارعِ
وتكمن كقطةٍ هاربةٍ تحتَ غطائِها الثَّقيل
تكتم أنفاسَها المحمومةَ
وهْيَ ترفعُ قميصَها الأسودَ الحريريَّ
إلى ما فوق حلْمتيها الصّلبتينْ
( قميصها الأسود الشَّفاف
غافلتْ أمَّها ذات ليلةٍ
وسلبتْهُ خِلْسةً من جهاز عرسها )

بيدٍ مرتجفةٍ ومعروقة
ترفع حريرَ قميصِها
حتَّى تشمَّ رائحةَ الصَّابون المعطَّر
وعبقَ حبَّات النَّفتالين
وتنظر إلى جرحِها السَّاخن
بعتاب أمٍّ.

تقرِّب كفَّها منه
بخوفٍ في البداية
كطفلةٍ تجرِّب أثر شعلةِ شمعةٍ
على يدها الصَّغيرة
ثم تدعكه ببطءٍ وخفَّة
فتهتزُّ عروشُ آلهةٍ وأربابٍ
تفترضُ وجودهم
في الأعالي.

لم تكنْ عَرْجاءَ
كانتْ كُتلةَ عِظامٍ
جُمِّعتْ إلى بعضها البعضِ
بعفويةِ صانعٍ مبتدئٍ.

مفتوحة السَّاقين
فوق فراشها الكبير
كأنَّما أعضاؤها مفكوكةٌ
كنجمةٍ معلَّقةٍ في ليلٍ بلا انتهاء
أخفُّ من دعاءٍ على يدين مفتوحتينِ
وأثقلُ من وجعٍ على جسدين يلتقيانْ.

علَّمتْها الوحدةُ
والأيامُ
التي تخطو فوق تُرابِها بلا أثرٍ
كيف تربِّي وجعها السَّاكن بين وركيها
كذنْبٍ لا يغفره الله
كيف تكوِّره كحجرٍ
وتقذفه بعيداً
بكفٍّ واحدةٍ أو أقل
عرفتْ كيف تروِّضه ككلبٍ
وتجعله خاتماً
في إصبعها الصَّغير.


فقطْ
إصبعان يفتحان شفتيه برفق
وثالث يحكُّ بظرَها المنتصب
بلا رحمةٍ.

البنتُ التي تبكي بنهنهةٍ
كلَّما لسعتْها المتعةُ بين وركيها
تغلقُ عينيها على وجعٍ
وتفتحهما على أوجهٍ مضبَّبةٍ
تجيءُ من عدمٍ
وإلى عدمٍ تروحُ
أوجهٍ
يظلُّ أصحابها
مصلوبين بين ذراعيها
وهمْ يحكُّونَ ألسنتَهم السَّاخنة
في عضوها المفتوحْ.

يا الله
ثلاثة أصابعٍ فقطْ
وتشعرُ بجسدٍ خشنٍ يهتزُّ معها
جسدٍ جميلٍ
يعرفُ كيفَ يغطِّي كلَّ جزءٍ من جسْمها الملفوفِ
بفُجْرٍ محبَّبٍ.

تهتزُّ
تترجرجُ انحناءاتُها في فرحٍ موجعٍ
وصدرُها البريُّ يعلو ويهبطُ
كأرجوحةٍ
فيما مِلْح دموعِها يلسعُ جفنيها المحتقنينِ
وثمَّة إصبعٌ
إصبعٌ وحيدٌ
تَقشَّر لونُ طلاء ظفره
يندسُّ إلى أقصى نقطةٍ
ببطءٍ رحيمٍ
بين وركيها.

القاهرة – Gent


*منعت هذه القصيدة من النشر ضمن مجموعة الشاعر الثالثة: "بكدمة زرقاء من عضَّة النَّدم" - القاهرة 2005.

شاعر مصري يقيم في بلجيكا
http://www.emadfouad.com


مجموعتا رعدعبدالقادر في كتاب واحد

GMT 14:30:00 2006 الإثنين 14 أغسطس

جورج جحا


بيروت من جورج جحا (رويترز): يتسم معظم قصائد الشاعر الراحل رعد عبد القادر في مجموعتيه اللتين صدرتا بعد وفاته.. بقماشة شعرية مميزة ذات ملامح خاصة بصاحبها وبأجواء تجعل عاديات الحياة تنبض بحيوية وتتحول الى عناصر ايحائية دافئة. بشكل عام.. المجموعتان اللتان جاءتا في كتاب واحد وبصورة خاصة مجموعة "صقر فوق رأسه شمس".. شكلتا كما ورد في مقدمة الكتاب تحولا في تطور نتاج الشاعر العراقي الذي توفي عام 2003 في بغداد عن خمسين عاما من العمر. اما المجموعة الثانية فقد حملت عنوانا هو "عصر التسلية". صدر الكتاب في 356 صفحة متوسطة القطع عن "دار المدى للثقافة والنشر" في دمشق.

وقد جاء في مقدمة الكتاب التي لم تحمل اسم كاتبها. ومنذ مجموعته الشعرية الاولى (مرايا الاسئلة - 1979) بدا رعد عبد القادر يسعى الى الاشتغال على قصيدته بهدوء ميزه عن بقية اقرانه من بعض شعراء ما سمي جيل السبعينات الذين اتسمت تجاربهم بصخب واضح..." وهذا الهدوء في تجربته "يتمثل في المستوى الجمالي والدلالي للقصيدة التي اشتغل على كتابتها وفي طبيعة افصاحه عن تجربته وفي وسط صخب بسجالات غطت في غالب الاحيان على صوت القصيدة وهي سمة اصبحت غير خافية في اية اعادة تقويم لتجربة شعراء السبعينات في العراق."

في قصائد النثر التي كتبها عبد القادر أجواء غرابة.. ضبابية حينا ونفاذة حينا آخر تنسج بما قد يصح وصفه مجازا بانه "خيوط سحرية" او بانها تشبه احلاما بغلالات شفافة. وهو دائما يلتقط بعض يوميات الحياة وعادياتها ويحولها الى تلك الاجواء والى حالات يسبح فيها الرمزي والمجازي في بحر من الدفء والايحاء.

في قصيدة "اجواء ذائبة" من مجموعة "صقر فوق رأسه شمس" يقول رعد عبد القادر وكأنه يروي قصة "عامل الهواتف/ حط ذات شتاء قرب كابينة غارقة بالماء/ بعد دقائق اختلطت الاصوات بالماء وذابت/ قطرات من الشمس تلألأت على سطح اوراق/ لشجرة عجوز/ عصفور حرك ذيله محاولا التخلص/ من كرة الاسلاك/ قطرات من دمه على الارض اختلطت بذهب الغروب/ اسند رأسه الى باب الكابينة وغفا/ سقطت من يده الاشياء../ سماعة الهاتف/ مقص صغير/ واوراق/ نثرتها الريح .../ كانت الاصوات تصله في النوم/ انتصبت قرب رأسه شجرة وارفة الظلال/ ومرت به امراة وضعت على ضريحه وردة/ ومضت/ الان الكابينة الغارقة بالدم/ غارقة بالدم/ الكابينة الغارقة بالدم."

ونقرأ في قصيدة "تحولات" ما يشبه سريالية ذات طابع خاص. يقول "هذه الخرقة المرمية بماذا تفكر../ باشباحها المنتقاة بدقة/ بحاجتها الى الظهور/ باعلان براءتها من القتل المتعمد..../ كيف وهي مرمية تأخذ تفكيرها الريح/ حيث لا اقدام تنقل الكرات/ الى هدفها المصمم/ ولا رؤوس.."

وفي اجواء مماثلة نوعا ما يمتزج فيها الواقع بالغرابة يخلق من بعض يوميات القتل والموت في بعض عالمنا حالة إنسانية ينتقل فيها الواقعي الى ما هو فوق الواقعي وتضيع الاحلام الكبيرة بين حطام او ركام احيانا... وتستمر الحياة.

ففي "سيارة تاريخية" يقول "هيكل سيارة في العراء كسقيفة في صحراء/ ضوء القمر يسقط على لوحة المفاتيح/ السيارة تنطلق/ الرجال الملثمون الثلاثة اختفوا في الموعد/ لم يستطيعوا تغيير العالم/ الرجل الجالس في الخلف لم تخترقه الرصاصات/ الريح في الخارج مازالت ريحا في الخارج/ هيكل السقيفة ما زال شاخصا/ ضوء القمر ما زال يسقط/ مرآة السيارة ما زالت تظهر العراء المملوء/ بالاصوات."

في قصيدة "جريمة قتل" يضفي ما يبدو سرياليا جوا لا من الغرابة فحسب بل من الشك والاتهام اللذين لا حدود لهما. وياتي ذلك كما في سائر القصائد في تصويرية مؤثرة. يقول "الايدي تتلامس قرب النافذة في المنزل المقابل/ بألفة/ انهم يسحبون الجثة/ ويوارونها في الحديقة/ في الصباح خرج الرجل الاعمى/ مادا يده الى امام/ انه يتجه الى النهر/ كانت الابتسامة تخفي/ جريمته."

وفي مجالات اخرى تتحول هذه الغرابة فلا تعود تثير الشك والاتهام.. بل تصبح اقرب الى عالم احلام طفولية ناعمة. من ذلك قصيدة "سرير الاحلام" حيث يقول "الاحلام الوردية في سرير الرجل النائم/ لم تظهر في مرآة الغرفة المغلفة/ بورق الجدران/ كانت النجوم في الورق ترسل بضوئها في المرآة/ قنينة الغاز كانت ترسل بضوئها في المرآة/ قنينة الغاز كانت ترسل بضبابها/ الرجل لم يعد يتنفس/ والاحلام نزلت من السرير الى الارض/ وفتحت النوافذ ونظفت الغرفة/ ووضعت وردة في فوهة قنينة الغاز/ وانسلت بعيدا يدا بيد مع الرجل/ النائم في السرير/ والنجوم ما زالت تسطع في ورق الجدران."

حوار مع نقاد عراقيين حول الإعلام العراقي

GMT 8:15:00 2006 الإثنين 14 أغسطس

صفاء ذياب


حوار مع نقاد عراقيين حول الإعلام العراقي: حقيقة أم وهم؟

صفاء ذياب من بغداد: في العام 2004 هاجمت القوات الأميركية مقر جريدة (الحوزة) التابعة لمقتدى الصدر، ودمرته وأغلقت الجريدة حتى إشعار آخر، على إثرها بدأ أنصار جيش المهدي بقتال القوات الأميركية وصولاً إلى أحداث النجف الأشرف التي لم تنته إلا بتدخل كل الأطراف العراقية، السياسية والدينية. هذه الحادثة وضعت حرية الإعلام العراقي على المحك! خصوصاً بعد ظهور أكثر من 250 جريدة في تلك المدة لعدم وجود أية رقابة على إصدار المطبوعات، فكل من المال استطاع ان يصدر جريدة على حسابه الخاص، فضلا عن الأحزاب التي زادت على المائة حزب، إذ اصدر كل واحد منها جريدة باسمه...
وقبل مدة حاول البرلمان إقامة دعوى جزائية على الشاعر والكاتب العراقي احمد عبد الحسين الذي كتب عموداً في جريدة الصباح انتقد فيه عمل البرلمان والحكومة العراقية المنبثقة عنه... عندها انبرى أكثر من كاتب للدفاع عن هذا الصحفي الذي لم يفعل شيئاً سوى انه قال رأيه بكل صراحة ووضوح، وهو المعروف عنه جرأة الرأي وعدم تخوفه من أي شخص...

إذن، أين هي حرية الإعلام العراقي؟
خلال الأشهر الماضية تصاعدت لغة التهديدات من قبل المجموعات المسلحة والأحزاب الدينية على كل الصحفيين، فما ان يقول صحفي ما رأيه حتى يقتل أو يهجر عن طريق التهديد، وهذا نابع من تخوف هذه الأحزاب من قول أية كلمة ضدها، وهي التي لا تترك يوماً إلا بخنق صوت من الأصوات الصحفية والإعلامية... والأسوأ من ذلك أننا نعيش في حالة فوضى تثبت كل يوم اننا بلد يعيش بالقدرة الإلهية، فعلى الواقع لا نرى أي ملمح من ملامح الحكومة، العبث الذي تتصرف به قوات الشرطة والحرس الوطني يشعرنك بأنها لا تتبع لأية جهة أبداً، أو ان كل أفرادها تابعين لأحزاب ما وتأتمر بأمرهم، كل هذا والإعلامي العراقي يعيش على هامش فتوى جاهلة، إما ان تتركه حيا، أو ترميه وراء الشمس!
في خضم هذه الأوضاع حاولنا استنطاق بعض الإعلاميين عن قضية حرية الإعلام، وما يعانون منه جراء ما نراه كل يوم:

هل لدينا حرية إعلام؟
* الكاتب والإعلامي سعد محمد رحيم الذي يعمل مراسلاً لجريدة المدى في بعقوبة، وهي من اخطر مناطق النزاع الطائفي والحرب المستمرة، يرى ان حرية الإعلام غير ممكنة في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، فكيف يستطيع أي صحفي الكتابة وهو مهدد في أية لحظة بتصفيته على يد أي من الجماعات المسلحة أو الميليشيات، فيقول:  
عراقياً، في الظاهر، هناك فوضى وانفلات في قطاع الإعلام... وهذا يمنح انطباعاً بتوفر حرية واسعة إن لم نقل مطلقة يستطيع الإعلامي استثمارها في نقل الخبر والتعليق عليه أو في التعبير عن رأيه حول القضايا الراهنة، والكتابة عمّا يشاء وكيفما يشاء من غير حسيب أو رقيب. لكني أجد الأمر مختلفاً تماماً فالإعلامي العراقي، اليوم، وقبل أن يمارس وظيفته يمارس على نفسه رقابة صارمة ويحسب بدقة وحذر حساب أكثر من جهة وأكثر من سلطة، سلطات اجتماعية وسياسية ودينية منبثة في كل جزء من نسيج المجتمع مقابل ضعف قدرة الدولة في كبح جماحها... في الحقيقة يتعامل الإعلاميون العراقيون اليوم مع فرشة واسعة أو سلسلة معقدة من المحرمات، ولا أقول أن الإعلامي العراقي قد خضع أو استسلم تماماً، بل هناك الكثير ممن يؤدون مهمتهم بشجاعة في حقول ألغام، وقد دفع بعضهم حياته ثمناً لذلك، ناهيك عمن هُدد أو اعتقل أو اختطف أو أجبر على السكوت.
لدينا دستور دائم يكفل حرية الصحافة والإعلام، لكن السلطة التنفيذية في الوقت الحاضر بسبب الظروف المعروفة ليس بمستطاعها حماية الصحافيين والإعلاميين إذ تسعى جهات، لا يعلم إلا الله عددها، في الحكومة أو خارجها لتكون دولاً داخل الدولة القائمة.
هناك مشكلة حرية إعلام في العراق، نعم، وهي جزء من المشكلة العراقية الكبيرة، جزء من حالة المخاض العسير والمؤلم لتأسيس الدولة العراقية الجديدة. وأعتقد أن هذه المشكلة لا يمكن حلها إلا في إطار حل بقية المشاكل والمعضلات السياسية والاقتصادية والأمنية. وإلى ذلك الحين ستكافح الصحافة والإعلام لإثبات وجودها وأداء دورها.
أجد أن جزءاً من الفوضى الحالية سببها فوضى الإعلام، إذ يستطيع أي شخص أن يدلي  بدلوه ويتكلم ويكتب حول القضايا الخطيرة والحساسة بغض النظر عن إمكاناته ونواياه، وللأسف أتاح توسع تقنيات الإعلام والاتصال المتطورة وسهولة استخدامها الفرص للجميع- من يسعى إلى الحقيقة ومن يلفقها لأسباب شتى- وفي خضم هذه الفوضى يجري الترويج للطائفية والشوفينية وممارسة العنف وترسيخ قيم الكراهية والأحقاد، ومن ثم تتم تغذية كل ما يفضي بالأمور إلى تمزيق البلد وقتل نخبه وإضاعة موارده المادية والبشرية وتبديد فرصه في التحرر والاستقلال والتنمية.
لا معنى لمقولة "حرية التعبير والنشر والإعلام" في ظل انعدام الأمن وإذ يسرح ويمرح القتلة والخارجون على القانون ودعاة الفوضى والخراب بحرية... لست مع الرقابة والحجر على الآراء والأفكار والمعلومات من الناحية المبدئية. لكن في الوقت نفسه لا بد من وضع حد لأولئك الذين ينهشون في جسم البلاد ويدفعون بحياتنا إلى العدم، وبمستقبلنا إلى الظلام.

حكومة عاجزة... وإعلام صامت
* عبد الستار جبر، محرر صفحة الرأي في جريدة المؤتمر، يرى في ان سبب تقيد الإعلامي العراقي هو عجز الحكومة تجاه استفحال الحركة الطائفية في العراق، التي تتحكم في الشاعر العراقي، ومن ضمنه الحرية الإعلامية:
أكثر من مائة صحيفة بين يومية وأسبوعية، فضلا عن المجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية، ناهيك عن انتشار القنوات الأرضية والفضائية (إذاعيا وتلفزيونيا)... انه مشهد إعلامي عراقي ثر يعج بتنوع وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية، إذا ما قورن بما كان عليه حاله تحت سقف الدكتاتورية السابق.
لكن، على الرغم من هذا الثراء الإعلامي الواضح، والتغير الذي طرأ على الواقع الإعلامي في العراق بعد 9/4 هل يمكننا الحديث عن وجود حرية تتمتع بها وسائله؟ والحرية هنا لا تعني انك تستطيع ان تقول ما تريد فقط، بل ان تكون بمأمن من النتائج المترتبة على ما قلته، بمعنى ان تكفل لك حرية القول وحماية حقك فيما تريد التعبير عنه...
الجواب عن هذا السؤال يضعنا أمام خارطة ملتبسة لحرية الإعلام في العراق.
فالعراق أصبح البلد الأول في العالم الذي يتعرض فيه الإعلاميون إلى القتل والاختطاف والابتزاز، حسب التقارير التي أصدرتها منظمات حقوق الصحافيين العالمية، انه مؤشر واضح على تدهور الحريات الإعلامية في هذا البلد، لكن في المقابل هنالك كما اشرنا ثمة تنوع وتكاثر في عدد الوسائل الإعلامية وهو مؤشر جيد وصحي لحرية الإعلام، وان كانت تمثل نصف الحرية، فما فائدة ان تكون لك حرية إصدار جريدة أو تأسيس إذاعة أو قناة تلفزيونية أو إصدار مطبوع ما وتجد نفسك مقيدا بأغلال الخوف من التعبير بحرية عما تريد قوله، دون ان تكفل لك حرية التعبير...
غير ان الواقع الإعلامي العراقي الراهن يعكس أيضاً صورة أخرى متناقضة، فبعض الصحف منذ ان أنشئت وهي تصدر خطابا يعكس هويتها الإعلامية، استطاعت من خلاله ان تقول ما تريد، من دون ان نسمع انها تعرضت للإغلاق من قبل الحكومة، على الرغم من انها تتبنى خطابا تحريضيا ضدها يسهم في تعبئة الشارع طائفيا ويدفع إلى مزيد من العنف، كذلك لم نسمع ان إعلامييها قد تعرضوا إلى القتل أو الاختطاف أو الابتزاز أو زجوا في السجون.. فمن يمنح حرية الإعلام في العراق ومن يصادرها؟
الصورة المتناقضة والمشهد الملتبس للإعلام العراقي، ومؤشر حريته الذي يتذبذب بين الإيجاب والسلب، يعكس صراع الإرادات والهويات التي تتحكم في خارطته السياسية والاجتماعية والثقافية، وتطرح أمامنا قضية اخطر هي اننا نعاني من أزمة في حرية التعبير قبل ان تكون أزمة في حرية إعلامنا الراهن، بل ان ما يعانيه الواقع الإعلامي يعكس هذه الأزمة في ابرز تجلياتها... فالدولة بدستورها الجديد أقرت حرية التعبير وحرية الإعلام لكن الحكومة عاجزة عن كفل وصيانة وحماية هذا الحق، بغياب الإرادة القانونية وعجز أجهزتها التنفيذية بإزاء استفحال إرادة الكيانات الطائفية التي تتحكم في حيثيات الوقائع اليومية للشارع العراقي.

أسئلة في صناعة الأزمة
* الناقد والإعلامي علي حسن الفواز الذي يعمل في قناة آشور الفضائية، يرى ان حديث الإعلام العراقي الآن هو حديث تصفية حسابات بين القوى المتنازعة، إذ يجد لدى كل قناة او صحيفة تابعة لجهة ما خطاباً اعلامياً من اجل طمس الخطاب الإعلامي للجهة الأخرى، أو الحزب الآخر: 
لا يملك المشهد الإعلامي العراقي إلا ان يكون صورة فضائحية للمشهد السياسي المضطرب!! إذ يحمل كل تداعيات السياسة المصنوعة بامتياز محلي، والفاقدة لحيازة الشروط المهنية وحسن إدارة الأزمة... لذا يبدو (الإعلام العراقي) المتداول أشبه بصانع الاستعراضات من جانب، والمسوق الماهر للعبوات الكلامية فيها، مثلما يبدو من جانب آخر تأملياً لتمظهرات السياسي/ السلطوي، والميليشياوي/ العقائدي، كاشفاً عن نزعة اجتماعية وذرائعية، لكنها تخلو من (النقدية) الحية والمنهجية. إزاء هذا يكون الحديث عن حرية الإعلام العراقي حديثاً عن خطاب الأزمة ذاتها، أزمة الدولة الجديدة، أزمة المؤسسات، أزمة العلاقة المشوشة بين الهويات والمكونات والثقافات داخل المجتمع!
وان إسقاط مفهوم الحرية على حساب التداول الإعلامي، يعني إعادة تصنيع هذه الحرية لتكون جزءاً فاعلاً في صراع الإرادات وصراع السياسات والإيهام الغرائبي بأن المعادل الموضوعي لهذه الحرية هو محاولة في طرد ثقافة المقموعات، حتى تبدو هذه الثقافة وكأنها في نوبة عريٍّ دائم!
ان غياب البرنامج والمشروع الفاعلين بسياقاتهما العملية والتخطيطية، وكذلك غياب التخطيط الاستراتيجي للمادة الإعلامية أسهم في نشوء ظاهرة العشوائية في الصناعة الإعلامية، وربما النمو التراكمي غير واضح الملامح على مستوى الإعلام المكتوب والإعلام المرئي... إذ تبدو حرية الإنتاج وحرية التسويق وحرية صناعة الخبر والموقف والمعلومة، محمولة على جانب أيديولوجي أكثر مما هو مهني وإجرائي... فضلاً عن غياب التقاليد أو انحسارها تحت ضغط المهيمنات الاستثنائية. وتحول بعض الإدارات المدنية في الخطاب الإعلامي كنقابة الصحفيين وبعض الجمعيات والمنظمات، إلى واجهات لجهات معينة لها حساباتها في إنتاج الخطاب الإعلامي والتأثير على الرأي العام هنا وهناك.
ان حديث حرية الإعلام هو حديث تصفية حسابات بين بعض القوى أيضاً... لأنه يعود في أزمته إلى مرجعيات الصراع لهذه الأزمة بكل تفاصيلها وشجونها، فضلاً عن الغياب التام لأي تشريع وقانون لإصدار المطبوعات الذي يكفل المهنية في العمل ويحد من العشوائية والفوضى التي تبدو هي السمة الغالبة في المشهد الإعلامي اليومي.

خطاب الإعلام وصورة الوهم
* في حين يرى الصحفي خضير الزيدي، ان الخطاب الإعلامي العراقي ما زال مؤدلجاً كما كان في السابق، فبدل الحزب الواحد، والخطاب الشوفيني السابق، تحولت كل صحيفة وقناة إلى خطاب يعبر عن أيديولوجية هذا الحزب أو ذاك، لهذا فإننا لم ندخل في الخطاب الإعلامي الحر حتى هذه اللحظة:
توسعت رقعة الخطاب الإعلامي في جغرافيا الموت أكثر مما قدمت نموذجاً غربياً مبنياً على الاستقامة في أغلب المواضيع الحساسة، فكان خطاباً يحتمل الوجهين دون أن نجد البديل مع ان ارتكاسته لم تأت من عدم أو أن مصداقيته لم تحل لغزاً، بل فرضت نوعا من الحل قياسا إلى زمن مضى مخلفاً تداعيات مرحلة تاريخية. ليس في اليد ما يشير إلى (زهرة) الإعلام الحقيقي وان كنت لن أنفي وجود (عطرها) لكن الفرق بين الرؤية البصرية والحسية مسافة خط متعرج مع الاعتراف أن الشرارة التي تخلف ناراً حامية لا ينظر لها على أنها من رماد الأمس من دون التبرع بشيء من (دفء) يلمنا جميعا. اليوم لا تحجب (قوة ما) مخفية وسط ركام مشوش ضوء شمس أتت من بعيد. ليس الأمر بهذه البساطة في حقيقة الأمر لك أن تطرح أية رؤية معاكسة وان تجد البديل عنا في نفس الوقت أمام كم هائل من الصحف والمجلات وهناك حرية تعبير (لكنها مكبوتة نتيجة رصيد الماضي النفسي) وفي الدليل قوة من حضور هذا الشيء.
طالما الخوف والقلق يسيطران على هواجسنا لن نصنع قرارا  يعترف بأن رؤية اليوم اختلفت عن رؤية الأمس في الخطاب الإعلامي من حيث التنوع في الرؤى أو نقل التوجهات المعرفية أو التوجسات، الصورة تبدلت، تغير إطارها علينا أن نبدل شخصيتها على أن يكون الجمال والمصداقية هما البديل (الصوري الحامل لوجهها الجمالي) وربما يكون الوهم (الإعلامي) من سمات التبدل، لكنه وهم جميل يخدعنا ونحن نلهث وراءه... أما حقيقته فهي إشراق لم يكن في الأمس القريب إلا قبة عالية في الروح، قبة لا تراها العين... وهنا نتساءل ما الذي تغير في الإعلام؟ تغيرت أشياء ميتة وبقت روحها ترفرف فوق رؤوسنا نحن الذين لم نفهم (مدلول)  الحرية بعد لان الفوضى هي التي تدفع  بنا وبأصابع من رماد إلى ما يسمى (دالها) لن نعي صورة  الوهم والحقيقة وفي النفس شيء من (لكن) و(أين) و(ماذا بعد) أو كلمة واحدة (متى) لقد لعب الإعلام دورا بارزا وفعالا في اجتراح الحقيقة والوهم معا، وهذا بدوره عائد إلى الخطاب السياسي المؤدلج للوسيلة المعبرة سواء الصورة المرئية أو غيرها من صور الخطاب الإعلامي لكني لن أنكر تلك المقولة التي صرح بها منذ سنوات عديدة (رولان بارت) من اننا نعيش حياة الصورة وهذا ما ينطبق على ثنائية صورة الإعلام بين الحقيقة والوهم.

التسلط قبل كل شيء
* يرى الكاتب والإعلامي ساطع راجي، الذي رفض العمل في أية جريدة، وفضل الكتابة كما يحلو له في أية جريدة أو مجلة، ان السبب الرئيس في تقيد الإعلامي هو تسلط الإعلاميين الإداريين على زملائهم، واهم شرط في حرية الإعلام هو تحرر هؤلاء من رغبة التسلط هذه:
لا بد من تحوير أي سؤال عن حرية الأعلام في العراق إلى (مستوى الحرية) لأننا غير قادرين على التعامل مع مفهوم الحرية كمطلق.
وفي هذا السياق يكون الإعلام في العراق قد حقق طفرة، صحيح انها جاءت بما يشبه الصدفة إلا انها جاءت على أية حال، فمن الناحية القانونية أو الشكلية هناك حرية واسعة تفوق ما هو موجود في كثير من بلدان الشرق الأوسط، ومن المفارقة ان من بين الإعلاميين الحاليين من كان موجودا في مؤسسات الإعلام الرسمية في عهد النظام السابق ويشكو اليوم من المنغصات  أو يشكك في حجم التغيير الذي شهده الإعلام، طبعا لأنه فقد امتيازه كجزء من مؤسسة السلطة، في حين ان هذا (الامتياز) في حد ذاته هو قتل لحرية الإعلام.
وفي مقابل الانفتاح القانوني هناك عدد من الضواغط على تزايد الحرية الإعلامية، في مقدمتها طبعا الوضع الأمني، وكذلك غلبة الإعلام الحزبي على الساحة العراقية، مما يجعل الإعلامي ملزما بسياسة الحزب... وهذا طبعا حق للحزب الذي يمول الوسيلة الإعلامية، ولن تحقق الإرادة الإعلامية المزيد من التحرر إلا مع ظهور وسائل الإعلام المستقلة والتي بدورها لن تشرع في الظهور إلا مع وجود سوق إعلانية قوية تمكنها من تمويل نفسها وتحقيق الأرباح، ما يدفع إلى حلقة الأمن من جديد لتحقيق التنمية واستقرار النشاط الاقتصادي في العراق، وحتى في تلك الظروف ستكون هناك دائما علاقات ومتطلبات عملية تضغط على المؤسسة الإعلامية.
يبقى دور الهاجس الاجتماعي وما يتبعه من تحوطات على مجموعة من المحرمات السلوكية والفكرية، وهذا الهاجس يحتاج إلى جهد نقدي كبير ووقت حتى يتفكك. إلا أن اهم شرط لنمو حرية الإعلام هو تحرر الإعلاميين من رغبة التسلط على زملائهم عبر آليات إدارية، حيث يجد الإعلامي- الإداري لذة في وضع الشروط والمحددات أمام زملائه.
 

التنظيم هو ما ينقصنا
* عمران العبيدي، مسؤول القسم السياسي في جريدة الاتحاد، يرى ان هناك حرية إعلام واقعية في العراق، ولكن ما ينقص هذه الحرية هو التنظيم فقط، بشرط ان لا يتحول هذا التنظيم إلى قيود جديدة على الإعلامي العراقي:
يختلف الأشخاص في قضية تحديد وتقييم حرية الصحافة بصورة خاصة والإعلام بصورة عامة في العراق بعد سقوط النظام السابق وسبب الاختلاف نابع من الاختلاف في الرؤية الحقيقية لمعنى الحرية الإعلامية ولكي لا نطيل في هذا الموضوع علينا الإقرار أولا ان ليس هناك حرية مطلقة، بل ان كل عملية لا بد ان تحكمها مجموعة محددات، وهذه المحددات تختلف من مكان لآخر ، وما يجري على الساحة الإعلامية العراقية يمكن ان ينظر له من أكثر من جانب وبالشكل التالي:
أولاً: النظرة الأولى يجب ان تنطلق من داخل المؤسسات الإعلامية التابعة لجهات حزبية وحركات ففي مثل هذه الوسائل لا بد من وجود ضوابط للعمل لأن هذه الجهات لها مجموعة متصلة من العلاقات مما يجعلها لا تستطيع التطرق لكثير من القضايا التي تخلق لها الحساسية مع تلك الجهات ومن ثم لا بد أن تراعي في عملها الإعلامي ذلك حفاظا على تلك العلاقات من دون تشويه وهي بذلك تمارس نوعا من القيود لان ليس كل ما هو صحيح يمكن قوله وفي أي موضع ويجب علينا ان لا ننكر لها ذلك الحق مطلقا حفاظا على مصالحها وهذا بالتأكيد ينسحب على وسائل الإعلام المملوكة لأشخاص لان هؤلاء لا بد ان يمتلكوا توجهات داخلية معينة تجعلهم يضعون قيودا على النشر في وسائلهم الإعلامية وان كانت بشكل اخف.
ثانياً: الساحة العراقية شهدت توسعا إعلاميا هائلا يفوق الكثير من دول المنطقة وهذا ما أطلقت عليه يوما بالانفجار الصحفي وهو يؤكد شغف العراقي بالتحرر من القيود وهو يعبّر عن حرية واسعة من خلال المنظور الخارجي لان الجهات التي تمتلك تلك الوسائل تنتمي إلى جهات مختلفة من ناحية التوجه وهو ما يسعدنا حقا لأنه يمثل حرية الإعلام الحقيقية والدليل على ذلك ان تلك الوسائل تتفنن في نقد الجهات الرسمية والحكومية من دون  محاسبة وهذا هو منطق الحرية الإعلامية بأن تقول ما تراه صحيحا وان لم يعجب  الآخرين.
ثالثاً: هذا لا يعني ان حرية الإعلام تتجه بالاتجاه الصحيح لها، لان هذه الحرية رافقها انفلات وحرية نشر غير منضبطة مما أتاح لبعض وسائل الإعلام والصحافة بالذات والتي يطلق عليها بالصحافة الصفراء والتي استغلت هامش الحرية ذلك بشكل غير صحيح بحيث أصبح التلفيق والشتيمة والتشهير و(فبركة) المواضيع ديدناً لها وهي بذلك تبتعد عن المهنية  الإعلامية المطلوبة وأصبحت العملية الإعلامية وكأنها تنحدر نحو الفوضى أكثر من اقترابها من العملية الإعلامية الصحيحة وبطبيعة الحال هذه لا تشكل نسبة يعتد بها ولذلك فإن  ما نحتاجه الآن هو قانون إعلام حقيقي ينظم العملية بإطارها الصحيح لتكون الوسائل الإعلامية مسؤولة عن كل شاردة وواردة تصدر منها.
رابعاً: هناك عامل يبدو له بعض التأثير وهو الإرهاب الذي يجعل من بعض الأقلام غير قادرة على نقد بعض الجهات وهو محدد لحرية الإعلام ولكنه زائل مع تحسن الوضع السياسي والأمني في البلد.
وأخيراً يمكن القول ان ما يحصل الآن في وسائل الإعلام العراقية هي حرية إعلام صحيحة ومفرحة وجل ما نحتاجه هو التنظيم على ان لا يتحول ذلك التنظيم إلى قيود وبذلك يكون قد امتلكنا إعلاماً حرا حقيقيا.

كتاب إسرائيليون يتحدثون لإيلاف عن الحرب

GMT 16:00:00 2006 السبت 12 أغسطس

سمير حاج


كتاب إسرائيليون يتحدثون لإيلاف عن الحرب

ناتان زاخ: لو كان أميل حبيبي حيا لخرج ضد نصر الله

روني سوميك: لامخرج آخر سوى التفاوض

الجليل من سمير الحاج: رغم أجواء الحرب القاتمة التي تلقي بظلالها على المجتمع الإسرائيلي، ووسط صواريخ الكاتيوشا التي تنهال كزخات المطر، وتحت دوي صفارات الانذار، وقبوع الناس في الملاجيء ارتأت إيلاف من منطلق أمانتها الصحفية وحياديتها، أن تلقي الضوء على آراء الكتاب الإسرائيليين ومواقفهم من الحرب، لتعكس صورة بانورامية لهذة الشريحة الهامة في المجتمع الإسرائيلي. ولم يكن سهلا استنطاق كاتب إسرائيلي في جو حرب كهذه، حيث الغموض والخوف من التصريح احتراسا من الآتي. كثيرون من الكتاب الإسرائيليين لم ينبسوا ببنت شفة وآثروا الصمت لعدم "وضوح الرؤية" على حد تعبيرهم أو لتأييدهم الباطن للحرب. فالبيان الذي أصدره، أبرز ثلاثة كتاب لإسرائيليين: دافيد غروسمان و أ. ب. يهوشواع وعاموس عوز يطالب "الموافقة الفورية الى وقف متبادل لأطلاق النار"ومن ناحية ثانية يبرز التأييد والشرعية للحرب "العملية العسكرية كانت عادلة ومبررة". وفي المؤتمر الصحفي الذي سبق مظاهرة ميرتس، قبالة مبنى وزارة الدفاع في تل أبيب، دعا هؤلاء المخضرمون الثلاثة الى عدم توسيع الحرب البرية والقبول بالمشروع الذي طرحه رئيس حكومة لبنان فؤاد سنيورة. وقال دافيد غروسمان: "لو أن رئيس حكومة لبنان طرح برنامجه هذا يوما قبل انفجار الحرب- لوافقنا عليه". ورد غروسمان على التهم الموجهة الى اليسار الصهيوني، والتي تنعته بالأرتباك منذ اندلاع الحرب، قائلا: "أنا بالذات لا أشعر بالأرتباك، . كان لنا حق الخروج الى الحرب، لكن فيما بعد تعقدت الأمور، ليس لمصلحتنا. هذه الحرب تتسم بالرعب الشديد والصدمات المتجذرة، من الممكن أن تتسبب للبعض بعدم التوازن والقدرة على تحديد مصلحتنا حاليا، وللمدى البعيد". يكاد يجمع معظم الكتاب الإسرائيليين على مصداقية الحرب بداية، أما الآن فيطالبون بأيقافها. أما ناتان زاخ الذي قال "أن الحرب لا تأتي بنتائج"، يجيب من ناحية ثانية: "لا أعرف، هل يجب أيقاف الحرب أم الإستمرار بها، الأمور غير واضحة". وبرز في هذه الحرب الأتجاه اليميني العدائي، الذي نحاه الشاعر أيلان شاينفلد في قصيدته "كونوا اقوياء"، حيث يخاطب الجنود الإسرائيليين حاثا إياهم على حرق لبنان وغزة، وتخريب القرى والمدن "حتى يصبحوا بلا أهل". ومما جاء في القصيدة :

"من يسخر من يوم التضحية، يسخروا منه
 نجوا شعبكم، فجروا القنابل،
 وأمطروا القرى والمدن والبيوت حتى تتهاوى
 أقتلوهم، أسفكوا دماءهم، أرعبوهم، لئلا يحاولوا
 هدمنا، حتى نسمع أنفجار رؤوس الجبال، المداسة
 بنعالكم، نسمع أصوات التوسل، حين تغطيهم قبورهم،
من يسخر من يوم التضحية، يسخروا منه".
 
 
انطلاقا من إيمان "إيلاف" بالموضوعية والتعددية ومعرفة الآخر وتزويد القارئ بكل الآراء، نورد أصوات كتاب يعكسون مواقف وآراء الكتاب الإسرائيليين عامة:

يهوشوع سوبول (1939) كاتب مسرحي:
"بدأت الحرب بأطلاق القذائف على بلدان الشمال وخطف جنود، أي باعتداء على إسرائيل داخل حدودها الدولية، لا توجد ذريعة للحرب. يجب على إسرائيل الخروج من مزارع شبعا، وتسليمها الى الأمم المتحدة التي تقرر في تسليمها، لأن هذا ضد مصلحة إسرائيل. إن هذه الحرب لا تنبع من مصلحة إسرائيلية أو لبنانية، بل من مصلحة إيرانية. إيران معنية باستخدام جنوب لبنان موقعا لمصلحتها الشخصية. أنا أرى أن لا سبب لوجود نزاع بين إسرائيل ولبنان، أذ تستطيعان التوصل الى سلام بينهما. إن حزب الله يديره عامل غريب يمنع توصل لبنان وإسرائيل الى سلام، وعلى حزب الله أن يكون عاملا سياسيا وليس عسكريا. في نظري يجب تحديد، بشكل دقيق، كل العوامل التي تؤدي الى النزاع وحلها بالمفاوضات سواء في غزة أو لبنان، فالمنطقة ملآى بـ"ألغام"من السهل الاصطدام بها، ويجب نزع كل "لغم" بطريقة حذرة. أنا أتحسر وأتألم على الضحايا التي تسقط في كلا الجانبين، الحال فظيعة، أتعاطف مع ضحايا لبنان.. ومع ضحايانا ".

روني سوميك (1951) شاعر، ولد في بغداد:

روني سوميك
بدأت الحرب على حق، لكن اليوم لا حاجة بها، لأني أنظر الى الضحايا في بيروت، والى من "يتعفنون" في الملاجيء. كما في كل حرب لا توجد أخلاق.. يوجد مخرج واحد وهو الجلوس حول طاولة مفاوضات، واطلاق صرخة سلام بصوت عال، لأن الصلح أو السلام يتم بين الأعداء وليس بين الأصدقاء، من هو عدو لك اليوم، سيصبح في المستقبل صديقك. وكل دقيقة تمر يسفك فيها دم زائد، ونحن مع الأحياء وليس مع الأموات. لا يوجد مخرج آخر سوى التفاوض، لأن في ساحة الحرب لا يتحدثون بل يطلقون النار.
إن من أكثر اللحظات أيلاما في هذه الحرب هو الصاروخ الذي وقع في وادي النسناس في حيفا، في المكان الذي مشى فيه أناس أمثال أميل حبيبي. في المكان الذي دفع فيه أناس ثمنا باهظا من جراء قول كلمة سلام. الصاروخ الذي وقع هناك مثل صاروخ وقع على مستشفى. لأن أناسا مثل أميل حبيبي، كانوا أطباء لنا، حاولوا معالجتنا وحاولوا الأثبات أنه بالأمكان قول كلمة سلام. وكلي أمل أن تحل أصوات التفاوض محل أصوات الحرب، لأن هذا هو الشيء الحقيقي".

ناتان زاخ (1930) شاعر، ولد في برلين، وهاجر الى فلسطين عام 1936:
في البداية رفض الحديث، وطلب مني أن أقرأ موقفه من الحرب، الذي نشر قبل أيام، في ملحق هآرتس باللغة العبرية، والذي حسب قوله رفضت الصحيفه نشره في نسختها الصادرة باللغة الانجليزية، لأنه يدين الحرب، فقد كتب - على حد قوله- كلاما قاسيا

ناتان زاخ
متطرفا ضد الحرب.. ثم أضاف: "أنا كشاعر أرى الأمور تتجه نحو الأسوأ لكلا الطرفين. وأنا ضد الولايات المتحدة، ضد الكذب الذي بدأ أبان احتلال الكويت من قبل صدام حسين، والذي حظي بتأييد أمريكى ومن ثم تطور في اتجاهات مختلفة. لا يوجد عندي أي تعاطف مع حسن نصرالله، ولا ذرة من التعاطف، فهو يتحين كل فرصة لإثارة النزاعات. لقد كان صدام حسين عقبة في وجه إيران، وأخطا الأمريكان في عدم المحافظة على بقائه. لقد سرقت منه إيران الطائرات. إن الحرب لن تأتي بنتائج. ستؤدي الحرب الى احتلال لبنان كافة، لمنع ألقاء القذائف على سكان إسرائيل، عربا ويهودا. لقد طالب نصرالله من سكان حيفا الرحيل، لتهجيرهم ثانية، وليجبرهم على مغادرة البلاد. يريد لهم تهجيرا ثانيا. لو كان أميل حبيبي على قيد الحياة لخرج ضده".

حول موقفه من وقف الحرب، أجاب قائلا: "لا أعرف. هل يجب أيقاف الحرب أم الاستمرار بها. الأمور غير واضحة، والجواب متعلق بالنتائج، وأنا لا أحب أن أطلق الشعارات، فلا يمكن لإسرائيل عدم الاستمرار بالحرب ما دامت القذائف تسقط عليها. ما دامت الحرب في أوجها فلا جواب، خاصة بعد أن رفض نصرالله مجيء جيش مسلح من قبل الأمم المتحدة كما في كوسوفو. إن الأمور تتجه إلى الأسوأ، وهذا يشجع إسرائيل على احتلال أراض لبنانية إلى ما وراء الليطاني. ستصبح الحرب مروعة أكثر".

ألونة فرنكيل (1937) قاصة (أدب أطفال) ورسامة:
"أنا كأنسانة أعارض الحروبات بشكل قاطع. وأتمنى دوما أن يتفاوض الناس، فكل عنف يؤدي الى رد فعل عنيف، وهكذا دواليك. في نهاية كل حرب يتفاوضون، وتبقى المأساة قتل أناس أبرياء، على الغالب، لا يعرفون من يحارب من. وحول الصراع في منطقتنا، لا يوجد جيد أو رديء، كل واحد من الطرفين يخطيء. والحل هو التفاوض. لا يوجد منتصرون في الحرب، أذ يقتل أناس كثيرون، ويجب فهم ذالك. أنا أتحدث بعيدا عن كوني كاتبة. أطفال في الثامنة من أعمارهم يعيشون في بيروت وفي كريات شمونة، من الممكن أن يكتبوا عندما يكبرون روايات وقصصا لما مر عليهم. أتمنى قبل توسيع الحرب، أن يحاولوا التوصل الى أتفاق.. أن يتنازل كل طرف، إسرائيلوحزب الله. فكل يوم تسقط حوالي 150 قذيفة. كما أن قذائفنا قد تصيب أناسا مدنيين، آباء وأمهات، أو تصيب جنودا. يجب العيش وعدم قتل الناس".

أيلان شاينفيلد (1960)-شاعر ومسرحي:
كتب قصيدة في هذه الحرب ، تحت عنوان "كونوا أقوياء"، خاطب فيها الجنود الإسرائيليين ، ودعاهم الى دخول لبنان وغزة، وهدمهما وتحويلهما الى خراب، الى صحراء قاحلة بدون أهل. وقد أثارت هذه القصيدة ردود فعل كثيرة، لما تحمله من تحريض على القتل وسفك الدماء وأعاثة الخراب، خاصة أن صاحب القصيدة، كان قد كتب في السابق، قصائد تدين الحرب على لبنان، عام 1982. (ستخص إيلاف هذه القصيدة وصاحبها مقالة خاصة).
في حديث خاص لإيلاف قال ألشاعر شاينفلد: "أنا آمل، مع انتهاء الحرب، أن يترك حزب الله لبنان، وأن تتولى حكومة لبنان المسؤولية التامة عن لبنان، وعندها سأكون أول من ينادي الى مد العون الدولي لسكان لبنان لترميم لبنان. آرائي الأنسانية لم تتغير، لم يكن لنا مناص من خوض الحرب، وللحرب ثمن باهظ لكلا الطرفين. جراء دعم أيران لحزب الله يستخدم الفلسطينيين أداة، أذ جعلت غزة مركزا إيرانيا وهذا يسيء الى الفلسطينيين.  أنا أؤيد السلام على رغم ما كتبت، وأنا أؤمن بالسلام وأريد السلام، لكن عندما يهاجموننا في الشمال وفي الجنوب، يضعون وجودنا في خطر، نحن الباقين أحياء. والباقي حيا يعرف كيف يبقى بكل ثمن".

ناصر الأنصاري يلغي العراق ثقافيا

GMT 17:00:00 2006 الإثنين 14 أغسطس

عبدالقادر الجنابي


يتضح أن مسؤولي الثقافة في مصر مصرون على محاربة العراق، بل مصرون على الغاء هذا البلد من خارطة الثقافة... فرغبة الانتقام من الشعب العراقي واضحة في كل ما يصدر للمصريين من كتب شعرية (بين قوسين) وفكرية (بين اربعة أقواس) وسياسية (بين الف قوس).

عندهم حق: فجريمة الشعب العراقي جد كبيرة وهي موافقته على إزاحة نظام صدام حسين، وبالتالي مساهمته في قطع أرزاق مئات من الكذبة والشواعير والمفنكرين المصريين.. الذين هم أقرب إلى كتاب عدل من أن يكونوا كتابا بالمعنى الإنساني للكلمة... ومن بين هؤلاء الدكتور (لا اعرف بماذا) ناصر الأنصاري مؤلف "تاريخ الشرطة من الفراعنة إلى اليوم"!

فها هو اليوم، وبصفته رئيسا لمعرض الاسكندرية العربي الاول للكتاب، يعلن عن جعل ثقافة السلام موضوعا للمعرض الذي سيفتتح في مدينة الاسكندرية يوم 23 أغسطس بمشاركة 12 دولة عربية... موضحا بنبرة لا لبس فيها أن الدول المشاركة: هي لبنان وسوريا وفلسطين والاردن والمغرب واليمن وليبيا وقطر والامارات والسعودية والكويت اضافة الى مصر...

أما العراق فتم اقصاؤه، أو الأصح: يجب اقصاؤه... فهو بلد فالت، ولايمكن الانتفاع منه في ذهنية تجار "السلام" على الطريقة العربية: ارهاب العالم! 

العراق ألغي من معرض الاسكندرية العربي الاول للكتاب وكأن هذا البلد لا ثقافة له، ولا يعرف معنى للكتاب، وكأنه حُكم عليه إلى الأبد ان لا يعيش في سلام...  وفعلا، فليس من باب الصدف أن يتزامن صدور إعلان الأنصاري عن "الثقافة لغة السلام" موضوعا لمعرض الاسكندرية، مع يوم تمت فيه أشرس هجمات للإرهابيين (المقاومين في قاموس كتاب العدل هؤلاء) هجمات قتلت 56 مدنيا واصابت 128 جريحا... لم يعر أحد من رجال الإنشاء العرب اهتماما بما يحدث من موت يومي في العراق، فالدم العراقي لم يعد بضاعة للظهور والاتجار.. كدم قانا الذين هم شاركوا في سفكه، بخطاباتهم الظلامية.

هل سيقبل كل المدعوين من البلدان المدعوة هذا الاجحاف بحق العراق الثقافي... هل سينتفض أحد منهم على قرار الأنصاري المتعسف بعزل العراق، ويا ترى، هل هذا القرار قرار أتخذ وفق أهواء مؤلف "تاريخ الشرطة..."، أم هو قرار شرطي ثقافي أعلى رتبة من "مؤرخه"؟ وسؤال عرضي: ما هي مؤهلات الأنصاري لكي يصبح رئيسا لمعرض كتاب..؟ وأي نوع من الكتب سيتم عرضها والجميع يعلم أن الأنصاري هو وراء منع أهم ما يصدر من كتب تنويرية وفكرية حقا في مصر؟ وتجدر الاشارة هنا إلى أن للدكتور ناصر الأنصاري، عندما كان مديرا لمعهد العالم العربي في باريس، قصصا لايزال عمال المعهد يتندرون بها، مثلا في إحدى المرات الح كثيرا على ضرورة دعوة الشاعر السوري بدوي الجبل ارضاء للنظام السوري، فافهموه بعد ضحكات عريضة بان البدوي ميت منذ عشرين سنة!!!

نعود إلى جوهر هذه العجالة، للآن لم نسمع اعتراضا واحدا من مثقفي البلدان المشاركة، على تغييب العراق ثقافيا وبالتالي مدنيا من مؤتمر يتعلق بثقافة السلام... ربما، غدا أو بعد غد، ستتفتح ضمائر عدد قليل لمقاطعة هذا المؤتمر الرامي قبل كل شيء إلى إقصاء العراق... بل طرده من ساحة الكتاب العربي.

في الحقيقة، إني أتمنى أن يُطرد العراق مرة وإلى الأبد من زريبة الثقافة العربية السائدة هذه المزروعة بأخبث أعشاب العدوانية والكراهية لكل ثقافة إنسانية الطابع... ولكل ما هو مضاد للمشاعر القومجية التي غالبا ما تتميز بها مؤتمرات كهذه.

نعم هذا ما أتمناه: أن يتخذ مرة وإلى الأبد المثقفون العراقيون موقفا واضحا من مواقف العرب الواضحة الاحتقار تجاههم... وأن يعلنوا قطيعة فعلية وملموسة مع منطق هذه الثقافة... وأن يفهموا:

أنهم مقبولون فقط عندما يكونون عبيدا وخدما

مقبولون عندما يحضرون هذه المؤتمرات كببغاوات تردد اسطوانة العرب المشروخة: "جرائم الاحتلال الأمريكي" وتغض النظر عن المسببين الحقيقيين لهذه الهجمات الدموية في العراق من إرهابيين غالبا ما تفرخهم هذه المؤتمرات وتباركهم..

مقبولون فقط عندما لايعود لهم كرامة وإرادة فردية.