٢٣‏/٢‏/٢٠٠٧

الباحثة التونسية د. رجاء بن سلامة في حوار مع حكمت الحاج











الحجاب مهما تجدّد شكله واستعماله يتناقض مع المساواة والمواطنة والكرامة








 






  حكمت الحاج/ من تونس: تدرّس د. رجاء بن سلامة "التّفكيك"  Deconstruction مطبّقا على الدّراسات العربيّة في كلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بالجامعة التونسية، وتدرّس الخطاب عن المرأة وعن الجندر في العالم العربيّ في نطاق "ماجستير الدّراسات النّسائيّة" بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة، تونس. تنشر مقالات عن القضايا الدّينيّة وعن وضعيّة المرأة العربيّة. عضو هيئة تحرير مجلّة Transeuropéennes  التي تصدر بفرنسا. عضو هيئة قراءة مجلّة إيبلا (معهد الآداب العربيّة) بتونس.


 


* في معظم كتاباتك النسوية نجد تلك الفكرة المحورية وهي [إسمحي لي بتلخيصها ولو على شكل قد يخلّ بمعناها] ان المرأة في مجتمعاتنا العربية تولد وهي آثمة بل ومؤثمة، إن صحّ التعبير، فإلى أي حد علينا أن ننظر بتفاؤل الى وضع المرأة ومشاركتها في الحياة العامة؟
- إنّ تطوّر أوضاع المرأة العربيّة نحو المزيد من الحرّيّة والفعل الواعي في الواقع، أي "صنع القرار" أمر تسير المجتمعات العربيّة في اتّجاهه، رغم العوائق ورغم التّفاوت بين مختلف البلدان العربيّة في هذا المجال. إلاّ أنّ المشكل يكمن في بطء هذه السّيرورة في العالم العربيّ عامّة، إذا ما قورنت بالتّدنّي اللاّفت للنّظر لكلّ المؤشّرات التي يمكن أن نقيس بها هذه الحرّيّة المسؤولة التي نسمّيها "صنع القرار". فالبلدان العربيّة مثلا تأتي في المرتبة قبل الأخيرة من حيث مقياس تمكين المرأة، وتأتي في المرتبة الأخيرة من حيث نسبة تمثيل النّساء في البرلمانات العربيّة في البلدان التي توجد فيها هذا الهيكل التّمثيليّ الدّيمقراطيّ (فهي لا تعدو خمسة فاصل سبعة بالمائة). إنّ ما نقيس به تاريخ الشّعوب غير ما نقيس به أعمار الأفراد التي هي قصيرة مهما طالت. وإذا نظرت إلى المسألة من وجهة نظر الأفراد  شعرت بالانقباض. فالكثير ممّا طالبت به النّساء والرّجال منذ ما يزيد عن القرن لم يتحقّق لا سيّما في مجال الأحوال الشّخصية رغم تعاقب عدّة أجيال منذ بذور حركات التّحديث والحركات النّسائيّة الأولى. معنى ذلك أنّ شرائح كبيرة من النّساء العربيّات ستطوى أعمارهنّ دون أن يطالهنّ هذا التّطوّر نحو المزيد من الحرّيّة والمسؤوليّة والمزيد من "صنع القرار"..
وفيما يتعلّق بتجربتي الخاصّة جدّا كامرأة جامعيّة تونسيّة، وكزوجة وأمّ، أقول إنّ الشّروط الموضوعيّة للمساواة من تشريعات وتكافؤ للفرص يمكن أن تتحقّق للمرأة، وتظلّ مع ذلك البنى الفكريّة والعقليّات الذّكوريّة فاعلة بصمت في اتّجاه مخالف للمساواة. فالمرأة الحاملة للشّهائد العليا تظلّ متّهمة بعدم الكفاءة لأنّها امرأة، وعليها دائما وباستمرار أن تثبت العكس، وعليها أن تعمل أضعاف ما يعمل الرّجال، وعليها أن تقاوم باستمرار اختزالها في الأنثى وأن تذكّر دائما بأنّها إنسان متعدّد الأبعاد، فهي الأمّ والزّوجة والمواطنة والكائن البشريّ في نفس الوقت.. وعليها أن تثبت أنّ ما حقّقته من نجاح قد حقّقته بجهدها وعنائها. المرأة في بلداننا، ومهما كان مستواها الاجتماعيّ والعلميّ، تولد آثمة وتظلّ طيلة حياتها تحاول إثبات العكس.


 


* ما موقفك الكامل والواضح من قضيّة "الحجاب" ومعركته، سواء أكان ذلك في فرنسا، أو في العالم العربي والاسلامي؟
- يجب أن أوضّح أوّلا أنّ كلمة "حجاب" قد تطوّرت، فمعناها في القرآن ولدى روّاد النّهضة غير معناها اليوم، ومعركة الحجاب والسّفور في النّصف الأوّل من القرن العشرين غير معركة الحجاب اليوم.
الحجاب بالمعنى القديم هو المؤسّسة الأبويّة التي تقتضي الفصل بين المجال الخاصّ والمجال الذي تلزمه النّساء الحرائر، أي "ربّات الخدور"، والمجال العامّ الذي  يتحرّك فيه الرّجال، باعتبارهم قوّامين على النّساء، أي يكتسبون ويتولّون الولايات العامّة إضافة إلى الخاصّة. ولكنّ المسألة لا تقتصر فحسب على مجرّد "هندسة الفضاء الاجتماعيّ"، إنّها أعمق بكثير : فالمجتمع الأبويّ الذي دعّمته الأديان التّوحيديّة ومنها الإسلام، يقوم على أنواع من التّبادل أحدها تبادل النّساء، والرّجال هم الذين يتبادلون النّساء الحرائر في نطاق مؤسّسة الزّواج، وهذا التّبادل كان بضائعيّا ورمزيّا في الوقت نفسه، أي أنّ الرّجل إذا أراد الزّواج كان يدفع ثمنا لوليّ المرأة هو المهر، ولكنّ المرأة لم تكن مجرّد بضاعة بشريّة، لأنّ الزّواج تبادل ذو طبيعة رمزيّة. فالزّوجة الحرّة هي التي تضمن حفظ الأنساب وتساهم في الرّأسمال الرمّزيّ للرّجل، الذي يسمّى الشّرف أو العرض. فالحجاب باعتباره فصلا بين النّساء والرّجال كان يضمن الحفاظ على الأسرة الأبويّة وكان آليّة من آليّات الفصل والتّمييز بين الذّكور والإناث، ولذلك ارتبطت مؤسّسة الحجاب الفضائيّ بما سمّيته بالحجاب الثّوبيّ، وهو في القرآن الخمار والجلباب، والحجاب الثّوبيّ آليّة أخرى من آليّات التّمييز ومن آليّات مراقبة جسد المرأة والتّحكّم في مقدار ظهوره، وخاصّة عندما تضطرّ المرأة المحجوبة إلى مغادرة الخدر. مؤسّسة الحجاب وما ترتبط به من آليّات مراقبة كانت تخصّ صنفا واحدا من النّساء أي النّساء الحرائر، ولكن وجد في المجتمعات الإسلاميّة القديمة صنف آخر من النّساء هنّ الإماء اللاتي يمثّلن بضاعة بشريّة  يتمّ تبادلها تجاريّا لا رمزيّا، وهؤلاء النّساء  لم يكنّ معنيّات لا بالحجاب ولا بالخمار ولا بالجلباب ولو عدنا إلى كلّ التّفاسير القديمة للآيات التي ذكر فيها الحجاب لوجدنا أنّها تستثني الإماء من هذه الآليّات، فالخمار كان وسيلة للتّمييز بين الحرائر والإماء، حتّى إنّ الخليفة عمر بن الخطّاب كان يضرب بسوطه الإماء اللاّتي يتشبّهن بالحرائر ويحجبن كامل أجسادهنّ، وذهب الكثير من الفقهاء إلى أنّ عورة المرأة الحرّة تختلف عن عورة الأَمَة، فعورة الأَمَة كعورة الرّجل موضعها ما بين السّرّة والرّكبتين، وقد أباح  الفقهاء تعرية الأَمَة بلْ ولمس أعضائها الجنسيّة لمن يريد شراءها. فالأمة لم تكن معنيّة بحفظ الأنساب وبالشّرف، إلاّ إذا تغيّر وضعها من أَمَة إلى "أمّ ولْد". هذه المعطيات التّاريخيّة، وخاصّة اختصاص النّساء الحرائر بالحجاب دون الإماء هي التي يتمّ تغييبها اليوم من قبل الدّاعين إلى الحجاب، فهم يقدّمونه على أنّه أمر إلهيّ لاتاريخيّ ، غير مرتبط بالنّظام الطّبقيّ والأبويّ القديم، ويقدّمونه على أنّه فرض أتى به الإسلام، والحال أنّه موجود قبل الإسلام كما تبيّن الكثير من الدّراسات، إنّما ألحّ عليه الإسلام النّاشئ لأسباب منها ما يتعلّق بحياة النّبيّ الخاصّة جدّا، وبتقلّبات علاقته بالنّساء.
في العصر الحديث كان لا بدّ من خروج المرأة من خدرها، أي من الحجاب الفضائيّ، ولكن كان لا بدّ أيضا من رفع شعار السّفور أي تعرية الوجه، ولذلك قاومت النّساء العربيّات النّقاب وثارت عليه هدى الشّعراويّ وثريّا الحافظ و نظيرة زين الدّين وغيرهنّ، فقد اعتبرن النّقاب رمزا للحجاب ولعدم إمكان مساهمة المرأة في الحياة العامّة.
ثمّ خرجت المرأة إلى العمل وطلب العلم، وتضاءل دور الأحجبة التّقليديّة، وإذا بالحجاب يعود في شكل آخر "معولم"، في شكل الزّيّ الإسلاميّ الذي يقوم خاصّة على الخمار، وظهر نموذج المرأة العاملة والنّاشطة ولكن المحجّبة في الوقت نفسه...


 


* فهل يتناقض هذا الحجاب الأثوابيّ مع حرّيّة المرأة والمساواة رغم أنّه لا يحول دونها والعمل والحركة؟
- جوابي واضح، وهو أنّ الحجاب مهما تجدّد شكله واستعماله يتناقض مع المساواة والمواطنة والكرامة.  إنّه يذكّر بأنّ المرأة كائن من نوع خاصّ يجب التّحكّم في ظهوره وتحرّكه، يذكّر بأنّها موضوع تبادل بين الرّجال، مباح لمن يمتلكه وممنوع على من لم يمتلكه. ثمّ إنّ الحجاب يفترض اختلافا جوهريّا بين الرّجل والمرأة أساسه هو أنّ الرّجل ناظر والمرأة منظور إليها، فلا شيء أكثر اعتباطيّة من الحكم على المرأة وحدها بأنّها مصدر فتنة، ومن تغييب وجهة نظر المرأة التي تجعل الرّجل أيضا مصدر فتنة، إن أردنا أن نساير هذا المنطق الأخلاقيّ الذي يتّهم الأجساد ويعتبر الرّغبة أمرا فاسدا وخطيرا. والحجاب يتناقض مع المواطنة، لأنّ المواطنة انتماء للدّولة لا للدّين، وهو متناقض مع المواطنة أيضا لأنّ المواطنة مشاركة في الحياة العامّة والحجاب يرتبط بكوكبة من السّلوكيّات الهوسيّة التي تتناقض مع هذه المشاركة، أقصد رفض المصافحة ورفض الاختلاط والخلوة...، وكلّها آليّات رقابة قديمة لم يعد من مبرّر لها. والحجاب يتناقض مع مبادئ المسؤوليّة والكرامة، لأنّه يفترض أنّ الرّجل لا يمكن له التّحكّم في غرائزه والمرأة كذلك، ويفترض أنّ المرأة وسيلة لا غاية، وسيلة لحفظ الشّرف وللإنجاب وليست غاية في حدّ ذاتها.


 


* هذا فيما يخصّ الخمار، فماذا تقولين عن "النقاب"؟
- أمّا النّقاب فإنّه ينبغي في رأيي أن يصنّف ضمن "المعاملات المهينة" والمتنافية مع أبسط حقوق الإنسان، فما معنى أن تكون المرأة بلا وجه، وأن تتحرّك في الفضاء العامّ وكأنّها شبح من عالم الجنّ لا يعرف ولا يُرى ولا يَرى؟  وقد سبق أن اقترحت على النّاشطين في مجال حقوق الإنسان أن يتحدّثوا عن حقّ لم ينتبه إليه محرّرو الإعلان العالميّ، وهو الحقّ في الوجه. ويكفي أن نعود إلى كتاب نظيرة زين الدّين عن "الحجاب والسّفور" لكي نكتشف العنف الذي تعيشه امرأة يكمّم وجهها الذي هو "مجتمع الحواسّ" لدى الإنسان، والمميّز بين إنسان وآخر.
 أمّا خطاب الذين ينادون بالحجاب باسم الحرّيّة الشّخصيّة، فإنّه ينبني على نفاق أساسيّ : إنّهم يستغلّون النّموذج الدّيمقراطيّ الحديث للدّفاع عن قيم قديمة منافية للدّيمقراطيّة، ثمّ إنّ هؤلاء المدافعين عن الحجاب أنفسهم يتفنّنون في تجزئة المبادئ الدّيمقراطيّة، فدعاة الحجاب في فرنسا مثلا  لا يقبلون مبدأ حرّيّة المعتقد ولا يقبلون حقّ الإنسان في الخروج من دين آبائه أو تبديله.
وفي خطاب بعض المثقّفين الفرنسيّين المدافعين عن حقّ النّساء المسلمات في الحجاب أيضا  نزعة ثقافويّة عنصريّة تؤول إلى احتقار المسلمين واعتبارهم غير جديرين بحقوق الإنسان والدّيمقراطيّة : إنّ هذا الخطاب يخوّل للآخرين استعباد آخريهم، يخوّل للرّجال المسلمين الحقّ في خصوصيّة استعباد نسائهم.


 


* هل تدافعين عن استصدار قوانين تمنع الحجاب؟ ألا يتنافى هذا  فعلا مع الحرّيّة الشّخصيّة؟
- قلت إنّني لا أرى معنى لحرّيّة المرأة في اختيار قيدها، كما لا أرى معنى في حقّ الإنسان في بيع جسده مثلا. المرأة التي تبيع جسدها لا حرّيّة لها ولا كرامة، ولا يمكن للمثقّف أن يدافع عن حقّها في هذه العبوديّة، والمرأة المحجّبة امرأة تستبطن القيم العتيقة التي تعتبر المرأة آثمة إلى أن تثبت العكس، وتعتبرها حريما ممنوعا، ولذلك فلا أرى معنى للدّفاع عن هذا الحقّ، حقّ المرأة في هذا الاستثناء التّمييزيّ. 
ثمّ إنّني  لا أعتبر الحجاب لباسا، بل شطبا لجسد المرأة، الدّليل على ذلك أنّ أشكاله وأنواعه تتعدّد ولكنّ المهمّ فيه هو وظيفة التّغطية والمنع التي يؤدّيها. أمّا أن تلبس المرأة الحجاب وتكون مع ذلك مزيّنة وتتفنّن في اختيار الألوان الزّاهية على الطّريقة المصريّة خاصّة فذلك لا يغيّر شيئا، بل هو دليل تناقض وعدم تحمّل لمسؤوليّة الحرّيّة وعدم نهوض بعبء الرّغبة، أي بأن يكون الإنسان راغبا ومرغوبا فيه وأن يتحمّل مسؤوليّة اختيار الشّريك ووضع الحدود لنفسه وللآخرين.
 وفيما يخصّ استصدار القوانين، أقول إنّ ما حقّقته المرأة من مكاسب يجب المحافظة عليه، وقد أثبتت التّجربة أنّنا نحتاج إلى قوانين لحماية الفئات المستضعفة، نحتاج مثلا إلى قوانين تحمي الطّفلات من العنف الذي يسلّطه عليهنّ الآباء عندما يفرضون عليهنّ الحجاب ويمنعونهنّ من حرّيّة الحركة واللّعب ويفرضون عليهنّ قبل الأوان ما لا طاقة لهنّ به. نحتاج إلى قوانين تحمي النّساء من عنف إكراههنّ على الحجاب، كما نحتاج إلى قوانين مدنيّة تحمي الكتّاب والمفكّرين من الاتّهام بالرّدّة مثلا. إلاّ أنّ استصدار القوانين لا يكفي، فلا بدّمن فتح منابر الحوار، ولا بدّ من نشر الثقّافة المدنيّة وثقافة حقوق الإنسان، لمواجهة الإيديولوجية الإسلاميّة والقوميّة، فكلتاهما تعتبر المرأة راية الأمّّة، وتماهي بين جسدها وجسد الأمّة الخياليّ ولذلك تكون المرأة أوّل من يدفع ثمنا للأمجاد الوهميّة والطّوباويّات.


 


* كيف ترينَ الى موضوع "الجندر" أو النوع الاجتماعي من زاوية العلاقة مع حقوق الانسان من جهة، والنضال النسوي من جهة اخرى؟
- البحث في الجندر يندرج ضمن اتّجاه عالميّ هامّ في البحث يعود خاصّة إلى السّبعينات من القرن المنصرم، والجندر  مقولة ثقافيّة وسياسيّة تختلف عن الجنس باعتباره معطى بيولوجيّا، وتعني الأدوار والاختلافات التي تقرّرها وتبنيها المجتمعات لكلّ من الرّجل والمرأة. وهذا التّوجّه في البحث مهمّ لأنّه يمكّننا من تعويض الماهويّة البيولوجيّة بالبنائيّة الثّقافيّة، بحيث يتبيّن لنا أنّ الاختلاف بين الرّجل والمرأة مبنيّ ثقافيا وإيديولوجيّا وليس نتيجة حتميّة بيولوجيّة. فالانطلاق من وجهة نظر البنائيّة الثّقافيّة يمكّننا من مواجهة الخطاب السّلفيّ الذي يريد إيهام النّاس بوجود فوارق "فطريّة" وبيولوجيّة أساسيّة بين النّساء والرّجال. حجّة الطّبيعة والفطرة هي التي يخرجها السّلفيّون والتّقليديّون عامّة لتبرير اللاّمساواة، وهذه الحجّة قديمة ولكنّها متجدّدة، قديما كانوا يقولون إنّ المرأة ناقصة عقلا، واليوم يقولون إنّها مختلفة فطريّا عن الرّجل، أو إنّها سلبيّة والرّجل إيجابيّ ، والنّتيجة هي نفسها، فالمرأة كائن له خصوصيّة، ونحن قوم لنا خصوصيّة، وباسم الخصوصيّة الثّقافيّة نتحفّظ على مبدإ الكونيّة، كونيّة الحقّ الإنسانيّ : هذا ما يقوله العرب للعالم اليوم، من خلال تحفّظاتهم الكثيرة والمخجلة على كلّ الاتّفاقيّات الدّوليّة الرّامية إلى إقرار المساواة. ولكن على المنطلقين من وجهة النّظر هذه أن يستفيدوا من النّقد الذي تمّ توجيهه إلى مفهوم الجندر، وهو على نوعين : نقد ينبّه إلى عدم كفاية مفهوم الجندر كمحدّد للهويّة الاجتماعيّة، فلا بدّ من مراعاة محدّدات أخرى كالطّبقة والعنصر والوضعيّة المدنيّة... ونقد آخر يحذّر ممّا قد يؤول إليه اعتماد الجندر من وقوع جديد في فخّ جوهرة الفوارق بين النّساء والرّجال، وهو ما يعوق إبداع أشكال الحياة والرّغبة، فلكلّ شخص أن يبتدع أشكال أنوثته أو ذكورته أو غير ذلك. وهناك من يرى أنّ مفهوم الجندر لا يتلاءم مع متطلّبات الحركات الجديدة التي تطالب بحقوق الأقلّيّات الجنسيّة والأصناف التي تعتبر نفسها خارج التّصنيف الجندريّ، وخارج الأقدار المسطرة سلفا.


______________________________


(تم الحوار في تونس)


 أعمال د. رجاء بن سلامة:


أصدرت مجموعة من الكتب ونشرت العديد من المقالات والدراسات بالعربيّة والفرنسيّة نذكر منها:
- العشق والكتابة : قراءة في الموروث، كولونيا، منشورات الجمل، 2003.
- صمت البيان، القاهرة، المجلس الأعلى للثّقافة، 1999.
- الموت وطقوسه من خلال صَحيحَيْ البخاريّ ومسلم، تونس، دار الجنوب، 1997.
- الشّعريّة، لتزيفتان تودوروف، ترجمة بالاشتراك مع شكري المبخوت، الدّار البيضاء، دار توبقال، 1987، طبعة ثانية سنة 1990.
-Les Mots du monde : Masculin –féminin : Pour un dialogue entre les cultures, collectif sous la direction de Nadia Tazi, Paris, La  Découverte, 2004.


hikmetelhadj@yahoo.fr


 

مهدي علي الراضي










وفاة الكاتب العراقي مهدي علي الراضي مشنوقا






GMT 12:15:00 2007 الإثنين 19 فبراير


عبدالرحمن الماجدي






عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: توفي في دمشق يوم امس الاحد 18 شباط 2007الكاتب العراقي مهدي علي الراضي عن 56 عاما بطريقة لم تكن متوقعة ابدا ان يموت بها وهي الانتحار. تنقل الراضي بين بغداد ودبي ودمشق ومشيغان ثم دمشق حيث مات فيها بعد رحلة طويلة بين الادب والصحافة التي اكسبته اعداء اكثر من الاصدقاء بسبب التقلبات السياسية او المزاجية لممولي الصحف التي اسسها او عمل فيها. خاض الراضي حروبا كثيرة مع شيوعيين او بعثيين حيث تنقل دون ان ينتمي رسميا بين هذين الحزبين في العراق ودمشق. وكان كثير الثقة بنفسه حد اثارة حنق الاخرين..


قدم من مدينة الثورة ببغداد التي نزح اليها اهله من محافظة العمارة جنوب العراق الى دبي نهاية السبعينيات حيث عمل مع الكاتب جمعة اللامي في الصحافة الاماراتية ثم انتقل لدمشق التي شهدت معظم حياته الادبية والصحافية اذ اسس فيها جريدة صوت الرافدين وترأس تحريرها عام 1983 قبل ان يدب الخلاف بينه وبين جبار الكبيسي مسؤول مكتب شؤون العراق وعضو القيادة القومية لحزب البعث في سورية. وساهم بتاسيس جريدة بغداد المعارضة للنظام العراقي ودار مكتبها في دمشق عام 1992. ثم هاجر الى الولايات المتحدة الاميركية عام 1997 عبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في دمشق فاسس في مدينة مشيغين جريدة الاسبوع باللغتين العربية والانكليزية عام 2001.


لم يكن مهدي مهتما بتكوين شخصيته الادبية بالرغم من كتابته عدد من الروايات والقصص والمسرحيات لكن طغت رواية "حفلة اعدام .. الدعوة عامة " (1988) في دمشق على نتاجه الادبي الذي توج بفوز روايته (العراقي المهجور) عام 2001 بجائزة دار (Bood Locker) للأعمال الروائية عبر الانترنيت في اميركا.


لمهدي علي الراضي مواقف انسانية، وان غلبت عليها مشاكساته، متاتية من تربيته الجنوبية؛ اذ يذكر عدد من العراقيين المقيمين في دمشق خاصة في الثمانينيات قصة زواج مهدي علي الراضي وفي ليلة زفافه في بيت بالاجرة صغير باحدى حارات دمشق طرق اخر الليل بابه الشاعر ادم حاتم الذي يبدو لم يعلم بعد ان مهدي تزوج هذه الليلة طالبا منه مأوى له فقد ضاقت حارات دمشق عليه وما كان من مهدي الا ان يرحب بصديقه وابن مدينته ليبات ليلته ويفوت على مهدي فرحه بليلة زواجه.


اكثر المقربين من مهدي علي الراضي كانوا يتوقعون ان تكون نهايته بتشمع الكبد الذي كان يطل من نوافذ عينيه بازار اصفر. ولم يكن احد يتوقع لمهدي ميتة المنتحرين التي ربما تبعث اكثر من تساؤل وشك حول اسبابها.
لكن لو قرانا جوابه على سؤال لجريدة الصباح البغدادية عن سبب عدم عودته للعراق الان ربما يبعد بعض هذا التساؤل " اذا عادوا ماذا يفعلون، اعطني مبررا واحدا للعودة، فها انا امامك وبعد كل الانجازات الابداعية كانت ام الاعلامية او النضالية ذلك لاني لم يفتني مؤتمر واحد من مؤتمرات المعارضة العراقية، الا وكنت في قلب حدثه الاعلامي متابعا ومنفذا منذ بداية الثمانينيات وحتى سقوط النظام، الكل يعرفني من رئيس الجمهورية الى السيد مسعود البارزاني كما يعرفني جيدا الدكتور اياد علاوي باعتباري كنت الحاضنة لجريدة بغداد من عددها الاول وكذلك كنت المبادر بنشر برنامج الوفاق الوطني العراقي الذي تسلمت نسخة منه من الاستاذ شكري صالح زكي يعرفني الاسلاميون والدكتور الجلبي واعضاء المؤتمر الوطني العراقي ومع هذا فأنا ومنذ ثلاثة اشهر، اطرق الابواب ولا من مجيب حتى ان الذي يفترض انه اقرب الناس اليّ، فضل الموجود على الوجود وان الذين خرجوا من الباب دخلوا من النافذة، لذا فنحن بينهم غرباء وكأننا حيتان نريد ابتلاعهم، لأنهم لم يعرفوا بان الذي نحمله هو فقط الحب لهذا الوطن، الحب في ان تسهم بالبناء لا بالانتقام كما يخيل لبعضهم ذلك لاننا لسنا ضدهم انما ضد نظام دموي فكيف تريد او تطالب بعودة المغتربين  والدولة وكذلك الاحزاب ليس لديها بالاساس اي برنامج لاحتوائهم، لا بل الافادة من كفاءاتهم، لذا ترى المثقف ما ان يحط الرحال في البلد، حتى يسارع بالعودة الى المنفى مفضلا الغربة على الوطن الذي لم يحترم لا ابداعه ولا نضاله".


ترى هل كان يأسه من فتح اي باب طرقه بعد فتحه ابوابه لكثرين سببا في انتحاره وتدوينه ورقه يحـّمل فيها نفسه مسؤولية موته في منزله بريف دمشق في جديدة عرطوس؟


كان مهدي علي الراضي عضو اتحاد كتاب العرب وعضو اتحاد الصحفيين العرب.


مؤلفاته:
حلم يوم ما .. 1978 بغداد
مدن الشمع ..1980 منشورات وزارة الثقافة العراقية بغداد
بيان الحب والعذاب دار الجليل 1982
الجنرال والعندليب - مسرحية نشرت في مجلة الكفاح العربي . بيروت 1983
حكايات للمدى - عشر طبعات - منشورات دار الجماهيرية الليبية - 1984
حفلة اعدام ..الدعوة عامة .. دمشق 1988
سيدي الكلب .. ليبيا 1992
مسرحية الولد المدلل بالاشتراك مع عبد الرزاق جعفر.
رواية  العراقي المهجور 2001 مشيغن

قبل اعلان جوائز الاوسكار










مرشحو أوسكار أفضل موسيقى تصويرية






GMT 22:00:00 2007 الثلائاء 20 فبراير


عبدالقادر الجنابي






تنبيه: يمكنك سماع مختارات من الموسيقى المرشحة وذلك بالنقر على العناوين اللاتينية المحصورة بين قوسين ومكتوبة باللون الأخضر في سير الموسيقيين.


عبدالقادر الجنابي من باريس: إن الأفلام الخمسة التي تم ترشيح موسيقاها لأوسكار أفضل موسيقى تصويرية هي: "بابل"، "متاهة ﭙان"، "الملكة"، "ملاحظات حول فضيحة"  







مصطلحات
score
قطعة موسيقية مدوّنه يكتبها لفيلم ما موسيقي تم الاتفاق بينه والمخرج. وهي تمثل الخلفية، أو أحيانا الأرضية، الإيقاعية للمشهد لتصعيد توتره الدرامي.


soundtrack
شريط صوتي يطلق منذ خمسينات القرن الماضي على كل اسطوانة فيها قطع موسيقية أو أغان تم استعمالها في فيلم ما.


Minimalism


الأدنــَويّـة أي استخدام الحد الأدنى من الآلات والتقليل من الإيقاعات في قطعة موسيقية مدونة. وخير من يمثل هذا التيار في الموسيقى السينمائية فيليب غلاس.. ولا يستخدم الموسيقى إلا في حالات جد قليلة وبإيقاعات قليلة وحد أدنى من الآلات، على عكس ما يعمله بعض الموسيقيين من حشو كل مشهد بالموسيقى واستخدام اوركسترا كبيرة.


اقرأ ايضا: تاريخ جائزة الأوسكار


و"الألماني الجيد". والموسيقيون هم تباعا الأرجنتيني غوستافو سانتاولالا، الأسباني خافيير نفاريت، الفرنسي ألكسندر ديبلا والأميركيان فيليب غلاس وتوماس نيومان. ويبدو من عناوين الأفلام أن الاختيار لأفضل موسيقى تم اعتبارا من شهرة الفيلم أكثر من فرادة الموسيقى وجماليتها باستثناء "الألماني الجيد" تم ترشيحه فقط لأفضل موسيقى تصويرية. في الحقيقة، إن الاختيار لم يعد محصورا بأعضاء قسم الموسيقى، كما كان في خمسينات القرن الماضي، وإنما يحق لكل أعضاء الأقسام الأخرى داخل أكاديمية فنون السينما التدخل والاختيار. قد يسأل أحد لماذا لم يتم ترشيح الموسيقى الرائعة والمذهلة التي وضعها الموسيقار الكبير جون وليمز لـ"مذكرات فتاة الغيشا"، فإننا نجيبه بأن هذا الفيلم ليس من انتاج عام 2006.


 ويخمن عدد من النقاد أنه من المحتمل أن يفوز الارجنتيني غوستافو سانتاولالا بأوسكار أفضل موسيقى لأن الفيلم مرشح لعدة جوائز ناهيك بأنه يتجاوب وأحداث العالم الجيوسياسية كما أن الأسطوانة أصبحت أكثر مبيعا لأنها ضمت، إلى جانب القطع التي كتبها سانتاولالا، موسيقى إثنية متنوعة ومطلوبة جماهيريا. وإذا جاءت فعلا النتيجة هكذا، سيغضب معظم النقاد وعدد كبير من هواة الموسيقى السينمائية، فأنهم لايرون أي أصالة في عمل سانتاولالا ليأخذ جائزة اوسكار ثانية، خصوصا أن الأكاديمية خيبت آمالهم العام الماضي عندما منحته أوسكار افضل موسيقى تصويرية على موسيقاه الباردة المتلخصة بتقاسيم على الغيتار لفيلم "بروك باك ماونتن". 


الموسيقيون الخمسة وموسيقاهم المرشحة لنيل الأوسكار:
1- غوستافو سانتاولالا (مولود في بوينس ايريس 1952) موسيقار أرجنتيني الأصل، استقر اعتبارا من ثمانينات القرن الماضي في الولايات المتحدة فلعب دورا كبيرا في رواج الموسيقى اللاتينية وأصبح مرجعا كبيرا في الإيقاعات الموسيقية اللاتينية. وضع موسيقى عدة أفلام منها "21 غرام"  و"بروك باك ماونتن" الذي نال جائزة اوسكار أفضل موسيقى تصويرية لعام 2005.


فيلم "بابل" (مرشح لسبع جوائز) يتناول ثلاث قصص تتباعد أحداثها وتتلاقى في ثلاثة أماكن جغرافية متباعدة: الصحراء المغربية، الحدود الأميركية – المكسيكية وطوكيو... ولسد العجز اللغوي في التواصل الإنساني الذي يسرده الفيلم، ليس هناك حل سوى استخدام موسيقى اثنية متضاربة ومتنوعة، كرابط  لهذا التباعد والانفصال بين صلب القصص الثلاث. وقد برع الموسيقار غوستافو سانتاولالا، مع مشرفين على معرفة الموسيقى المغربية التقليدية واليابانية، باختيار ما يلزم من أغان اثنية (B7) ومغنين وآلات مختلفة وان يكتب هو قطعا موسيقية خاصة للفيلم تلعب دور الرابط أكثر مما اعتادته الموسيقى التصويرية كخلفية لتقوية المشهد. فالغيتار الذي كان يجيده سانتاولالا واستخدمه في موسيقى "بروك باك ماونتن"، تركه جانبا وراح يتعلم العزف على عود عربي ليخلق عبره جوا شرق أوسطي حقيقيا، وأكثر حميمية من غيتار "بروك باك ماونتن". وقد أعطى هذا الخليط المركب من الإيقاعات المتنوعة والمتباعدة، الفيلمَ حيوية وواقعية، بل حتى جعل من الاسطوانة رائجة وأكثر مبيعا. مما يرى بعض النقاد أن هذا الرواج والشهرة للأسطوانة التي صدرت في قرصين مدمجين CDs، قد يؤثران في قرار جائزة الأوسكار على حساب موسيقى الأفلام الأخرى المرشحة للجائزة. ( Bibo No Aozora)


2- خافيير نفاريت (مولود في برشلونة 1956) موسيقار اسباني الأصل ينتمي إلى تيار الموسيقى اللاالكترونية وموسيقى الأدنَوية  minimaliste (استخدام الحد الأدنى من الآلات والتقليل من الإيقاعات). سبق له أن عمل مع مخرج "متاهة ﭙان"* المكسيكي غويلرمو ديل تورو، وذلك في فيلمه السابق المشهور "عمود الشيطان الفقري" (2001). يقول ديل تورو عن فيلمه "متاهة ﭙان" (مرشح لست جوائز) بأن قصة فيلمه من نوع قصص وقت النوم، لذا تحتاج إلى تهْويدة (أغنية لتنويم الأطفال) تنطلق بالفيلم من البدء إلى النهاية. والفيلم يروي مغامرات فتاة صغيرة اسمها اوفيليا وسط صراع مسلح بين جنود اسبان وميليشيا متمردة. وهنا تأتي براعة الموسيقار خافيير نفاريت فالقطعة الأولى من الموسيقى التي وضعها (Long, Long Time Ago  ) تبدأ بتهويمة إيقاعية يسندها وقع وتري ثابت ونقرات على البيانو، وتتصاعد حزنا ينتهي بكورس يوحي بالجانب المعتم من الفيلم. والتهويمة هذه ستسيطر طوال الفيلم، خصوصا إيقاعات البيانو ليذكر المشاهدين بطفولية موضوع الفيلم. يبدع نفاريت في مقاربته الموسيقية للمشاهد حد ابتكار أسلوب جديد وهو التصعيد الموسيقي حد الذروة وفجأة يُحدث وقفات درامية لكي يعود من ذروة الإيقاع إلى بدايته. الكورس حاضر على نحو حلمي حزين. ورغم أن هناك تأثيرات واضحة لموسيقيين كداني ايلفمان وهوارد شور، يستطيع المتخصص تشخيصها، إلا أن النسيج الموسيقي وخصوصا الإيقاعي يبقى خاصا بأسلوب نفاريت (Guerrilleros) ... وهنا قد يلاحظ البعض أن تكرارا مملا يحصل عند سماع الاسطوانة... وبالفعل فأن الاسطوانة ضمت حتى القطع التي لم تُستعمل في الفيلم، لكن للأسف لم تُعلَم باشارة حتى يستطيع السامع تمييزها.


3- يعتبر الكسندر ديبلا (مولود في باريس 1961) واحدا من الموسيقيين الفرنسيين الجدد الذين ظهروا أوائل تسعينات القرن الماضي، وبعد ان ألف موسيقى لعشرات الأفلام الفرنسية، أصبح، في الآونة الأخيرة، معروفا عالميا بعد أن وضع موسيقى عدة أفلام هوليوودية وآخرها فيلم مأخوذ من رواية لسومرست موم: "الخمار المصبوغ".. والفيلم يروي قصة حب تدور في عشرينات القرن الماضي في شنغهاي. وقد امتاز ديبلا بقدرة فائقة على التكييف مع مختلف الإيقاعات الحديثة، الفولكلورية، الكلاسيكية والخفيفة.


في فيلم "الملكة" (مرشح لست جوائز) يضع موسيقى ذات طابع كلاسيكي بحت (The Queen ) ومن خلال ضرب نغمات الوتر على التوالي، وإيقاعات الآلات النحاسية للفرق العسكرية، وفجأة يسود نغم كئيب اوركسترالي على القيثار، كلما كان المشهد يتعلق بالملكة، ليخلق انطباعا لدى المشاهد مفاده أن هذه الملكة متأخرة عن زمنها وغارقة في جو ارستقراطي ملوكي لم يعد يلائم العصر الحديث( Queen of Hearts )، بينما عندما يتعلق المشهد بحياة الأميرة ديانا يستخدم آلات الكترونية وإيقاعات اكثر انفتاحا لكي يبيّن أن ديانا استطاعت أن تخرج العائلة الملكية من عزلتها وردم الهوة بين هذه العائلة وبريطانيا الحديثة.


وإذا تم القرار اعطاء الأوسكار إلى ديبلا، فبالتأكيد سيكون القرار قد أخذ في الاعتبار الموسيقى التي وضعها ديبلا لفيلم "الخمار المصبوغ" حيث تتضح قدراته على التلاعب بالآلات بشكل فذ وتنويعات تتراوح بين كمان جهير الكتروني منفرد وآلات نقر موسيقية مسيطر عليها بطرق جديدة. وساخر بايقاعاته الحزينة وفي الوقت ذاته مشرقة اشراقة الحجاب الخادع الذي تتقفاه بلغة سينمائية جديدة كاميرا المخرج الأميركي جون كوران. وكم كان فتحا تاريخيا جميلا في جعل موسيقار واحد مرشحا في عملين.. لكن يبدو أن اكاديمية فنون السينما اختارت "الملكة" لأن "الخمار المصبوغ" قد حصل على جائزة غولدين غلوب لأفضل موسيقى تصويرية لعام 2006.


4- فيليب غلاس (مولود في بالتيمور / ماري لاند 1937) موسيقار أميركي معروف بريادته للموسيقى الأدنوية المعاصرة. إضافة إلى أعماله الكلاسيكية (كونسرت، سنفونيات، اوبرات مقتبسة من اعمال شعرية وأدبية)، فقد كتب موسيقى عدة أفلام وهذه هي المرة الثالثة يتم ترشيحه للأوسكار، ولم يفز سابقا بالجائزة. الموسيقى التي وضعها فيليب غلاس لفيلم "ملاحظات حول فضيحة" (مرشح لأربع جوائز) تعتبر، في نظر عدد من النقاد، من أفضل ما وضع من موسيقى تصويرية. (First Day of School ) فالخروج كخافيير نفاريت، من الأسلوب الأدنوي الرتيب، إلى التنويع الأوركسترالي والكم الهائل من الميلوديا، متجنبا رتابة الأسلوب الأدنوي طوال الفيلم مستخدما إياه للحظات فقط، قد يأتي ثماره بجائزة الأوسكار لفيليب غلاس، وتجدر الإشارة هنا إلى أن غلاس كان مرشحا مرتين في السابق لجائزة الأوسكار لكن لم يفز بها. إن "ملاحظات..." عمل يعيد توزيع الإيقاعات الأدنوية على نحو يوظف فيه تقنيات الكونسرت لخدمة الشاشة توظيفا خلاقا حيث الفراغات المشهدية التي يفترض بالموسيقار أن يملأها دون أي إخلال بسيولة المشهد (Good Girl)، جاءت مليئة بالإيحاء، وبدينامية التدرج الإيقاعي دون تعقيدات بل في منتهى البساطة المريحة للسامع والمشاهد في آن.  ووفق أحد النقاد، انه يجب إسداء تحية إلى أكاديمية فنون السينما لترشيح فيلم "ملاحظات حول فضيحة" لأفضل موسيقى تصويرية.


5- أما توماس نيومان (مولود في نيويورك 1955) فسيرته جزء لا يتجزأ من تاريخ الموسيقى التصويرية، فهو الابن الأصغر لألفريد نيومان؛ أحد المؤسسين الكبار للموسيقى السينمائية في عصرها الهوليودي. لقد ترعرع توماس نيومان في بيئة موسيقية وسط إخوان، أعمام وأقرباء كلهم يعملون في مجال الموسيقى التصويرية. منذ ثمانينات القرن الماضي، واسمه مسجل في قمة الأفلام المشهورة كصاحب أسلوب موسيقي مجدد: "اللاعب" أشهر أفلام روبرت التمان، أو "الجمال الأميركي"، أو "خلاص شوهنشاك". والموسيقى التي وضعها لفيلم "الألماني الجيد" (مرشح فقط لجائزة افضل موسيقى) تلعب دورا سينمائيا يشد أوتار التواصل بين المشاهد وجوّانيّة المشهد المعروض أمامه: العاطفة الموسيقية الجهورية، الإيقاع المفاجئ، الحضور الأوركسترالي للموسيقى.... باختصار أن توماس نيومان في عمله هذا يختلف كليا عن بقية المرشحين. فهنا الأمر الموسيقي (Unrecht Oder Recht (Main Title) ) لا يريد أن يخضع لمطاليب الإيقاع الإثني كما عند سانتاولالا، أو تضبيط حركات الكونسرت وفق شروط الصورة المرئية كما عند فيليب غلاس، ولا حتى الاعتماد على الطابع الحلمي للإيقاع الأوركسترالي كما عند نفاريت، أو الاستخدام الأقصى لأرشيف الموسيقى الكلاسيكية كما عند الكسندر ديبلا... كلا. الموسيقى هنا تريد فعلا التذكير بالموسيقى التي كانت تلعب دور المحفز الجهوري لمشاهدي أفلام الماضي وشدهم، كما في الرواية البوليسية، إلى عقدة الفيلم ومساره الغامض ( Safe House): موسيقاه تكاد تكون عودة إلى مستودع الإيقاعات الماضية؛ إلى الإيقاع الهوليودي والبناء المحكم حيث الموسيقى تصعّد عاطفية الحدث السينمائي.. لكن بأسلوب معاصر ومتخلص من كل رتابة ومسموع سلفا...


يا ترى من سيفوز بأوسكار أفضل موسيقى تصويرية؟


جميع الموسيقيين الذين تم ترشيحهم بذلوا جهدا كبيرا في عملهم من أجل خلق تقاطب إيقاعي بين الأذن والعين... مما يصعب تخمين من سيفوز بجائزة الأوسكار. لكن في حال أن




عندما كانت بغداد سينما للجميع
تقرر اللجنة عدم إعطاء الجائزة إلى غوستافو سانتاولالا تفاديا للتكرار، فإنني أعتقد أن خافيير نفاريت هو الذي يستحق فعلا جائزة الأوسكار لمقاربته الموسيقية الجديدة التي استطاعت أن تجمع خيوط الأوركسترا بنسيج الأدنوية تحت خيمة السرد الكلاسيكي الحلمي المعهود في السينما الهوليودية... أما إذا اعطيت إلى توماس نيومان، المرشح للمرة الثامنة للأوسكار، فستكون ليس فقط تقديرا لقدرته على شق طريق جديد إلى الماضي دون الوقوع في التقليد، ولكن على الأقل كتتويج لمجمل أعماله التي أنجزها خلال ربع قرن.


 


هامش:


* ﭙان Pan في الميثولوجيا الإغريقية (وفون Faun في الأساطير الرومانية وهذا الاسم هو المذكر في العنوان الاسياني)، إله الرعاة والصيادين. كان دائم التجوّل وسط الحقول والغابات يلهو ويرقص مع الحوريات ويلعب على القيثارة والمزمار الذي اخترعه. وكان يبث الذعر في اي مكان يوجد فيه. وكان يُظنّ أنه ينام  في وسط النهار، لذا كانت هذه الفترة فترة هدوء وسكون عند الرعاة لئلا يقلق ذلك الاله العظيم. وكان الاغريق يصوّرونه في هيئة إنسان ذي قرنين قصيرين، كثّ اللحية، له جسم إنسان وذراعاه، بينما كانت سيقانه سيقان ماعز، يمسك في يده القيثارة وفي الأخرى خطاف الراعي والأناناس.

Zohra Lajnef





Zohra Lajnef (Tunisie)

Zohra Lajnef (Tunisie)

Vendredi 26 janvier, 20.00, Molière, Galerie Porte de Namur, 3 Square du Bastion, 1050 Bruxelles (Ixelles)

L'’enfance de Zohra Lajnef fut bercée par le chant de la terre, au milieu des montagnes, des ubacs et des adrets. Un monde à part nommé Esswinia, dans les profondeurs et les hauteurs de Gafsa. Cette artiste a grandit sous le regard attentif de sa mère, femme vivant dans la fierté légendaire des Gafsiennes et ayant toute l’autorité d’un maître de chant. Sa voix résume à elle seule le patrimoine de la région de Gafsa… La musique s’est donc présentée à Zohra comme une magie émanant de toute part. Devenue lycéenne, elle s’éloigne de ses origines, apprend le luth et s’imprègne de la musique classique tunisienne et orientale. Elle se forgera de la sorte son identité musicale en s’abandonnant au violon et en succédant les collaborations. Lors de la réalisation d’une bande originale, Zohra renoua avec ses véritables origines. Enfin prête à profiter de ses précieux héritages, elle s’ouvre à la rencontre et interprète de son timbre profond les plus beaux classiques arabes. Elle offre désormais un répertoire varié où les genres et les styles se mêlent avec beauté et enthousiasme.

Zohra Lajnef (chant), Hassin Ben Miloud (flûte, gasba), Ayoub Elajnef (percussions), Moufadhel Adhoum (ud)




powered by performancing firefox