١٥‏/٥‏/٢٠٠٦

قصيدة للشاعر العراقي نامق سلطان

البلاد الباردة

شعر: نامق سلطان


من يدلني على شجرة أعرفها

أو شارع مشيته يوما
............
البلاد الباردة
ليست بلادي
لا ليلها ليل
ولا خمرها خمر
ولا نساؤها كالنساء
..........
حين تسير وحيدا
ملفوفا كأنك في كفن
منبوذا كسمكة لفظها البحر
وليل العالم يمتد أمامك
من ستنادي؟
من إذا ما صرخت سيسمع صراخك؟
هل ملاك أسود يمحنك جناحيه
لتحلق نحو سمائك؟
وأية سماء تعرفك اليوم؟
وأية أرض؟

58 عاما والنكبة متواصلة



اتجاه – اتحاد جمعيات اهلية عربية

يتمتع بصفة استشارية خاصة من الامم المتحدة

بيان

58 عاما والنكبة متواصلة

لا عودة عن العودة

اليوم هو الذكرى السنوية الـ58 لنكبتنا نحن الشعب الفلسطيني. ونعود ونؤكد ان النكبة هي الجريمة الكبرى التي حلت بالشعب الفلسطيني وهي تعني احتلال الوطن واقتلاع غالبية اهله وهدم بلداتهم ونهب خيرات الوطن والشعب الفلسطيني الجماعية والفردية وقيام دولة اسرائيل على انقاض شعبنا. ونؤكد ان النكبة بالنسبة لنا ليست جزءا من الماضي بل هي الواقع المعاش خلال الجريمة الكبرى ولغاية اليوم لدى كل اجزاء الشعب الفلسطيني. ونؤكد انها ليست مناسبة للذكرى فحسب بل مناسبة لمنع المجرمين ان ينسوا جريمتهم ومنعهم ان ينسونا جريمتهم, وهي بالاساس جزء من مراكمة العمل والتفاعل من اجل تعزيز مشروع العودة – عودة الللاجئين الى وطنهم وبلداتهم وممتلكاتهم والذي نسعى لتحقيقه.

ان مشروع العودة واحقاقه وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات والوطن هو مسؤولية كل الشعب الفلسطيني وكل فرد ومؤسسة وتنظيم بمن فيهم كل فرد ومؤسسة واطار بين جماهير شعبنا في الداخل.

في وقت تتكاثر فيه الاجتهادات لاستنباط بدائل لحق العودة وتطبيقه وتتداخل فيها اصوات اجنبية واسرائيلية وعربية وفلسطينية, فاننا نؤكد انه لا توجد "بدائل" ولا "حلول" لمسألة اللاجئين, بل حل واحد هو العودة. وهو ما تؤكده الشرعية الدولية والمنطق الانساني. وهو ارادة كل لاجيء ولاجئة وكل فلسطيني اينما كان كأفراد وكشعب. وحق العودة غير القابل للتصرف ولا التقادم ولا الانتقاص هو حق فردي وجماعي لا يجوز لاحد مهما كان موقعه فلسطينيا او عربيا او دوليا الانتقاص منه او العبث به. وارادة الشعب الفلسطيني هي الضمان الاول والاخير لاحقاق هذا الحق عاجلا ام آجلا.

في ذكرى النكبة, نؤكد ان ما يجري للاجئي شعبنا في العراق وخطر المجزرة والتهجير المتجدد المحدق بهم في ظل الاحتلال الامريكي لهذا البلد هو تاكيد على ان النكبة تتواصل وانها جزء من الحياة المعاشة لشعبنا الى ان يعود اللاجئون الى وطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم, كما ان العروض الدولية لاستبدال حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بالتوطين والتجنيس في هذا البلد او ذاك هي ايضا دليل, والمؤامرة الاسرائيلية المتواصلة في تبييض جرائمها والتي تهدف الى ضمان اعتراف فلسطيني ودولي بها مجددا كدولة يهودية انما هي محاولة لانهاء ملف العودة وقضية اللاجئين. وهي ذاتها المحاولة لاستخدام عامل الزمن لاغراء لاجئين بالتوقيع على صفقات تنازل عن حقهم بالعودة وعن ممتلكاتهم وبيوتهم وحقهم بالوطن. كما ان السياسة الاسرائيلية الاثنية والقائمة على التطهير العرقي وفي مركزها قانون العودة لليهود وقانون المواطنة وقوانين وانظمة الاراضي والاسكان والتملك وخصخصة وتهويد ما تبقى من املاك اللاجئين هي تاكيد على ان مشروع النكبة الاسرائيلي والذي يدفع شعبنا ثمنه يوميا لم ينته بعد. وما يجري من مخططات تطهير عرقي في النقب وهدم البيوت في الداخل ومن القضاء على بنية جماهير شعبنا في الضفة والقطاع والتواصل الجغرافي ولانساني كلها مركبات في ذات السياسة المجرمة.

في المقابل اننا نحيي نشاطات حركات العودة والجاليات الفلسطينية في الشتات ومخيمات اللاجئين ومؤسسات شعبنا في الداخل وحركات التضامن العالمية, ونحيي الجهود التي تبذل من اجل بلورة مشروع العودة الفلسطيني على اساس "لا عودة عن حق العودة". هذه النشاطات التي غدت تستحوذ على التفاف جماهيري واسع هي الضمانة الشعبية الفلسطينية التي نراهن عليها لتعزيز الارادة الشعبية دفاعا عن حق العودة ومن اجل تطبيق هذ الحق.

ان مسؤولية جماهير شعبنا في الداخل هي مسؤولية وطنية وسياسية وانسانية اخلاقية وهي جزء من تقاسم العمل الفلسطيني حيث نقوم بدورنا نيابة عن انفسنا ونيابة عن كل لاجئي وابناء وبنات شعبنا المحرومين من ملامسة ارض الوطن.

اننا نؤكد ان المنظمات الاهلية في الداخل قد بدات بالتنسيق مع زميلاتها في الوطن والشتات بالاعداد للذكرى الستين للنكبة والتي ستحل يعد سنتين. والحديث لا يجري عن مجرد ذكرى سنوية وانما عمل يومي متواصل من اجل مراكمة العمل والامل باحقية اللاجئين في الوطن وتوفير كل الطاقات الممكنة من اجل دفع متسارع لحركة العودة ولمشروع العودة.

لا عودة عن العودة

------------------------------------------------

اللجنة التنفيذية – اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه)

15 ايار 2006

مع الفنان اليمني حميد العقبي

المخرج اليمني حميد العقبي :أحاول قراءة القصيدة الشعرية برؤية سينمائية و اضيف اليها من خيالاتي المجنونة حيث أخلط بين الحلم ..الكابوس والوهم

الرباط : أمينة بركات

حميد العقبي مواطن يمني باحث و مخرج سينمائي و كاتب سيناريو دفع عشق الفن السابع بابن الحديدة اليمنية إلى الذهاب بعيدا عن بيئته و محيطه ألأسري بحثا عن المعرفة و الإبحار في مجال اختاره عن اقتناع في الوقت الذي كان ممكنا أن يتفرغ لكتابة القصة و القصيدة و النقد الأدبي بالإضافة للعمل في المسرح لكنه اختار المسار الصعب. فبعد دراسته للفنون التشكيلية و فنون العرض سينما و مسرح بفرنسا اختار موضوعا دقيقا لرسالة الدكتوراه حول السينما الشعرية وعلاقتها بالسينما السريالية و التجريبية بجامعة كان الفرنسية ،حاصل على الماجستير في الإخراج

السينمائي و المسرحي و بكالوريوس في الإخراج الإذاعي و التلفزيوني من جامعة بغداد سنة 1997 و له اهتمامات بالتصوير الفوتوغرافي يعمل أيضا كمدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة باليمن التي ساهم في تأسيسها .
توقفنا عند كل هذه المحطات لنتعرف أكثر على اليمني الوحيد الذي يتابع دراسات عليا في مجال السينما و يعمل على انجاز مشاريعه الفنية بالإمكانيات التي يجهد في إيجادها . هذا بعد أن ارتبط اسمه بالسينما الشعرية و استطاع أن يثبت قدرته على الإبداع فيها من خلال أفلامه الثلاثة .

اختار حميد ألعقبي الاهتمام بمجال أفاقه ضيقة جدا في اليمن بعد أن تولدت لديه فكرة دخول هذه المغامرة، فكيف تم هذا، يجيب:
" كان اكتشافي لهذه الفكرة صدفة و ذلك عام 1996 عندما كنت طالب بكالوريوس في السنة النهائية بكلية الفنون الجميلة ببغداد - قسم السمعية و المرئية حيث كنت ابحث عن فكرة لمشروع تخرجي و نصحني يومها احد أساتذتي الدكتور كريم السوداني أن ابحث عن فكرة جديدة غير مطروقة و قدم لي دراسة من عدة صفحات تتناول تحويل إحدى قصائد الشاعر يوسف الصابغ الى سيناريو و من ثم تناقشت مع استاذي و سألني من هو اشهر شاعر يمني قلت البرد وني و المقالح نصحني أن اختار إحدى القصائد لواحد منهم و فعلا بحثت و وجدت كتاب نقدي للدكتور عبد العزيز المقالح بعنوان من البيت الى القصيدة الكتاب تناول دراسات لقصائد شعراء من اليمن و وجدت قصيدة للشاعر المقالح بعنوان " محاولة للكتابة بدم الخوارج " قمت بدراستها و اقتنعت بها و قدمتها لاستاذي المشرف الدكتور كريم السوداني و بعدها أعادها لي و قال ابحث عن قصيدة اخرى تتوفر بها جميع مقومات البناء الدرامي . حدث جدل بيننا و جاء مهرجان المربد الشعري الثاني عشر و كنت حريص على حضور فعاليات مهرجان المربد فقمت و نسخت القصيدة عشرين نسخة ووزعتها على شعراء و نقاد مع سؤال واحد فقط هل من الممكن معالجة هذه القصيدة و تحويلها الى فيلم سينمائي و بعدها جمعت الإجابات و اكد البعض بنعم دون ان يعطيني الكثير من الإيضاحات و استفدت أكثر من اثنين الأول الشاعر المصري محمد عفيفي مطر و الثاني الناقد العراقي حكمت الحاج .
الشاعر مطر استمع لي باهتمام و درس القصيدة و قال نعم تتوفر بها جميع العناصر الدرامية و طلب لي أن اكتب أفكاري المعالجة الدرامية لها و في اليوم الثاني أحضرت إليه المعالجة الدرامية درسها باهتمام و قال لي شي جيد ان قدرت ان تحقق هذا سيكون عمل مميز جدا و أخبرته بمشكلتي مع المشرف فطلب مني ان احضر مع المشرف و فعلا اجتمعنا الثلاثة و دار حوار و نقاش بيننا و في الأخير طلب الشاعر من المشرف ان يقبل المشروع و الا يقيد حريتي و فعلا حدث هذا .
اما الناقد حكمت الحاج فأعجب بالقصيدة و قال إنها مناسبة جدا لتحويلها لعمل مسرحي و اعتقد هي ملائمة للعمل السينمائي و نصحني ان ابحث عن الرموز و تكثيفها و ليس المعالجة الحرفية و السطحية و فعلا أخذت بنصائحه و لا أنسى أيضا نصائح كل من المخرج السينمائي الأستاذ جعفر علي الذي كان يرعاني رعاية الأب و كذا الدكتور حسن السوداني و الفنان جبار خماط الذي قام بالدور .
و رغم مصاعب كثيرة واجهتها و خاصة المصاعب المادية الا أني الحمد لله تمكنت من إخراج العمل و عرض في مهرجان الكلية ببغداد و فاز بجائزة أفضل سيناريو و شهادات تقدير عديدة كما ان الفيلم عرض في مهرجان قليبيه بتونس للفيلم غير المحترف عام 1997 و بعد عودتي لليمن عرض الفيلم في مركز الدراسات و البحوث بصنعاء و كان الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح سعيد جدا و منذ تلك أللحظه و هو يشجعني و عرض الفيلم بالفضائية اليمنية هناك شي مهم لا بد ذكره و هو ان الشاعر المقالح اعترض على التسمية عنوان الفيلم الأصلي محاولة للكتابة بدم المقالح و دعاني لتغيير العنوان محاولة للكتابة بدم شاعر .
كان أملي ان اخرج فيلم أخر عن قصيدة فتافيت امراه للشاعرة سعاد الصباح و كتب السيناريو و حاولت الاتصال بالشاعرة للحصول على دعم لكنها لم تهتم بالتجربة فصرفت النظر .
و بعد ان حصلت على منحة لاستكمال دراساتي العليا قررت ان أتعمق في الموضوع و بعد إنجازي الماجستير بعنوان بحث في السينما الشعرية و سينمائية القصيدة الشعرية و تمكنت الى الان من إخراج فيلمين في فرنسا اذن رصيدي ألان ثلاثة أفلام في هذا الاتجاه و هناك تجربة رابعة على وشك البدء في إنجازها ."
تخصص العقبي في مجال السينما الشعرية و هو صنف غير معروف في السينما العربية في الوقت الذي ما زالت فيه بوادر صناعة السينما بصفة عامة خجولة في العديد من الدول العربية ، فلماذا هذا الاختيار و بمن تأثر بالأساس و هل هو تحديا من طرفه ؟عن كل هذه الملاحظات يعقب المخرج حميد العقبي :
" فعلا هذا التخصص غريب و غير معروف و جاء هذا الاختيار لحبي الشديد لهذا الاتجاه و رأيت ضرورة الخوض فيه كونه جديد لباحث
عربي حتى يستفيد منه الآخرين و ان أقدم بحث جديد للمكتبة العربية ووجدت صعوبات كثيرة جدا كون لا توجد مصادر عربية و لا توجد كتب مترجمة إلى العربية و لم أجد احد يفهمني إلا القليل جدا من نقاد و أكاديميون عرب و كان هذا تحدي أخر و أنا أحب التحدي و البحث عن الجديد .
بالتأكيد عندما أخرجت فيلمي الاول محاولة للكتابة بدم شاعر لم أكن امتلك القاعدة الأكاديمية و الفكرية و لم اكن قد اطلعت على التجارب العالمية و لا النظريات و لولا دراستي بفرنسا و دعم استاذي المشرف ووجود المراجع و الأفلام لم أكن أستطيع إنجاز بحث الماجستير في الموضوع لو اني درست في بلد عربي .
اصبحت عاشقا للسينما الشعرية و تاثرت جدا بعمالقة المخرجين مثل المخرج الروسي اندرية تاركوفسكي و الأسباني لويس بنويل و الإيطالي باز وليني و فليني و المخرج السويدي بيرجمان و الفرنسي جون كوكتو و الان رينيه و غيرهم ."
كان لابد للمخرج اليمني حتى النخاع أن يحكي لنا عن تجربته السينمائية و أهم المشاكل التي حاصرته و تسببت له في متاعب مادية و نفسية فقال :

"فيلمي الاول محاولة للكتابة بدم شاعر عن قصيدة محاولة للكتابة بدم الخوارج للشاعر عبد العزيز المقالح و أعجبت بالقصيدة جدا رغم انها من القصائد الممنوعة و التي لم يعد الشاعر يرويها نظرا لحساسيتها فهي قصيدة دموية تحمل عمق فكري و فلسفي و سياسي . أما فيلمي الثاني و هومأخوذ عن قصيدة حياة جامدة للشاعر العراقي سعدي يوسف و كانت تجربة رائعة مع شاعر عملاق ليس سهلا و قد سعدت جدا بموافقته على منحي ترخيص و اذن لمعالجة القصيدة ثم انه وافق على الرؤية السينمائية بعد اطلاعه على السيناريو و منحني حرية مطلقة لم يفرض أي قيود و بعد أن انتهيت من الفيلم أرسلت إليه الفيلم و كنت سعيدا بإعجابه بالفيلم . و الفيلم أنتجته بدعم من مؤسسة المورد الثقافي بالقاهره بعد فوز
المشروع بمنحة فنية ضمن برامج المنح الفنية لعام 2004
صورت الفيلم في النورماندي بفرنسا بكادر فرنسي و بطولة الفنان سعدي يونس بحري
فيلمي الثالث الرتاج المبهور عن قصيدة الرتاج المبهور للشاعر الكويتي عبد العزيز سعود البابطين .
تعرفت على الشاعر البابطين خلال مشاركتي بمهرجان المتنبي العالمي الرابع بزيورخ و أعجب الشاعر بتجربتي و قمت باختيار هذه القصيدة و قمت بإجراء المعالجة الدرامية و عرضتها على الشاعر في لقاء تم في جنيف و كان هناك حوار بيننا و بعد اقتناعه وعدني بدعم قدره عشرة ألف دولار أمريكي و الحمد لله وجدت جهات أخرى ساعدتني بالدعم مثل وزارة الثقافة اليمنية و جامعة الحديدة و جمعية سينزيس السينمائية الفرنسية و مركز الدراسات و البحوث السينمائية بجامعة كان الفرنسية و كانت مغامرة جميلة صورت الفيلم في اليمن بكادر فرنسي و الفيلم بطولة الفنان العراقي سعدي يونس بحري . واجهنا صعوبات عديدة بسبب الميزانية المتواضعة ."
المخرج بين التحدي و الصمود

و عن أهم المشاكل التي صادفته في عمله يضيف :
«هناك العديد من المشاكل واجهتني في كل تجربه مع أفلامي الثلاثة أولها طبعا الإمكانيات المادية حيث فيلمي الأول حوالي ألف دولار أنتجته من جيبي الخاص . و في الفيلم الثاني
واجهت أيضا نفس المشكلة و عرضت السيناريو على جهات عديدة فرنسية لكن شروط الدعم عديدة و من أهمها ان يكون عمري اقل من ثلاثين سنه و بالصدفة تعرفت على مؤسسة المورد الثقافي و سحبت استمارة و أرسلت إليهم بالسيناريو و الحمد لله حصلت على دعم رمزي قدره ثلاثة ألف دولار و اضطررت أن أكمل من جيبي بقية التكاليف .
و كان حظي أفضل مع فيلم الرتاج المبهور لكن التكاليف كانت أكثر من الدعم كون التصوير تم في اليمن و استمر عشرة أيام بكادر فرنسي و الحمد لله اشعر بفرح كبير الان بهذا الرصيد المتواضع ". هذا بالإضافة إلى مجموعة من المعيقات التي صادفتني مع كل فيلم و تتجلى في الإجراءات الروتينية كتصاريح التصوير و غيرها . كما أن هناك سوء فهم لهذه التجارب فالبعض ينظر إليها كأنها فيديو كليب للشعر و البعض يظن انها ترجمة للشعر و الحقيقة إنها ليست كذلك أنا أحاول قراءة القصيدة الشعرية برؤية سينمائية و أضيف إليها من خيالاتي المجنونة لأنني لا اكتب دعاية للشاعر صاحب القصيدة و لا احكي عن حياته فأفلامي ليست وثائقية هي معالجات حرة من وجهة نظري الخاصة هي ذاتية بكل ما تعنيه الكلمة لذا البعض لا يتحمس لدعم مشاريعي .
لدي أكثر من خمسة سيناريوهات هي معالجات درامية لقصائد شعرية و لم أجد إلى الان وسائل أو جهات تمدني بالدعم المادي .
التجربة الجديدة فيلم مراثي الجنون و هو معالجة درامية لقصيدة الشاعرة بيسان أبو خالد و الحمد لله وجدت جهة تدعم العمل هذه الجهة هي مدينه الشارقة للخدمات الإنسانية التي تديرها الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي و ان شاء الله استلم الجزء الأول من الدعم الشهر القادم حسب وعد سموها ."
يشتغل حميد العقبي أيضا في المسرح و التصوير الفوتوغرافي و عليه سألناه هل يوظف اهتمامه بالشعر أيضا في هذه الفنون و ما هي المعاير التي يعتمد عليها في اختيار مواضيعه؟ أجاب :
" أحب المسرح منذ كنت تلميذا بالإعدادية و كبر عشقي وولعي بالمسرح و في بغداد كونت أنا و زملاء عرب فرقة أطلقنا عليها فرقة أهل الكهف كان الكاتب الساخر محمد طملية يزودنا بنصوصه و كنا نخرجها و نؤديها بشكل جنوني هستيري و لي عدة نصوص مسرحية أهمها الرصيف و فنتازيا كائنات أخرى نصوص يغلب عليها الفنتازيا و الجنون الجميل .
و عندما أصور أحب تصوير أشياء غريبة أضواء - أشياء تافهة مبعثرة .
اكتب خواطر لا ادري هل هي شعرا أم لا المهم أني اكتب ما أحس به .
انا أ ميل إلى الأفكار الفلسفية و أحيانا السياسية لذا مثلا فيلمي الأول محاولة للكتابة بدم شاعر لم يجد قنوات للعرض و فيلمي الثاني أيضا أنا أخوض موجة صعبة أفكار مبعثرة أحاسيس غريبة أحاول ان افرغ بعض ما أحس به في إعمالي و متى اقتنعت بقصيدة اقتناعي بها يأتي بعد أن أحس بها أولا و أنها تعبر عن بعض أحاسيسي اخلط بين الحلم و الكابوس الوهم و الحقيقة "
بالرغم من أن اليمن لا يتوفر على إنتاج سينمائي محلي يذكر و لا هناك أيه سياسة توحي بتشجيع هذا الفن فعشق حميد لعمله و تخصصه دفعه لخوض هذه المغامرة التي تتطلب إمكانيات كبيرة و عن هذا الإلحاح و الصمود أمام كل المشاكل نتساءل هل هناك بواد ر تدفع بطموحاته لتأسيس سينما محلية و تحسيس الجمهور اليمني بأهمية الثقافة السينمائية كما هو الحال في الدول الخليجية ، يعلق :" صحيح أنه لا يوجد في اليمن أي اهتمام بالسينما و لكن هناك أمل كلية الفنون الجميلة باليمن و التي كان لي الشرف في المساهمة في تأسيسها هناك كوادر تحتاج إلى رعاية و هذه الكوادر تحلم بسينما و لديها أفكار نأمل أن يتحقق حلمنا الجميل قريبا في الوصول إلى سينما يمنية متى يعي أصحاب القرار بضرورة دعم هذه المواهب لعل و عسى أقول هذا و أنا اليمني الوحيد الذي يدرس دراسات عليا بفرنسا تخصص إخراج سينمائي و لا استلم مليما واحدا من الحكومة اليمنية .
التعامل مع السينما الشعرية في العالم العربي مغامرة و حلم من الصعب الحفاظ على لاستمرارية فيه في غياب استراتيجيات وإرساء قواعده في عالم يفتقر إلى ابسط شروط العمل فهل يعتقد العقبي أن هناك إمكانية لتحقيق هذا الحلم ؟ يجيب :
"السينما الشعرية حلم صعب و لكنه ليس مستحيل و العالم اليوم مفتوح و السينما أداة للحوار بين الحضارات و الشعوب ان لم يفهمني العرب بالتأكيد ساجد من يفهمني و أنا أحب أن أخوض تجارب أخرى مع شعراء من كل أنحاء العالم .
انا عنيد و سوف استمر في مواصلة التجارب و المغامرات حتى اصل فعلا إلى سينما شعرية سيحتاج الأمر ربما سنوات من التجارب و المغامرات لكن ألف ميل يبدأ بخطوة و اعتقد أني خطوت أكثر من خطوة ." و أما عن رأيه فيما تعرفه منطقة الخليج على مستوى الاهتمام بالصناعة السينمائية و مشاركته في مهرجان أفلام الخليج يقول :
"هناك سينما في الخليج و لا أقول هذا نفاق و لا مجاملة بعد مشاركتي بمهرجان أفلام من الأمارات بعرض فيلمي الرتاج المبهور ضمن عروض بانو راما عربية كانت فرصة رائعة أن أشاهد عشرات الأفلام الخليجية و رغم كل الانتقادات الموجهة للشباب هناك إلا إن هناك سينما و هناك جهات تهتم بالشباب السينمائي مثلا يوجد في الأمارات العربية المتحدة رجل فنان مثل مسعود امر ال علي و ليت هناك مسعود في كل بلد عربي فهذا سيساعد كثيرا في تشجيع المواهب و إتاحة الفرصة لها ان تختبر تجاربها لكن اغلب الأقطار العربية بها ألف منحوس يثبط العزائم و يقتل الإبداع الفني .
ويوجد أيضا نقاد مثلا الأستاذ أمين صالح و غيره لا يخلو بلد خليجي من وجود أشخاص و جهات تساهم بدعم الإبداع و تجارب و مغامرات الشباب شي رائع و أيضا إمكانيات الشباب المادية أفضل بكثير من إمكانيات شباب في أقطار أخرى مثل مصر او اليمن او السودان مثلا و هولاء الشباب يعملون بجد من اجل إيجاد طريقهم يتعاونون فيما بينهم و يؤسسون مجموعات سينمائية و هي مسألة ايجابية.
هناك مسائل لا بد الانتباه إليها و هي ان تنضج هذه المواهب و الكوادر و تتزود بالأرضية الأكاديمية و الفكرية السينما ليس كاميرا و مال فقط السينما فكر و علم و فن ربما وجود معاهد متخصصة في الفن السينمائي في أكثر من بلد خليجي سيسهم كثيرا في نضوج تلك التجارب و بوسع البعض السفر الى الخارج لدراسة الفن السينمائي لو حدث هذا سوف نشاهد الكثير من الأفلام السينمائية بما تعنيه الكلمة ."
كمواطن يمني يعيش في فرنسا بعيدا عن عاداته وتقاليده ، ثقافته و أهله هل الحنين للموروثات لها مكانة في سجل إبداعات ألعقبي و هل لها تأثير على أعماله كسيناريست و مخرج ،بحنين و حب للبلد الذي رأى فيه النور و يحمل هويته يضيف :
"أنا احن إلى اليمن كل لحظة و ثانية كون عائلتي مازالت بها و لا يمكن ان يمر يوم دون ان اتصل بهم . انه بلد يمتلك حضارة عريقة و تاريخا و تراثا إنسانيا و ليس ملكا لأهل اليمن فقط و اعتقد ان واجب الجميع إنقاذ هذا التراث الإنساني من الضياع و الاندثار و التشويه و انا الان بصدد إجراء عملية مونتاج لفيلم وثائقي قصير عن سوق بيت الفقيه مدينتي التي ولدت فيها و عشت بها و صورت فيلمي الرتاج باليمن و لا يخلو أي فيلم من أفلامي الثلاثة من الإشارة الى اليمن ، في فيلمي الأول لقطات وثائقية في فيلمي الثاني ضمن الإكسسوارات بعض الأشياء ترمز إلى اليمن و لا اعتقد اني سأعمل فيلما و سيخلو من صورة أو إيحاء بها رائحة اليمن ، أنا يماني حتى النخاع حتى لو عشت في هوليود سأظل يماني محب لليمن السعيد . "
في أخر المطاف و بعيدا عن سينماه سألناه باعتباره سينمائيا هل يتابع الحركة السينمائية المغربية و ما هو رأيه فيها ،فجاءت الإجابة كالتالي :

"نعم أنا أتابع الحركة السينمائية بالمغرب و كان تخطيطي ان أصور فيلم الرتاج المبهور بالمغرب لكني لم اجد أي استجابة من سفارة المغرب فالفيزا فقط تكلفني شهرين من الزمن ، إنها مأساة الحدود التي تفصلنا و تعيقنا فمتى سنحرر أوطاننا منها .
و قد قام بتأليف الموسيقى التصويرية المغربي الأخضر بوساف لكل من شريط " الرتاج المبهور" و
شريط "على قيد الحياة".
ربما يتاح لي التعرف عن قرب على السينما المغربية عند زيارتي للمغرب أملي أن يتم قبول أفلامي للمشاركة بأحد المهرجانات السينمائية المغربية كون المهرجانات فرصة جميلة للتعرف عن قرب ."

20/4/2006



الفنان أحمد قعبور

الدكتورالأديب أسد محمد

المصور الفوتوغرافي أسامة سلوادي

المؤلف الموسيقي أحمد مختار

الشاعر أيمن اللبدي

الرسام الكاريكاتيري بديوي

الدكتور الباحث حسني عودة

المفكر د. جمال طحان

الإعلامية والشاعرة جمانة حداد

الرسام الكاريكتيري رائد خليل

الشاعر سميح القاسم

الشاعر شاكر لعيبي

الشاعر طلعت سيقرق

الباحث عبد الواحد علواني

الشاعر عدنان الصايغ

الأديب عدنان كنفاني

الشاعر عيسى الشيخ حسن

الشاعر عمر الشادي

الدكتور فاروق الباز

الشاعرة فاطمة ناعوت

الشاعر قاسم حداد

المسرحي قاسم مطرود

الرسام الكاريكتير خالد قطاع

الباحث والقاص محمد سعيد الريحاني

الأستاذ محمد توفيق الصواف

الأديب محمد عيد العريمي

الناقد والشاعر مقداد رحيم

الأديب ممدوح عدوان

الأستاذ نجاح واكيم

الباحث ندرة اليازجي

الدكتور نضال صالح

الكاتبة ياسمينة صالح

المفكر د. يوسف مكي

الشاعرة هنادة الحصري

الشاعر هنري زغيب

الشاعر يوسف الديك

الفنان التشكيلي وليد قارصلي

الأديب وليد الهودلي

أنا والحكومة بقلم نزار حيدر

أنـا والحكومة
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
     

   كمواطن، سأمنح الحكومة العراقية الجديدة، فترة ستة أشهر فقط، قبل ان أحكم عليها بالنجاح أو الفشل، وفيما اذا كانت جديرة بالاحترام والتقدير، أم أنها ليست سوى مجموعة موظفين فاشلين، لا يقدرون على انجاز شئ ما للعراق وشعبه الأبي الصابر، الذي طال انتظاره، وهو يتطلع الى يوم الخلاص.
   أقول ذلك، لعدة أسباب؛
   الأول؛ لأن بالاعلان عن تشكيلها، يكون العراق قد طوى المرحلة الانتقالية، ليبدأ أول مرحلة دستورية دائمة، انبثقت عنها الحكومة الجديدة في اطار دستور دائم للبلاد، ومن خلال صندوق الاقتراع، الذي أدلى به المواطن العراقي رأيه وخياره، بارادة حرة، ولذلك فان من المفترض أن تكون هذه الحكومة، هي الحارس الأمين والساهر الاول على حمايته وتطبيقه في كل صغيرة وكبيرة.
   فهي، اذن، حكومة كاملة الأهلية من الناحية الدستورية والشعبية (التمثيلية) والزمنية والصلاحية، فهي ليست كالحكومات السابقة، تتصدر لمهمة محددة ولوقت محدد، بل ان كل الملفات مطروحة أمامها على الطاولة لمعالجتها.
   ثانيا؛ كل الفرقاء السياسيين يصفون الحكومة الجديدة بأنها حكومة وحدة وطنية، لأنها ضمت تحت أجنحتها، كل مكونات المجتمع العراقي من أقصى شماله الى أدنى جنوبه (جغرافيا) ومن أقصى اليمين الى أقصى اليسار، مرورا بالمحافظين (سياسيا) كما أنها ضمت كل الكتل البرلمانية تقريبا.
   حتى (الارهابيين) {أقصد المقاومة بشقيها الشريفة وغير الشريفة} وأيتام النظام الشمولي البائد، قيل أن هناك في هذه الحكومة من يمثلهم، ما يعني أنه ليس أمام الحكومة ما تتذرع به، اذا فشلت في مهامها الموكولة اليها.
   كما قيل أن قوى المجتمع الدولي والقوى الاقليمية، بمختلف مآربها ومشاربها واتجاهاتها وتناقضاتها، قد تمثلت في هذه الحكومة، فلماذا، اذن لا تنجح في تحقيق أهداف وتطلعات وآمال الشعب العراقي.
   انها حكومة وحدة عالمية، أليس كذلك؟.
   ثالثا؛ لقد قال السيد رئيس الوزراء الجديد، بأنه سيبدأ من حيث انتهى سلفه (.....) وهو كلام كاف لأن يكون حجة عليه وليس له، اذا كان يعتقد بأن سلفه قد أنجز شيئا ما، اذ يعني هذا الالتزام، بأنه سيبدأ الانجاز فورا، فهو ليس بحاجة الى الانتظار طويلا لاعادة النظر في الملفات المطروحة أمامه، انما تكفيه نظرة سريعة لكل الملفات ليبدأ التنفيذ فورا، وبالتالي لتحقيق الانجازات الملموسة، وهذا ما يتمناه العراقيون على وجه السرعة.
   كما أن هذا الاعلان يعني أن الحكومة الجديدة لا ترى أنها ورثت من سابقتها أي شئ سيئ (.....) ولذلك فهي ليست بحاجة الى ان تنشغل مدة من الزمن لتصفية الآثار والمخلفات السلبية التي ورثتها منها، قبل ان تبدأ بالعمل لتحقيق الانجازات.
   تعالوا اذن نحاسب الحكومة الجديدة حسابا عسيرا، ونقف لها بالمرصاد، ونراقبها في كل شاردة وواردة، لنرى ما اذا كانت بحجم اسمها ورسمها وهويتها والتزاماتها وبرنامجها الانتخابي، أم لا؟.
   وقبل كل شئ، أود أن أشير الى ما سأفعله شخصيا، لأبني عليه مراقبة ومحاسبة الحكومة الجديدة؛
   فبصراحة أقول، بأنني سوف لن أصغ كثيرا الى تصريحات الحكومة من الآن فصاعدا، كما أنني سوف لن أهتم كثيرا بالتقارير الصحفية، الشفوية منها أو المكتوبة، التي سيدلي بها رئيس الحكومة ووزراءه والمتحدثين او الناطقين الرسميين المحتملين باسمها، فلقد أتخمتنا الحكومات السابقة بالشعارات الرنانة والتقارير الصحفية التي يسيل لها اللعاب ويغفو على نغماتها الجياع والفقراء، انما سأصغ، بل سأبذل كل جهدي ووقتي، للاصغاء الى صوتين اثنين، الأول هو صوت المواطن العراقي، لأعرف منه، يوميا، ما اذا كان راضيا على أداء الحكومة أم لا؟ بمعنى آخر، هل أنه مستفيد، بالفعل، منها ومن أداءها أم لا؟ والثاني صوت الدستور والقانون، لأعرف ما اذا كانت الحكومة ملتزمة ببنوده أم لا؟ وما اذا كان الدستور {ومعه القانون} حاضرا في برامج الحكومة واجتماعاتها، أم أنه مرصوفا فوق أدراج الوزارات، غطته الأتربة، وتراكمت عليه عوامل التعرية، وأكلت الارضة بعض أوراقه؟.
   ومن أجل أن ننصف الحكومة ولا نظلمها، فلا نحملها فوق طاقتها، فسوف لا أثقل عليها بالتوقعات والمطاليب التي عليها أن تنجزها في فترة الستة أشهر القادمة، وانما أحدد هذه الفترة الزمنية، لأن في الأشهر الستة من عمر الحكومة، أية حكومة، ستتضح معالم الانجازات الكبيرة والصغيرة التي ستنجزها، أو التي تنوي انجازها، خلال بقية الفترة الزمنية الدستورية من عمرها القانوني، هذا فيما اذا استمرت في موقعها، ولم تسقط بالضربة القاضية، لأي سبب كان.
      ان محور ما أطالب الحكومة بانجازه، هو تحقيق كرامة المواطن العراقي المسحوقة، وذلك من خلال فقرات الدستور حصرا، اذ نصت (ألف) من (أولا) من المادة (35) على أن {حرية الانسان وكرامته مصونة}.
   فالمواطن الذي لا زال يبحث عن لقمة العيش، يعتبر مسلوب الكرامة، أو على الأقل، ناقص الكرامة، كما أن المواطن المحروم من التمتع بعائدات خيرات بلاده، منقوص الكرامة كذلك، بالاضافة الى ما ينتقصه الفساد المالي والاداري من كرامة المواطن، الى جانب التمييز الذي ظل حتى الآن هو سيد الموقف، بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أعوام على سقوط الصنم.
   كما أن افتقار المواطن للأمن على نفسه وماله وعرضه وعائلته وأملاكه، يعد انتقاصا صارخا لكرامته.
   من هنا، أعتقد بأن على الحكومة أن تحقق نسبة ما لا يقل عن (10%) من ما يلي خلال الأشهر الستة الاولى من عمرها المديد، لنقل بأنها بالفعل حكومة وطنية تاريخية، تستحق الثناء والتبجيل:
   أولا؛ مكافحة العنف والارهاب بقسوة، لأنه الملف الأعقد والأهم من بين كل الملفات، وهو المحك الذي سيقاس به نجاح أو فشل الحكومة، بالاضافة الى مكافحة الجريمة المنظمة.
   حتى الخالق جل وعلا، رب العزة والجبروت، انما دعا الخلق لعبادته، فلأنه هيأ لهم الأمن، بعد أن سد رمقهم، يقول تعالى في سورة (ايلاف) {فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} لأن {من لا معاش له، لا معاد له} كما في الحديث الشريف عن رسول الله (ص).
   انها فلسفة وجود الحكومة، أية حكومة، أن تهيئ للناس لقمة العيش في ظل الأمن، على مختلف الأصعدة.
   لقد نصت (ثانيا) من المادة (السابعة) في الدستور، على أن {تلتزم الدولة محاربة الارهاب بجميع أشكاله} ما يعني أن على الحكومة الجديدة، التصدي حتى للعنف الفكري والثقافي والسلوكي والسياسي والديني والمذهبي، ان صح التعبير، من خلال الوقوف بوجه من يحاول ارهاب الناس وارعابهم لفرض قناعاته الخاصة، وأجندات بعينها، وعلى أي صعيد كان، لأن كل ذلك يدخل في اطار هذه الفقرة الصريحة والواضحة، كما نصت (ثانيا) من المادة (35) على أن {تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني} أما (ثانيا) من المادة (37) فنصت على أنه {لا يجوز اجبار أحد على الانضمام الى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية، أو اجباره على الاستمرار في العضوية فيها} ما يعني أن على الحكومة أن تواجه، وبشدة، مجموعات الاكراه المنتشرة في دوائر الدولة وفي الشوارع والجامعات والحدائق العامة، والتي تفتش في عقائد الناس، واتجاهاتهم السياسية والفكرية، و(تعلمهم) الأخلاق العامة، وكيف يجب أن يلتزموا بها، وقد نصبت نفسها وليا على الناس.
   ان التعامل مع هذا الملف، بالذات، يحتاج الى أن تتحلى الحكومة بشجاعة فائقة وغير طبيعية، لأن التصدي لمكافحة الارهاب يحتاج منها الى أن لا تجامل أحدا، فتبادر الى الكشف عن هوية كل المتورطين فيه، سواء بشكل مباشر، من خلال تنفيذ أعمال القتل والتفجير والتفخيخ الاجرامية والاكراه، أو من خلال ايواء ودعم واحتضان المجموعات الارهابية، خاصة تلك الجهات (السياسية) التي تهيئ المناخ السياسي المطلوب والمظلة اللازمة لعمل الارهابيين.
   فهل ستجرؤ الحكومة الجديدة، على الكشف عن أسماء المتورطين بالارهاب من القادة والزعماء السياسيين الذين انخرطوا (لسبب أو لآخر) في العملية السياسية؟ اذا ما اكتشفت أنهم لا زالوا يحتفضون بعلاقاتهم القديمة مع الارهابيين؟ أم أنها ستظل تتستر عليهم، كما كانت تفعل في السابق؟ وهل ستجرؤ على الكشف عن أسماء وعناوين الجهات الخارجية التي تدعم مجموعات العنف والارهاب، سواء من أجهزة المخابرات الاقليمية أو الدولية أو حتى الأسر والعوائل، أو بعض أفرادها، من تلك المنتشرة في المنطقة؟.
   وبهذا الصدد، أعتقد أن على الكتل البرلمانية التي تمثل السنة، أن تتحمل العبء الأكبر من هذا الملف، لأنها وعدت العراقيين بأنها ستوقف العنف والارهاب اذا ما اشتركت في العملية السياسية، فها هي تشترك في العملية السياسية وتدخل تحت قبة البرلمان وتشارك في الرئاسات الثلاث وفي الحكومة، بل ان أكبر كتلتين في البرلمان {وأقصد الشيعة والكرد} قدموا الكثير من التنازلات، وتنازلوا عن الكثير من استحقاقاتهم الانتخابية وحقوقهم الدستورية، من أجل ارضاء الكتل السنية، فقط من أجل تمكينها من تحقيق وعدها بوقف العنف، وبصراحة أقول، اذا لم يقف العنف والارهاب فورا، فلابد من طرد كل من وعد فأخلف على هذا الصعيد، ليس من الحكومة فحسب، بل من مجلس النواب كذلك، ومن كل العملية السياسية برمتها، لأن من يخلف الوعد الذي يقطعه أمام الشعب العراقي، لا يستحق أن يبقى في العملية السياسية، لأن علة وجوده ستنتفي في هذه الحالة، فلماذا يجب أن يبقى اذن، وهو قادر على وقف نزيف الدم العراقي، ولا يفعل شيئا؟.
   ثانيا؛ الغاء كافة أنواع التمييز بين العراقيين، وان أول التمييز الذي يجب أن يلغى فورا، هو درجة المواطنية الذي يقسمه قانون الجنسية العراقية سيئ الصيت الى درجتين متفاوتتين ومتمايزتين، فـ (ثانيا) من المادة (12) تنص على أن {الجنسية العراقية حق لكل عراقي، وهي أساس مواطنيته} من دون الاشارة، أبدا، الى ما يسمى بشهادة الجنسية العراقية، العثمانية وغيرها.
   فبالرغم من أن مجلس الحكم الانتقالي اتخذ قرارا تاريخيا بالغاء هذا القانون المنبوذ، الا أنه لا زال من القوانين النافذة لحد الآن، فمثلا، لا زال المواطن العراقي يطالب بابراز شهادة الجنسية العثمانية (النسخة الأصلية وليست صورة عنها) اذا أراد أن يحصل على جواز السفر العراقي الجديد، وقس على ذلك.
   يجب على الحكومة العراقية الجديدة، أن تنفذ قرار الغاء هذا القانون فورا ومن دون نقاش، لنوحد مواطنية العراقيين، ولا نميز بينهم، فكما هو معلوم فان هذا القانون سن من أجل التمييز بين العراقيين، وهو انما استهدف الأغلبية من العراقيين (الشيعة حصرا) والذين ظلوا يدفعون الثمن على مدى أكثر من تسعة عقود من الزمن، اذ استندت كل القرارات الجائرة التي صدرت ضدهم طوال تلك الفترة من الزمن، على أساس بنود هذا القانون.
   ثالثا؛ ملاحقة المال العام ومراقبته، خطوة فخطوة، من خلال ملاحقة آخر قطرة بترول وآخر فلس عراقي سرقه اللصوص، سواء من العراقيين أو من غيرهم، خاصة الملياردات التي سرقتها الادارة المدنية الأميركية والشركات الأميركية والمتعددة الجنسية.
   فهل ستجرؤ الحكومة العراقية الجديدة على فضح المستور من الصفقات المشبوهة وأسرار السرقات المنظمة التي تعرض لها، ولا يزال، المال العراقي العام والبترول العراقي؟.
   لقد نصت المادة (109) من الدستور العراقي على أن(النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي، في كل الأقاليم والمحافظات) فهل سيشم العراقيون رائحة البترول ويتمتعون بامتيازات الغاز فيلمسوا تغيرا في مستواهم المعاشي في أسرع وقت؟.
   هل سيشهد العراقيون انتهاء عهد الأزمات الخانقة في البترول ومشتقاته، وهم الذين يعيشون على أرض تحتها أكبر مخزون واحتياطي نفطي في العالم؟.
   رابعا؛ الاسراع في تنفيذ الخطوات اللازمة لبناء النظام اللامركزي، من خلال توسيع صلاحيات الأقاليم والمحافظات وتقليل هيمنة المركز.
   لقد نصت المادة (113) على أن {يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وادارات محلية} أما (ثانيا) من المادة (119) فقد نصت على أن {تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم، الصلاحيات الادارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من ادارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الادارية، وينظم ذلك بقانون}.
   ان هذين النصين الدستوريين، وغيرهما، يحتمان على الحكومة الاسراع في اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء بتأسيس النظام اللامركزي وترسيخ قواعده، لما له من أهمية قصوى في نهضة العراق واستقراره، وتحقيق التنمية الشاملة.
   خامسا؛ ان واحدة من أهم مهام الحكومة الجديدة، هو بناء مؤسسات الدولة على أساس نظرية الفصل بين السلطات، فان ذلك من أبرز معالم النظام السياسي الديمقراطي المستقر الذي ينشده العراقيون، لأن التداخل في المهام والواجبات والمسؤوليات والصلاحيات، يضيع حقوق الناس، ولا يساعد على احقاق الحقوق لأي طرف كان.
   ان من شروط تحقيق العدل بين الناس، هو أن تتمتع القوة القضائية بكامل الاستقلالية فلا يتدخل أحد في شؤونها، من أجل ان تتمكن من أداء مهامها الخطيرة بعيدا عن أي شكل من أشكات التأثير، وان (أولا) من المادة (19) ينص على أن {القضاء مستقل، لا سلطان عليه لغير القانون}.
   اذا تحقق ذلك، فستضع الحكومة الجديدة حدا للاعتقالات العشوائية، وكذلك لحالات الاطلاق العشوائي لسراح المعتقلين.
   لا نريد أن نرى أو نسمع بأية انتهاكات لحقوق الانسان في العراق، خاصة ما يتعلق بالاعتقال والتعذيب والمداهمات العشوائية والتفتيش العشوائي بخصوصيات الناس، فان كل ذلك يعد ممارسات غير دستورية وغير قانونية وغير انسانية خطيرة تهدد الديمقراطية في الصميم.
   سادسا؛ تحسين الوضع المعاشي العام للمواطن العراقي، ولو بنسبة (10%) فقط خلال الأشهر الستة الاولى من عمر الحكومة الجديدة، من خلال تحسين فرص العمل والتعليم والصحة والرفاهية، الى جانب توفير مستلزمات الحياة الحرة الكريمة، كالماء الصالح للشرب والكهرباء وحل أزمات النقل والسكن والاتصالات، وغيرها، كذلك بنسبة لا تقل عن (10%) في الاشهر الستة الاولى.
   سابعا؛ وأخيرا، فان على الحكومة الجديدة اتخاذ الخطوات اللازمة لتعويض ضحايا النظام البائد، تطبيقا لـ (أولا) من المادة (129) في الدستور واللتي نصت على ما يلي:
   {تكفل الدولة رعاية السجناء السياسيين والمتضررين من الممارسات التعسفية للنظام الديكتاتوري المباد}.
   كما يجب أن تكون لرعاية عوائل الشهداء، أولوية قصوى في برامج الحكومة الجديدة.
   اذا حققت الحكومة هذه الانجازات، فستكون جديرة بأن تطالب برحيل القوات متعددة الجنسيات عن العراق، وتتسلم منها المهام الوطنية بالكامل، لتعيد للعراق استقلاله وسيادته، التي انتهكت بسبب السياسات الرعناء التي انتهجها النظام الشمولي الاستبدادي البائد، وشخص الطاغية الذليل وزبانيته.  
   وأقول بصراحة:
   فاما أن تنجز الحكومة العراقية الجديدة نسبة الـ (10%) على الأقل من هذه الخطوات المفصلية في حياة الناس، لنلمس جديتها وقدرتها على انجاز الفعل التاريخي المنتظر منها، لنطمئن على بقية عمرها الدستوري، أو لا خير في حكومة لا تقدر على انجاز أقل القليل، فأحسن لها أن ترفع الراية البيضاء أمام العراقيين، معلنة استسلامها، عند نهاية الشهر السادس من عمرها، وتعيد الأمانة الى صاحبها الشرعي الوحيد (الشعب العراقي).
   نتمنى لها من كل قلبنا، أن تكون حكومة انجازات وطنية وتاريخية، يسجل التاريخ انجازاتها العظيمة، للأجيال القادمة، ولكن؛
   بين الحقيقة والأماني العراقية، فترة ستة أشهر قادمة، فقط، وبعدها، ستعلن النتيجة الحقيقية.

   12 مايس 2006

لزوم الحرية


الحرية .. لازمة الوجود الإنساني ابتداءاَ وانتهاءاً
نضير الخزرجي*
   تدور حياة الانسان مدار التكوين والتشريع، فهناك امور يكون الانسان حرا فيما يختار، كاختيار اللباس والأكل والزوجة ونوع الدراسة والسكن وما أشبه، وبعضها خارجة عن ارادته كخلقته ووجوده في الحياة، بلحاظ ان: "التكوين هو الخلق والايجاد الذي هو من تصرف الباري جل وتعالى، والتشريع هو الأمر والحكم"(1)، والتشريع الذي يقع على الانسان ودوره في الحياة، يدور مدار الوجوب والحرمة وما بينهما المكروه والمستحب والمباح، ويأتي دور التشريع لتنظيم حياة الانسان وفق ارادة الخالق، وهي ارادة تحيط بالانسان من كل جوانبه لا تتخلف عنه، والا فُني الانسان، ولمّا كان الخالق أعرف بخلقه وهي مسألة عقلائية، فان الله أعرف باحتياجات البشر، ولذلك ما شرعه لجنس البشر ينسجم مع تكوينهم وخلقتهم وفطرتهم فمن عدل الله ان ما اجراه من أحكام انما هي متناغمة تماما مع ما أودعه في فطرة الانسان، التي يعرفها الامام علي (ع) بانها "كلمة الاخلاص"، ويصفها الباحث السوري، استاذ الفلسفة والمعارف الاسلامية بجامعة السوربون، الدكتور عضيمة، بقوله: "في الانسان الفطرة هي مادته الاولى التي فطره الله عليها, وهي خالية من أي اثر ومستعدة لقبول أي اثر يباشرها، وهي تأخذ التسمية من الاعمال التي تكتسبها، فاذا اكتسبت صلاحا فهي صالحة، واذا اكتسبت فسادا فهي فاسدة"(2).
ولا يمكن ان يكون هناك تعارض بين التكوين والتشريع، لان هذا التناقض يعني الجهل او العبث وهو ما يؤدي الى الظلم، والله سبحانه منزه عن ذلك كله: "وبالعدل الالهي الذي يتجلى بانعدام التناقض بين التكوين الفطري للانسان والتشريع الالهي كان الاسلام دين الفطرة، وكان دينا واقعيا يتعامل مع طبيعة الانسان التكوينية وواقعه، كما خلقه الله سبحانه"(3).

الحرية كونية طبيعية
من الثابت ان الله خلق الانسان وأوجد معه لوازم الحياة والاستمرار فيها، ومن هذه الضروريات الملازمة لحياة الانسان ابتداءاً وانتهاءاً هي الحرية، فهي معجونة مع صيروة الانسان، ومندكة في إنيّته، مذ كان ويكون، حتى يقف يوم القيامة في محكمة العدل الالهية، يقول المحامي والاكاديمي والباحث المصري الدكتور العوا: "ان حرية الانسان مقدسة - كحياته سواء بسواء- وهي الصفة الطبيعية الاولى بها يولد الانسان: (ما من مولود الا ويولد على الفطرة) وهي مستصحبة ومستمرة ليس لاحد ان يعتدي عليها"(4)، اما الباحث الايراني، حميد حيدري، المتخصص في القانون الدولي، فهو يلفت أنظارنا، الى ان: "الامام الخميني (1902-1989م) بعنوان عالم اصولي - في مقابل الاخباريين- يعتقد بان الاصل الاول هو الحرية، اما الاحكام الصادرة عن الخالق سبحانه فتأتي في الدرجة الثانية، الاصل الاول هو الحرية اما الحدود الشرعية والقانونية فهي ثانوية، بدون ادنى شك، ان الاصل الاول – مثل اصالة الحِلِّية واصالة الإباحة وعامة الامور والاشياء على وجه الارض خلقت واوجدت من اجل الانسان – هو انه يجوز الاستفادة بأي شكل كان من كل شيء ما لم يثبت الدليل على حرمته"(5). اما رجل الدين والتربوي الفرنسي المولد، الكندي المسكن،
مونتمورنسي دي لافال (Montmorency De Laval) (1622-1708م) فانه يعتبر الحرية قضاءاً مبرما وحتما، وعلى قاعدتها تقع جميع التبعات، فهو يرى ان: "الانسان يصنع وجوده بحريته، ان (الحرية) كل غير قابل للتحليل، واطرها هي هذه الوقائع والغايات، وانها لا توجد الا في موقف، غير ان الموقف لا يوجد الا بها، فالانسان مقضي عليه ان يكون حرا، اني مسؤول عن كل شيء، ولكن لست مسؤولا عن مسؤوليتي، انا لست اساسا لوجودي، اني هذه (الحرية) التي يؤكد الوجود بها نفسه، وفي العقل الذي اكتشف به هذه هي الحرية"(6).
والحرية كما يؤكد، مفكران اسلاميان ومنظران حركيان، هما، الفقيه محمد الشيرازي (1928-2001م) والفقيه محمد باقر الصدر (1935-1980م)، انها جعلية كونية طبيعية، يقول الباحث العراقي محمد غالب أيوب، أن: "الامام محمد الشيرازي لانه منظر اسلامي ويدافع عن وجهة نظر محدد يستنطق القران والسنة في الاستدلال على هذه الاصالة الذاتية للحرية، ومن هذه النصوص: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) و(الناس كلهم احرار..)، وكلا النصين لامير المؤمنين علي (ع)، والنص الاول يجسد تماما وببراعة فذ اصالة الحرية، لانه يعني: ان الحرية بالنسبة للانسان جعلية، ذاتية، طبيعية، وان الحرية ليست اضافة خارجية، وانما هي خلق رباني.".
ويضيف غالب: "وهذه الحرية الكونية التي طبع عليها الانسان، وقد اصطلح عليها السيد محمد باقر الصدر بالحرية الطبيعية، يقول الصدر: (الحرية الطبيعية عنصر جوهري في كيان الانسان، وظاهرة اساسية تشترك فيها الكائنات الحية بدرجات مختلفة، تبعا لمدى حيويتها، ولذلك كان نصيب الانسان من هذه الحرية أوفر من نصيب أي كائن آخر، وهكذا كلما ازداد حظ الكائن من الحياة، عظم نصيبه من الحرية الطبيعية)، وهذه الحرية الكونية او التكوينية بتعبير أدق هي احدى: (المقومات الجوهرية للانسانية، لانها تعبير عن الطاقة الحيوية فيها، فالانسان بدون هذه الحرية لفظ بدون معنى)"(7)، وكما يقول الفيلسوف الايراني المولد، السيد محمد حسين الطباطبائي (1903-1981م) صاحب تفسير الميزان: "ان الانسان مختار في الافعال المنتسبة اليه الصادرة عنه باختياره أي انه مطلق العنان بالنسبة الى الفعل والترك بحسب الفطرة غير مقيد بشيء من الجانبين ولا مغلول وهو المراد بحرية الانسان تكوينيا"(8)، أو قول السيد الخميني، ان الحرية: "حقا أوليا وفطريا طبيعيا وهبة إلهية للبشر"(9)، أو قول السيد جمال الدين الافغاني (1839-1897م): "ان من الاشياء ما ليس يوهب، فأهما بلاشك الحرية والاستقلال.."(10).
في الواقع لا يمكننا الا أن نسلّم بان: "الحرية حقيقة تكوينية في الانسان، وليست تشريعية معطاة، فالتشريع أي تشريع كان، لا يمنح الانسان الحرية، لسبب اساسي، وهو ان الحرية موجودة تكوينيا في الانسان، فالانسان خلق حرا، وكل ما على التشريعات سواء كانت وضعية ام إلهية هو ان تمنع مصادرة هذه الحرية او العبث بها"(11)، اي الحيلولة دون تجاوز احد على احد، او استئثار احد بحرية فائضة عن حدوده تستقطع من مساحة حرية الآخر دون وجه حق.

الحرية مظهر الوجود
   واذا كانت الحرية جعلية كونية، وهي كذلك بالفعل، فانها وبمعنى آخر أصيلة في تكوين الانسان، وان الاصل في الانسان الحرية في مقابل العبودية في معناها اللغوي، فهي اصيلة في كينونة وفطرة الانسان، اذ: "ليست الحرية من ضرورات الحياة فقط، بل هي فطرة شكلت حقيقة وجودنا الانساني وجوهره، فلا بديل للانسان عن الحرية ولا غنى له عنها، فهو يحتاجها كما يحتاج الى الخبز والماء، ويتعطش اليها كما تتعطش الوردة الضاحكة في فم الرابية الى الماء والتراب"(12)، فالفطرة اذن هي ذات قيمة، وهي قيمة ملزمة كما يقول العوا: "كفلها الاسلام للانسان منذ كان، حتى عدت فطرة مما فطر الله الناس عليها، تؤكدها سيرة رسل الله جميعا وتثبتها نصوص القران والسنّة"(13).
والفطرة عند الاسلاميين كمصطلح، هي الطبيعة والجبلّة (Natural)، عند المفكرين الغربيين، من هنا فان الفيلسوف الانجليزي جون لوك  (John Locke)(1632-1704م) قال: "ان الناس احرار بالطبيعة"، فالانسان كموجود هو: "حر ومستقل بشكل طبيعي وان جميع افراد البشر متساوون فيما بينهم ولا احد يمكنه حرمان الانسان من هذا الكنز العظيم (أي الحرية) ولا ان يجبره على طاعة قوة سياسية بدون رضاه، والرضا يحصل عن طريق التوافق مع الاخرين"(14)، وهي كذلك فكرة مسلّمة عند الفيلسوف الاجتماعي، الفرنسي، جان جاك روسو (Jacques Rousseau) (1712-1778)، اذ يفتتح بها كتابه (العقد الاجتماعي) (The Social Contract) الذي ألفه العام 1762م، وكأنها بديهة لا تحتاج الى عناء البرهنة او التدليل عليها: "يولد الانسان حرا، لكنا نراه مكبلا بالاغلال في كل مكان.."(15)، وهو المعنى نفسه الذي يذهب اليه الفيلسوف الوجودي الروسي(*) نيقولاي الكسندرفيتش برديائيف (Aleksandrovich Berdyaev Nikolai)(1874-1948م)، فالحرية عنده: "شيء اصلي وأولي وليس موضوع برهان، انها مسلّمة يفترضها العقل السليم، وهي موجودة كشرط لتواجدنا، وان أية محاولة لفهم فعل من افعالها بطريقة عقلية تعني جعل هذا الفعل مثل ظواهر الطبيعة"(16).
فالحرية وجه آخر من أوجه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فهي كما يقول الباحث الايراني المتخصص بالقانون الدستوري الدكتور حبيبي: "أمر نابع من الفطرة البشرية وقد اهتم بها الاسلام اهتماما بالغا"(17). ولا يمكن ان تتخلف الحرية عن الانسان، له ان يتصرف بها ايجابا او سلبا، وبفعلها يقع الأجر له او الوزرعليه، لكون الفطرة السليمة حاكية عن سمو الحرية، فانه لا يختلف في قيمتها، الشرقي والغربي، الامي والمتعلم، الابيض والاسود، الرجل والمرأة، الكبير والصغير، بل ان الصغير والمراهق يحاولان تقمص الحرية وممارستها الى حد التمرد على الحدود، ولذلك يجد الاباء والمربون ورجال القانون صعوبة في كسر جماح الصغير او المراهق الساعي الى تجاوز حريات الاخرين تحت ضغط تصور خاطئ انه يمارس الحرية الحقيقية، أو أن من يقدم له النصح انما يسعى لمنعه من ممارسة الحرية المرسومة في ذهنه.
اذن، ان الحرية كما هي قيمة وأصل، فإنها متأصلة ومتجذرة في كينونة الانسان لا تنفك عنه، وهي لازمة الوجود الانساني على وجه الارض ابتداءاً وانتهاءاَ.


المصادر والهوامش:
(1) انظر: المظفر، محمد رضا، عقائد الامامية في ثوبه الجديد، (صياغة: فارس علي العامري)، ص55.
(2) للمزيد، راجع: عضيمة، د. صالح، مصطلحات قرانية (لندن، الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية، ط1، 1414هـ/1994م) ص308 وما بعدها.
(3) لجنة تأليف، دروس في العقيدة .. العدل الالهي (الكويت، دار التوحيد، ط1، 1414هـ/1993م) ص8.
(4) العوا، د. محمد سليم "الحرية في اصولها الاسلامية" كتاب: حقوق الانسان في الاسلام (طهران، العلاقات الدولية في منظمة الاعلام الاسلامي، 1408هـ/1988م) ص100.
(5) حيدري، حميد "الحرية في رؤية الفلسفة السياسية للامام الخميني" كتاب: الاسلام والفكر السياسي .. الديمقراطية، الغرب، ايران. تحرير وتقديم: د. رضوان زيادة (الدار البيضاء وبيروت، المركز الثقافي العربي، 2000م) ص121.
(6) رياض، محمد "الحرية وآراء في جدلية الدلالة" مجلة النبأ (بيروت، المستقبل للثقافة والاعلام، السنة 7،  العدد 62، 1422هـ/2001م) ص21.
(7) أيوب، محمد غالب، ملامح النظرية السياسية في فكر الامام الشيرازي (بيروت، دار المنهل للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1411هـ/1991م) ص20-21.
(8) معاش، مرتضى "الحرية .. المدخل لحياة أفضل" مجلة النبأ (بيروت، المستقبل للثقافة والاعلام، السنة 6،  العدد 46، 1421هـ/2000م) ص22-23.
(9) حيدري، حميد "الحرية في رؤية الفلسفة السياسية للامام الخميني" (مصدر سابق) ص118.
(10) بن حاج، علي، من وراء القضبان (لندن، الجبهة الاسلامية للانقاذ، 1421هـ/2000م) ص13.
(11) عبد الجبار، محمد، الديمقراطية بين العلمانية والاسلام (دمشق وبيروت، دار الفكر ودار الفكر المعاصر، ط1، 1420هـ/1999م) ص126.
(12) الصفار، فاضل، ضد الاستبداد (بيروت، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، ط1، 1418هـ/1997م) ص17.
(13) العوا، د. محمد سليم "التعددية السياسية من منظور اسلامي" مجلة منبر الحوار (بيروت، دار الكوثر، السنة 6، العدد 20، 1411هـ/1991م) ص133.
(14) حيدري، حميد "الحرية في رؤية الفلسفة السياسية للامام الخميني" (مصدر سابق) ص117.
(15) إمام، د. إمام عبد الفتاح، الطاغية .. دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، ط2، 1996م) ص277.
(*) كان برديائيف سياسيا ايضا، نفي من الاتحاد السوفيتي السابق عام 1922م، واستقر في باريس، من مصنفاته: (الحرية والروح – Freedom and The Spirit) و (قدر الانسان – The Desting of Man).
(16) رياض، محمد "الحرية وآراء في جدلية الدلالة" (مصدر سابق) ص21.
(17) حبيبي، د. نجفقلي "آلية المشاركة الشعبية في النظام السياسي في ايران" كتاب: الاسلام والفكر السياسي .. الديمقراطية، الغرب، ايران (مصدر سابق) ص102.

* إعلامي وباحث عراقي
الرأي الآخر للدراسات – لندن
alrayalakhar@hotmail.com