٢١‏/٩‏/٢٠٠٥

رسالة مفتوحة الى الشاعر العراقي حميد سعيد



رِساَلَةٌ مَفْتوُحَةٌ إِلىَ الشاَّعِرِ الْعِراَقِيِّ حَميِدْ سَعيِدْ
من رَشيِدْ وَحْتيِ


سَيِّديِ،
مُتَمَنَّياَتيِ لَكَ بِطَيْبِ الْمُقاَمِ بِعَماَّنْ، وَكُلٌّ عاَمٍ وَأَنْتَ بِخَيْرٍ.
بِاسْتِغْراَبٍ كَبيِرٍ قَرَأْتُ الْحِواَرَ مَعَكَ، الْمَنْشوُرَ فيِ الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية، بِتاَريِخِ 26.11.2004. وَماَ أثاَرَ اسْتِغْراَبيِ أَكْثَرَ _فَثَمَّةَ، فيِ الْحَقيِقَةِ نُقَطٌ كَثيِرَةٌ تَسْتَوْجِبُ النِّقاَشَ_ هُوَ كِذْبَتُكَ التاَّلِيَةُ، كِذْبَتُكَ عَلىَ نَفْسِكَ قَبْلَ الْآَخَريِنَ: "كَماَ كُنْتُ بِاسْتِمْراَرٍ، فَإِنَّنيِ أَحْتَرِمُ رُؤىَ الْآخَريِنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشيِرُ إِلَيْهِمُ السُّؤاَلُ. أَتَفَهَّمُ مَعاَناَتَهُمْ، وَأُقَدِّرُ الْأَسْباَبَ الَّتيِ دَفَعَتِ الْبَعْضَ مِنْهُمْ إِلىَ الْمَنْفىَ. وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّنيِ أُشاَرِكُهُمُ الْحُلْمَ بِعِراَقٍ حُرٍّ [...]"
لاَ، ياَ سَيِّديِ، وَأَلْفُ لاَ! لَمْ تُؤْمِنْ قَطُّ، وَأَنْتَ بِرِضاَكَ تَحْتَ الْبَسْطاَلِ الْبَعْثِيِّ، بِاحْتِراَمِ رُؤىَ الْآخَريِنَ.
وَلَناَ أَنْ نَحْتَكِمَ لِواَقِعَةٍ تاَريِخِيَّةٍ، سُجِّلَتْ عَلَيْكَ، ضِمْنَ مَساَرٍ أَسْوَدَ مِنْ قَمْعِكَ وَابْتِزاَزِكَ لِخيِرَةٍ مِنْ شُعَراَءِ الْمَشْهَدِ الشِّعْرِيِّ الْعِراَقِيِّ بِالداَّخِلِ، صُحْبَةَ صِنْوِكَ ساَميِ مَهْديِ صاَحِبِ الْبُكاَئِياَّتِ الْقاَهِرِيَّةِ الْمُبَطَّنَةِ. وَرُبَّماَ يَأْتيِ يَوْمٌ يَتَجَرَّأُ فيِهِ الشاَّعِرُ يوُسُفْ الصاَّئِغْ وَيَتَحَدَّثُ عَنْ بَعْضِ مُعاَناَتِهِ مِنْهاَ، أَماَّ الشاَّعِرُ رُشْديِ الْعاَمِلْ، فَقَدْ حَمَلَهاَ مَعَهُ إِلىَ قَبْرِهِ. هَذاَنِ فَقَطْ مِثاَلاَنِ بَيْنَ كُثْرٍ، لَكِنَّ الذاَّكِرَةَ - مِنْ حُسْنِ حَظِّ الْمُهَمَّشيِنَ وَالْمَهْزوُميِنَ - لاَ تَمْحوُ وَلاَ تَنْسىَ.
الْواَقِعَةُ/ الْوَقيِعَةُ، ياَ سَيِّديِ، كَالتاَّليِ: لَماَّ ثَمَّ انْتِخاَبُكَ بِالْإِجْماَعِ - الْإِجْماَعُ الْعَرَبِيُّ الْمَقيِتُ الَّذيِ لاَ نَجِدُ لَهُ مَثيِلاً سِوىَ بَيْنَ قُطْعاَنِ الْأَغْناَمِ - أَميِناً عاَماًّ لِاتِّحاَدِ الْكُتاَّبِ الْعَرِبِ - جَسَدٌ بِلاَ روُحٍ! - فيِ مُؤْتَمَرِهِ الْمُنْعَقِدِ فيِ بَغْداَدْ، سَنَةَ 1986، يَوْمَهاَ قُلْتَ، رُبَّماَ مُفاَخِراً بِنَياَشيِنِ سَيِّدِكَ، فيِ مَعْرِضِ حَديِثِكَ عَنِ الْأُدَباَءِ الْعَرَبِ، الَّذيِنَ يَعيِشوُنَ بِالْخاَرِجِ، وَالَّذيِنَ يُخاَلِفوُنَكَ الرَّأْيَ حَوْلَ الْحَرْبِ الْعِراَقِيَّةِ-الْإِيْراَنِيَّةِ: "وَاللهِ حيَنَ تَنْتَهيِ الْحَرْبُ سَأَجيِءُ إِلىَ هُناَ، وَكُلَّماَ الْتَقَيْتُ بِواَحِدٍ مِنْ أَمْثاَلِ هَؤُلاَءِ سَأَخْلَعُ قَنْدَرَتيِ [تَوْضيِحٌ لِقُراَّءِ عُيوُن، الْقَنْدَرَةُ، بِاللَّهْجَةِ الْعِراَقِيَّةِ هِيَ الْحِذاَءُ] وَأَضْرِبُ بِهاَ عَلىَ رُؤوُسِهِمُ الْخاَوِيَةِ."
وَأَنْتَ تَعْلَمُ، سَيِّديِ، أَنَّ الْجُزْءَ الْأَكْبَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ الْأُدَباَءِ عِراَقِيوٌّنَ مَنْفِيوُّنَ. وَلَرُبَّماَ كاَنَتْ هاَتِه الْجَريِمَةُ فيِ حَقِّهِمْ تَفَرُّداً عِراَقِياًّ فيِ الْقَرْنِ الْـ 20، بَلْ عَبْرَ التاَّريِخِ: مَشْهَدٌ ثَقاَفِيٌّ، بِغاَلِبِيَّتِهِ الْعُظْمىَ، يَعيِشُ مُهَجَّراً مِنْ مَوْطِنِهِ الْأَصْلِيِّ.
لَكِنْ لاَ يَفوُتُنيِ أَنْ أُشيِرَ هُناَ إِلىَ أَنَّ ثَمَّةَ مَنْ صَمَدَ بِوَجْهِكَ وَبِوَجْهِ الْآلَةِ الْبَعْثِيَّةِ الْجَهَنَّمِيَّةِ، بِاْخِتْياَّرِهِ لِلْعَبَثِيَّةِ وَالتَّمَرُّدِ [كَجاَنْ دْموُّ، أَميِرِ الصَّعاَلِيِكِ] أَوْ بِاخْتِياَّرِهِ لِلْمَنْفىَ الداَّخِلِيِّ [كَمَحْموُدْ الْبْريِكاَنْ]. مَرَّةً أُخْرىَ، هَذاَنِ فَقَطْ مِثاَلاَنِ وَسْطَ قاَفِلَةٍ مِنْ مُكَمَّميِ الْأَفْواَهِ وَمِمَّنْ اخْتاَرواُ الْمُواَجَهَةَ. [مُلاَحَظَةٌ: مُصْطَلَحُ الْمَنْفىَ الداَّخِلِيِّ ثَمَّ اسْتِعْماَلُهُ لِتَوْصيِفِ اخْتِياَّرَ مَجْموُعَةٍ مِنَ الْمُثَقَّفيِنَ الْأَلْماَنِ مُواَجَهَةَ الناَّزِيَةِ، أَياَّمَ هِتْلِرْ، بِالصَّمْتِ وَالتَّمَنُّعِ عَنْ أَيَّةِ مُشاَرَكَةٍ فيِ آلِيَتِهاَ الدِّعاَئِيَّةِ.] ماَ أَشْبِهِ اللَّيْلَةَ بِالْباَرِحَةِ، ياَ سَيِّديِ!
وَأَناَ أَقْرَأُ حِواَرَكَ، امْتَزَجَتْ كِذْباَتُكَ الْمُتَتاَلِيَّةُ فيِ آذاَنيِ وَدَخيِلَتيِ بِهُتاَفاَتِ فِئَةٍ مِنَ الْمُتَظاَهِريِنَ الْمَغاَرِبَةِ - فيِ إِحْدىَ تَظاَهُراَتِ الرِّباَطِ تَضاَمُناً مَعَ الشَّعْبِ الْعِراَقِيِّ - بِحَياَةِ صَداَّمْ حُسَيْنْ! ياَ لِقُطْعاَنِ الْبَشَرِ! تَتَضاَمِنُ مَعَ الشُّعوُبِ وَمَعَ جَلاَّديِهاَ فيِ نَفْسِ الْوَقْتِ! وَلَكِنْ لاَ حَرَجَ فيِ ذَلِكَ ماَ دُمْتَ تَجِدُ نَفْسَكَ مُنْسَجِماً مَعَ ذاَتِكَ، يَوْمَ كُنْتَ قِطْعَةً فيِ آَلِيَةِ الْبَعْثِ وَالْآَنَ وَأَنْتَ يَتيِمُ الْقاَئِدِ الضَّروُرَةِ!
إِشاَرَةٌ أَخيِرَةٌ، هَذِهِ الرِّساَلَةُ كَتَبْتُهاَ لَكَ فَقَطْ لِتَصْحيِحِ مُعْطىً خاَطِئٍ صَدَرَ مِنْكَ، ضِمْنَ مُعْطَياَتٍ أُخْرىَ، لِلْأَماَنَةِ التاَّريِخِيَّةِ وَالنَّزاَهَةِ الْفِكْرِيَّةِ الَّذَيْنِ يَقْتَضيِهِماَ الْأَمْرُ، وَانْطِلاَقاً مِنْ كَوْنيِ مُطَّلِعاً مُهْتَماًّ بِالْمَشْهَدَيْنِ الشِّعْرِيِّ وَالتَّشْكيِلِيِّ الْعِراَقِيَيْنِ. أَماَّ الْمَسْأَلَةِ الَّتيِ يُشيِرُ لَهاَ صاَحِبُكَ فيِ سُؤاَلِهِ حَوْلَ مَنِ الْأَجْدَرُ بِالْعِراَقِ: شُعَراَءُ الْمَناَفيِ أَمْ شُعَراَءُ الداَّخِلِ [ثُناَئِيَّةٌ مَقيِتَةٌ!]، فَلَرُبَّماَ كاَنَ أَجْدَرِ مِنيِّ أَنْ يُناَقِشَكَ فيِهاَ شُعَراَءُ الْعِراَقْ بِأَنْفُسِهِمْ.
مَعَ تَحِياَّتيِ، دوُنَماَ أَيَّةِ ضَغيِنَةٍ، وَمُتَمَنَّياَتيِ لَكَ بِالْعَوْدَةِ إِلىَ عِراَقٍ ديِمُقْراَطِيٍّ، حُرٍّ وَمُسْتَقِلٍّ.

رَشيِدْ وَحْتيِ
شاَعِرٌ مِنَ الْمَغْرِبِ
rouhti@yahoo.fr

_______________

مُلْحَقٌ بالرِّساَلَةِ، لِقُراَّءِ عُيوُن، لِيَكوُنواُ فيِ الصوُّرَةِ، وَياَلَهاَ مِنْ صوُرَةٍ قاَتِمَةٍ!!! مُقْتَطَفٌ مِنَ الْحِواَرِ/ الْأَكاَذيِبِ:
  • أحمد المديني: هُناَكَ شُعَراَءٌ عِراَقِيوُّنَ يَقوُلوُنَ الْيَوْمَ إِنَّهُمْ عاَنَواْ مِنْ قَبْلُ طَويِلاً مِحْنَةَ الْمَنْفىَ بِسَبَبِ وَفيِ ظِلِّ النِّظاَمِ الَّذيِ أَطاَحَ بِهِ الْاحْتِلاَلُ، وَأَنَّهُمُ أَجْدَرُ بِالْعِراَقِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَخاَصَّةً مِنْ ناَحِيَةِ التَّعْبيِرِ الشِّعْرِيِّ عَنْ هَذاَ الْوَطَنِ وَأَماَلِهِ وَجِراَحِهِ. كَيْفَ تَرىَ هَذاَ الطَّرْحَ؟

  • حميد سعيد: كَماَ كُنْتُ بِاسْتِمْراَرٍ، فَإِنَّنيِ أَحْتَرِمُ رُؤىَ الْآخَريِنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشيِرُ إِلَيْهِمُ السُّؤاَلُ. أَتَفَهَّمُ مُعاَناَتِهِمْ، وَأُقَدِّرُ الْأَسْباَبَ الَّتيِ دَفَعَتِ الْبَعْضَ مِنْهُمْ إِلىَ الْمَنْفىَ. وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّنيِ أُشاَرِكُهُمُ الْحُلْمَ بِعَراَقٍ حُرٍّ، لَكِنْ لاَ أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذاَ الْحُلْمَ يَأْتيِ بِالْغَزْوِ، وَبِتَدْميِرِ الْمُدُنِ، وَتَجْريِدِ الْوَطَنِ مِنْ سِياَدَتِهِ وَوَضْعِهِ فيِ أُحاَدِيَةٍ سِياَسِيَّةٍ مَحْكوُمَةٍ قَطْعاً بِمَصاَلِحِ الْمُحْتَليِّنَ. [ص 7]
[الْمَصْدَرُ: "فيِ أَوَّلِ لِقاَءٍ وَحِواَرٍ بَعْدَ الْاحْتِلاَلِ مَعَ الشاَّعِرِ الْعِراَقِيِّ الْكَبيِرِ حَميِدْ سَعيِدْ: لاَ الشاَّعِرُ كِياَنٌ مَعْزوُلٌ وَلاَ الشِّعْرُ نَبْتَةٌ شَيْطاَنِيَّةٌ"، الصَّفَحاَتُ 1، 6-7، الْمُلْحَقُ الثَّقاَفِيُّ لِجَريِدَةِ الْاتِّحاَدُ الْاشْتِراَكيِ الْمَغْرِبِيَّةِ، 26.11.2004]

__________________________

نُشِرَتْ هذه الرسالة فيِ مَجَلَّةِ عُيوُن، العدد 17، صيف 2005، السنة التاسعة، دار الجمل، كولونيا، ص. ص. 153-156.