٦‏/٢‏/٢٠٠٦

أكثر من مليون زائر لموقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان

القاهرة في 5 فبراير 2006 ، أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان اليوم ، أن عدد زوار موقعها على شبكة الإنترنت ، قد تجاوز المليون زائر ، قاموا بتصفح ما يزيد عن ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف صفحة في اقل من عامين هما عمر الشبكة العربية .

ففي منتصف يناير الماضي ، ومن خلال إحصائيات دخول وخروج المستخدمين لموقع الشبكة العربية التي يتيحها السير فر المستضيف ، بلغ عدد زوار موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ، مليون زائر ، قاموا بنحو مليون ومائتي ألف زيارة ، تصفحوا فيها نحو ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف صفحة .

وقال جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية " هذا العدد من الزوار ، أكثر مما كنا نتوقع ، لاسيما وأن أغلب محتويات موقع الشبكة هي باللغة العربية . وإذا كان هذا يعني شيئا ، فهو يعني أن أغلب جمهور الشبكة من العرب ومن قراء اللغة العربية ، انه نجاح لنا ، ولحركة حقوق الإنسان العربية "

وطبقا للإحصائيات التي أتاحها السير فر ، فقد قدم أعلى عدد من الزوار من عشرة دول ، ثمانية منها دول عربية هي " مصر ،السعودية ، الإمارات، سوريا ، ليبيا ، البحرين ، الكويت و الجزائر ، بالإضافة إلى الولايات المتحدة ، و الاتحاد الأوربي " .

و قد اصبح موقع الشبكة العربية على الإنترنت ، هو الأعلى عالميا باللغة العربية طبقا لمحرك البحث الشهير جوجل ، عند البحث عن كلمات مثل ، حقوق الإنسان ، حقوق الطفل ، وغيرها ، مما جعله ضمن المواقع العالمية الكبرى مثل ، موقع منظمة العفو الدولية ، وهيومان رايتس ووتش ، وموقع أمان الأردني .

وقال عيد " الجمهور العربي وبخاصة الشباب منه ، يتطلع للمعرفة والتلهف على معرفة حقوقه ، ونعتقد أن تقرير حرية استخدام الإنترنت الذي أصدرناه ، ودفاعنا الواضح عن حرية الرأي والتعبير ، فضلا عن العدد الهائل من المؤسسات الحقوقية التي تتعاون مع الشبكة لنشر إصداراتها هما العامل الأساسي لهذا العدد الكبير من الزوار " .

يذكر ، أن موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان " http://www.hrinfo.net " جاء ليسهم في توسيع دائرة المهتمين بقضايا ومؤسسات حقوق الإنسان العاملة في و عن العالم العربي ، بالإضافة إلى دور الشبكة الأساسي في دعم قضايا حرية الرأي والتعبير وحق تداول المعلومات .

موضوعات متصلة :
الإنترنت في العالم العربي : مساحة جديدة من القمع ؟
http://www.hrinfo.net/reports/net2004
More Than One Million Visitors to the Arabic Network for Human Rights Information Website


5/2/2006

Cairo, 5 February 2006 - The Arabic Network for Human Rights Information (HRinfo) announced today that the number of its website visitors exceeded one million visitors. More than three million and four hundred thousands pages have been visited by these visitors during a period of less than two years.

"This number of visitors exceeded our expectations," HRinfo Executive Director, Gamal Eid, Said. "Most of the contents of HRinfo website are in Arabic. This proves that most of HRinfo's audiences are Arabs and/or Arabic language readers. It is a success for us and for Arab human rights movements which we are proud of," Eid added.

According to statistics provided by the server, the highest number of visitors in ten countries was surveyed. Eight of them were Arab countries. These are: Egypt, Saudi Arabia, the United Arab Emirates, Syria, Libya, Bahrain, Kuwait, and Algeria, in addition to the United States of America and European Union countries.

HRinfo website is the highest rated Arabic website according to the Goggle search browser, when responding to user entries of search words like human rights, rights of the child, etc. Accordingly, the website is considered similar to international websites, such as Amnesty International, Human Rights Watch and the Jordan Ian Amman website.

"The Arabic-speaking audience, particularly the youth, is keen to acquire knowledge and learn about their rights. We believe that our report on the freedom to use the internet as well as our defense of freedom of expression, in addition to the huge number human rights organizations' documents posted on our website are the main factors behind that massive number of visitors," Eid said.

The website of the Arabic Network for Human Rights Information, www.hrinfo.net, aims to enlarge the circle of those who are interested in human rights and institutions working in and on the Arab world. However, HRinfo's main mission is to defend freedom of expression and the right to exchange information.

Related topics:
The Internet in the Arab World: a New Space of Repression
http://www.hrinfo.net/en/reports/net2004

جمانة حداد تكتب عن الكتابة

هـــــــــــــــــــــــل؟

هل يمكن المرء أن "يتعلّم" الكتابة فيصير كاتباً؟ هل هناك دروس وخطوات وارشادات تساعده في الانتقال الى أراضي الإنتاج الأدبي وتشرّع امامه عوالمها وأسرارها؟ كثيرةٌ في الغرب المحترفات التي تصب في هذا المجال، ويتقاطر إليها "حالمو" الكتابة، مثلما كثيرةٌ الصفوف التي تدرّس الكتابة الخلاّقة في الجامعات، بينما هي في بلداننا العربية شبه مفقودة تماماً، إلاّ اذا استثنينا بعض المحترفات النادرة، على غرار محترف الكتابة المسرحية الذي أقامه "مسرح المدينة" في اواخر العام الفائت مثلا، وبعض الدروس في مادة الـcreative writing التي يقدّمها عدد محدود من الجامعات في بعض اختصاصات العلوم الانسانية، وهي دروس عامة وغير احترافية، ولا تشبه في أيّ حال نظيرتها الغربية، حيث يتولى إعطاءها كتّاب محنّكون ومعروفون، وتتوجه في شكل واضح ومباشر الى الراغبين جدياً في خوض غمار الكتابة والنشر.
نكرر السؤال: هل يمكن المرء أن "يتعلّم" الكتابة فيصير كاتباً؟ سؤال يصعب علينا نحن اللبنانيين والعرب في شكل خاص، أن نجيب عنه، اذ تربّى معظمنا على فكرة الالهام والوحي والموهبة ذات الطبيعة الغامضة، اكاد اقول الإلهية، التي تُمنح لبعض "المختارين" من الناس لكي يحملوا "الرسالة" من عمل الى عمل، أكان شعراً أم رواية ام سواهما من الأنواع الأدبية.
بداية، سأسمح لنفسي قبل خوض النقاش بأن أستثني الشعر حكماً من المسألة، لسبب بسيط وجوهري و"شخصي"، هو اقتناعي بأن أيّ نظام تعليمي تربوي أكاديمي ينشَّأ عليه الطلاب، لا يستطيع أن يجعل من أحدهم شاعراً. وحده الشاعر يكون شاعراً أو لا يكون. وحده يمتلك هذه الحساسية أو لا يمتلكها، ولا شيء يمكن أن يغذّي حساسيته تلك سوى عنصرين: "فطرته" الشعرية وقابليتها للتطوير والتنمية من جهة، وقراءاته من جهة ثانية.
"ثمة عنصر واحد ضروري للشعر: الوحدة. الوحدة الداخلية العظيمة"، يقول ريلكه في "رسائل الى شاعر شاب"، وهي رسائل ضمّنها مجموعة من النصائح والتوجيهات، لكنها لم تضع في أهدافها أن تجعل أحدهم يتحول من صفة "لا شاعر" الى صفة "شاعر"، بل ان ريلكه اسداها في شكل محدد الى شاب هو شاعر أصلا، إلا أنه شاعر ناشىء، يحتاج الى معلّم يمسك بيده ويدله الى الطريق. وهذا مقبول ومشروع، لا بل ضروري أحيانا. اما دروس الشعر وصفوفه ومعادلاته الحسابية، فمسألة اخرى مرفوضة في رأيي.
لكن بمعزل عن الشعر وعالمه الخاص جدا، ألا يمكننا أن نتقبل فكرة أن هناك، فعلاً، تقنيات وآليات هادفة وأساسية ينبغي للروائي مثلا أن يتعلمها لكي يصير روائيا ناجحا؟ قد يعترض البعض بحجة ان متابعة الدروس و"الاجتهاد" في التعلم ليست أدوات لتكوين كاتب. هذا صحيح، لكنها من دون شك ادوات للصقل. فللمعرفة دورها في التأهيل، مثلما للمناخ وظروف الإحاطة بالموهبة: قد يكون ذلك الدور ثانوياً، ويأتي في مرحلة لاحقة، لكنه دور مهم في أيّ حال. كل شيء - تقريبا – "قابل" للتعلم، فلمَ لا تدخل الكتابة في هذا الاطار؟ بول أوستر درس الكتابة، أنطونيو تابوكي درس الكتابة، ريتا دوف درست الكتابة، ريمون كارفر درس الكتابة، فيليب روث درس الكتابة وهو الآن يعلّمها: أكرر، هذا لا يعني ان هؤلاء، وكثراً غيرهم من كبار اسماء الأدب العالمي، قد أصبحوا كتّابا لأنهم درسوا الكتابة، إنما يعني أن الدروس، باعترافهم، ساعدتهم في تجاوز عدد من العقبات والمعوقات التي تصادف كل كاتب مبتدىء. وهنا يأتي اقتراحي: لِمَ لا يقوم روائيونا الكبار بإنشاء محترفات يعلّمون فيها بالتناوب بعض تقنيات الكتابة للراغبين المستحقين؟ ثمة طبعا خطر في ان تصير دروس كهذه، صيغا نموذجية جامدة ومقوننة لانتاج نصوص تتشابه فتمّحي فيها خصوصيات الاسلوب، ولكن اذا كان طالب الكتابة موهوبا، لا مفر من ان يبرز اسلوبه الفردي ويتبلور، ولن يضيره بعض التوجيه من "أساتذتنا". آنذاك، فإن محترفاً كهذا في حال تشكّله، لن يصنع من اللاكتّاب كتّاباً، لكنه سيعين من يحمل جذوة الكتابة ولعنتها وشغفها، وهو متعثر فيها ومتلعثم، في رفع بعض الحواجز التي تعوق طريقه.
ليس المطلوب "فبركة" الكتّاب، ولا المطلوب إعطاء الناس تركيبة او وصفة سحرية، بل على الأصح تقديم ما قلّ ودلّ من النصح والإرشاد والمرافقة والتمهيد.
لا لـتصنيع الكتّاب وتوليدهم بالأنبوب،
نعم للإفساح امام المعجزة كي تحدث.
جمانة حداد
joumana.haddad@annahar.com.lb

An-Nahar/EDUCAT - ادب فكر وفن.

مــات عصــام محـــفـــوظ

ِالملحق الثقافي.

مــات عصــام محـــفـــوظ نــاطـــقــاً لكـن الـســـامعـــيـن قـــلـة قـــلـيــلـة

لا استطيع الإدعاء اني اعرف عصام محفوظ المبدع، لكني على الأرجح اعرف عصام محفوظ الحالة. في الأصل لم يتسنّ لنا الوقت الكافي لقراءة أعمال محفوظ. كان الراحل حتى لحظات وعيه ونشاطه الأخيرة مستمراً في السجال. سجال يمكن القول انه خلاّق على النحو الذي يرفع افق السجال ومستواه. وكان على المتابع ان يلاحق افكار الرجل وآراءه في كل ثقافي راهن حتى اللحظة الأخيرة. عصام محفوظ يغيب اليوم غيابه النهائي، ومنذ اليوم يجدر بنا، إذا كنا لا نزال نملك من الهمة والرغبة ما يكفي، ان نعيد قراءته على نحو لم يكن يتاح لنا في حضوره.

لا ادعي اني اعرف عصام محفوظ اكثر من غيري، وان الرأي الذي اسوقه في هذا المقام رأي نافذ ويملك من الوجاهة ما يجعله يقع في مصاف تكريم الرجل عبر اعطائه ما له في ذمتنا. نحن الذين ندّعي ان الثقافة كل لا يتجزأ، وانها استمرار وتاريخ، في بلد ليس اسهل من الانقطاعات فيه، وليس اسهل من ان يعلن احدنا قطيعته مع التاريخ والشروع في تأسيس قصور على الرمال. لكن الكاتب والمثقف يدين لعصام محفوظ بدين ينبغي له ان يرده الى الرجل حياً وميتاً.

عصام محفوظ المسرحي الذي كتب وترجم وشارك في كتابة عدد لا يحصى من الأعمال المسرحية والسينمائية وإخراجها، كان في قلب حركة المسرح اللبناني. في القلب، حين يكون هذا القلب مركز النبض. ومعنى ان يكون الرجل في مركز النبض، لا يمحو اثر انحلال العمل المسرحي في لبنان، ومعاينة ازمته الحادة. كثيرون كتبوا وسيكتبون في فضل الرجل على المسرح اللبناني والعربي عموماً. لكنهم في هذه اللحظة المتشظية من لحظات تشتت البنية اللبنانية الجامعة، سيفتشون عن المسرح ولن يجدوا الكثير من بقاياه. كما لو ان الرجل الذي كتب بعض اهم اعمالنا المسرحية في زمن الستينات والسبعينات، لم يخلّف وراءه نسباً ولا نسلاً، لأنه بقي عازباً. عصام محفوظ في المسرح عازب حقيقي، بمعنى ان العازب هو الذي يستمر مفتشاً وباحثاً عن نصفه الثاني، وانه لم يكن ليبقى عازباً لو تسنّى له ان يجده. هكذا نودّع المسرحي العازب، ونحن في غمرة احتفالنا بذكريات الستينات المتأهلة، واولادها العازبين.

في تلك الفترة البهية من تاريخ لبنان الثقافي، الفترة التي تحولت نصباً نُجمع على اهيمته ومعناه، كان المسرح من اهم قواعد هذا النصب الذي ورثناه. قاعدة صلبة، جعلت الثقافة اللبنانية تنحكم لاتصال بالعالم هو غير الاتصال السلعي الخدماتي الذي كان متوافراً ومنتشراً.

اغتيال الناطقين

المسرح، على ما يلاحظ الزميل سمير عطالله، ولد طليعياً في لبنان، بمعنى ان لا تراث ولا تاريخ مسرحي يستند إليه المسرحيون في لبنان، رغم اهمية محاولات روجيه عساف ورفيق علي احمد في هذا السياق. وحين يكون المسرح معاصراً وطازجاً وطليعياً في الوقت نفسه، نعلم ما يعنيه ان ترتد الثقافة اللبنانية والعربية إلى جحورها الاصلية والأصولية، وما الذي يمكن ان يعنيه ذلك بالنسبة الى مسرحي كعصام محفوظ.

لهذا يمكن القول ان عصام محفوظ قضى غيلة. اي ان الزمن ارتدّ إلى تخلف كان عليه، قبل ان ينشأ المسرح اللبناني طليعياً ومعاصراً وراهناً وطازجاً. لم يكن هذا الارتداد قادراً على النطق، ولا يزال على حاله ابكم منذ نشأته، لذلك قضى باغتيال الناطقين زرافات ووحداناً، وكان عصام محفوظ واحداً من الاهداف التي ينبغي تصويب الصمت عليها. لكنه، وحيث انه استمر مناوشاً وناطقاً، حتى يومه الأخير، آثر الارتداد ان يدير للمناوشة اذنه الصماء. مات عصام محفوظ ناطقاً، لكن السامعين كانوا قلة قليلة.

لم يكن المسرح اداة وحيدة من ادوات النطق في مسيرة محفوظ. ففي مسيرته كاتباً لم يكن يستند إلى عكاز المسرح فقط. كان واحداً من الذين ندين لهم في تعميق النقاشات التي تجري في العالم، وفي تقريبها من افهامنا. كان في هذا المجال ايضاً، واحداً من الناطقين. لم يكن مترجماً حتى حين يترجم، بل مساجلاً ومنافحاً عن معاصرة لم تكن البنية اللبنانية، ثقافياً وسياسياً، مستعدة لتبنيها. والحال، فإن البنية السياسية اللبنانية ما لبثت ان حشرت الثقافات المعاصرة في خانة الترف الذي يجدر بكل مجتمع ان يعزله في "سفينة الحمقى"، على ما كتب ميشال فوكو، لتطوف في العالم بحثاً عن مأوى. لم يعد المسرح اللبناني الراهن والمعاصر اليوم قادراً على ضخ الدم في عروقه القليلة المتبقية من خلال علاقة حيوية مع جمهور متحمس ومقاتل. تحوّل مسرحاً جوالاً في سفينة يتيه بها من مدينة إلى أخرى بحثاً عن مأوى مناسب. صار المسرح مترفاً كمثل الجنون، مترف ولا يجدر بالمجتمعات ان تضمه إلى صلب عودها، وتخصيب نسلها. فمضى المسرحيون يجوبون الآفاق بحثاً عن جزيرة يعيشون فيها جنونهم على نحو بديع.

دفاعاً عن شموخ انف الثقافة

لهذا ربما، لم يتوان عصام محفوظ عن الإقدام في مجالات اخرى. لكنه استمر مسرحياً، وكان من ربابنة "سفينة الحمقى" الذين يحسنون النجاة بسفينتهم من العواصف القاتلة. لكنه ايضاً كان ما ان تطأ قدمه البر، اي بر، حتى يباشر تصويب قلمه على الصمت والصمم في وقت واحد. استمر عصام محفوظ سنوات طويلة كاتباً في التعريف بالسجالات التي تجري في اوروبا والاميركيتين، وفي نقلها. واستمر مناضلاً في سبيل ابقاء الرمق الذي يجعل هذا البلد موصولا بالعالم، حياً وذا جذوة. كتب كثيراً وساجل كثيراً، لكن السجال الخافت الذي اتسمت به مقالاته في "النهار" وغيرها، لم يتخلّ عن اعتقاده بعلو كعبه ونبل مقاصده، مقارنة بما استقرت عليه الثقافة اللبنانية السائدة. وحيث انه لم ينجر، إلا لماماً، الى مشاحنات محلية الطابع، لا تخرج من اطار طاولات المقاهي إلى اي مكان، فإنه بقي يعتقد ان الثقافة العالية الكعب في مكان آخر، على غرار ما كان ميلان كونديرا يرى الحياة في مكان آخر. لم يكف يوماً عن الاعتقاد ان الثقافة انما هي، اولاً، وسيلة تواصل، وان المدن، على ما يؤكد شبنغلر، لا تكون مدناً ما لم تكن ممراً ومعبراً للثقافات المتقاطعة. هكذا استمر عصام محفوظ مقدّماً للثقافات الحية والسجالات الكبرى، من دون ان يدفعه هذا التوجه إلى الترف والجنون. لم يُجنّ، بمعنى انه لم يعش في عالم مفارق، بل كان دائماً يستطيع جلب بعض هذا العالم إلى طاولة المقهى، وصفحة الجريدة، وطرق المدينة.

وعلى غرار ما تكون الثقافة وسيلة للتواصل، فإنه لم ينبهر بالثقافة الغربية على نحو يجعل الحياة برمتها تجري في مكانها الآخر، لأنه، ايضاً، كان يعرف استعمال الميزان الذي يقيس بدقة متناهية الفارق بين ان تكون متحزباً تحزباً اعمى بما يجعلك ترفض ما حولك وتزدريه، وان تكون مقيماً في المكان نفسه منذ دهر، لكنك تعرف ان المكان لا يكون مكاناً إن لم يستطع ان يستقبل في حناياه وزاوياه العالم كله. وكان يعرف ان بيروت تكون اسماً على مسمّى، في وصفها مدينة، حين تستطيع ان تهتم لما يجري في العالم، حتى وهي تعاني من جروح لا تحصى، وتجعل تنفسها شاقاً كما لو انه عمل حياة برمتها. ألم يكن ميشال شيحا - ونحن في عز تطلّب الاستقلال، وحين كانت ديموقراطيتنا اللبنانية تحبو بين المعضلات، ولم تكن قد غادرت سن الفطام بعد - ألم يكن يكتب عن فرنسا، وقد ضبطها تخالف معنى الديموقراطية وتخونها، فيعترض وينصح ويساجل؟

عصام محفوظ كان يعرف، ان هذه النافذة التي يصر على ابقاء عينيه على إطارها، انما هي بعض مصادر الهواء الذي يتيح لمدينة ما ان تتنفس، وإن يكن التنفس شاقاً والهواء جافاً إلى الدرجة التي نعرفها اليوم. مرةً أخرى، عصام محفوظ كان قادراً على التفريق الدقيق بين الهواء ودخان المازوت المحترق. ومرةً أخرى كان في وسعه ان يبقي انف الثقافة شامخاً ومتشاوفاً، كما لو انه يبحث عن الهواء في أعلى ما يمكنه، ذلك ان الهواء الذي كنا نتنفسه كان فاسداً كفساد القبور.

ماذا بعد؟

نعرف جيداً ان الأسماء لم تعد تعني مسمياتها، وقد ننشئ يساراً معاصراً بضربة نرد واحدة، او نستبدل الانحياز الى مفكر بانحياز الى منشئ ومركِّب جمل، او نعلّم طلاب العلم في جامعاتنا دروساً في الاقتصاد الحديث كتبها رجال لم يتسنّ لهم معاينة الآلة البخارية، ويظنون ان الاقتصاد يتلخص في سبل تأمين الخبز الجاف والماء الصرف لعامة الناس. كما لو اننا ننسى ان الاقتصاد مربوط إلى المعرفة ربطاً وثيقاً، وانه من اسهل الامور واكثرها مبعثاً للتخلف والموت السريري، ان تقيم تبادلاً مستقراً على قاعدة جهل الناس. فتلك المعرفة التي نافح عصام محفوظ من اجل ايقاد شعلتها على الدوام، تتطلب منا التردد والتأني والتفكير ملياً قبل ان نطلق احكاماً، لا نفقه منها شيئاً.

في هذا المعنى نستطيع قراءة النافذة التي فتحها عصام محفوظ على الغرب. نافذة ليست معبراً لرياح الغرب الكولونيالية وما بعد الكولونيالية، لكنها نافذة لجعل الهواء منعشاً، ولجعل المدينة التي ندافع عنها قادرة على الصمود في وجه هذه الرياح. والثابت ان الصمود لا يعني اقفال النافذة على رياح العالم، والعيش في كهوف لا تطأها اقدام الرياح، وقد تبحث عنها مزمجرة دهوراً كاملة ولا تحسن ان تجد فتحتها الضيقة. كانت نافذة حية يراد من فتحها ان نتعلم كيف نبقى بعد عبور الرياح. فصفة الرياح، حتى الكولونيالية منها، انها سريعة وتمضي بسرعة، لكن صفة النافذة انها تبقى بعد عبورها لتستقبل الرياح الآتية من بحر جديد.

عصام محفوظ اليساري الذي نطق وساجل من احد منابر الليبيرالية اللبنانية، كان كما لو انه يعي هذه العلاقة المستحكمة والتي لا فكاك منها بين الطرفين. لا يسار من دون ليبيرالية ناشطة، ولا ليبيرالية من دون يسار ناهض. اصل المناقشة بين الطرفين والنزاع بينهما، انهما يولدان من بطن واحد، وان مصيريهما متعالقان ومتشابكان، إلى حد ان مرض الليبيرالية يصيب اليسار بأفدح الاضرار، والعكس دائماً صحيح. إذ كيف يكون يسار متنور وعاقد العزم على تطوير البلد وتمتين مساره الديموقراطي، من دون ان يكون متصلاً اتصالاً وثيقاً بشؤون الليبيرالية وشجونها، وهي المولودة في خضم الديموقراطية والتطور، ولا تستطيع العيش إلا في كنفهما الوثير؟

اليوم، يغيب عصام محفوظ، وفي غيابه ثمة الكثير مما يمكن ان يقال، رثاء وحزناً، شعراً ونثراً. لكني احسب انه يجدر بهذا الغياب ان يفتح نافذة لسؤال من قبيل: كيف نكون معاصرين ومواطنين في بلد، لا يزال حتى الآن افتراضياً، في آن واحد؟

بلال خبيز

اماني السويسي: أتمنى الغناء من ألحان أسامة الرحباني



ايمان السويسي: أتمنى الغناء من ألحان الأستاذ أسامة الرحباني
خرجت من «ستار أكاديمي» لتدخل الى المسرح الرحباني
أماني تحقق أمنيتها
خرجت من «ستار أكاديمي» لتدخل مباشرة إلى المسرح الرحباني في مسرحية «جبران والنبي»... فرصة كبيرة جدا أُعطيت لها, ومسؤولية أكبر تحملتها أماني السويسي من دون أن تحسب لها حساباً.
في دور «الميترا», تلك الشخصية الخيالية التي أوجدها جبران خليل جبران في مدينته «أورفليس»... كانت مباشرة أمام النبي المصطفى­ أدى دوره الفنان غسان صليبا ­ وأدت معه أغنيات مشتركة, كما غنت مع المجموعة ومنفردة, ووقفت أيضا إلى جانب ممثلين محترفين أمثال جوليا قصار ورفيق علي أحمد. بحسب تعليقات الجمهور والنقاد فإن رهان أسامة الرحباني على أماني السويسي نجح على صعيدي الصوت والحضور المسرحي.
إن أماني شبه متفرغة حاليا لعروض المسرحية التي بدأت مجددا على مسرح «الفوروم», وهي في الوقت نفسه تعد لشريط غنائي تقدم فيه شخصيتها الفنية إلى الجمهور الذي أحبها في «ستار أكاديمي» ولم يسمها «نومينيه» أبدا, وهي تقول إن اختياراتها سوف توازن بين العصري من الغناء وبين الأصالة التي نشأت عليها.
أماني السويسي تحدثت لـ«الكفاح العربي» عن تجربتها الرحبانية وعن طموحاتها المستقبلية... الحوار:

€ خرجت مباشرة من برنامج «ستار أكاديمي» إلى مسرحية «جبران والنبي», فماذا قالت لك هذه الخطوة؟
­ أخشى من الخطوات الكبيرة خصوصا عندما نقوم بها دفعة واحدة. لم يكن باليد حيلة, فالعمل مع الاستاذ الكبير منصور الرحباني, حلم الفنانين جميعا من شباب ومخضرمين, فكيف لي أن لا أقبل هذه الفرصة التي جاءتني بهذه السرعة. ولا أنسى الأستاذين مروان وأسامة الرحباني, ففريق العمل كله يشكل فخرا للفن في لبنان والوطن العربي ككل. منذ كنت أتابع برنامج «الأكاديمية» كنت أتمنى التوجه للأعمال المسرحية الغنائية. أنا حاليا في خضم التجربة وهذا ما وضعني أمام المسؤولية مباشرة وأمام الخوف والتحدي في آن.
€ هل كان مفاجئا لك اختيارك من قبل أسامة الرحباني لدور «الميترا»؟
­ أكيد, وهي كانت من أجمل المفاجآت في حياتي. خلال برنامج «ستار أكاديمي» كنت أدرك أن أسامة الرحباني على قناعة كبيرة بصوتي, لكنني لم أتخيل أنه يثق بي إلى حدود اعطائي دوراً في عمل مسرحي كبير يضم خيرة الأساتذة, من جوليا قصار وغسان صليبا ورفيق علي أحمد. انها مسؤولية وثقة مخيفة بالنسبة الي.
€ ما زلت صغيرة السن, فهل أتاح لك عمرك الاطلاع على أدب جبران خليل جبران؟
­ نحن في تونس ندرج أدب وفلسفة جبران خليل جبران ضمن البرنامج الدراسي. نتناوله بعمق ومن خلال العديد من النصوص. لم أكن قد قرأت كتاب «النبي», لكن بمجرد ما علمت بأن دورا سوف يسند إلي في هذا العمل اشتريت الكتاب وقرأته قراءة تحليلية من خلال الورقة والقلم. والأهم انني استوعبت مقاصد الكتاب وأحببته.
€ هل أحببت احدى الشخصيات النسائية في الكتاب قبل أن يسند إليك دور «الميترا»؟
­ الشخصية الأولى التي تجذب القارئ إليها في هذا الكتاب هي شخصية «النبي» لأنها محور الكتاب. من خلال هذه الشخصية يقدم جبران خليل جبران رؤيته للحياة.
€ ماذا تعني لك شخصية «الميترا» التي تؤدينها؟
­ اكتشفت في تلك الشخصية أجزاء من شخصيتي. أميل إلى المثاليات في الحياة, وأتمسك بمواقفي ومبادئي حتى وإن لم يكن ذلك لمصلحتي. أحببت شخصية «الميترا» وأتمنى التمكن من ايصالها كما يجب خصوصا أنها شخصية صعبة.
€ هل أجرى لك الأستاذ منصور الرحباني اختبارا أم كان على قناعة باختيار أسامة؟
­ لست أدري ماذا كانت ردة فعل الأستاذ منصور الرحباني الأولى على اختياري. الذي تأكدت منه أنه لو لم يشكل قناعة لاحقة بصوتي وبحضوري لرفضه في كل الأحوال لن يضحي أحدا بعمله المسرحي كرمى لعيون أحد آخر وفي شخصية محورية داخل النص.
€ ألم تكن لديك تجربة مسرحية سابقة؟
­ اطلاقا, فقط تلقيت دروسا في المسرح على يد الأستاذة عايدة صبرا خلال برنامج «ستار أكاديمي». نحن أمام الجمهور نخوض يوميا تجربة مختلفة. فمن يتابع المسرح الرحباني هو جمهور مثقف ويعي ماذا يتابع على الخشبة, لذلك ارى ان النظرة لي تختلف عنها في التلفزيون. في «الأكاديمية» خضعنا للكثير من التدريب المسرحي أكثر مما خضعنا للتمرينات الصوتية, ومع ذلك نحن في المسرح الرحباني في تجربة مختلفة كليا.
€ وهل خضعت للتدريب الخاص بالمسرح الرحباني؟
­ طبعا وعلى يد الأستاذة عايدة صبرا التي أوجه اليها التحية والشكر على اهتمامها بي, فهي تقف إلى جانبي وتدعمني منذ كنا في برنامج «ستار أكاديمي». لقد بدأت معي من جديد في التمرينات على مسرحية «جبران والنبي», وهي لا تزال حتى الآن تتابعني وتصوب خطواتي وحضوري المسرحي. بعد جهودها الكبيرة تمكنت من أن أقطف رضاها, وأتمنى أن أكون على الدوام عند حسن ظنها.
€ ما هو احساسك وأنت تقفين أمام محترفين كبار في «جبران والنبي»؟
­ الحقيقة انني في البداية كنت في خوف كبير من فكرة المشاركة في المسرحية خصوصا أنني سوف أكون إلى جانب نجوم كبار لهم باعهم الطويل في المسرح بشكل عام. المفاجأة التي خففت الوطأة عني أنهم جميعهم وقفوا إلى جانبي ومدوا يدهم لي, قدموا النصائح الضرورية, ولم يشعروني يوما بأنني مبتدئة, بل على العكس, وذلك انعكس ايجابا على معنوياتي. قبولهم لي وتشجيعهم جعلني أتحدى خجلي, كما تحديت نفسي لأكون أمينة في أداء شخصية «الميترا».
€ عرضت المسرحية أولا في مهرجانات «جبيل» والآن في بيروت... فما الذي تبدل في شخصيتك خلال هذه الفترة الزمنية؟
­ الحمد لله أن الجمهور أحب المسرحية وأقبل على مشاهدتها. ومنذ عرضها في جبيل والكل يسأل متى ستعرض مجددا. هذا القبول شد من عزيمتي على خشبة المسرح وأنساني خوفي إلى حد ما. كلما تضاعف العرض كلما وجدت أن الضغط النفسي يتضاءل بالنسبة الي, وأعتقد أن هذا ما تبدل على صعيد شخصية أماني. أما الإختلاف الملحوظ على خشبة المسرح فهو هذا التبدل في الديكور بين جبيل وبيروت. هناك كنا مع ديكور طبيعي, لكن في بيروت كنا أمام ديكور ذكي للغاية مما شكل إضافة الى المشهد, وهكذا لم نلحظ فراغا كبيرا نتيجة عدم وجود قلعة جبيل العظيمة. الديكور يلعب دورا برأيي في دفع الممثل نحو العطاء.
€ هل تتمنين الظهور أمام الجمهور التونسي في مسرحية «جبران والنبي»؟
­ انه حلم اضافي بالنسبة الي. وهناك ما يشجع على أن حلمي سوف يتحقق ان شاء الله.
€ ماذا تعني لك الأغنيات الخاصة التي شاركت بها في المسرحية؟
­ في «ستار أكاديمي» كنت أشعر بأنني أتمتع بصوت قوي فقط. لكن الفنان أسامة الرحباني استخرج مني الكثير. في هذا العمل المسرحي اكتشفت الجانب الحنون في صوتي. لقد مكنني من معرفة مساحة صوتي الحقيقية, لذلك أعشق كل ما غنيته في «جبران والنبي» من أغنيات مشتركة مع «ماري هاسكل» ومع «نبي اورفليس» اضافة إلى أغنيتي المنفردة.
€ في بداية حوارنا عبرت عن خوفك من الخطوات الكبيرة. بعد مسرحية «جبران والنبي» أين ستكون أماني السويسي المغنية؟
­ قبل أن أكون في تجربة مسرحية مهمة مع العائلة الرحبانية, كنت أبحث لنفسي عن حضور يختلف عن السائد في ساحة الغناء العربي ككل. وهذا بالطبع ينسجم مع حضوري الذي أحبه الجمهور في «ستار أكاديمي» حيث ظهرت اختياراتي بطابعها المميز. بعد حضوري المسرحي صرت مصممة أكثر على اختيارات غنائية تزيد من ثقة الواثقين بي, وكذلك اختيارات تدفعني خطوات أخرى إلى الأمام. أنا أمام مسؤولية وأتمنى أن تكون اختياراتي جميلة في شريطي الغنائي الأول.
€ وهل وجدت جهة الإنتاج؟
­ وقعت عقدا مع شركة «روتانا» لمدة ثلاث سنوات يتم خلالها انتاج ثلاثة أشرطة غنائية, على أن يصور من كل شريط أغنيتين فيديو كليب, وقد بدأت الاختيار وأتمنى أن يكون شريطي الأول جاهزا من الآن وحتى الصيف المقبل.
€ من يساعدك في اختيار الأغنيات؟
­ استشارتي الأولى أتوجه بها لأستاذي وأخي أسامة الرحباني وهو لا يبخل عليّ أبدا برأيه. كما أستشير الصديقين غسان صليبا ونزيه يوسف, وشركة «ستار سيستام» التي تتولى ادارة أعمالي.
€ وهل اسهم حضورك في المسرحية بتسريع توقيع العقد مع «روتانا»؟
­ منذ انتهاء برنامج «ستار أكاديمي» تمنت «روتانا» أن أنضم إلى صفوفها وهذا شرف لي, لكن الظروف أجلت توقيع العقد الذي تم قبل أسبوعين. الآن بدأ العمل جديا على الشريط.
€ هل أصبح في جعبتك بعض الأغنيات؟
­ من المبكر التحدث عن اختيارات نهائية الآن, لكن التنسيق يتم مع الأستاذ محمود موسى الذي أولته الشركة مهمة معاونتي في اتمام الشريط.
€ هل ثمة أسماء لملحنين ترغبين بطرق أبوابهم؟
­ اتمنى الغناء من ألحان الأستاذ أسامة الرحباني, وأبحث مع آخرين علّنا نصل معهم إلى خاتمة سعيدة من دون ذكر الأسماء.
€ هل أنت متحمسة لأن تكون لك أغنيات خاصة؟
­ الأغنيات الخاصة هي حلم كل انسان يعرف أنه يمتلك خامة صوتية جميلة. الآن أعمل على اختيار أغنيات مفترضة أن كل واحدة منها هي التي سوف تكون الـ«هيت» في الشريط. لذلك سوف أقبل بالأغنية التي أشعر بها من الأعماق لأنني حينها فقط سوف أتمكن من ايصال احساسي للناس.
€ وهل ستحرصين على وجود لحن تونسي معاصر ضمن الشريط؟
­ اعتبر الأمر واجبا على كل فنان تونسي. وأتمنى أن أصل إلى كلمات تونسية تكون مفهومة من كل الوطن العربي وأن يرافقها لحن يجمع بين الأصالة الفنية التونسية والموسيقى المعاصرة.
€ كثر عدد هواة الغناء التوانسة في برنامجي «ستار أكاديمي» و«سوبر ستار»... فماذا يعني لك ذلك؟
­ الأمر مثير للفرح فعلا, فأيمن لسّيق في برنامج «سوبر ستار» أعتبره روعة. وكذلك كانت أسماء, كما لفتني وجدي وشيماء في «ستار أكاديمي», أتمنى التوفيق للجميع ولكل من معهم, وأن يستفيدوا من التجارب الجميلة والمفيدة التي أتيحت لهم في التلفزيون.
€ هل أتيت إلى «ستار أكاديمي» ولديك دراسة موسيقية؟
­ لم أدرس الموسيقى لكنني شاركت في العديد من المهرجانات الصيفية في تونس, والناس أحبوا صوتي وشجعوني. كما شاركت في برنامج «منزل تميم» للهواة ونلت المرتبة الثانية على صعيد الجمهورية. وجدت التشجيع في تونس انما لم يكن بمقدوري التوفيق بين دراستي وبين هوايتي والدراسة الفنية. درست فقط لسنتين في المعهد الموسيقي, وتوقفت بسبب دخولي إلى الجامعة. شاركت في «ستار أكاديمي» فقط كتجربة حظ, لكن يبدو أن هذه التجربة بدلت حياتي لأهميتها. «ستار أكاديمي» فتح لي أبوابا لم أكن أحلم بها.
€ ما هي الذكريات التي حملتها من «ستار أكاديمي»؟
­ كلها خير والحمد لله. مررنا بالكثير من الصعاب لكننا بالنهاية خرجنا بدراسة واسعة للكثير من الأمور التي تساعدنا في شق طريقنا الفني. أحمل الكثير من الذكريات الجميلة مع الزملاء, وكلهم كانوا اخوة خصوصا أننا كنا في منزل واحد. لقد أمضيت في «الأكاديمية» أطول وقت لأنني حللت الثانية... واسمحي لي ان اعترف بأن حنيني الأكبر هو لمسرح «ستار أكاديمي»... لقد اشتقت اليه كثيرا.
زهرة مرعي

الكفاح العربي.

تجديد الكتابة المسرحية

تجديد الكتابة المسرحية
خالدة سعيد الحياة - 05/02/06//
عصام محفوظ رائد المسرح اللبناني الحديث على مستوى التأليف. كان، هو المتحرك بين الشعر والمسرح، اول الداعين الى الابتعاد عن اللغة الشعرية، ومن خطا اول خطوة كبرى في لبنان لفصل النوع المسرحي عن النوع الادبي. إنه كاتب اول مسرحية قابلة للعرض على الخشبة تتعامل مع القضايا والمواقف الانسانية والفكرية التي صدرت عنها الحركة الحديثة، من دون ان يجيء ذلك من خلال العبارة الادبية والتعبير المجرد، بل من خلال المشهد والموقف المسرحي وبناء الشخصية وعلاقات الشخصيات في ما بينها وبناء المشاهد. لذلك من الطبيعي ان يكون صاحب البيان المسرحي الحديث رقم واحد. انه البيان الذي نشره في مقدمة مسرحيته الاولى والرائدة الزنزلخت.
مشهد من «الزنزلخت» كما أخرجتها عبلة خوري في تسعينات القرن العشرين

يقول محفوظ في هذا البيان مشيراً الى الزنزلخت: «ولم تكن فقط تأييلاً وتركيزاً للتفتحات الشكلية الاخراجية في المسرح اللبناني، تأكيداً دعم هذه التفتحات واعطاها مداها اللبناني، بل كانت معركة ايضاً / ضد الاتفاق / ضد التقليدية / ضد التفاهة / ضد الكسل / ضد اللامسرح / معركة جعلت منها حداً فاصلاً بين النص الادبي والنص المسرحي (...) دافنة هكذا بحس مستقبلي كل النصوص اللبنانية المقبلة التي ستكون مربوطة بالتقليد السابق (...) انا ضد الشعر في المسرح. كشاعر أقول هذا، متحسساً الموقف الشعري في اصطدام اليومي بالمطلق / الحياة الصغيرة بالحياة الكبيرة».
لا شك في ان لغة هذا البيان تتميز بالتطرف الذي هو سمة البيانات اجمالاً. وسيوضح محفوظ في مناسبات لاحقة ما يقصده بقوله: «ضد الشعر وضد الفكر في المسرح»، لا سيما ان مسرحية الزنزلخت هي المحصلة الاخيرة مسرحية شعرية وفكرية. غير ان شعريتها لا تقوم على العبارة البلاغية الرنانة والحوار المنمق بل تنتمي الى الخشبة. ضد ذلك النوع الادبي الذي عرف بين العشرينات والخمسينات، وظهرت منه اعمال كبرى في المعيار الشعري. اما في قول محفوظ انه ضد الفكر فكان يشير الى الاعمال التي تتخذ المسرح وسيلة لعرض الافكار او تكتب بناء على اطروحة فكرية كمسرحيات كامو وسارتر.
كتب محفوظ مسرحياته باللغة المحكية، وباللهجة اللبنانية تحديداً. وكان من اوائل الداعين الى لغة مسرحية تشبه لغة الحياة اليومية بدل ان تشبه لغة الكتب. وقد دافع عن دعوته هذه في كل مناسبة، واعتبر اعتماد اللغة المحكية في المسرح جزءاً من فصل المسرح عن النوع الادبي، وشرطاً من شروط تكريسه كلغة مشهدية مستقلة مبنية على الموقف والعلاقة والحركة.
من كتاب «الحركة المسرحية في لبنان 1960 – 1975، تجارب وأبعاد (مهرجانات بعلبك الدولية)

دار الحياة.

«غودو» صموئيل بيكيت كما «عرّبه» محفوظ

«غودو» صموئيل بيكيت كما «عرّبه» محفوظ
أنسي الحاج الحياة - 05/02/06//


«في انتظار غودو» يتكلم صموئيل بيكيت ليقول فشل الكلام. ليس عند الإنسان ما يقوله، وإذا ينتظر، فلن يجيء أحد. وكلما طال الحوار في «انتظار غودو» اتسع الشعور بالفراغ. كل كلمة هاوية. كلمة وراء كلمة انحلال وراء انحلال. وفقدان أمل يبدأ خفيفاً ثم يتضخّم. ويروح فقدان الأمل ويجيء في المسرحية كالمد والجزر. وفي مرحلة الجزر، ولأن الجزر يوقف نزف اليأس موقتاً، يبدو ذلك «كأنه» الأمل. لكنه فقدان الأمل وقد نام قليلاً استعداداً للنهوض من جديد.
عدم اليقين سيد الموقف. أول مخرج اميركي لـ «في انتظار غودو»، قال لبيكيت: من هو غودو وماذا يعني؟ فأجابه: «لو عرفت لقلت ذلك في المسرحية».
فلاديمير وأستراغون المتشردان اللذان ينتظران شخصاً يدعى غودو لأنهما يظنان أنهما على موعد معه، هما صموئيل بيكيت. ليس في المسرحية عقدة. انها أبدية من الصمت يملأه المؤلف بكلام أغلب الظن أنه الكلام الذي يقطع به صمت حياته الشخصية في الواقع. لا يعرف لماذا قال هذه العبارة ولم يقل غيرها ولا يعرف أين ستقوده ولا ماذا يقول بعدها. حوار طرشان؟ أو حوار غير طرشان مع محدثين هم الطرشان وأمام عالم هو الأطرش.
(...) الوعد بالخلاص يهدم الطمأنينة. الوعد بالخلاص كالتهديد الدائم بألا يتحقق الوعد. (...) من هو قايين بين فلاديمير وأستراغون ومن هو هابيل؟ اليقين! اليقين! لا وجود له. بوز ولاكي، السيد والعبد، تعرفا إلى فلاديمير وأستراغون في الفصل الأول، ثم في ما بعد لم يتعرفا اليهما. الغلام رسول غودو يتعرف اليهما في البداية، لكنه عندما يعود، ينكرهما. وقد نقول ان فلاديمير واستراغون هما، على الأقل، يتعرفان الى بعضهما بعضاً، لكنهما شخص واحد. انهما الوجه والقفا، انهما وجه الانتظار وقفاه، ولو لم يكن هناك غودو المربوطان بانتظاره لانفصلا.
الحياة عادة. يفيق الإنسان من هذه العادة حين يوقظه وجع الشعور بأنه موجود. وعندما يجتاز محنة هذا الشعور يعود فيرتمي في سأم العيش. وحتى لا تدركهما اليقظة، حتى لا يدركهما الوعي، يتسلى فلاديمير وأستراغون بالكلام. الكلام هنا ضد الفكر. ويتكلمان بلا معنى لكي لا يعودا ويتذكرا أنهما فكّرا، أنهما تكلما كلاماً له معنى. الكلام الذي له معنى، عندما نتذكره، ينبهنا إلى أننا موجودون. وعي هذا الوجود لا يسبب غير الألم.
(...) يقال الكثير عن مسرحية بيكيت. انها مملوءة بالأسرار المفتوحة على المطلق، ولكن لا يمكن تفسيرها تفسيراً واحداً محدّداً. الأسئلة التي يطرحها بيكيت هو نفسه لا يملك الجواب عنها. لذلك فنحن لا نملك غير «أجوبتنا» نحن. لبيكيت غودو ولكل من جمهور مسرحيته غودو. مسرحية مذهلة، ومزعجة، وتعسة، ومرعبة. انها أهم ما كتبه ومن دونها لا يكون مسرح القرن العشرين قد كان ما هو.
لم يكن أحد ينتظر أن يصل شكيب خوري إلى إخراج «في انتظار غودو» بهذه البساطة التي بنت لها جسراً أميناً إلى الجمهور. كان إخراجه متواضعاً، عاقلاً، إيجابياً. ربما فاته أن يبلور حركة الانحلال والتلاشي الآخذة في التفاقم فصلاً بعد فصل، وربما لم يركز تركيزاً كافياً على تواتر الشعور بالعبث ثم الشعور بالحاجة إلى الهرب من العبث، وغير ذلك من الأبعاد الميتافيزيقية. غير أنه أتاح لنا، بترجمة عصام محفوظ التي بلغت فهم الجميع، أن ننظر إلى عالم بيكيت من زاوية إخراجية لم تجفّل النظر.
ولم يخنه، في إخراجه، أحد من الممثلين. وكان هو وروجيه عساف في دور فلاديمير وأستراغون كمتبارزين من أساتذة السيف.
مقتطفات من مقالة نشرت في «ملحق النهار» - 19 شباط (فبراير) 1967

دار الحياة.

دفاعاً عن العامية في المسرح العربي

دفاعاً عن العامية في المسرح العربي
عصام محفوظ الحياة - 05/02/06//
عندما باشرت الكتابة للمسرح في مطلع الستينات لم اتقصد الكتابة بالعامية كموقف مسبق، بل وجدتني أنقاد عفوياً الى هذا الاختيار، حين كنت مارست مختلف الفنون الكتابية الاخرى، بالفصحى، ولا أزال، وتساءلت اذا لم يكن الحدس الصحيح للكتابة المسرحية هو الذي قادني الى العامية، في الوقت الذي كانت فيه الكتابة بالعامية مجازفة، خارج المسرح الكوميدي الشعبي، ليس فقط لأن «هيبة» المسرح الجدي، لم تكن تسمح بذلك، بل ايضاً لان العمل المكتوب بالعامية سينحصر في اطاره المحلي، بعيداً عن الجمهور العربي الواسع. ينطبق هذا على كل كتابة بالعامية في كل الاقطار العربية باستثناء مصر التي كانت عاميتها، الوحيدة بين العاميات العربية، المفهومة على النطاق الواسع، بسبب انتشار الفيلم المصري بحواره العامي وكذلك الاغنية المصرية منذ اكثر من نصف قرن.
هكذا وحدهم الكتاب المسرحيون المصريون لم يعرفوا المجازفة على هذا الصعيد، كما لم يعرفوه على الصعيد الآخر: اقتحام العامية للمسرح الدرامي، لأن المسرح المصري الحديث ولد، مع نعمان عاشور، من الكوميديا الاجتماعية، قبل ان يتوغل في تدرجه الدرامي الاوسع. الا ان الكتاب المسرحيين العرب في الاقطار الاخرى كانوا يجازفون على الصعيدين: عدم فهم لغتهم العامية خارج اطارها المحلي، وكذلك احتمال استنكار الجمهور المحلي لها لاعتياده سماع الحوار الفصيح في المسرح الدرامي، لدرجة ان اختراقه على هذا النحو كان مقدراً له ان يواجه بردود الفعل نفسها التي تواجه كل تغيير في المفهوم السائد.
واذا حالفني الحظ بتجاوز العقدة الاخيرة هذه (ربما لأن الظرف التاريخي كان صار ممهداً لتقبل العامية في المسرح، ولو باندهاش في بادئ الامر قبل ان يصير تقليداً) فان تجاوز العقدة الثانية لم يكن بالسهولة نفسها، ولم ادرك ذلك الا لدى خروجي بمسرحي من النطاق المحلي الى النطاق العربي في «مهرجان دمشق الثاني للفنون المسرحية العربية» العام 1970، حين اصطدمت، في المؤتمر المنعقد على هامش المهرجان، وهو أول مؤتمر لبحث قضايا المسرح العربي المعاصر، اصطدمت بوزير الثقافة السوري آنذاك، فوزي الكيالي، الذي شاء ان يفرض اللغة الفصحى على المسرح المشارك في المهرجان بحجة ان الاعتراف بالعامية وتشجيعها هما خيانة على الصعيد القومي تساعد على تعطيل مشروع الوحدة العربية.
واذا كنت استطعت، بمؤازرة زملاء لي، في اللجنة التي نيطت بها اصدار البيان الختامي للمؤتمر (وأخص المغربي احمد الطيب العلج) بالحؤول دون ادراج هذه التوصية التي تنص على ضرورة ان يكون العمل المسرحي مكتوباً بالفصحى، فإن المسألة لم تحسم، بل ظلت تطرح في كل مؤتمر عربي لاحق، حتى أنه منذ أقل من سنتين، حين سألني السيد علي عقله عرسان، رئيس اتحاد الكتاب العرب آنذاك، المشاركة في موسوعة عربية مسرحية، اصرّ ان تكون المسرحية التي سأختارها لهذه الموسوعة قد كتبتها بالفصحى، للدافع القومي نفسه. (...)
أنا اعتبرت، واعتبر، ان طرح مسألة العامية في اطار العقبات التي تواجه المشروع الوحدوي العربي هو طرح خاطئ في اساسه، لأننا اذا راجعنا تاريخ الاقطار العربية قبل «التجزئة الاستعمارية» حين كانت هذه الاقطار متوحدة في ظل الحكم العثماني لقرون طويلة، نلاحظ ان تلك «الوحدة» لم تمنع «استفحال» العاميات العربية المختلفة على لسان الرعايا العثمانيين من العرب. وفي المقابل نرى ان تعدد لغات القوميات في «الاتحاد السوفياتي» لم يمنع انشاء دولة اتحادية كبرى مع تعزيز للغات المحلية رسمياً.
ونظرة اعمق تجعلنا نكتشف ان ازدواجية اللغة العربية لم تنشأ في «عصور الانحطاط»، ولا في ظل التجزئة الاستعمارية، بل ولدت في العصر الذهبي للامبراطورية العربية، حين كانت بغداد حاضرة عالمية.(...)
واذا كان رواد النهضة الحديثة غالوا في مسألة احياء اللغة خوفاً من انسحاقها بالتتريك، فان اكتمال النهضة العربية الحديثة لن يتم الا بمواجهة واقع العصر بشجاعة. فليس من المعقول ان يظل العرب يعيشون في التاريخ. بل عليهم ان يصنعوا تاريخهم. لكنهم في صنع تاريخهم المعاصر ظلوا يتعاملون مع ازمة اللغة، وكأنها القدر المكتوب يلهم: فالعرب من المحيط الى الخليج يتكلمون بلغة غير التي يكتبون فيها، وفي لغتهم المكتوبة يحتقرون لغتهم المحكية، وينظرون اليها كسقط جهيض.
لقد اصبحت هذه الازدواجية تعلن مرضاً نفسياً مستعصياً.
لكن مع مطلع هذا القرن كان لا بد ان يتحرك الوعي المعاصر باتجاه ايجاد مخرج لهذه الظاهرة المرضية. وقامت بعض المبادرات الشجاعة لكن ظلت هامشية وغير فعالة في ازمة ينظر اليها العربي بعامة وكأنها قدره.
واذ اضع اللغة في طليعة ما يجب مواجهته فلأن اللغة ليست عنصراً ثانوياً في حياة أي شعب، بل العكس هو الصحيح. وان الاستمرار في التأكيد على هذه الازدواجية، في هذا العصر، بالذات، هو استمرار في تزييف الواقع. وان واقعاً مزيفاً لا ينتج سوى مشاريع اصلاح مزيفة.

من مقدمة الطبعة الثانية لمسرحية «الزنزلخت» («دار الفارابي» – بيروت)

دار الحياة.

رحيل الشاعر عصام محفوظ

المثقفون العرب يشيّعون اليوم صاحب «الزنزلخت» إلى مثواه الأخير ... عصام محفوظ ... صرخة «سعدون» الأخيرة في زمن القهر والهزائم
بيار أبي صعب الحياة - 05/02/06//


حين كتب عصام محفوظ بعد النكسة بيانه - المانيفستو الشهير، «بيان مسرحي رقم واحد»، المنشور لاحقاً في مقدّمة مسرحيّته «الزنزلخت» (1969)، لم يكن يعرف ربّما أنّه يعلن الولادة الرسميّة للمؤلّف المسرحي الحديث في لبنان. وجاء صمت الشاعر، وانقطاعه عن الكتابة للمسرح، اعلاناً لاحتضار المسرح اللبناني كما عرفناه في سبعينات القرن الماضي... وها هو صاحب «أعشاب الصيف» (1961) و»الموت الأوّل» (1973)، بعد أن هجر الشعر من أجل المسرح، ثم تخاصم مع المسرح متحوّلاً الى التأريخ للذاكرة العربيّة المعاصرة، ها هو ينسحب بهدوء من المدينة، ويقلع ليس فقط عن الكتابة بل عن الحياة برمّتها... مضى عصام محفوظ نصف مشلول بعد سنوات العوز، وأشهر طويلة من المعاناة الصامتة، كاد يلفّه فيها النسيان لولا تعاطف حفنة أخيرة من الزملاء والأصدقاء. قبيلة في طريقها الى الانقراض المعلن، كما كان موت عصام معلناً، خافت على نفسها وهي تتضامن معه وتعلن غضبها لما آل إليه مصيره.
مضى الشاعر، ومعه «زليخة» و»سعدون» و»فرج الله الحلو» و»سرحان بشارة سرحان»، ليلتحق بالمعلّمين الذين جالسهم في سنواته الأخيرة الغزيرة بالانتاج من جورج شحادة مواطنه في جمهوريّة الشعر... إلى الشيخ الأكبر ابن عربي وصحبه «الماديين» ابن الرواندي وأبو بكر الرازي وجابر بن حيّان، مروراً بآرتور رامبو وأوجين أونيسكو وألفريد جاري، وطبعاً هارولد بينتر وصموئيل بيكيت اللذين خيما طويلاً على عالمه المسرحي.
مضى بالخفر المعهود نفسه، ممزوجاً بسخريّة عبثيّة درج عليها في المسرح والحياة... كأنّه يخفي خلف نظارتيه السوداوين، مرارة لا تقال، واستقالة من كلّ الاحلام الطليعية والتطلّعات المستقبليّة التي طالما طبعت كتابته ومعاركه، وتجربته ورهانات جيله.
لذلك تراه تشبّث في السنوات الأخيرة بالذاكرة الهاربة يوماً بعد آخر، كمن يستعيدها ويحييها ويجاهر بالانتماء اليها في أزمنة الانحطاط والتشنّج والظلام، برموزها وانجازاتها الفكريّة والأدبيّة. فهو يتيم العصر الذهبي لبيروت، لم يعد يجد في الواقع أو الراهن ما يروي غليله أو يشفي خيباته أو يغري بالانتماء والنزول الى المعترك... مثل أيّام زمان.
كانت ستينات بيروت التي شهدت بروز محفوظ، أرضيّة خصبة بالتجارب الأدبيّة والفنيّة والفكريّة والجماليّة، صاخبة بالتجارب السياسيّة الراديكاليّة الساعية إلى تطوير المجتمع وتغيير العالم. تلك الصحوة التي حوّلت المدينة مختبراً عربياً رائداً، ما لبثت أن تفاقمت بالمشاريع البديلة في الأدب والسياسة، وفارت المواد الأسيديّة في الأنابيب حتّى كان الانفجار الكبير، الذي أدخل لبنان، وبعده المنطقة في جحيم الحروب الأهليّة.
وفي خضمّ تلك الفورة عرفت الحركة المسرحيّة عصرها الذهبي... كان تجربة «شعر» مهّدت لاعادة النظر بالقوالب والأشكال، واختراع لغات جديدة، ولم تلبث العدوى أن انتقلت إلى الخشبة، بعد بروز جيل من المخرجين والممثلين المتأثرين بمختلف التجارب الغربيّة، والباحثين عن هويّة وشرعيّة ومعنى وامتداد وجذور في أرضية ثقافية خصبة، أو تربة بركانية إذا فضّلنا. وكان عصام محفوظ أحد صانعي ذلك العصر الذهبي، خصوصاً في المسرح. خاض تجربة الترجمة من التراث العالمي التي انخرط فيها شعراء بارزون مثل أنسي الحاج، فكانت «غودو» بيكيت، وخاض تجربة العمل الجماعي مع «محترف بيروت للمسرح» (روجيه عسّاف/ نضال الأشقر)، فكانت «كارت بلانش». وبعدها استقلّ بتجربته ليكتب نصوصه على أسس جديدة، تنبذ الخطابة، ترفض الذهنية، تستبعد الأمثولة الايديولوجيّة... وتقطع الطريق على كل ثرثرة خارج الضرورة الدراميّة، والايقاع الشعوري، والرؤيا الفكريّة المجسّدة جمالياً.... بدءاً من مسرحيّة «الزنزلخت» التي تعتبر مفترق طرق في المسرح اللبناني الحديث. قدمت المسرحية للمرّة الأولى العام 1968، بعد أربع سنوات على كتابتها، (وكان رفضها منير أبو دبس)، وضمّت أبرز ممثلي تلك الحقبة الاستثنائية: ريمون جبارة ومادونا غازي ونبيه أبو الحسن وفيليب عقيقي... وأخرجها بيرج فازيليان... وليس غريباً أن يعود الجيل الجديد الى هذا العمل، إذ أخرجته في التسعينات مسرحيّة شابة هي عبلة خوري التي تنتمي إلى جيل «ما بعد المسرح» يبحث عن نفسه خارج القوالب الضيّقة للعبة المسرحيّة التقليديّة.
ويروي المخرج بيرج فازيليان في سيرته عن تلك التجربة: «جاءني ذات ريمون جبارة ونبيه أبو الحسن وفيليب عقيقي ومادونا غازي. قالوا: نريد أن نقدم «الزنزلخت» لعصام محفوظ. باشرنا التمارين عليها، وهي في مراحل متقدمة على هذا الصعيد. عصام محفوظ أراد إخراجها، لكن التجربة كشفت عدم تمكّنه من فن الاخراج. قرأوا المسرحية على مسمعي، وجدتها مسرحية عبث. أردت عبرها ان نذهب جميعاً الى العبث الأقصى. غيرت قليلاً في شكل الكتابة لهذه الغاية. سعدون (ريمون جبارة) يبدأ من لحظة الولادة وينتهي بها. لا حلول في الحياة، هكذا أردت للمسرحية ان تقول بارتداد البطل الى الرحم. عصام يقول ان لا حرية. كنت أكثر راديكالية في طرحي في المسرحية. لم يكن في حوزتنا مال. استدعيت عارف الريس، قلت يا عارف نحن لا نملك مالاً. ونريد ان تساعدنا في ديكور «الزنزلخت». عندي رؤية: حديد بحديد. جئت بشاحنة حديد ورميناه على الخشبة. ذهب عارف في الرؤية الى حدودها القصوى. زوجتي صممت الملابس من الجنفيص الرخيص. كلفت المسرحية 500 ليرة لبنانية. أما الممثلون فقبضوا من عائدات شباك التذاكر. عند نهاية العروض، خرج كل واحد منهم بمبلغ 35 ليرة. الموسيقى كانت مقطوعات لرافي شنكار».
مع «بيان مسرحي رقم واحد» أراد محفوظ أن يؤرّخ للتجربة، ويعلن ولادة اتجاه جديد... على طريقة توفيق الحكيم في «قالبنا المسرحي»، ويوسف إدريس صاحب «الفرافير» في «نحو مسرح مصري»، وصولاً الى سعد الله ونّوس الذي يعتبر شريكاً في التجربة من موقعه الخاص «في بيانات من أجل مسرح عربي»، وبيان المسرح الاحتفالي في المغرب (الطيب الصديقي - عبد الكريم برشيد)... وصولاً الى روجيه عسّاف، ولعلّ هذا الأخير أعلن في «بيان مسرح الحكواتي» نهاية ذلك العصر الذهبي الذي كان أحد شركائه البارزين.
في بيانه يعلن عصام محفوظ الحرب «ضدّ الاتفاق، ضد التقليدية، ضدّ التفاهة، ضد الكسل، ضد اللامسرح». إنّها حرب تجعل أعماله عند «الحد الفاصل بين النص الأدبي والنص المسرحي (...) إنني ضد الكلمة الشعرية في المسرح، ضدّ الحذلقة الذهنيّة، ضدّ البلاغة، ضد الخطابة، ضد الغنائيّة، ضد الفكر، ضدّ كلّ ما يقتل الحياة في اللغة المسرحيّة».
وعلى رغم مشاغله السياسية التي طبعت بسماتها تلك الحقبة في لبنان والمنطقة، فإنّه رفض الشعار، والثقل الايديولوجي... ناحياً صوب العبث، بصفته ردّ الفعل الوحيد الممكن على الاستلاب الذي يولّده القمع. إنها تلك الانعطافة الحاسمة نحو ما سماه محفوظ «التفتحات الشكلية الجديدة» التي ابتكرت لغة جديدة، قافزة من «لغة الكتاب الى لغة الخشبة». إنّها «اللغة الثالثة» التي بشّر بها عصام محفوظ، وتقع في منطقة وسطى بين الفصاحة الأدبيّة، والمحكية كما تعيش على لسان العامة. عمل محفوظ على فصاحة مبسّطة، أو عامية فصيحة، لغة تمثيلية تتسع لتجسيد حالات شعورية محددة في سياق درامي محدد. إنّها عمليّة تواطؤ بين المكتوب والشفوي لتوليد لغة حيّة ومعاصرة، لغة الحياة، أولاً وأخيراً لا حاجزاً إضافيّاً ينتصب بين الخشبة والجمهور.
وبعد «الزنزلخت» التي جاءت خير تعبير عن نكسة الـ 1967، كتب محفوظ مسرحيّة «الديكتاتور» التي تنحو أكثر نحو العبث. شخصيتان معزولتان كما في مسرح بينتر («الغرفة» مثلاً)، في ملجأ غامض يقودان انقلاباً عكسرياً أو ثورة خرافيّة من عزلتهما الكافكاويّة. الجنرال المصمم على تخليص العالم وتابعه سعدون. السيد والعبد، في لعبة تبادل أدوار مقلقة. أخرجها ميشال نبعة ومثّل فيها إلى جانب أنطوان كرباج، وقدّمت للمرّة الأولى سنة 73. من المفروض أن «الديكتاتور» هي الجزء الثاني من ثلاثيّة حول شخصيّة «سعدون». لكن الجزء الثالث «سعدون ملكاً» لم يعرف أبداً طريقه الى الخشبة أو المطبعة. توصل محفوظ مع سعدون الى بناء شخصية مسرحية متكاملة، ناضجة، (لا رمزاً لحالة أو قضية أو شعار)، شخصية مستقلّة عن الحدث ومشاركة فيه، أي بامكانها التحكّم فيه. سعدون هو الطفل المشاكس الحالم بتخريب العالم السلطوي، وهو ضحية القمع والاحباط والحرمان والاضطهاد، من شقائه يولّد الفكاهة. في «الزنزلخت» هو الفرد العاجز عن التفاهم مع الجماعة، الداخل في صراع وجودي مع قدره. أما في «الديكتاتور» فيرتقي الى مرتبة اعلى من الوعي الانساني، من دون تعديل في البعد المأسوي لتلك الشخصية الساخطة، كما هو عصام محفوظ نفسه، وكما بقي حتّى أيّامه الأخيرة محافظاً على الراديكاليّة نفسها.
لا بدّ من التوقّف عند تجربته قي التعاطي مع نصّ صموئيل بيكيت الشهير «في انتظار غودو» وقد اعاد كتابته بتلك اللغة الثالثة التي طالما دافع عنها، وأخرجها شكيب خوري متقاسماً بطولتها مع روجيه عسّاف ونبيه أبو الحسن (1969). لا بدّ أيضاً من الاشارة الى مسرحيّة خاصة جداً لمحفوظ، هي «لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71» (1971) التي تختصر تأثراته بالمسرح التوثيقي على طريقة بيتر فايس صاحب «مارا - ساد»: الشغل على المادة الارشيفيّة وتحويلها الى لعبة دراميّة وطقس احتفالي. وهي الطريقة التي واصل اعتمادها في مؤلفات الحقبة الأخيرة نابشاً من التراث النهضوي مادة لـ «محاوراته» الممسرحة مع كبار مفكّري النهضة العربية ورموزها، أو مع مفكرين نقديين من التراث العربي - الاسلامي.
قام محفوظ بمجالسة «مع الشيخ الأكبر ابن عربي» (دار الفارابي - 2003)، وجال مع رواد «مسرح القرن العشرين» (دار ألفارابي - 2002) مقدماً بأسلوبه المعهود رموزاً أساسية في ثقافتنا المسرحية المعاصرة: صموئيل بيكيت، برتولد بريخت، يوجين أونسكو، فريدريش دورنمات، ماكس فريش، آرثور أداموف، آرثر ميلر، جان أنوي، جون أوزوبرن، هارولد بنشر، هاينر مولر، وول سوينكا، جورج شحادة، أدمون بوند، عزيز نيسين، ألفرد جاري... وتوقّف عند «رامبو بالأحمر» (دار الفارابي - 2000)، متناولاً للمرّة الأولى شعر رامبو وسيرته من خلال علاقته بعامية باريس (كومونة 1871)، والاشتراكية الطوباويّة... كما كان تقصّى عالم جورج شحادة وشعره في «جورج شحادة - ملاك الشعر والمسرح» (دار ألفارابي - 1989). وكثّف لقرّائه «سجالات القرن العشرين» (دار الفارابي - 2004)... كما سبق أن حاور مفكري النهضة وغيرهم من شعراء وروائيين وروّاد... ولم يتوان عن الكتابة عن «الإرهاب بين السلام والإسلام» (دار الفارابي - 2003)، معالجاً مسيرة الإرهاب «بالتوازي مع مشروع الإمبراطورية الكونية الأميركية، سواء الإرهاب الحقيقي كردّ فعل على الاستفزاز الأميركي المباشر، أو الإرهاب المزيّف الذي للكواليس الأميركية حصة في صنعه بطريقة غير مباشرة، واستغلال الوجهين معاً لتعطيل كل قدرة على مقاومة مخططات الهيمنة الكونية التي للصهيونية الحصة الكبرى فيها».
هكذا هو عصام محفوظ، في كل مؤلّف وضعه بعد انقطاعه عن المسرح، كان يبحث عن جزء أساسي من مكوّنات وعيه ووعي جيله، ويجاهر به لمعاصريه، كمن يخاطبهم عن الراهن وعن أدوات مواجهته. وتلك الكتب يمكن اعتبارها ايضاً فصولاً في سيرة ذاتيّة ناقصة، وضع الموت حداً لها قبل الأوان. إنّ موت عصام محفوظ مثَّل الجزء الثالث من ثلاثيته المسرحيّة الناقصة، هو احتجاح سعدون الأخير على ظلم العالم في زمن القهر والهزيمة والطغيان.
حياته ومؤلفاته
> ولد عصام محفوظ سنة 1939 في جديدة مرجعيون جنوب لبنان.
> بعد الدراسة الثانوية في مرجعيون، حصل على دبلوم دراسات عليا معمقة من «معهد الدراسات العليا» في باريس.
> عمل في الصحافة منذ العام 1959.
> ساهم في حركة مجلة «شعر» (1958 - 1968).
> رافق الحركة الثقافيّة اللبنانيّة والعربيّة والعالميّة، من خلال عمله ناقداً في جريدة «النهار» قرابة ثلاثة عقود (تركها سنة 1997).
> انتسب الى الجامعة اللبنانية سنة 1970، أستاذاً لمادة التأليف المسرحي.
> هاجر إلى باريس سنة 1976 بعيد اندلاع الحرب الأهليّة، وبقي فيها حتّى سنة 1981.
> من أبرز مؤسسي الحركة المسرحية الحديثة في لبنان، منذ مطلع الستينات.
> أعماله المسرحيّة: «الزنزلخت» (1969)، «القتل» (1969)، «كارت بلانش» (مع «محترف بيروت للمسرح» -1970)، «لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟» (1971)، «الديكتاتور» (1971)، «قضية ضد الحرية» (1975)، «مسرحيات قصيرة» (1984)، «التعري» (مسرحية في صيغتين - 2001).
> مجموعاته الشعريّة : «أشياء ميتة» (1959)، أعشاب الصيف» (1961)، «السيف وبرج العذراء» (1963)، «الموت الأول» (1973).
> مؤلفاته وترجماته الأخرى: «دفتر الثقافة العربية الحديثة» (1973) «أراغون، الشاعر والقضية» (1974)، «مشاهدات ناقد عربي في باريس» (1981)، «سيناريو المسرح العربي في مئة عام» (1981)، «الرواية العربية الطليعية» (1982)، «جبران، صورة شخصية» (1982)، «لقاءات شخصية مع الثقافة الغربية» (1983)، «دفتر الثقافة اللبنانية» (1984)، «السريالية وتفاعلاتها العربية» (1987)، «حوار مع رواد النهضة العربية» (1989)، «جورج شحادة ملاك الشعر والمسرح» (1989)، «المسرح مستقبل العربية: ملف الجدل» (1991)، «أبعد من الحرب» (1992)، «مسرحي والمسرح» (1995)، «أبعد من السلام» (1997)، «مختارات من الشعراء الرواد في لبنان 1900 - 1950» (1998)، «عشرون روائياً عالمياً يتحدثون عن تجاربهم» (1998)، «لعنة زحل: جوزف بريستلي» (ترجمة 1998)، «الرواية العربية الشاهدة» (2000)، «حوار مع متمردي التراث» (2000)، «ماذا يبقى منهم للتاريخ» (2000)، «رامبو بالأحمر» (2001)، «شعراء القرن العشرين» (2001)، «مسرح القرن العشرين» (جزءان - 2002)، «عاشقات بيروت الستينيات» (2002)، «الارهاب بين السلام والإسلام» (2003)، «قصائد حب، تليها رسائل غالا - لبول إيلوار» (2003)، «مع الشيخ الأكبر ابن عربي» (2003)، «حوار مع الملحدين في التراث» (2004)، «سجالات القرن العشرين الفكرية السياسية» (2004)، «بعض اساتذتنا في القرن العشرين» (2006)، «رحلات ثقافية في سبعينيات القرن الماضي (2006).

دار الحياة.

فقه التسامح في الفكر العربي والإسلامي | مكتوب لك | Deutsche Welle | 30.01.2006

فقه التسامح في الفكر العربي والإسلامي
Gro?ansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: التسامح يعني القدرة على تحمل الرأي الآخر
التفكير في التسامح في زمن يحكمه العنف ويسوده الإرهاب، ويزخر بنزعات التبشير الدينية منها والدنيوية، التفكير في التسامح في هذا السياق التاريخي والفكري الذي يرفض الآخر، هل هو صيحة في واد؟ المزيد في التقرير الإذاعي التالي:

احترام الآخر بدل ابتلاعه، هذا هو التسامح الذي ينشده المفكر العراقي عبد الحسين شعبان في كتابه الصادر مؤخرا عن دار النهار "فقه التسامح في الفكر العربي والإسلامي"، والذي قدم له المطران جورج خضر بمقدمة قيمة جاء فيها: "وفي احتسابي أن وحدة هذه الأطروحة قائمة على أن قيمة التسامح التي أبرزها الإنسان المعاصر في فلسفة حقوق الإنسان وشرعتها، ولها ركائز متينة في الفكر التوحيدي، وفضل الكتاب أنه مسح الغبار الذي رماه التاريخ السيء على الأديان أو رمته القراءة الناقصة أو الجاهلة على النصوص".
ويعرف المؤلف التسامح قائلا: إن فكرة التسامح تعني القدرة على تحمل الرأي الآخر، والصبر على أشياء لا يحبها الإنسان ولا يرغب فيها، بل يعدها أحيانا مناقضة لمنظومته الفكرية والأخلاقية. وقد سألنا
د. شعبان، إن كانت الثقافة العربية الإسلامية عرفت هذا النوع من التسامح، وهي الثقافة التي قامت على امتلاك الحقيقة وحجب الحقيقة على الأديان والثقافات الأخرى؟ فرد بأن فكرة التسامح عرفها الإسلام نصا وتاريخا، فالقرآن يزخر بآيات تدعو الى التسامح، كما أنه في التاريخ الإسلامي حوادث كثيرة تؤكد تسامح المسلمين مع الشعوب الأخرى.
وانتقد حسين شعبان ما يمكن أن نطلق عليه النزعات الإرهابية للعقل واختفاء المركز الأوروبي حول العالمية والعقلانية وحقوق الإنسان من أجل فرض ثقافته وسياساته على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو على الشعوب الأخرى.

لكن لا بد من التأكيد على أن فكرة التسامح فكرة جديدة على البشرية، عرفت ولادتها الحقيقة مع فلسفة ليفيناس ودريدا، فلسفة الاختلاف الفرنسية، التي ترى أن العلاقة مع الآخر لا يجب أن تكون علاقة تبشيرية، تهدف الى كسبه الى صف الأنا، بل علاقة تحترم الأخر، وتحافظ كما يقول ليفيناس على مسافة بين الأنا والآخر.
فلا اختلاف ولا تسامح مع وجود التبشير، سواء كان تبشيرا دينيا أو سياسيا كما نصادفه اليوم في فكر الليبراليين الجدد. ونقد السياسة الأمريكية أو فكر الليبراليين الجدد لا يجب أن يعتمد على مرجعية دينية أو قومية، بل لا بد من انتقادها عن طريق تعميق مفهوم الديمقراطية نفسه وتخليصه من فيروس التبشير، عن طريق البحث عن ديمقراطية قادمة اذا استعملنا لغة الفيلسوف الكبير جاك دريدا.

بقلم: رشيد بوطيب

فقه التسامح في الفكر العربي والإسلامي | مكتوب لك | Deutsche Welle | 30.01.2006.