١٦‏/١١‏/٢٠٠٦

اقرأ للشاعر ادم فتحي آخر مقال له

خميسيّات\ آدم فتحي(الشروق التونسيّة\ 9-11-2006)
الآب والإبن والروح الدنس
المكان: المكتب البيضاويّ في البيت الأبيض.
الزمان: دقائق بعد التصريح بنتائج الانتخابات النصفيّة.
الحاضرون: وزيرة الخارجيّة وقد بدت مشدودة إلى التلفزيون تتابع النتائج المحزنة..والناطق الرسميّ سنو الذي وقف خلفها بقليل..وبوش الأب الذي تهالك على كرسيّ قرب الباب وبدا كأنّه يحادث أشباحًا لا يراها سواه.
دخل دابليو كالعاصفة واتّجه ناحية النافذة المطلّة على الحديقة صارخًا فجأة: ألم أقل لك يا كاندي إنّنا ذاهبون إلى الخسارة؟ لا يكفي أن يقول فرنانديز إنّنا متغطرسون وأغبياء في العراق حتّى يضيف ديك إنّنا محترفو تعذيب..فكيف تريدين أن يصوّت لنا الناس؟ لو كانا يكذبان لهان الأمر ولكنّهما يفسدان السياسة يا كاندي..إنّهما يقولان الحقيقة..فكيف أثق فيهما بعد ذلك؟ تهدّج صوته مع الكلمات الأخيرة فأسرعت كاندي تهدّئ من روعه: سنو قال إنّ كلام فرنانديز أسيئت ترجمته يا سيّدي..اعترض بوش ساخرًا: كيف والرجل تكلّم بالعربيّة؟ فقالت كاندي موضّحة: أقصد أنّه أساء ترجمة أفكاره إلى كلمات..آه..هزّ دابليو رأسه مرّات وقد راقته الفكرة..برافو..وماذا عن ديك؟ قال سنو بسرعة: شرحت للجميع وبكلّ اللغات أنّه لم يقصد التعذيب بل كان يقصد «التحقيق الرجوليّ» على غرار اللعب الرجولي في ملاعب البيزبول..أُعجب دابليو بالفكرة وخاصّة بكلمة بيزبول، فهبط على ظهر الناطق الرسميّ بصفعة أبويّة تهدّ الجبال: رائع يا سنو..ولكن لماذا خسرنا الانتخابات على الرغم من ذلك؟
صمت فجأة وكأنّه تذكّر شيئًا ثمّ اتّجه من جديد ناحية مكتبه وجلس على الكرسيّ هامسًا وكأنّه يحدّث نفسه: أريد انتصارًا يا كاندي..أريد انتصارًا في العراق..تنحنحت جوهرة الخارجيّة السوداء وهمست متلعثمة: المشكلة يا فخامة الرئيس أنّ..قاطعها دابليو صارخًا: اللعنة يا كاندي..أريد كذبة جديدة تشرح الصدر فلا تحدّثيني عن مشاكل..ليتني لم أطرد كولن..كان بارعًا وهو يبيع حكاية أسلحة الدمار الشامل للسذّج..وأنت يا داد؟ ألا تساعدني بفكرة؟
قال دابليو هذا الكلام ملتفتًا ناحية أبيه دون أن يبدو على هذا الأخير أنّه انتبه إليه. أصحاب الألسنة الطويلة يؤكّدون أنّ دابليو فعل كلّ ما في وسعه في البداية كي لا يظهر والده في الصورة..ثمّ مرّت الأيّام وأصبح الرئيس الجديد يدعو أباه بمناسبة ودون مناسبة..الأمر الذي جعل نفس أصحاب ألسنة السوء يزعمون أنّه يثأر لنفسه..وكأنّه يقول له: ما رأيك الآن؟ ها أنا أنجح حيث فشلت.
طبعًا لم يكن هذا غائبًا عن أذهان البطانة الرئاسيّة..خاصّة ديك ودونالد وكاندي التي تعرف كلّ شيء..ولكنّهم كانوا يتصنّعون عدم الانتباه.
ويقول مروّجو الإشاعات ومحترفو التنكيت على شبكة الأنترنيت إنّ دابليو ظلّ ينظر ناحية أبيه للحظات..ثمّ ضرب فجأة على المكتب بقبضة يده صارخًا: يبدو أنّي لم أسأل الشخص المناسب حين طلبت من رئيس البرازيل وصفة لكسب الانتخابات..ما رأيك في أن أسأل رئيس الصين؟ ما اسم رئيس الصين الحاليّ؟ أجابته كاندي: Hu..وكان ذاك اسم رئيس الصين (ويُنطق هُوْ..) لكنّ التشابه في النطق مع كلمة Who جعل الأمر يلتبس على دابليو..لماذا تعيدين عليّ السؤال؟ هل سمعتني؟ أجابته كاندي: Yes Sir..فأخذ الرئيس يغمغم: ياسر؟ ياسر عرفات؟ أليس هو نفسه الذي توفّاه الربّ؟ Yes Sir..حسنًا، دعينا من «ياسر» الآن وقولي لي ما اسم رئيس الصين الجديد؟ كرّرت كاندي: «هُوْ..» وهنا نفد صبر الرئيس فصرخ في وزيرته: اطلبي لي الأمم المتّحدة فهم يعرفون أسماء الجميع..رفعت كاندي السمّاعة وسألته قبل أن تجمع الرقم: هل أطلب Kofi ؟ تقصد كوفي عنان..لكنّ الرئيس فهم أنّها تطلب له Coffee فانفجر في وجهها: ماهذا يا كاندي؟ هل هذا وقت مناسب للمشروبات؟ أسألك عن رئيس الصين فتقولين لي ياسر..وأطلب الأمين العامّ فتطلبين لي قهوة..ثمّ يستغرب العالم بعد ذلك كيف لم أنتصر في العراق وكيف خسرت الانتخابات؟
ألقى دابليو الأوراق من يده وخرج من المكتب لا يلوي على شيء..وتبعته كاندي مسترضية وهي تكاد تتعثّر في الطنافس الوثيرة..ولم ينتبه أيّ منهما إلى سنو الذي ظلّ واقفًا في مكانه، وإلى جورج الكبير الذي نهض بعد لحظات واتّجه ناحية الباب، فالتحق به سنو وأسنده في الطريق إلى الحديقة.
منذ سنوات وبوش الأكبر يعاني الأمريّن ويكتم في صدره ما لا طاقة به لبشر..إنّه يعرف ابنه جيّدًا..ولكنّه ابنه..ماذا يفعل؟ والنتيجة: أسلحة نوويّة تنذر بالويل ومقاومة تزدهر وإرهاب يتصاعد وعالم يزحف نحو التسلّح من جديد بينما تعود الولايات المتّحدة إلى أجواء الماكارتيّة وتنافس جمهوريّات الموز في تشجيع الطغيان والاعتداء على حقوق الإنسان والتلاعب بالقوانين وتشريع السجون السريّة والمحاكمات التعسّفية والتعذيب.
هذه كلّها إشاعات وأراجيف ولا شيء منها صحيح..لا شكّ في ذلك..لكنّ الناظر إلى جورج الأكبر سرعان ما يرى أنّه شاخ خلال سنوات حكم ابنه أكثر ممّا شاخ طيلة عمره..ويقول مروّجو الإشاعات ومحترفو التنكيت على شبكة الأنترنيت إنّه يفكّر أحيانًا في عقد ندوة صحفيّة رفقة أحد كهّان الكنيسة للاعتذار للشعب الأمريكي ولشعوب العالم وللربّ نفسه عن كونه أنجب مثل هذا الابن..كما يقولون إنّه سأل سنو حين بلغا الحديقة إن كان والد هتلر حيًّا حين ارتكب هتلر جرائمه؟ فأجابه سنو إنّه لا يعرف..فقال دابليو، والعهدة على الرواة: «هنيئًا له إن مات قبل أن يرى جرائم ابنه. »
ثمّ وقع مغشيًّا عليه.
ويقال والعهدة على الرواة إنّ سنو سارع بطلب الإسعاف وظلّ هناك حتّى غادر الطاقم الطبيّ المكان صحبة الرئيس السابق..ثمّ رأى فجأة شيئًا يلمع حيث وقع العجوز فإذا هو قلادة كانت في عنق بوش الأب تتدلّى منها نسخة مصغّرة من الكتاب المقدّس..فتذكّر عقيدة الثالوث الأقدس التي ظهرت منذ القرن الرابع والتي تتحدّث عن الآب صاحب العظمة الأبديّة، والإبن الذي تجسّد في يسوع الناصريّ، والروح القدس أو البارقيلط..وعندئذ خطر له أنّ كلّ ثالوث مقدّس يقابله في الأرض ثالوث مدنّس..وخاصّة في السياسة..فتساءل في سرّه: من يكون الآب في هذه السياسة العالميّة البشعة ومن يكون الإبن؟ ومن يكون الوسواس الذي ينخر قلوب المواطنين على عكس البارقيلط؟ من يكون راسبوتين هذه الدولة وكلّ دولة؟ من يكون روحها الدنس؟

العقل والنقل .. جدلية الصراع المعرفي المزمن بين منهجين

نضير الخزرجي*
لم يخلق الله خلقا أحسن ولا أطوع ولا أرفع ولا أشرف ولا أعز من العقل، فبه يسعد المرء أو يشقى، وبه يتعالى المرء أو يتسافل، ولا يكون المرء عاقلا إلا اذا شغّل ماكينة عقله وحرَّك عجلاتها بما ينفعه والدوائر المحيطة به، من أسرة وعشيرة ومجتمع وأمة وبشرية، فكلما تفتق عقله عن خير توسعت دوائر إشعاعه الى مديات أكبر وأكبر، ولا يكون الأمر سهلا، ولكن الصعاب تتذلل كلما صعد المرء مراقي العلم، فلا علم بلا عقل ولا عقل بلا علم، فـ (العقل خلق من نور) كما يقول نبي الرحمة والسلام محمد بن عبد الله (ص)، و(العلم نور) كما يقول صلوات الله عليه، وأمكن بذلك تشبيه نسبة العقل الى العلم، كالشمس الى القمر، فالشمس سراج متوهج والقمر النور المنعكس من ضياء هذا السراج، وكما لا تستقيم الحياة إلا بضياء الشمس ونور القمر، فان حياة البشرية لا تستقيم إلا بضياء العقل ونور العلم، وكما يقول أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري (ت 31 هـ): "يا جاهل تعلّم فان قلبا ليس فيه شيء من العلم كالبيت الخراب الذي لا عامر له".
وعند قراءة نصوص التراث بأطيافه المختلفة من نصوص دينية وتاريخية وأدبية وغيرها، يتبدى مفهوما (العقل والنقل)، بوصفهما المفتاح الهادي الى فتح مغاليق النصوص، وتبرز الأهمية أكثر لدى الفقيه عند قراءته النصوص الدينية من قرآن كريم وسنَّة، لتوظيفها في مجال الاجتهاد والإفتاء، فمنهم من يجرد النصوص المنقولة عن العقل، فيتوقف على النقل ويتسمَّر عليه دون أن يعمل عقله في استنباط ما يواكب تطورات العصر، مظهرا الدين الاسلامي الحنيف بمظهر التخلف والرجعية، ومنهم من يسلط ضياء العقل على النصوص، ليستنبط من النقول ما ينفع الناس الآن وفي المستقبل، دون أن يعتدي على حريم النصوص أو أن ينتقص من قائلها، مظهرا الدين الاسلامي الحنيف كما يجب أن يكون، وهو كذلك، بوصف الإسلام الخاتم للأديان، وبوصفه الداعي الى العلم والتجربة وبناتهما، ولا يتقاطع معهما.
وتمتلك المدرسة الفقهية العقلائية التي تلزم الفقيه إعمال عقله وتشغيله عند الاستنباط، في الوقت الحاضر أعمدة عدة، بانت للأديب والأكاديمي العراقي، الأمين العام للمجمع العلمي للبحوث والدراسات في لندن، الدكتور هادي حسن حمودي، إحداها فعقد معها حوارا فكريا قرأ فيه منهج الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي في التعاطي مع العقل والنقل، صدر الحوار مؤخرا على هيئة كتاب من 288 صفحة من القطع المتوسط، صادر عن بيت العلم للنابهين في بيروت، حمل عنوان: "حوار مع دائرة المعارف الحسينية للكرباسي .. العقل والنقل"، تعرض فيه الباحث الى فصل "العقل" في ثمان صفحات استله من مجلد "الحسين والتشريع الاسلامي" للكرباسي، في جزئه الأول الصادر في طبعته الأولى العام 2000م، عن المركز الحسيني للدراسات في لندن، في 538 صفحة من القطع الوزيري.
ولما كان الحوار ينطوي على موافقات ومخالفات في الرأي، فان الدكتور حمودي وبأسلوبه النقدي الممتع، يقدم للكتاب تحت عنوان "ما أفسد الخلاف للود قضية"، وهو بذلك ينبيك قبل أن تلج باب الحوار، إن قراء أفكار الفقيه الكرباسي، هي قراءة فكرية تقترب من العقلانية بقدر اقتراب العقل من النقول، وتبتعد عن التراثية بقدر ابتعاد العقل عن النقول، وبذلك فان المؤلف يقدم نفسه كباحث عقلاني، وهذا شأنه في الكثير من مؤلفاته الأدبية والنحوية، كما انه يضع صاحب دائرة المعارف الحسينية في مصاف العقليين الداعين الى استخدام العقل وتفعيلة في كل مناحي العلم على غرار أصحاب الاتجاه العقلي أمثال، أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي (ت 150هـ) صاحب كتاب تفسير القرآن (تفسير مقاتل البلخي)، والخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي (100-175هـ) صاحب كتاب العين، وجابر بن حيان الكوفي الأزدي (120-198هـ) صاحب كتاب الكيمياء، وأبي محمد عبد الله بن محمد الأزدي الصحاري (ت 466هـ) صاحب كتاب الماء، واحمد بن فارس (306-395هـ) صاحب كتاب النقد الأدبي.
ولأن موسوعة دائرة المعارف الحسينية فاقت أعداد مجلداتها الستمائة مجلد دون أن يكون للفقيه الكرباسي جيش من العاملين في الحقول المختلفة كعادة الموسوعات التي ترصد لها الحكومات والمنظمات الملايين من الدولارات والمئات من المحققين، فان المصنف رغم تقاطعه في بعض مفاصل الحوار وتأليفه وتحقيقه لأكثر من 35 مصنفا، يقر: "والحق إني لينالني العجب والاستغراب كلما اطلعت على جزء جديد من تلك الموسوعة التي قد تتجاوز الخمسمائة مجلد، وهي تحاول الإحاطة بكل موضوع ذي علاقة بعنوانها، في عصر عزّ فيه القارئ، وندر فيه المؤلّف المخلص لقناعاته، وأندر منه مَن عبّر عنها بأناة وتأنٍّ واستقصاء، عملا بحرية الفكر والمعتقد التي ضمنتها أديان السماء وقوانين الإنسانية، وبخاصة في عصرنا هذا".
توزع الكتاب على ثمانية فصول، صال قلم المصنف في ميادين الفكر والفقه والتفسير واللغة والعلوم والأدب، مع بيان عدد من التطبيقات الحديثة على علاقة العقل بالنقل.
قرأ المصنف في الفصل الأول وتحت عنوان (العقل وعلاقته بالتشريع) ما جاء في فصل العقل من كتاب (الحسين والتشريع الاسلامي)، فأقرّ: "إن مسألة العقل وماهيّته ودوره في حياة البشرية مسألة شائكة شغلتني، وما زالت تشغلني، فالعقل ليس شيئا ماديا، بل هو اصطلاح على تلك القوة الهائلة التي ينتجها تشغيل الدماغ، أو قل تشغيل المخ وما يتعلق به"، أو حسب تعبير الفقيه الكرباسي: "القوة التي يدرك بها الانسان ويحكم من خلالها على مدركاتها، وإنما سُمي العقل لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك". من هنا فان المصنف يفصّل القول في بيان الدلالة اللفظية والمعنوية، ودور العقل في التشريع الاسلامي عند الاجتهاد والاستنباط، لينتهي الى القول: "وباعتبار الشيخ المؤلف أحد كبار فقهاء العصر، على الرغم من عزوفه عن الاعتراف بهذه الحقيقة التي يلمسها كل من اقترب منه، وانصرافه الى العناية بدائرة المعارف الحسينية التي وهبها جلّ وقته وعصارة معارفه.. فانه عُني عناية خاصة بـ (العقلية) التي يجب على الفقيه أن يحظى بها، والتي لا يحق للمرء أن يعلن فقاهته وقدرته على استنباط الحكم الشرعي من غير أن يتمتع بتلك القدرة العقلية". فتملك العقل لا يكفي لوحده وإنما لابد لمن يتصدى لاستنباط الأحكام الشرعية، التوفر على (العقلية) أي: "أسلوب التفكير وإمكانية التلاؤم مع الواقع بالانطلاق من المبادئ العامة والقواعد الكلية التي جاء بها الإسلام من أجل أن تكون نتائج تلك العقلية نافعة للناس وميسرة عليهم شؤون دينهم". على أن تكون العقلية كما يقول الفقيه الكرباسي: "قريبة من الفطرة الإنسانية والواقع المعاش والمذاق الاسلامي".
وينتقد المصنف اولئك الذي يجمدون على النصوص ويهبون لعقولهم إجازة مفتوحة، واضعين الناس بفتاواهم في مخمصة وحيص بيص، ويتساءل: "هل يمكن أن نأخذ برأي من يحرّم على المرأة استعمال الهاتف (التلفون) لأن لفظه مذكّر، ويحرّم عليها أن تنام قرب الجدار أو الحائط للعلة نفسها!! ولا أدري لماذا لا يحرم على المرأة أن تقف الى جوار الطبّاخ (آلة الطبخ) أو القِدر ولفظ كل منهما مذكّر أيضا!!".
ويشرح المصنف بشيء من التفصيل العلاقة بين العقل والعلم بوصفهما: "أمران متلازمان. العقل موجود منذ أن ظهر الإنسان على سطح الأرض، والعلم ناتج من نتائج (تشغيل) ذلك العلم". ويرى وجود علاقة لفظية بينهما: "فاللفظان مشتركان في حرفين هما (العين واللام) وانتقل (القاف) من وسط لفظة (عقل) الى (ميم) في آخر لفظة (علم)". ويخلص المصنف في نهاية الفصل الأول الى التأكيد بأن: "العلم لا وجود له إلا مع العقل. والعلم نتيجة طبيعية لحسن استخدام المرء لعقله، وخضوعه لأحكامه. والعقل من غير علم مجرد هوىً وعاطفة لا يعتمد عليهما ولا يعتد بهما في التطور الحضاري".
ويتخذ المصنف من العقلية العلمية منطلقا، ليبحث في الفصل الثاني "علاقة العقل بالاجتهاد والشورى"، فلا يقصر قوله على الاجتهاد الفقهي، وإنما يوسعه الى: "الاجتهاد في جميع شؤون الحياة من طلب علم نافع وأداء عمل صالح، وإدارة أمور الحياة اليومية، سواء كانت الحياة الخاصة للفرد أم الحياة العامة للمجتمع، وإبداء الرأي الناضج في الشؤون العامة، وهو ما اصطلح عليه الناس باسم الشورى". وبهذه التوسعة العقلائية يقرر انه: "لا شورى من غير اجتهاد، ومَن توفر فيه شرط الاجتهاد في علم أو عمل أو تخصص ما، كان له أن يصير من أهل الشورى، وحق على المجتمع أن يستمع لرأيه" بلحاظ إن الشورى قيمة حضارية، كما انه: "في أزمنة التألق الحضاري للمسلمين، كانت الشورى المبنية على الاجتهاد وما يتضمنه من أخلاق سامية نبيلة، جناح الأمة في التحليق عاليا في سماء التقدم والتحضّر والرقي. وحين تناسى الناس الاجتهاد والشورى، ضعفت الدولة حتى آلت الى السقوط رويدا رويدا". وحتى تعود الأمة الى سابق عهدها قوية مهابة، عليها أن تسلك طريق الاجتهاد والشورى، ولكن: "لا اجتهاد ولا ابتكار ولا إبداع ما لم يكن منبثقا من الأصول والأسس التراثية والخبرات التي اكتسبتها الأجيال السابقة، وأن يكون البناء على تلك الأصول والأسس منعا لأي تفرّق أو تمزّق في النسيج الحضاري للمجتمع".
وينتقل المصنف في الفصل الثالث الى تبيان "الاتجاه العقلي والتيار النقلي"، وفرّق بين الاتجاه والتيار، بلحاظ أن الأول فيه تجديد، والثاني فيه تواصل وتدفق بلا انقطاع والتزام بحرفية النص، ويخلص الى إن: "النقل، على أهميته لا يغني عن إعمال العقل وتشغيله، ولا يغني عن طلب العلم النافع وأداء العمل الصالح، وما الصلاح إلا ما فيه نفع الناس والبلاد". ويعتبر المصنف تحت عنوان فرعي "القرآن والاتجاه العقلي" إن: "القرآن الكريم رائد الاتجاه العقلي لحثه المتواصل على إعمال العقل وتشغيله، وعلى طلب العلم" مستشهدا بآيات عدة.
ويتخذ المصنف من العنوان الفرعي مدخلا الى الفصل الرابع لبحث "ميدان التفسير القرآني"، ناعيا على بعض التفاسير استغراقها في النقل وإعراضها عن العقل، رغم أن بعض ما تنقله مما لامسته يد التحريف وظللته غربان الأهواء، ويتعارض مع قطعيات العلم. وفصّل القول في بيان معالم "تفسير مقاتل" للقرآن الكريم، لأبي الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي البلخي، نسبة الى بلخ من مدن خراسان حيث ولد فيها، وهو من رواد الاتجاه العقلي بوصفه: " أول من فسّر القرآن الكريم تفسيرا كاملا لا يعتمد على النقل، بل على تشغيل العقل وتنشيط الذهن". وحاول المصنف وتحت عنوان فرعي "شبهات التدليس والكذب" أن يرفع عن مقاتل شبهة التدليس والكذب، بتفصيل القول في بيان سنة ولادته، للتأكيد بصدق روايته عن مجاهد بين جبر المكي المتوفى في سنة 104، وانه كان شابا حين روى عنه، كما روى عن الضحاك بن مزاحم المتوفى في سنة 102 أو 105، وانه لم يكن حينها صغيرا. على انه يصح رواية الصبي، فيحملها صغيرا وينقلها كبيرا، كما في رواية السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (6-62هـ) التي روت خطبة أمها فاطمة الزهراء في مجلس الخليفة أبي بكر، حيث حملتها واستوعبتها وهي صغيرة ثم نقلتها وهي كبيرة، بل لا يستبعد الفقيه السيد محمد الشيرازي (1347-1422هـ) حجية قول الصبي المميز، إذ: "لو روى وهو مميز فلا يبعد القول بالحجية أيضا لبناء العقلاء على ذلك وللسيرة ولغير ذلك" (راجع: الشيرازي، فقه الزهراء.. خطبتها في المسجد، بيروت، دار الصادق، ط1، 1419هـ/1998م، ج1 ص61).
ومن ميدان التفسير ينتقل المصنف في الفصل الخامس الى "الميدان اللغوي .. الخليل بن أحمد"، بوصف الفراهيدي واحدا من رواد الاتجاه العقلي الذي استطاع أن يشغل عقله، فيأخذ بالعقل مستفيدا من النقل، وكان من إبداعات العقل انه تمكن من استنباط إيقاعات موسقى الشعر، وعن طريقها ضبط أوزن ذلك الشعر وبحوره. على أن الفقيه الكرباسي استحدث العشرات من البحور الجديد، نقرأها في كتاب (هندسة العروض). والى جانب ميدان العروض، اشتهر الخليل بن احمد الفراهيدي في ميدان اللغة وكتاب العين، والميدان النحوي وكتاب النحو، الذي حقق فيه الدكتور حمودي ونزع تأليفه عن سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 177هـ)، وأرجعه الى الفراهيدي، حيث: "نعتقد جازمين أن الكتاب المنسوب لسيبويه، هو كتاب النحو للخليل بن أحمد، مع إضافات أضافها سيبويه، هنا وهناك، لا تخل بأن الكتاب للخليل".
ويتحول المؤلف في الفصل السادس، من الميدان اللغوي الى "ميادين العلم"، ليتحدث عن جابر بن حيان الكوفي الأزدي الذي اشتهر بريادته لعلم الكيمياء، وأبو محمد عبد الله بن محمد الأزدي، بوصفه من رواد الاتجاه العقلي في التراث العربي. فالأول: "كان مبدعا حقا، وهو احد رواد الاتجاه العقلي الساعي وراء التجربة العلمية" والثاني: "اتخذ من التجربة وسيلة للوصول الى تشخيص الأمراض ووضع العلاجات لها، وكذلك الى الحديث عن وظائف الأعضاء، وقد ذكر في كتابه (الماء) ما يشير الى معرفته بالدورة الدموية في الجسم، والى كيفية الإبصار، وكيفية تكوّن الذاكرة لدى الانسان".
ومن ميادين العلم الى ميدان الآداب في الفصل السابع والحديث عن "أحمد بن فارس"، بوصفه ممن: "رسّخ الاتجاه العقلي في دراسة الآداب واللغة ونقد النصوص، حتى اضطره الجوع والفقر الى التحول الى التيار النقلي في أواخر حياته"، واشتهر ابن فارس انه أول من اخترع: "مصطلح (فقه اللغة) إذ لم يكن العرب يعرفون هذا المصطلح من قبله، فجعله عنوانا لكتابه (الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها)"
ولتوضيح قصور النقل عن بيان كامل الحقيقة، فان المصنف في الفصل الثامن والأخير يقدم ثلاثة "تطبيقات عملية معاصرة"، التطبيق الأول هو "خرافة اللهجات وأساطيرها"، مؤكدا إن الذين درسوا اللهجات العربية: "تناسوا أوليات شروط البحث العلمي، وأبرزها قراءة النصوص قراءة واعية، لا كنصوص منفصلة عن حركة المجتمع، وقائمة بذاته، وكأنها جزر مستقلة عن المؤثرات التي حولها". من هنا فانه يرى أن الحديث عن لهجات عربية إنما هو حديث عن وهم، قال به البعض وسار عليه المعاصرون من النقليين، الذين لم يأتوا بجديد غير استنساخ أفكار بعض المستشرقين، فلو أنهم أعملوا عقولهم لبان لهم أن الاختلافات الموجودة في بعض المفردات: "لا تقوى على خلق اختلافات جذرية بين لهجة وأخرى، ولا يمكن أن يبنى عليها أن العرب هم مجموعة أقوام وليسوا قوما موحدين أساسا". على إن الفقيه الكرباسي، يعتقد إن المفردة الدارجة بشكل عام إما محرفة من أصولها الفصحى أو مخففة عنها، درج على تناقلها، أو اقتصر استخدامها في منطقة دون أخرى، أو عمم استخدامها بعد ما كانت تخص حالة معينة، أو إنها دخيلة.
وينتقد المصنف في التطبيق الثاني تحت عنوان "القرآن الكريم قراءة واحدة" القول الشائع بالقراءات المتعددة للقرآن، ويرى إن القرآن نزل بقراءة واحدة، والقراءات إن كانت سبعة أو عشرة أو أربعة عشر وأوصلها البعض الى 36 قرءاة، هي من صنع من أتى بعد الرسول محمد (ص) بأكثر من قرنين، ثم أصبح النقليون عيالا على السلف دون أن يُعملوا عقولهم. ويستعرض عددا من القراءات لآيات قرآنية، مفندا الاستدلالات التي أتى بها النقليون، مؤكدا إن تعدد القراءات لكلمة داخل آية يغير من المعنى ومن الحكم، فلا يصح العمل بها، لان حكم الله واحد. ويعبر المصنف عن استغرابه الشديد كون: "القراءات على اختلافاتها ينتهي سندها الى النبي، وكأنه (ص) كان يقرأ كل حين بما يختلف عن قراءته السابقة!!"، فلا يرى من الصواب الأخذ بالقراءات، وهو رأي يؤيده فيه الفقيه الكرباسي الذي لا يرى للقراءات من حجية.
وتحت عنوان "في تحقيق النصوص" ينتقد المصنف في التطبيق الثالث والأخير اولئك الذين يتناولون كتب التراث بالتحقيق فيملأون الكتاب بالحواشي والهوامش التي لا غناء في معظمها، فهو يحشي النقل بنقل آخر، دون أن يترك السبيل لعقله للإبداع، وبعضهم يصل به الجمود تحت عنوان التقديس غير المبرر فيترك كتب التراث على حالها دون تطويرها حتى ولو من باب الشكل والمظهر.
في الواقع إن الكتاب بتنوع ميادين بحثه ودوائره، أشبه بصخرة عقلية يرمي بها الكاتب في بحيرة النقل، ليحرك ساكن التراث ويكشف عن معادنه.

* إعلامي وباحث عراقي
الرأي الآخر للدراسات – لندن
alrayalakhar@hotmail.com


هندسة البلاغة العربية
شعيب حليفي
شهد الطابق الرابع بدار الهيئة الهندسية بالقاهرة التئام الندوة الدولية للنقد في حلقتها الرابعة في محور (البلاغة والدراسات البلاغية) من تنظيم الجمعية المصرية للنقد الأدبي باداب عين شمس، في المدة من 1 إلى 5 نونبر 2006، بمشاركة 14 دولة : لبنان، مصر، هولندا، المغرب، الأردن، أمريكا، بريطانيا، السعودية، المجر، التشيك، استراليا، تونس، إيطاليا، اليمن.
وقد ساهم في هذا اللقاء العلمي50 متدخلا ببحوث علمية أثارت العديد من النقاشات والإضافات .

بلاغة النص القديم
تدخل ادموند رايت (إنجلترا) في موضوع (السرد والبلاغة المعرفية) مشيرا أنه منذ بداية القرن الماضي أصبحت التحقيقات البلاغية الأمريكية متقدمة دائما على الدراسات البريطانية، كما تركز اهتمامه على الدفاع عما يسمى البلاغة الإدراكية، دفاع ضد الاعتداءات عن طريق الربط بين صميم اللغة والتعبير وبناء القصة.
عبد المجيد زراقط (لبنان) اهتم بموضوع (التحليل البلاغي العربي بين اتجاهين : نصي وصفي وقاعدي معياري) مؤكدا على تقديم معرفة بالتحليل البلاغي العربي عبر ثلاث مراحل : النشأة والازدهار ثم التقعيد.
وحول (الالتفات وتفاعل نظم الخطاب القرآني) تحدث محمد غيث (مصر) موضحا أن الالتفات بما هو انصراف من صيغة إلى أخرى ونقل للكلام من حالة إلى أخرى، كما أنه مقولة بيانية ودلالية.
وبعد تقديم نظري دقيق عاد الباحث إلى أنواع الالتفات في القرآن الكريم مفصلا ومحللا.
ويقرأ السيد ابراهيم (مصر) بلاغة أرسطو إسهامات التأسيسية متوقفا عند الأدوات الاستدلالية التي يلجأ إليها الخطيب وأوجه الشبه والاختلاف بينها وبين أدوات المنطق، وأهم الأدوات، القياس المضمر أو القياس البلاغي والاستدلال بالمثال. حسن حيدر (اليمن) قرأ مداخلة بعنوان (أصول لآراء بلاغية حديثة في التراث الأندلسي) مشيرا إلى جهود ابن بسام وابن شهيد وغيرهما في بناء الدرس البلاغي بالأندلس.

في الخطاب وقضايا النص
افتتح هذا المحور بتدخل عبد السلام المسدي (تونس) في موضوع (بلاغة الخطاب السياسي) باحثا عن دلالات الأسماء وإيحاءاتها المتعددة باعتبار سلطة الاسم وبلاغته وحمولاته السياسية، واستعرض الباحث مجموعة من الأمثلة والآليات التي يقوم عليها فعل التسمية.
أما الباحث أيمن تعيلب (مصر) فجاءت مداخلته في (المصطلح الإبداعي وتأسيس الحد البلاغي : دراسة في الخطاب الشعري التشعبي) وفي متخيله المتخلق. ثم ختم دراسته بالبحث في الرؤية الجمالية التشعبية الجديدة عند الشاعر علاء عبد الهادي.
سعيد الوكيل (مصر) بدوره وفي مجال الرواية قارب (جماليات السرد في الرواية التشعبية) منطلقا من فرضية ترى أن النص الأدبي الذي يعتمد على تقنية النص التشعبي له ملامحه البلاغية الخاصة. ثم بحث في علاقة الكاتب بالتقنية وبآثار تكنولوجيا الاتصال والأيديولوجيا. كما تطرق الباحث إلى أنواع النص التشعبي وطرائق القراءة.
يوسف بكار (الأردن) ساهم ببحث حول (الاختلاس سرقة أم تناص ؟) عارضا لمفهوم الاختلاس في الدرس النقدي العربي القديم أولا ثم حديثا من كافة جوانبه.
وحول (فلسفة البلاغة بين سبنسر وضومط) تكلم عصام بهي (مصر) عن المشترك بينهما وكيف أن جبرضومط فضلا عن احتفاظه بعدد من أمثلة سبنسر فإنه أضاف أمثلة عربية شعرية ونثرية على مؤلفه هذا.
عز الدين حسن البنا (مصر) كتب عن (نظرية الاستعارة بين ريتشاردز وريكور) مستكشفا الاستعارة في النظرية الغربية الحديثة من خلالهما.
أما سعيد أبو الرضا (مصر) فمال نحو البحث في (الكناية بين الأمس واليوم) معتمدا على أطروحة جاكبسون الأساسية في هذا الصدد.
ومن أمريكا قدمت الباحثة سوزان استيتكيفتش ورقة نقدية في موضوع (من البديع إلى البديعية : دلالة في دراسة الأسلوب البلاغي) مع التركيز على العصر العباسي الأول واتجاهات البديع مع أبي نواس، ومسلم بن الوليد والبحتري وأبي تمام وصولا لابن المعتز.
عفت الشرقاوي (مصر) اتخذ من نزار قباني نموذجا للبحث في (سياق التعاطف في الشعر المعاصر) أي بلاغة العطف باعتبارها أسلوبا بيانيا متميزا يتجاوز بلاغة النظم التي توقف عندها البلاغيون قديما.
مصطفى الكيلاني (تونس) قارب (بلاغة اللامعنى في الشعر العربي المعاصر) مقدما لبحثه بفرش نظري قبل أن ينتقل لاستقصاء هذا الوجه البلاغي في نصوص لعدد من الشعراء العرب : سليم بركات، أدونيس، حميد سعيد، جعفر العلاق، شربل داغر، علاء عبد الهادي، يوسف رزوقة ومروان حمدان. وحول (صوت الكاتب ليوباردي الرومانسية والبلاغة) تحدث فرانكودينيتو (إيطاليا) مفترضا أن الرومانسية كانت هي نهاية عصر البلاغة ثم برزت في أشعار الشاعر الإيطالي، الرومانسي، ليوباردي جاكومو.
مداخلة صلاح فضل (مصر) انصبت حول (مفارقات البلاغة العربية) مركزا على مأزق البلاغة والمفارقات اللافتة في هذا الصدد والتي حرمتها من النمو في اتجاه إعادة طرح عدة قضايا ثقافية.
وعاد أحمد السعدني (مصر) للحديث في موضوع (البناء اللغوي في النص القرآني : نظرة بلاغية) مقاربا، البلاغة القرآنية في الصوتيات وفي الصورة ثم التشكيل البلاغي للبناء الجمالي.

منطق البلاغة
افتتح جلسة اليوم الثالث فايز عارف (الأردن) ببحث في (سلطة النص في اختيار دالات الشكل البلاغي) ملتمسا، بعد تأطير نظري، البحث في تطبيقات على النص الشعري من خلال ثلاثة مسارات هي دور تقنيات الخطاب البلاغي وتكون أنماط الأسلوبية ثم الدور التبادلي بين الرواية الشعرية وبعض الأشكال البلاغية.
يوسف عبد الفتاح (مصر) تدخل ببحث بعنوان (السيمياء والاستعارة في شعر المعارضات) هو مقاربة سيميائية من تحليل النصوص وعلاقتها بمرجعياتها. أما الباحث ياروسلاف استيتكيفتش وهو مستشرق أمريكي فقد ركز على (بلاغة الرثاء في مراثي الدول والزعماء) في الأدب القديم اليوناني وفي بعض القصائد العربية.
السيد فضل (مصر) انشغل بالبحث في (النقد النحوي والبلاغة النحوية : قراءة في نقد الأصول) كما انشغل صلاح رزق (مصر) بمفهوم الحال والمقتضى وذلك من خلال نظريات الخطاب والتلقي.
وحول هدف البلاغة في الكشف عن الطرق التي يسهم بها الخطاب في خلق الكبت الاجتماعي أو السياسي ناقش عماد عبد اللطيف (مصر) (النظرية البلاغية المعاصرة ومقاومة التضليل ) من خلال نموذج للبلاغة النقدية.
وفي جلسة رباعية تحدث يرجي كراوس (التشيك) عن (دور البلاغة في الاتصال في الثقافات) وتحدث بيل اشكروفت (استراليا) عن (اليوتوبيات النقدية) أما أندراس كابانيوش (المجر) فقد ناقش موضوع (حدود الترجمة) في العمل الأدبي ومسألة اللغة والبلاغة، وختمت سفتيلا شميركوفا (التشيك) هذه الجلسة بموضوع (البلاغة بين الثقافات) وذلك من خلال حديثها عن حضور المؤلف في النصوص العلمية.
وحول (بلاغة الحجاج) قدم عبد الناصر حسن (مصر) دراسة تداولية انطلاقا من الجهود التراثية الكبيرة والدرس اللغوي الحديث، أما نهال النجار (مصر) فقرأت موضوعا حول (البلاغة القضائية عند جون أوستن) من خلال تطبيق طرز البرهنة على الحقيقة السردية، وفي نفس السياق تحدث جميل عبد المجيد (مصر) في موضوع (مدخل إلى بلاغة الخطاب القضائي) مبلورا عدة أسئلة في هذا السياق. وختمت زينات عبد الفتاح (مصر) هذه الجلسة بالحديث عن (الحجاج في تحليل لامارتين لسيرة الرسول (ص) وهو تحليل لأفكار أديب فرنسي استخدم الحجاج.

بلاغة الصورة
عبد الله الفيفي (مصر) كان أول المتدخلين في اليوم الرابع في موضوع (القصيدة الرواية وتداخل الأجناس في بلاغيات النص المعاصر) وقد اتخذ من رواية الحزام نموذجا لتطبيق فرضية القصيدة الرواية. وقاربت مها سلام (مصر) رواية (المتمهل) لجون كوتسي من خلال تحليل بلاغي، كذلك فعلت فدوى عبد الرحمن (مصر) وهي تبحث في (إمكانات التغاير في رواية المريض الأنجليزي) للكاتب مايكل أونداتجي.
هليس ميلر (أمريكا) قدمت دراسة مفصلة تدافع فيها عن (الدراسة الأدبية في زمن العولمة) أما برايان اليوت فعاد للحديث عن (البلاغة وفن المعمار الحديث) وفي سياق آخر تحدثت مهجة مصطفى عطية (مصر) عن (بلاغة المقال) عند زكي نجيب محمود ومصطفى محمود ومحمد حسنين هيكل.
بيتر هادكو (المجر) قدم بحثا بعنوان (السرد والبلاغة في التاريخ الأدبي) عارضا للتاريخ الأدبي ومكوناته من البناء القصصي والبناء البلاغي.
وحول موضوع (من سرد البلاغة إلى بلاغة السرد) تدخل نبيل حداد (الأردن) لبناء رؤية حول تطور البلاغة في الرواية العربية منذ الجهود الأولى في القرن التاسع عشر إلى نجيب محفوظ .
شعيب حليفي (المغرب) قارب (بلاغة الصورة في الرواية : دينامية الاستعارة واشتغال التأويل) وذلك من خلال مدخل نظري عام يؤطر المفاهيم الأساسية للبحث وأصولها ثم اهتم بثلاثة محاور في موضوعه وهي أسئلة الصورة في الرواية، ثم من الإدراك إلى التأويل وأخيرا قدم تحليلات نصية أشار فيها إلى نص أسطوري قديم أورده ابن الأثير حول طسم وجديس، ثم انتقل إلى تحليلات الصورة وتجلياتها في أعمال سليم بركات، طائر الخراب لحبيب سروري، حلق الريح لصالح السنوسي، وعند محمد برادة، جمال الغيطاني الميلودي شعموم وعبد الكريم غلاب وخيري شلبي.
محمد عبد المطلب (مصر) درس (بلاغة السرد النسوي) من خلال ثلاثة محاور : الأنثى منتجة للسرد والأنثى موضوعه له ثم الأنثى متلقية للسرد، وفي نفس الموضوع برؤية أخرى تحدثت سعاد المانع (السعودية) عن (البلاغة في النقد الأدبي النسوي العربي) عبر رصد صور النساء في الأدب ورصد الصور الأدبية في كتابة النساء.

أسئلة التأويل
في الجلسة الأخيرة تدخل صلاح حسنين (مصر) في (توليد الاستعارة) من خلال الدرس النقدي والبلاغي، وحللت مي أحمد يوسف (الاردن) قصيدة (سينية الشاعرة سكن في مدح المعتصم)، كما تدخلت الباحثة الهولندية انتيكي كرافينتيز في (بلاغة الحساسية المعرفية في الرسم التجريدي).
علاء عبد الهادي (مصر) قارب (بلاغة الشعرية المسرحية) وتوقف عند أهم الإشكالات النظرية والنصية في هذا الموضوع مستكشفا بلاغات المسرح ورؤاه المتحولة ضمن مستويات مفهومية ثلاث من البلاغة التركيبية والدلالية ثم التداولية فضلا عن بلاغة رابعة هي البلاغة المرجأة.
كما قرئت بالنيابة ورقة الباحثة المجرية أيفا انتال في موضوع (الأمثولة والمفارقة في القراءة البلاغية التفكيكية) وختمت هذه الجلسة الباحثة المصرية أمل محمد الأنور بموضوع عن (الصورة عند ميشيل تورنييه : أنماط وأبعاد) دراسة في رواية قطرة الذهب فقدمت تأويلات طريفة لهذا النص الذي يستمد رؤيته من البعد الأدبي والفلسفي.

وعرفت هذه الندوة جلسة ختامية للتوصيات، كما عرفت غياب الدكتور عز الدين اسماعيل اثر وعكة صحية.
مجلة فصول تحتفي أكاديميا بنجيب محفوظ
شعيب حليفي
" إن فعل الكتابة عند نجيب محفوظ يرصد العجائبي والمدهش، يرصد حياة تعاش في الواقع وأخرى في السرد والحوار، ولا أظن أن أديبا عربيا شغل عقلنا الأدبي مثلما شغله نجيب محفوظ". بهذه الكلمات التي جاءت في افتتاحية د/هدى وصفي (رئيس التحرير) للعدد الخاص عن نجيب محفوظ، يلتقي القارئ مع ملف كامل وثري بدراسات وبحوث دقيقة تناقش وتحاور وتفكك وتؤول نصوص محفوظ الروائية والقصصية ضمن العدد الأخير من مجلة فصول (مجلة النقد الأدبي،العلمية المحكمة) العدد 69- صيف خريف 2006.
اشتمل العدد على أربعة محاور : دراسات وترجمات ثم متابعات وقراءات في كتب وبيبلوغرافيا.
.في محور المتابعات، عرض ماهر شفيق فريد لأهم ما جاء في ملحق جريدة نيويورك تايمز لمراجعات الكتب وهو عدد خاص بأدب السير والتراجم، كما عرض من ناحية أخرى لعشر رسائل جامعية نوقشت مؤخرا بالجامعة المصرية وتهتم بالدراسات المقارنة والثقافية، والمنهجية.
وفي نفس السياق عرضت زينب حسين محمد لأهم مفاصل رسالتها في الماجستير حول شخصية الأم في روايات نجيب محفوظ، والتي نوقشت بجامعة القاهرة وبإشراف د/ جابر عصفور وسامي سليمان.
وفي ما يخص قراءة الدوريات الفرنسية عرضت ديما الحسيني للعدد 315 من مجلة الأدب المقارن، خصوصا وأنها تضمنت دراسة لبيير برونيل عن طه حسين في فرنسا من خلال نص طريف بعنوان (صلاة في الأكروبول)، كما تضمن العدد نفسه مقالا لصبحي حبشي عن جبران خليل جبران.
وضمن الدوريات الفرنسية المعروض لها في هذا العدد، مجلة (نقد) عدد 703 ومجلة (ترجم) عدد 207. كما حظيت الدوريات العربية، مع ماجد مصطفى بعرض للعدد الخاص عن نجيب محفوظ بمجلة الهلال (دجنبر 2005) ومجلة (الرافد) عدد 99. ثم العدد 26 من مجلة ألف التي تشرف عليها فريال غزول وصدر عددها السنوي في محور (شهوة الترحال : أدب الرحلة في مصر والشرق الأوسط). وختم ماجد عرضه بقراءة في مجلتي نزوى عدد 47 ومجلة الآداب البيروتية.
في محور الكتب والقراءات عاد ماجد مصطفى لقراءة مؤلف سيزا قاسم (بناء الرواية) والذي هو دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ، كما عرض لمؤلف مشترك لمحمد عناني وماهر شفيق فريد بعنوان (نجيب محفوظ في عيون العالم). ومن جهة أخرى قرأ طارق شلبي كتاب هالة فؤاد (طريق نجيب محفوظ بين الأسطورة والتصوف).
وحول دراسة حسن يوسف (المفكر الاشتراكي في أدب نجيب محفوظ) بسط عبد اللطيف همام لأهم محاور هذا الكتاب.
ويقرأ أشرف منصور كتاب عزت قرني (نجيب محفوظ يتدكر) من خلال فعل الإبداع الفني : الإطار والتهيئة للعمليات عند نجيب محفوظ.
وتعزز هذا المحور بمتابعة محمود الضبع عرض عناوين المواقع الإلكترونية ( النت) وخص هذا العدد بعناوين أساسية، للذين يودون الاطلاع على أعمال وحياة نجيب محفوظ.
ووثق سامي سليمان بيبلوغرافيا محفوظ في الثقافة العربية المعاصرة، وفي السياق نفسه جاءت بيبلوغرافيا نجيب محفوظ في الإنجليزية لكريستينا فليب.
.ساهم في محور الترجمات، وهو متمم لمحور الدراسات، كل من بيدرومونثابيت (مستعرب إسباني) بدراسة (ثلاث لقطات من حياة نجيب محفوظ) واندرس هالنكرن (باحث من السويد) حول (نجيب محفوظ ابن حضارتين). أما محمد مصطفى بدوي (مصري وباحث بجامعة أوكسفورد) فقد قارب (القاهرة القديمة وعوالمها الصغيرة). وحول رواية زقاق المدق، كتب ماريوس ديب (لبنان) تحليلا ثقافيا اجتماعيا للرواية. أما الباحثة البريطانية كريستينا فيليب فكتبت عن التشظي والتناص من خلال استراتيجية تمثيل الواقع في رواية المرايا.
ومن الهند تناول شمسون ناهر أصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ من منظور البحث في زمكانية النص والتناص. كما جاءت مساهمة لي تجين تجونغ (الصين- جامعة اللغات ببيكين) لرصد نجيب محفوظ في أعين الصينيين. بينما اختارت ايزابيلا دافيلتو (جامعة روما) تحليل رواية ميرامار.
واختتم مجدي يوسف (مصر) محور الترجمات بدراسة مقارنة في التحولات الاجتماعية والأدبية من خلال عملين روائيين لتوماس مان الألماني ونجيب محفوظ.
ساهم في ترجمة هذه الدراسات : نادية جمال الدين، أحمد هلال، محمد بهنسي، حسام نايل، علاء محمود، جان بدوي وفوزي عيسى.
.جاء المحور الأول الذي افتتحت به المجلة موادها حافلا بتسع دراسات متنوعة في المقاربات واللغة النقدية:
محمد مريني (المغرب) : نجيب محفوظ في النقد الحديث (النقد الاجتماعي نموذجا) : حيث قارب الباحث النقد الذي كتب حول محفوظ، والذي يتأسس على اقتناع راسخ عند الباحث بضرورة تجاوز القراءات القائمة على توظيف تصورات منهجية معينة لدراسة أدب نجيب محفوظ إلى القراءة الإبستمولوجية التي تسائل مختلف هذه القراءات ويعتمد الباحث، في ذلك خطة تأليفية قائمة على ثلاثة مباحث :
-يقدم صورة عن النقد الذي كتب عن أدب نجيب محفوظ، مع التركيز على الطابع الإشكالي لهذا النقد، بالنظر إلى تنوع الأطر المعرفية والمنهجية التي ينطلق منها النقاد.
- يتقصد في المبحث الثاني، خطاباا واحدا من الخطابات المختلفة التي تعرض لها في المستوى الأول وهو الخطاب الاجتماعي، الذي يتناوله ضمن ما يسميه "قراءة أفقية" .
- يصطفى في المبحث الثالث من مجموع النصوص المعروضة في المستوى الثاني، نصا نقديا هو كتاب " مع نجيب محفوظ" لأحمد محمد عطية، يحلله اعتمادا على منهجية محددة، وذلك ضمن ما يسميه قراءة عمودية.
- وينتهي البحث الى خلاصات تكثف معطيات البحث في المستويات الثلاثة المذكورة، وتلائم النتائج مع أهداف البحث.

فاروق مغربي(سوريا) :نجيب محفوظ والمناهج النقدية (القاهرة الجديدة نموذجا)

تناول النقاد، على اختلاف مناهجهم، روايات نجيب محفوظ لما له من أهمية بالغة، ليس على المستوى العربي، بل العالمي أيضا وهذه الدراسة سلطت الضوء حول رواية القاهرة الجديدة.
وقد ركزت الدراسة على أكثر المناهج النقدية تداولا ،فبدأت بالمنهج الانطباعي بشقيه الشرح والتفسير، وثنت بالمنهج الاسقاطي، وذلك عبر الإسقاط الديني والماركسي والنفسي، وأخيرا ختمت بالمنهج الفني، وتجدر الإشارة إلى أننا نحينا جانبا بعض المناهج كالمنهج البنيوي واللغوي والسيميائي، ذلك أن طبيعة هذه الرواية، وهي من البدايات إذا ما استثنينا الروايات الفرعونية، لم تغر النقاد بالدخول إليها عبر هذه المناهج كما أغرتهم روايات المرحلة المتأخرة بدءا من "الطريق"، و" اللص والكلاب" و " ثرثرة فوق النيل" .

أيمن بكر(مصر) : حكاية بلا بداية ولا نهاية تحولات المركز
يتعامل هذا البحث مع رواية نجيب محفوظ القصيرة " حكاية بلا بداية ولا نهاية " بوصفها نموذجا لانقلاب مركزية المركز وتحولها في البيئة الأكثر شهرة واستقرارا ظاهريا، مما يؤدي إلى الشك العميق في ثبات البنية نفسها أيا كان نوعها، و يبدو في هذه الرواية أن هناك بنية ثقافية اجتماعية مستقرة ذات مركز واضح لكن كلا من المركز وعلاقات البنية ينقلب بصورة تدريجية مع حركة الأحداث لصالح الشخصيات والأحداث الأكثر هامشية، ويؤدي هذا الانقلاب إلى انهيار البنية التي كانت تبدو أكثر استقرارا، وإلى انفتاح احتمالات الدلالة على عدد لإنهائي من البنيات المحتملة، وبناء على المنظور السابق فإن تحليل الرواية غير منفصل عن تصور يقدمه النص لإشكالية العلاقة التقليدية التي شغلت المبدعين والمفكرين في النصف الأول من القرن العشرين، حول كيفية نهوض الحضارة العربية، عن طريق التوفيق ببين العلوم الطبيعية الحديثة والتراث الروحي الذي يشكل خصوصية ثقافية.

محمد العبد(مصر) : الفضاءات والشفرات : قراءة "حضرة المحترم"
يقر الباحث أن لحضرة المحترم أهمية خاصة في خطاب نجيب محفوظ الروائي، وذلك أنها- مع التسليم بخصوصية موضوعها- تقع في دائرة الروايات التي أراد بها افتضاح الفساد الإداري والوظيفي والأخلاقي في المجتمع المصري المعاصر، من خلال سرد حركة الشخصية المحورية فيها : عثمان بيومي على السلم الوظيفي الحكومي، وانعكاسات ذلك على سلوكه الشخصي وعلاقاته بالآخرين، وللرواية لغة خاصة مدارها المفارقة اللفظية، وللفضاء موقعية خاصة مدارها السيطرة على حركة خيوط الحبكة والعقدة جميعا، ومما يلفت الانتباه في إنتاج الفضاء معطياته على المستويين الرأسي والأفقي، أي دور الفضاء في موقعه الخاص من خطاب الفصل، ودوره في الحوار بين الفضاءات المختلفة على مستوى خطاب الرواية الكلي، وهذه القراءة الجديدة للرواية تسعى إلى الكشف عن ذلك في ضوء السيميولوجيا والنقد التأويلي.

حسين حمودة(مصر):تلاشي الإيديلا حول متصل الزمن / المكان في روايات نجيب محفوظ
يتناول هذا البحث بعدا واحدا من أبعاد مفهوم ميخائيل باختين حول الكونوتوب متمثلا في فكرة " دمار الإيديلا"، أو " اختراق الدوري" أو " تحطيم دائرية الزمن"، عبر تقصى هذه الفكرة في أربع روايات- على الأقل- من الروايات الكبرى لنجيب محفوظ (زقاق المدق) و (أولاد حارتنا) و (ملحمة الحرافيش) ويكشف البحث فعل الزمن التاريخي الخطي، الطارئ بتغيراته الملحوظة، إذ يدافع أو يزاحم، أو يزحزح- وربما يزيح- زمنا رتيبا، دوريا، قديما راسخا في المكان، ومن المواجهة بين الزمنين، الدوري والتاريخي فوق مكان ثابت، يرصد البحث كيف يتراءى العالم في هذه الروايات الأربع، كيف يواجه- أو كيف يتكيف مع- المتغيرات التي تتحرك به، بين حدود المحنة وحدود الامتحان.

قايد دياب(مصر): المسألة الميتافيزيقية في الحرافيش
تستهدف هذه الدراسة عن المسألة الميتافيزيقية في الحرافيش جلاء هذا الجانب الهام في الرؤية الإبداعية لأديبنا الكبير بعامة وفي الحرافيش بصفة خاصة حيث إنها تعالج قضايا الوجود والموت والشر والقدر في إطار تلك العلاقة المعقدة والشاملة للإنسان بنفسه وبالكون والمسألة الميتافيزيقية في الحرافيش تأتي عبر مجموعة من الرموز من أهمها رمز التكية التي يمكن أن تجسد عالم القيم المطلقة ويتضح الموقع الفريد الذي تحتله التكية في إشكالية الوجود الإنساني بملاحظة المصير الذي تنتهي إليه الشخصيات الأساسية في الرواية فكلما نأى الإنسان بجانبه عن تلك القيم الخيرة منحازا للمطلقات المضادة سقط من حالق وأصابه البوار والعدم، والعكس صحيح كلما تماهى مع المثل العليا "الروحية اتسم سلوكه ظاهرا وباطنا بالعفة والزهد وارتضى حكم الله في العباد وطابت نفسه لإقامة العدل حتى فشل في ذلك امتلأت حناياه بالحكمة والإلهام الجليل وتحقق له ذلك التناغم العذب بينه وبين محيطه الاجتماعي.

جلال أبو زيد: فلسفة الشكل في العائش في الحقيقة
يسعى هذا البحث لأن يحقق توازنا نقديا معرفيا وجماليا بين الدراسة الأيديولوجية الموضوعية، والدراسة الشكلية الجمالية للعمل الأدبي، عبر الإفادة من الاتجاه البنيوي التوليدي الذي ينطلق من التكوينات الشكلية للعمل الأدبي ويخترقها بحثا عن دلالات الأبنية وقيمها الفسلفية دون أن يفقده أهم مزاياه وهي جمالياته الخاصة باعتباره عالما في ذاته ودون تنحية البعد الفكري أو المقصدية الأيديولوجية التي يحملها، وكما ينظر هذا البحث إلى الشكل والمضمون باعتبارهما وحدة واحدة فإنه لا يفصل بين الوحدات النصية الكبرى التي أنتجها محفوظ في تجربته الروائية، لذا نستمد من بعض أعماله السابقة بعض الإشارات أو الأدلة مثل : السراب، والطريق، والشحاذ، وقلب الليل، تلك الروايات التي تدخل في علاقات تناصية مع " العائش في الحقيقة" وتنسج الخيط الرابط بين المكونات الفكرية للحقيقة عند نجيب محفوظ فيلسوف الأدباء في عصرنا الحاضر.

سلمى مبارك: نجيب محفوظ كاتبا سينمائيا
يتناول هذا المقال نجيب محفوظ بوصفه كاتبا مارس كتابة السيناريو والقصة السينمائية، أي تلك التي كتبت خصيصا للسينما والدور الذي لعبه بوصفه أديبا في إدارة دفة التحول في السينما المصرية نحو سينما أدبية أي سينما تستخدم عناصر فنية وفكرية تشكلت في الحقل الأدبي.وقد عرض الباحث أولا لرؤية نجيب محفوظ للفن السينمائي بالمقارنة بالأدب، وللدور الذي لعبته السينما في تشكيل مخيلته الفنية والفكرية للواقعية الأدبية في مجال كتابة السناريو، متخذا من فيلم " إحنا التلامذة" نموذجا للكيفية التي أدار بها نجيب محفوظ الصراع بين رؤاه الواقعية المستمدة من عالمه الأدبي وبين عناصر نمطية مرتبطة بحكي سينمائي تقليدي.


يوشياكي فوكودا: نجيب محفوظ في مرآة الاستشراق الياباني
تقارب هذه الدراسة تلقي كتابات نجيب محفوظ في اليابان، وهي تسبق ذلك التناول بالوقوف عند تلقي الأدب العربي الحديث في اليابان، وترصد في هذا الصدد ثلاث ملامح، وهي : التحيز الشديد للثقافات الأوربية مما يظهر في قلة ترجمات النصوص العربية إلى اليابانية، وقلة عدد المستعربين اليابانيين المختصين في دراسة الأدب مقارنة بالمجالات الأخرى كالتاريخ خاصة، وقلة نصوص الأدب العربي الحديث المترجمة إلى اليابانية، وترصد المقالة الكتابات الأولى التي قدمها بعض المستعربين اليابانيين عن أعمال محفوظ، ثم تأخذ في دراسة الكتابات التي نشرها المتخصصون، بداية من عام 1990، فتناول دراسات كوميكو ياغي التي تركز على تحليل رؤية محفوظ للإسلام، وترى أن محفوظ يرى في التصوف التسامح الديني، ومن تم يأمل أن يؤدي التصوف دورا في قبول الأفكار الغربية وتحويلها داخل الإطار الإسلامي ومن تم تسويغها للشعب المصري.

chouaibhalifi@yahoo.fr

مهزلة استئناف نينوى في اختيار القضاة

فارس عبد الستار البكَـــوع


بسم الله الرحمن الرحيم
مهزلة استئناف نينوى في اختيار القضاة


بداية أقول مهنة القضاء تعد من المهن التي ترتب على عاتق من يمتهنها مسؤولية كبيرة جداً فهي بالقدر التي تمنح متوليها سلطة واسعة بموجب التشريعات النافذة توجب على كل من يتولى ويتصدى لهذه المهنة الإمكانية الكافية والملائمة لإشغال هذه الوظيفة من حيث الشخصية والثقافة العامة والعلم بأحوال وفن التقاضي فضلا عن صفات أخرى اشترطتها القوانين وكذلك الشريعة السمحاء ، وبناء على ذلك وحسب ما جاء في الأثر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى أهل بيته وأصحابه أجمعين انه مَنع إناطة القضاء لأحد الصحابة عندما جاء طالبًا توليها ، والتاريخ يروي لنا مقولة احد الفقهاء في عهد الدولة العباسية عندما رفض تولي القضاء بعد تكليفه من قبل الخليفة وعندما ألح عليه بالطلب قال قولته المشهورة ( ذُبحت بغير سكين ) اسرد هذه المقدمة البسيطة وأنا أرى بأمي عيني كما يرى غيري من الحقوقيين والمحامين ظهور بعض البقع السوداء الصغيرة على ثوب القضاء العراقي الناصع وأتمنى عدم اتساع هذه البقع أو النقط السوداء في هذه المؤسسة العريقة المشهود لها ولعقود طويلة بالكفاءة والنزاهة والاستقامة حتى في أحلك الظروف الصعبة التي مر بها البلد .
ظهور البقع السوداء (قضاة الهمر) نموذجاً:
ابتداء لااريد التحدث عن كيفية والية اختيار وتعين القضاة قبل الاحتلال واجتياح العراق من قبل القوات الأمريكية والمتحالفة معها ، هذه القوات التي دشنت احتلالها للعراق بفصل وعزل العشرات من القضاة وأعضاء الادعاء العام تحت ذريعة الفساد والرشوة والانحراف وهي لم يمض على احتلالها العراق بضعة أيام ولا ندري من أين عرفت بسلوكيات هؤلاء القضاة وارتكابهم لهذه الجرائم التي استوجبت إقصائهم وبهذه السرعة ؟
هذه العملية الاقصائية طالت العديد من العناصر القضائية الكفوءة والمشهود لها بالحيادية والنزاهة ، وسؤال أخر يثار هل البقية الباقية ممن لم يشملهم الإقصاء والعزل متوفرة فيهم النزاهة والألمعية والذكاء ؟ قطعا الجواب لا . لأنه في اعتقادي لكل قاضي مسيرة مهنية تُُستجلى من خلال قرارته وأحكامه ومدى انطباقها وانسجامه مع القانون من عدمه من خلال التدقيقات التمييزية الجارية عليها من لدن المحاكم المختصة بالإضافة إلى سلوكه وأخلاقه المهنية فهل راعت ذلك دولة الاحتلال عند الفصل والعزل ؟ وأقول شخصيا لم أمارس العمل القضائي ولست مكلفاً من قبل احد للدفاع عن القضاة المعزولين ولكني على إطلاع بمجريات وأحوال عدد غير قليل من الجيدين والكفوئين منهم ،ممن تم إقصائهم دون صرف مستحقاتهم المادية وبالتالي حرموا وعوائلهم من مصدر رزقهم الوحيد .
هذه العملية الاقصائية خلقت فجوة كبيرة في العمل القضائي وبالتالي أدت إلى ظهور (قضاة الهمر) وكاتب هذه السطور وغيره من المعنيين شاهدوا نماذج من قضاة الهمر ممن غرقوا بالعمالة مع المحتل منذ أول أيامه وقدموا لهم الخدمات ليكافئوا على خدماتهم الجليلة والمفيدة بالتعيين كقاضاة أو غيرها من المهن المتعلقة بالقضاء والدوائر العدلية ، ولكن يا ترى ماذا سيقول هؤلاء لأنفسهم ولأولادهم بعد مغادرة المحتل إذا لم يلحقوا به أو تركوا ورُفِع الدعم والحماية عنهم؟
هذه نماذج من قضاة الاحتلال وليس المقصود بهم ممن امتهنوا هذه المهنة الشريفة والرفيعة بالطرق الأصولية وحتى أثناء الاحتلال ولنا كلام أخر عن قسم منهم . وشخصيا أشفق على قضاة الهمر وأقول هل يستطيع احدهم ممارسة عمله كقاضي بعد مغادرة أسياده لاسيما وان أمر تعيينه قد صدر مذيلا بالتوقيع الأمريكي أو بمباركة وتزكية من المسئول الأمريكي المحتل .؟ فإلف مبروك لقضاة الهمر ، هذه بعض البقع السوداء في رداء هذه المؤسسة القضائية المهمة .
مع مرشحي الموصل لتولي القضاء :
مؤخراً وفي خطوة أراها جيدة لو اعتمدت الأساليب الصحيحة في الاختيار حيث طَلب مجلس القضاء الأعلى من المناطق الاستئنافية ترشيح عدد من المحامين للعمل في السلك القضائي عملا بنص المادة 36 من قانون التنظيم القضائي . والتي يفترض العمل بها وتفعيلها منذ زمن إذ إنها كانت شبه معطلة إن لم تقل معطلة تماما بسبب اعتماد وزارة العدل سابقا على خريجي المعهد القضائي فقط هذه المادة أجازت تعيين المحامي كقاضي إذا أمضى عشرة سنوات على الأقل في مهنة المحاماة إضافة إلى بعض الشروط الإجرائية و الإدارية الأخرى المتصلة بالاختبار والمقابلة وغير ذلك ,وما يهمنا بهذا الصدد من خلال هذه التجربة في محافظة نينوى تحديداً ولا علم لي بالإلية التي اعتمدت في المحافظات الأخرى ،حيث تقدم عدد يربو على (70) محام و محامية بمستمسكاتهم المطلوبة لغرض الترشيح للعمل في القضاء للسيد رئيس محكمة استئناف نينوى الاتحادية وهو شخصية موصلية معروفة وله خدمة قضائية مشهودة بالحيادية والنزاهة وقد تولى رئاسة الاستئناف (رئيس المحاكم كما يحلو للبعض تسمية من يشغل هذا المنصب) بعد الاحتلال والشهادة لله استطاع أن يدير هذا المرفق القضائي وفي هذه الظروف الحرجة بجدارة وكانت له مواقف ممتازة ضد البعض من عناصر السلطة التنفيذية في المحافظة عندما أرادوا تهميش السلطة القضائية نتيجة الفراغ الأمني وكذلك قانون الطوارئ ، ورغم الإشادة في المسيرة الوظيفية لهذا الرجل ونظافة اليد أقول رغم ذلك ارتكب أخطاء قاتلة وجديرة بالمناقشة والمُسَالة في مسالة ترشيح واختيار المحامين لتولي مهمة القضاء 0 من بين المتقدمين وحتى لااطيل عليكم أدناه ملخص لما جرى :
كانت أول نتيجة ظهرت هي قبول (20) مرشحا من اصل المتقدمين وبواقع (5) من الإناث و (15) من الذكور واعتقد أن هذا الاختيار جاء كاختيار أولي _ ابتدائي _ من قبل السيد الرئيس محكمة استئناف نينوى وحده ولا ندري ما هي المعايير التي استخدمها لاختيار هؤلاء رغم وجود أكثر من مرشح منهم لا تتوفر فيهم الشروط الواجب توفرها في القاضي فضلا عن حشر اكثر من ثلاثة أشخاص لا تتوفر فيهم لا بل تنعدم أصلا الشروط المطلوبة في الترشيح واقطع واجزم شخصيا أن ذلك يتحمله السيد رئيس الاستئناف شخصيا لوحده ولأسباب سنذكرها لاحقا 0
بعد هذا الاختيار غير الموفق لأغلب المرشحين تم تبليغ أل(20) مرشحا بالحضور إلى بغداد للمقابلة و الاختبار يوم 31/8/2006 ولما كان الاختيار غير الموفق للسيد رئيس استئناف نينوى وعدم إتباع معيار صحيح للاختيار وامتعاض عدد من المتقدمين من هذا الأجراء وتقديمهم لشكاوى عديدة إلى مجلس القضاء فقد أفرزت المقابلة ما يلي
1_ وجود أكثر من مرشح موظف على الملاك الدائم في (مجلس القضاء) ويتقاضى راتب من الدولة في حين كان المفترض أن يكون المرشحين من المحامين وليس من الموظفين 0
2- وجود من يعمل موظفا في أكثر من هيئة ودائرة ويتقاضى عدة رواتب من عدة دوائر ومنقطع عن ممارسة المحاماة لمدة طويلة 0
3-الطامة الكبرى هي وجود مرشحين لم يكملوا المدة المطلوبة التي اشترطها القانون وهي ممارسة مهنة المحاماة لمدة لا تقل عن عشرة سنوات فهل يجوز ذلك يا سيادة رئيس الاستئناف المحترم 0؟
4- وجود أكثر من مرشح لا علاقة لهم أصلا بالمحاماة أو الحضور إلى المحكمة والترافع سوى حصولهم على هوية نقابة المحامين .
5- هناك شرطا اجتماعي اعتبرته الشريعة ركنا من أركان القضاء وكذلك أوجبه المشروع العراقي ألا وهو الزواج فيمن يروم أن يصبح قاضيا فهل تأكد السيد رئيس الاستئناف من ذلك وخاصة بالنسبة للعنصر النسوي من المرشحات ؟! والحمد لله إن جميع المرشحات هن من الأوانس أو من المطلقات 0
النتـــــــائج :
تأسيسا على ما تقدم وبعد مثول السادة المرشحون أمام اللجنة المختصة بالاختبار في مجلس القضاء واعتقد أن مجلس القضاء واللجنة قد علمت بهذه الخروقات القانونية الواضحة وحسب ما ورد إلى علمنا أن مرشحي السيد رئيس الاستئناف قد جوبهوا بالمعلومات واستبعد من استبعد وبقي من المرشحين أل(20) سبعة من الذكور و(2)من الإناث 0ومع شديد احترامي وتقديري لكافة المرشحين كونهم زملائي في المهنة وأخوة لي وتجمعني بهم علاقات طيبة إلا أن الموضوع يفرض علينا مناقشته مناقشة موضوعية دقيقة وبكل تجرد عن الانحياز وكاتب هذه السطور تربطه علاقة وثيقة ولطيفة مع السيد رئيس استئناف نينوى ولكن في خطوة مثل هذه ويكتنفها أكثر من خطأ قاتل وهو الذي يُعرف عنه ( لا تلومه في الحق لومة لائم) كيف سمح لنفسه بمثل هذه الأخطاء وهو يختتم حياته الوظيفية الناصعة 0هذه الأسئلة وغيرها متروك الإجابة عليها لرئيس الاستئناف أو مجلس القضاء الأعلى ، حين نرى في تشكيلة المتقدمون رغم كثرة عددهم إلا أن الاختيار لم يبتعد عن المحاصصة الحزبية والطائفية وربما المحسوبية والمنسوبية أو الفئوية ، ذكرت لكثير من زملائي في المهنة وكان هذا رايهم ايضا لو أن السيد رئيس الاستئناف شكل لجنة تتألف من قضاة وممثل عن المحامين كمنتدب محامي الموصل مثلا وقاموا بتدقيق بيانات المتقدمين للترشيح واختياروا من يصح ، الم يكن ذلك أفضل ويدفع عنه الظغوط إن وجدت ويتخطى هذه الأخطاء القاتلة في اختيار قضاة أو قاضيات المستقبل . والذين نتمنى لهم الموفقية في عملهم لاسيما أن عددا غير قليل من المحاميات والمحامين المرشحين حرموا من فرصهم وحل بدلهم مرشحون لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة .
وحسب علمي أن ثلاثة محامين ممن هم أساساً طلبة في المعهد القضائي من الذين سيتخرجون بعد فترة وجيزة من الزمن قد تم إضافتهم إلى المرشحين وهذا خرق قانوني أخر حَرم مرشحون آخرون من المحامين للتقدم لإشغال هذه المهنة فهل يجوز هذا ؟ وهل يجوز أن يبدأ قاضي المستقبل أول حياته الوظيفية بهذه المغالطات والأكاذيب ؟ والذي سيصبح مستقبلا حاكمًا في رقاب وأموال العباد ، ولكن ارجع وأقول كل شئ جائز في العراق الجديد .
وفي الختام هل سنسمع رداً من الجهات المعنية عن هذا الملف ، شخصياً أتحمل مسؤولية كل كلمة في هذا الموضوع إذا كانت تخالف ما أقوله ومن الله التوفيق ...
* حقوقي وناشط في حقوق الإنسان