١٨‏/٣‏/٢٠٠٦

احذرهم الطوفان

في الأمسية السياسية التي نظمتها غرفة (البرلمان العراقي) على البالتوك:
نـــــــــــــــــــــــزار حيدر:
أحذرهم الطوفان
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
   حذر نـــــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، قادة الكتل السياسية، من مغبة انقلاب الشارع العراقي عليهم، اذا ما استمروا بالتعامل مع العملية السياسية بالطريقة الحالية التي تسببت في توقفها، على حساب المعاناة اليومية لملايين العراقيين.
   وأضاف نـــــــــــــــــــزار حيدر الذي كان يتحدث في الامسية السياسية التي نظمتها غرفة (البرلمان العراقي) على البالتوك، والتي شارك فيها عدد غفير من المثقفين العراقيين، من الرجال والنساء، ومن مختلف مناطق العالم، بما فيها من داخل العراق؛
   قد يبدو الشارع العراقي اليوم هادئا ومنضبطا، الا أنه قد ينفجر طوفانا هادرا يجرف كل هؤلاء الزعماء، اذا ما استمروا يتعاملون بلاأبالية غريبة مع العملية السياسية، وكأن الظرف الذي يمر به العراق وشعبه عاديا، لا يحتاج الى قرارات استثنائية عاجلة، تنتشل المواطن العراقي من محنته الحالية وهو يقتل يوميا بالارهاب، ولا يجد قوت يومه بعد أن فقد أبسط وسائل الحياة الحرة الكريمة، من الماء والكهرباء والوقود وغير ذلك.
   وأضاف حيدر يقول؛
   لو يوفر القادة ضحكاتهم وابتساماتهم وعناقهم الحار وولائمهم الدسمة الى اشعار آخر، ويتحدثوا الى الناخب العراقي بصراحة وشفافية وصدق وأمانة، ليعرف المواطن حقيقة العقد التي تمر بها مفاوضات الفرقاء، أما أن يستمروا في توزيع الضحكات من على شاشة الفضائيات(مجتمعين) ليظهروا علينا بعدها مباشرة (متفرقين) ويتقاذفوا التهم المتبادلة، فهذا عين الاستبداد والضحك على الذقون {وما يضحكون الا على أنفسهم} أما العراقيون، فانهم فتحوا عيونهم (باللبن) كما يقول المثل، فهم يقرؤون الممحي ويعرفون أسرار ما وراء الكواليس ربما حتى أكثر من الزعماء أنفسهم.
   لقد مل العراقيون، أضاف نـــــــــــــــــــزار حيدر، الكلام المعسول والمكرر الذي يدلي به الزعماء، خاصة عندما يتحدثون بطريقة توحي وكأن المسؤول عما يجري هو غيرهم، وليس هم المسؤولون المباشرون ، فيكررون كلمات من قبيل {حان الوقت} من دون أن يتوصلوا الى اتفاق محدد، وكأن المعني بالوقت الذي يمر بسرعة من دون نتيجة ملموسة، هي جزر الواقواق أو المارديف أو حتى القمر.
   وأهاب نـــــــــــــــــــــزار حيدر بزعماء الكتل السياسية، الى التحلي بالشجاعة والمروءة، ليصارحوا العراقيين بمشاكلهم العويصة التي لا يحق لهم التهوين منها، لأنها، بالفعل، عويصة ومعقدة، فاما أن يتمكنوا من حلها بأسرع وقت، أو أن يخرجوا الى الشعب العراقي{مجتمعين} ويصارحونه بالحقيقة فيتنازلوا عن المسؤولية، ويتركونها لمن هو أجدر منهم بها، والا فلينتظروا الطوفان الشعبي الهادر الذي سيكنس من يقف بطريقه، ليأخذ الشعب المبادرة بيده، بعد أن يكون قد تأكد بأن من منحه الثقه وصوت لصالحه في الانتخابات العامة الماضية، ليس أهل للثقة، وغير جدير بالمسؤولية، وأنه غير مؤتمن على الأمانة، لأنه ليس قوي ولا أمين.
   وعتب نـــــــــــــــــــزار حيدر على أكبر كتلتين في مجلس النواب الجديد، وهما الائتلاف والتحالف، اللذين كان يفترض بهما أن يظلا متماسكين حتى لا تفلت المبادرة من بين أصابعهم، لحساب من لا زال يجامل الارهابيين ويرفض فك ارتباطه بالعهد الديكتاتوري السابق، ولا يؤمن بالعملية السياسية، ممن أثبت بالقول والفعل، أنه طائفي حاقد، هدفه من المشاركة في العملية السياسية هو تخريبها وتدميرها.
   وسخر نــــــــــــــــــزار حيدر من فكرة تشكيل ما يطلق عليه البعض {حكومة الوحدة الوطنية} متسائلا عن أية وحدة وطنية يتحدث أصحاب هذه النظرية وهم يرون بأم أعينهم، أن هناك اليوم جلادا وضحية، ذئبا وشاة، قاتلا ومقتولا، داعيا الجميع الى فهم واستيعاب معاني المصطلحات قبل النطق بها، حتى لا تتحول المصطلحات الى نكتة يتندر بها العراقيون.
   وأضاف نـــــــــــــــــــزار حيدر بالقول؛
   المشكلة، برأيي، تكمن في عقلية المتصدين اليوم للعملية السياسية، اذ لا زال أغلبهم يتعامل بعقلية (المعارضة) وليس بعقلية (رجل الدولة) ولذلك تراهم لا يجيدون الحوار تحت أشعة الشمس، فيلوذون بالظلام دائما لفرض شروطهم في أي حوار سياسي، انهم كالخفافيش التي تخشى ضوء النهار، فتلوذ بعتمة الليل البهيم، عندما ترقد كل الكائنات الحية وتخلد الى النوم، انهم لا يجيدون العمل الا تحت جنح الظلام، ولا يحسنون الا تدبير الامور في الليل فقط، ولذلك ينبغي فضحهم والكشف عن خططهم المدمرة التي ان اصروا عليها، فانها ستحرق الاخضر واليابس، كما يقولون.
   عن سبب استمرار العنف والارهاب، بالرغم من التحاق العديد ممن كان يدعي أنه يمثل الجماعات المسلحة بالعملية السياسية، قال نــــــــــــــــــــــــزار حيدر؛
   أعتقد أن الأمر لا يتعدى أحد ثلاثة أمور؛
   فاما أن يكون هؤلاء المدعين قد كذبوا على العراقيين، فلم يكن لهم أي تأثير ايجابي على الارهابيين، عندما قالوا بأنهم سيقنعونهم بايقاف العنف والقتل اذا ما شاركوا في العملية السياسية، واما أنهم لا زالوا يوظفون العنف والارهاب والقتل والتدمير لابتزاز الآخرين وفرض أجنداتهم السياسية، أو أنهم لم يكونوا يؤثرون على مجموعات العنف والارهاب وانما العكس هو الصحيح، أي انهم كانوا (ولا زالوا) مطية للمجموعات المسلحة التي تسعى لتخريب العملية السياسية، وهذا ما أميل اليه وكنت قد كتبت فيه من قبل، ولذلك أرى أن من الواجب طرد كل عنصر من هؤلاء وابعاده عن العملية السياسية، ما لم؛
   أولا؛ يدين، وبصراحة، النظام البائد وجرائمه وسياساته الشوفينية التي انتهت بالعراق الى ما هو عليه الآن.
   ثانيا؛ يدين العنف والارهاب بكل أشكاله، ثم يثبت للعراقيين أنه فك بالفعل كل ارتباطاته بالارهابيين وقطع حبال الوصل والمودة معهم ومع أزلام وأيتام النظام البائد والعناصر التكفيرية التي تحالفت معهم على تدمير العراق.
   ثالثا؛ الاعتراف بشكل علني وواضح وصريح بالعملية السياسية، واحترامه لأدوات الديمقراطية، وعلى رأسها صندوق الاقتراع، فلا يظل يكرر المقولات المشروخة، تحت مسميات (التوافق) و(الوحدة الوطنية) (والمحاصصة) وما الى ذلك.
   عن الحل المقترح للخروج من هذه الازمة السياسية العاصفة، والتي باتت تهدد العراق بمخاطر جمة، قال نــــــــــــــــــــــزار حيدر؛
برأيي، فان الحل لا يوجد الا تحت قبة البرلمان، وان كل من يخشى الذهاب اليه ويصر على الحوار السياسي خارج قبته وفي الغرف المظلمة، فانما يسعى، بطريقة أو بأخرى، الى تدمير العملية السياسية، محاولا ابتزاز الاخرين للحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات الشخصية والحزبية والفئوية، من دون أن يكون للمصلحة الوطنية العليا أي معنى ومكانا في حساباته الخاصة.
   وتساءل نـــــــــــــــزار حيدر عن سبب امتناع البعض من الذهاب الى البرلمان والاحتكام الى الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي بأغلبية كبيرة جدا، لو كان سلاحه المنطق والدستور؟ لماذا يتحاورون في كل الملفات بعيدا عن قبة البرلمان؟ لماذا يريدون عقد الصفقات خارج قبة البرلمان؟ ما فائدة البرلمان اذن؟.
   وأقول بصراحة، أضاف نــــــــــــــــــزار حيدر، أن الازمة ستتفاقم وتتدهور الى الأسوء لا زال الحديث خارج قبة البرلمان، ولذلك لم نلمس جدية في كل الحوارات، ولم نسمعهم يتحدثون بصدق وأمانة، لأن أي حديث في البيوت والمكاتب الحزبية يظل حديثا غير رسميا، يمكن أن يغير أي واحد منهم أقواله وآراءه متى ما شاء وكيف شاء، وتلك هي الطامة الكبرى، ولذلك، مثلا، نراهم يتحدثون عن ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية منذ أربعة أشهر أو أكثر، من دون الاتفاق على المعنى والمفهوم، لأنهم يغيرون ما يدور في خلدهم وأذهانهم كل يوم وكل ساعة، خاصة اذا تذكرنا بأن أغلب الحوارات تجري في الليل وقديما قيل {كلام الليل يمحوه النهار} واذا بنا في كل يوم، أمام البدء من نقطة الصفر، لنفس الحوارات المتكررة على طريقة (حوار الطرشان).
   أما الحوار تحت قبة البرلمان، أضاف نـــــــــــــــــزار حيدر، فانه يتمتع بصفته الرسمية وأمام مرآى ومسمع الجميع، ولذلك لا يسعى المتحاورون في هذه الحالة، الى اللف والدوران والكذب والغش والتسويف والمماطلة، خاصة اذا تذكرنا بأن الجميع، تحت قبة البرلمان، محكومون بسقوف زمنية محددة تضغط عليهم باتجاه الاسراع في التوصل الى الاتفاقات المطلوبة، وهذا ما يدفع بالجميع الى تقديم بعض التنازلات الضرورية من أجل ذلك، على العكس من الحوارات في البيوت والمكاتب التي ليس لها أي سقف زمني، فهي مفتوحة الى ماشاء الله تعالى، ولذلك لا يفكر أي أحد من الفرقاء بتقديم أي تنازل ضروري، على أمل ان يقدم الاخرون مثل ذلك، وهكذا دواليك.
   وأضاف نــــــــــــــــــــزار حيدر بالقول؛
   ان عدم الذهاب الى البرلمان بصورة جدية، وليس بالصورة الهزلية التي رآها العراقيون يوم أمس، والتي تشبه الى حد بعيد بعض فصول المسرحيات الهزلية، يعد التفافا على ارادة العراقيين واستخفافا بخياراتهم، وترك الدستور وراء ظهورهم، وهذا ما لا ينبغي على العراقيين السكوت عنه بأي شكل من الاشكال، لأنه سيدمر العملية السياسية على المستوى البعيد.
   وفي نهاية الأمسية السياسية، تمنى نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر على العراقيين، وخاصة أصحاب القلم والبيان، أن يتحملوا مسؤولياتهم بكل جرأة وشجاعة، من خلال وضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار أو انتماء آخر، من أجل صناعة رأي عام ضاغط على الزعماء في بغداد، للمساهمة في انتشال العراق من محنته الحالية، قبل أن تتدهور الامور الى الأسوء، وعندها، فسيعظ الجميع على أصابعهم ندما، بما فرطوا في الأيام الماضية.
   16 آذار 2006  

قصة قصيرة من أو. هنري

Alquds Newspaper

بقلوب ٌوأيد
قصــة الكـاتـب الأمريكي : أو. هـنـري
ترجمة: تـامـي الـشـيـخ عـلـي
في دنـفـر كانت ثـمـّـة َ حـُشـود ٌ من الرّكـّاب ِ تـتـدفـّـقُ إلي عربات القطار السريع بي آند إم المتوجـِّـهِ شرقاً. في إحدي العربات كانت ثـمـّـة َ امرأة ٌ شـابـّـة ٌ فائـقـة ُ الجـمـال تـجـلسُ وقد نـمـَّتْ ثيابـُهـا عن ذوق ٍ رفيع ٍ مـُحـاطـة ً بكل أسباب الراحة والرفاهية التي يتمـيـّزُ بـهـا مـسـافـر ٌ مـتـمـرّس. بين الوافدين الجـُّـدُد ِ كان ثمـَّـة َ رجلان شـابّـان أحـدُهـُمـا بـَهـِـيُّ الـطـّـلـَّـة ِ وذو ملامح جريئة ٍ وصريحـة ٍ وأنـيـقُ اللباس ِ، فيما كان الآخـَرُ شخصاً مـُكـَـدَّراً كالح َ الوجه مـفطوراً علي الـجـِدّيـّـة ِ ومـضـطـربَ اللباس. وكان كلّ ٌ منـهـمـا مـُقـَـيـَّـداً إلي الآخـَر.
حين طـفـقـا يـعـبـران مـمـشـي العربة كان المـقـعـدَ الـشـاغـرَ الوحيدَ الـمـتـبـقـّـي هـو الـمـقـعـد ُ الـمـعـكوسُ المواجـهُ للـشـابـّـة الـجـذّابـة، فجلس الاثنان اللذان رُبـِطَ كلٌّ منهما بالآخَـر عليه.
وقعـت نظرة ٌ من المرأة الشابّـة عليهما بلا مبالاة ٍ رشيقة ٍ ونائية ٍ ثمّ، وبابتسامة أضفت علي ملامحها المزيدَ من السطوع والإشراق وبتورّد ٍ رقيق ٍ اعتلي وجنتيها، مدّتْ يداً صغيرة ً مكسوّة ً بقـفـّاز ٍ رماديّ. وحين تحدّثتْ دلّ صوتـُها الـعـذبُ الجهوريُّ والمتروّي علي أن صاحبته معتادة ٌ علي التحدّث وعلي وجود ِ مـَنْ يـسـمـعـهـا. قالت:
ـ حـسـن ٌ يا سيد إيستون. إن كنتَ ترغب في دفـعـي إلي التكـلّم أوّلا ً فإنني أعتقد أن عليَّ أن أفـعـل ذلك. ألا يمكنك أبداً أن تميّز َ الأصدقاء القدامي عندما تقابلهم في الغرب؟
أوقظ الشابُّ الأصغـرُ نـفـسـَـهُ علي نحو ٍ حادّ ٍ لدي سماع صوتها وبدا أنه كان يكافح ارتباكاً طفيفاً طرأ عليه لم يلبث أن طـَرَحـَهُ علي الفور ثمّ شـَبـَـكَ أنامـِـلـَـهـا بيده اليسري وقال مبتـسـمـاً:
ـ الآنـسـة فيرتـشـايـلد! سأطلبُ منك ِ أن تـعـذري يدي الأخري فهي مشغولة ٌ الآن.
ورفعَ يدَهُ اليمني علي نحو ٍ طفيف ٍ وكانت تكبـِّـلـُـهـا عند الرُّسـْغ ِ إلي يد ِ رفيقه اليسري إسـوَرَة ٌ برّاقـة ٌ، فاستحالت النظرة ُ المسرورة ُ في عيني الفتاة وببط ء ٍ إلي رعب مرتبـِك. بهت التوهـُّجُ في وجنتيها وانفرجتْ شفتاها في أسي ً مـُسـْتـرخ ٍ وغامض. ضحك إيستون ضحكة صغيرة وكأن ذلك أمـتـَعـَـهُ، وكان علي وشك التكلم مرة أخري عندما سـبـقـه الآخر ُ إلي ذلك. كان الرجلُ ذو الوجه الكالح ِ يراقب ملامح َ الفتاة بنظرات ٍ خـفـيـَّـة ٍ من عينيه الحادّتيـْن. قال:
ـ معذرة ً إن تكـلـّـمـْتُ أيتها الآنـسـة غير أني أري أنك تعرفين الماريـشـال. لو طلبْـت ِ منه أن يتحدّث َ عني بكلمة ٍ عندما نصل إلي السجن فسوف يقوم بذلك، ولـسـوف يـُسـهـِّـلُ هذا الأمورَ بالـنـسـبـة إليّ. إنه يأخذني إلي سجن ليـفـن وورث وإنها فترة ُ سبع ِ سنوات ٍ بسبب التزوير.
قالت الفتاة ُ بـنـَفـَـس ٍ عميق ٍ وقد استعادت لونـَهـا:
ـ أوه. هـذا ما تفعـلـه هنا إذن ؟ مـاريـشــال !!
قال إيستون بهدوء:
ـ عزيزتي الآنسة فيرتشـايلد. كنتُ مرغَـمـاً علي القيام بشيء ٍ ما، فالنقود تبدو وكأنـهـا تكتـسـبُ أجـنـحة ً وتعرفين أن المرء يحتاج إلي نقود ٍ ليجاري أقرانـَه ُ في واشنطن. لقد أبصرْتُ هذه الفتحة في الـغـرب و..... حـسـن ٌ، ليست الماريـشـالـيـّـة ُ منصباً رفيـعـاً كمنصب الـسـفير تماماً، ولكن.....
قالت الفتاة بدفء ٍ:
ـ لم يَـعـُـد ِ السفيرُ يتّـصل، ولم يكن في حاجة قَـطُّ إلي ذلك. عليك أن تعرفَ هذا. إذن أنت َ الآن واحد ٌ من أولئك الأبطال الغربـيّـيـن البواسل، تمتطي صهوة َ الحصان وتُـطلق ُ النارَ وتـتـوغـَّـلُ في جميع أنواع المخاطر، وهذا يختلف عن الحياة في واشنطن. الأصدقاء القدامي يـفـتـقـدونك.
وعادت عينا الفتاة مـبـهـورتـَيـْـن وقد اتـَّـسـَـعـَـتـا قليلا ً لـتـسـتـقـرّا علي الأصـفاد المتلألـئـة. قال الرجل ُ الآخـر:
ـ لا تقلقي بـشـأنـهـا أيتـهـا الآنـسـة فجميـع ُ الماريـشـالات يـُكـَبــِّـلون أنـفـسـَـهـم مع سجنائهم ليمنعوهم من الـهـرب. السيّـد إيستون يعرف عـمـلـه.
تساءلت الفتاة قائلة:
ـ هـل سـنـراكَ في واشنطن مرة أخري عـمـّـا قريب؟؟
قال إيستون:
ـ ليس عـمـّـا قريب علي ما أعـتـقـد إذ أخشي أن تكون أيامي الصاخبة قد ولـَّـتْ.
قالت الفتاة علي نحو ٍ لا صـلـة لـه بالموضوع:
ـ أعـشـقُ الـغـرب.
كانت عيناها تـشـعـّـان علي نحو ٍ رقيق ٍ وسـَـرَحـَتْ بنظرهـا خارج نافذة العربة. طفـقتْ تـتـحدّث بصدق ٍ وبساطة بعيداً عن بهرجات الترف والتكـلـُّف:
ـ قضينا، أنا والماما، الصيف َ في دنفر. رجعتْ هي إلي المنزل قبل أسبوع لأن أبي كان متوعـّكـاً بعض الشيء. كان في مقدوري أن أعيش َ وأن أكون َ سعيدة ً في الغرب. أعـتـقد أن الهواء هنا يلائمـنـي. النـقـود ليست كلّ شيء غير أن الناس دائماً يـسـيئون فهم َ الأمور ويبقون أغبياء.
دمْـدَمَ الرجلُ ذو الوجه الكالح قائلا ً:
ـ حـسـَـن ٌ أيـهـا السيد المـاريـشــال. هـذا ليس عـدْلا ً. إنني في حاجة إلي مـشــــروب ولـــــــم أدخـِّنْ طيلة َ اليـــوم. ألم تـتـحـــدّثْ لفتـــــرة طويلة كافـية ؟؟ خذني إلي جناح المـدخـّـنـيـن الآن فأنا أســتـعِـرُ شـوقـاً إلي تـدخـيـن غـليـون.
نهض الـمـسـافران الـمـُكـَبـَّـلان علي أقدامـهـمـا وقد ارتـسـمـتْ علي وجه إيستون الابـتـسامةُ البطيئـةُ نـفـسـُـهـا. قال بمرح:
ـ ليس في مقدوري أن أرفضَ التـمـاسـاً للـسـمـاح بالـتـدخـيـن. إنه الصديقُ الوحيدُ لـسـَـيـِّـئـي الـطـالـَع. وداعاً أيتـهـا الآنـسـة فيرتـشـايـلـد فالواجب يدعوني كما تـعـلـمـين.
ومدَّ يـدَهُ لـتـوديـعـهـا. قالت وهي تـعـيـد إضفـاءَ سـِـمـات ِ الترف والتكـلـُّـف علي نـفـسـِـهـا:
ـ من المؤسف للغاية أنكَ لستَ ذاهباً إلي الشرق. يـتـحـتـّـم ُ عليك َ الذهابُ إلي ليـفـن وورث علي ما أعـتـقـد ؟؟
قال إيستون:
ـ أجلْ. عليَّ الذهاب إلي لـيـفـن وورث .
ومـشـي الرجلان بشكل ٍ جـانـبـيّ ٍ في مـمـشـي الـعـربة مُـتـَّـجـِـهـَـيـْن ِ إلي جناح الـمـدخـّـنـين. كان الراكبان الجالسان في مـقـعـد ٍ قريب ٍ قد سـمـعـا مـعـظم َ أطراف المحادثة. قال أحـدُهـُمـا:
ـ إن ذلك المـاريـشــال يـنـتـمي إلي صُـنـف ٍ مـمـتـاز ٍ من الرجال. بعـضُ هؤلاء الغربـيـّـيـن علي حقّ.
سـألـَـهُ الآخـَـر:
ـ أليسَ صـغـيـراً علي شـُغـْل ِ منصب ٍ كـهـذا؟؟
فـهـتـَـفَ المتـحـدّث ُ الأوّلُ قائـلا ً:
ـ صـغـيـراً ؟؟ يا لَلـعـَجـَب !! ألـَمْ تدرك ما الأمر؟؟ هـل تناهي إليك قـَطُّ أن ضابطاً يمكن أن يـُكـبـِّـلَ بيدِهِ اليمـنـي سجـيـنـاً ؟؟
أو.هـنـري (1862 ـ 1910) كاتب أمريكي تـمـيـّز بالـسـخـرية وحـسّ الدعـابة في قصصه واسـمـه الأصلي ويليام سيدني بورتر.

مـتـرجـمـة فـلـسـطـيـنـية تـقيـم في ســوريـة
0
في المحكمة 61 بلندن مؤلف شيفرة دافنشي يدافع عن نفسه: الانتحال الادبي ظاهرة مثيرة وعصية علي الحل وبالنسبة لدان براون مصدر جديد للاعجاب!

ابراهيم درويش



يسمونه انتحالا او بالانكليزية plagiarism والكلمة كما يعرفها القاموس، تعني استخدام مواد علمية او ادبية لكاتب والتعامل معها كأنها من عمل المنتحل بدون الاشارة من قريب او بعيد للمصدر. الانتحال يحدث يوميا في الاكاديميات العلمية، والطلاب الان يستخدمون الانترنت والمصادر المتوفرة للحصول علي معلومات وابحاث وكل ما يقومون به هو تظليل المواد ونسخها ثم طباعتها وتغليفها وتقديمها للاستاذ، وفي بداية الاسبوع الحالي، اثار احد كبار مسؤولي جامعة اوكسفورد العريقة انتشار ظاهرة الانتحال بين الطلاب والتي تمر بدون ملاحظة وهي منتشرة بشكل كبير بين طلاب الدراسات العليا. والانتحال اضحي مشكلة كبيرة، ففي الوقت الذي تطلب فيه الجامعات من الطلاب الاشارة الي المصدر الالكتروني وتقديم العنوان الكامل له من اجل الرجوع عليه حالة ملاحظة وجود نوع من التناقض في الكتابة الا ان الجميع يعترفون بصعوبة محاصرة المشكلة، الانتحال ـ حتي المسؤول في جامعة اوكسفورد يعترف بالمشكلة وصعوبة حلها. الحديث عن الانتحال في الادب طويل وهناك باحثون يكرسون انفسهم وحياتهم لاقتناص الاعمال التي تنتحل من الاخرين، وهي عملية عبثية في ظل انتشار الكتابة والمعلومات والانترنت التي تحولت الي غرب متوحش قائم بذاته، ولكن الانتحال والحديث عنه يأخذ منحي اخر، عندما يتعلق الامر بعمل جماهيري عالمي كبير، يتهم فيه مؤلفه بالانتحال، فالمسألة لا تتعلق هنا بالحيادية العلمية ولكن بصناعة النشر والكتابة والملايين التي حصل عليها هذا المؤلف او ذاك. فهناك حقوق الكتاب، ثم حقوق الترجمة ومن ثم حق الاقتباس والمعالجة السينمائية وبعد ذلك حقوق الاقتباس من الرواية بالاضافة لرحلات الكاتب واجور المحاضرات وحقوق المقابلات واجورها، تلفزيونية كانت ام صحافية.
الحديث هنا يدور حول صناعة تقوم باستثمار القراء وتحاول الحصول علي المال بكل الطرق، فالكتاب يصدر بطبعة انيقة وبعدها بطبعة شعبية، وبعدها يصدر مقروءا علي شريط، وفي مرحلة لاحقة يصدر بحروف كبيرة لمساعدة الكبار، ملخصا، مصورا الي ما لانهاية.. ولهذا السبب يمكن النظر الي المحكمة التي تدور في لندن، في المحكمة 61 الجنائية التي يحاكم فيها الكاتب الشعبي المعروف دان براون بتهمة انتحال فكرة روايته الاشهر شيفرة دافنشي من عمل اخر يحمل عنوان الدم المقدس الكأس المقدسة من تأليف هنري لينكولن، ريتشارد لي مايكل بيجينت
الذيـــن رفعوا دعوة ضد شــركة راندوم هاوس، الناشرة لرواية دان براون الاشهر.
وتحاول المحكمة تحديد زمن الانتحال وكأن التاريخ يعيدنا عقدا للجدل الذي اثارته الناشطات الانثويات حول زمن الاغتصاب. دان براون يقول في جلسات المحكمة انه لم يطلع علي الكتاب محل الاتهام الا بعد ان اعد ملخص الفكرة وقدمها للناشر، ومن هنا جاء المدعي العام بنسخة قديمة متداعية من الكتاب المذكور مليئة بالتعليقات علي هامش الصفحات. في دفاع دان براون (41 عاما) عن نفسه اكد انه لا يقوم بالبحث وانما زوجته بلايث، الرسامة والمؤرخة، مساعدته في البحث والكتابة، التي كانت ترسل له الكثير من الوثائق والكتب من بيت اهلها القريب، وتتركها علي طاولته، وتحدث دان براون عن البداية المتواضعة له عندما كان ينشر الكتب بنفسه ويبيعها من صندوق سيارته الخلفي للمارة وكيف كان يعتمد علي مقابلات اذاعية للحصول علي اموال اضافية. وفي قفص الشهادة اشار براون الي انه نشأ في حرم اكاديمية فيلبس ايكستر في نيوهامبشير حيث كان والده يدرس الرياضيات، وهي المدرسة التي درس فيها عدد من الكتاب المشهورين مثل غور فيدال. كل هذا قبل ان ينشر روايته التي غيرت مسار حياته واصبحت عملا مقروءاً في كل انحاء العالم. كل هذا يعزز فرضية ان وراء المحكمة التي قد تفيد دان براون او تضره اذا خسرها، المال والشهرة. مع ان فكرة الرواية موجودة في الادبيات الغربية منذ ازمنة طويله والمح الي هذا امبرتو ايكو المهتم اصلا باوروبا القرن السادس والسابع عشر التي تشكلت فيها فكرة الحداثة، واشار الي وجود روايات عديدة عن هذه الفكرة الا ان دان براون اعطاها بعدا جديدا. وفي المحكمة اكد براون علي ان زوجته هي التي كانت تقوم بقراءة الكتب وتحديد المهم له، وكيف انه قام بكتابة مخطط الرواية ولم يذكر في مخططها اسم الكتاب محل الجدل، كما اكد ان زوجته لم تقرأ الكتاب قبل كتابة المخطط الذي اشفعه بقائمة من المراجع لكي يثير اعجاب ناشره. حديث براون عن الدور الذي لعبته زوجته في بناء شهرته ومساعدته في الكتابة اعاد الي الاذهان الدور الذي لعبته نساء في حياة المشاهير، فالمثل المعرف وراء كل عظيم امرأة يصدق في حالات كثيرة، فناباكوف، الكاتب المعروف كان يعتمد علي زوجته فيرا، التي كانت سكرتيرته، وناشرته، ووكيلته، وسائقته، وكانت تقطع له اللحم وتضعه في فمه علي مائدة الطعام، ومع ذلك عندما كان يحين موعد النوم كان يذهب للفراش وحيدا، ولكن ليس كل النساء يرضين بهذا الوضع فزوجة الكاتب المشهور توماس كلارايل جين، شعرت بالمرارة والغضب من الدور الذي فرض عليها مع انها ساعدت زوجها كثيرا. في حالات كثيرة استخدم الكتاب مشاكلهم العاطفية للالهام في اعمالهم الروائية، كما حال ف. سكوت فيتزجيرالد، ودي اتش لورنس، وتيد هيوز، الشاعر المعروف. الشاعر ووردزورث، حالة اخري في هذا الاتجاه، حيث اعتمد علي زوجته واخته، واخت زوجته في كتابة نسخ اشعاره وكتبه، وبعض الباحثين اقترحوا ان اخت الشاعر دوروثي لعبت دورا اكبر من نسخ الاشعار. في حالات كثيرة كان الناقد او الكاتب هو الوجه الاخر للكاتب الحقيقي للعمل كما في حالة الناقد الفرنسي هنري غوتيير ـ فيلارز الذي اشتهر في بداية القرن العشرين، حيث الف سلسلة كلودين التي تبين فيما بعد انها من كتابة زوجته الشابة سيدوني ـ غابرييل كوليت.
رواية دافنشي وشيفرته، صارت معروفة بعد ان ترجمت لأكثر من اربعين لغة في العالم وبيع منها الملايين، موضوعها عن اصول الديانة المسيحية ـ وتأخذ شكل الرواية البوليسية او الاثارة وتدور احداثها في فترة زمنية لا تزيد عن 24 ساعة. والكاتب يلعب لعبة الخديعة منذ البداية عندما حاول ان يموضع القصة في اطار تاريخي حقيقي، وكعادة الروايات التاريخية فانها تتحدث عن العثور علي وثيقة سرية في المكتبة الوطنية في باريس، عام 1975 علي ملف يعرف باسم ملف الاسرار . وهي تتحدث عن اعضاء جمعية سرية (رهبانية سيون)، تضم اسماء معروفة في العالم الادبي، فيكتور هوغو، والرسام المعروف ليوناردو دافنشي، والفيزيائي المعروف اسحق نيوتن. في مجال اخر يقول ان الجمعية الاخري منظمة طريق الرب (اوبس دي) انتهت من انشاء مقرها المركزي في نيويورك بكلفة 47 مليون دولار امريكي. وهي جمعية تأسست في اسبانيا عام 1928 وتدعو للحفاظ علي القيم الكاثوليكية المحافظة والتضحية بالنفس والعفاف. والحديث بصيغة الحقيقة محاولة لخداع القاريء ان احداث القصة حقيقية مع ان محورها معروف هو الصراع بين الخير والشر والظلمة والنور. كما تتخذ الرواية من الرموز في الاعمال الفنية، والمشاهد المعمارية اوصافا حقيقية، تبدأ الرحلة من متحف اللوفر في باريس الي كنيسة روزلين في جنوب ادنبرة، الاسكتلندية مرورا بكنيسة وستمنستر أبي، فلوحة العشاء الاخير تحمل في طياتها سرا يتصل بالديانة المسيحية، وهناك محاولة لبناء خط بين رهبانية سيون وحركة فرسان المعبد (تيمبيلرز) التي ولدت اثناء الحروب الصليبية. ومؤسس الحركة السرية كان غودفرا دي بويون بعد احتلال القدس مباشرة. فما السر في هذه الجمعية؟ السر يكمن في انها عثرت علي الكأس المقدسة التي شرب منها السيد المسيح في العشاء الاخير الذي جمع تلامذته. ويعتقد المسيحيون ان الفرسان احضروها معهم من الارض المقدسة بعد ان عثروا عليها بين انقاض معبد سليمان في فلسطين في القرن الثاني عشر، واخفوها في مكان سري في اوروبا، ومنذ تلك الفترة والبحث جار عن الكأس. تتخذ الرواية من هذا الموضوع او الموضوعات الدينية اطارا لكشف سر الكأس المقدسة ولكن بصورة بوليسية، حيث يتم اغتيال جاك سونيير، مدير متحف اللوفر الذي نكتشف انه عضو في الجمعية السرية سيون ، وسبب اغتياله يعود لأنه كان وصيا علي سر الاسرار.
وتبدأ الشرطة الفرنسية بالتحقيق في الحادث وتستعين بخبرات الاكاديمي الامريكي روبرت لانغدون، نظرا لمعرفته في فك الشيفرات والرموز الدينية، والصدفة وضعته في مركز التحقيق حيث كان في باريس لالقاء محاضرة في المجال الذي يتخصص فيه، وتشارك في التحقيق حفيدة سونييرـ الباحثة هي الاخري في علم الشيفرات ويقوم الثنائي معا بتحليل رموز في لوحات فنية لدافنشي، والتركيز تحديدا علي رمز النجمة الخماسية، التي تظل اقدم الرموز العالمية بحسب لانغدون، وترمز في الطقوس القديمة الي الانثي، ويدخل الكاتب هنا في نقاش حول رمز الانثي وغيابه، فالمرأة ظلت رمزا للشيطان واستبعدت من الطقس الديني. المرأة اذا هي جزء من محاولة سر اغتيال سونيير الذي يكشف المؤلف انه اكتشف سر الخديعة التي مارستها الكنيسة حول المرأة واعتبارها بلا روح، وتمثل لوحة الموناليزا رمزا سريا عن رفض هذا الفهم، فدافنشي كان يري ان الانسانية لا يمكن لها السمو الا بالرجل والمرأة معا.
الرواية تعيد تشكيل وفهم وضع المرأة في التفكير الديني الوسيطي، فمحاكم التفتيش الكاثوليكية قامت بنشر كتاب عن شرور المرأة الساحرة وقامت الكنيسة هذه باحراق الكثيرات منهن. كل هذه التوليفة الروائية لوضع سياق الوثائق في سياقها التاريخي، حيث نعرف بحسب السرد ان الفاتيكان كانت تعرف بسر الكشف الذي حمله معهم فرسان الهيكل من الارض المقدسة وكيف قام البابا اينوسنت بمنح الفرسان سلطات لا حدود لها، مما جعلهم قوة لا يستهان بها في القرن الرابع عشر، مما حدا بالبابا كليمينت الخامس بضربهم وقام بالتعاون مع ملك فرنسا فيليب الرابع، وتم في حيثيات العملية اعدام العديد من اتباع هذه الجماعة. لكن السر الذي يشار اليه احيانا بـ سيدة القصور أو العشاء الاخير ظل محروسا من قلة من اتباع هذه الجمعية.
في الموقع الرسمي للكاتب علي الانترنت لا توجد اشارة الي المحكمة المنعقدة في لندن، ويكتفي الموقع بالحديث عن المناسبات المتعلقة بالكاتب، والتعليقات علي اعماله الاخري مثل ملائكة وشياطين ، نقطة الخديعة ، و القلعة الرقمية . وبالنسبة للمعجبين بدان فقد كانت مناسبة للانتظار امام قاعة المحكمة ولساعات طويلة للحصول علي توقيع او اتوغراف منه. وبراون بالنسبة لمجلة تايم الامريكية واحد من 100 شخص مؤثر في العالم، وشيفرة دافنشي، بيع منها في كل انحاء العالم اكثر من 40 مليون نسخة، واحتلت رواياته قائمة الكتب الاكثر مبيعا في عدد من مدن العالم.
وفي عام واحد 2004 احتلت اربع روايات له المرتبة الاولي في قوائم نيويورك تايمز للكتب الاكثر مبيعا. ودان براون خريج كلية امهرست، واكاديمية فيليبس اكستر، في نيوهامبشير، حيث عمل مدرسا للغة الانكليزية. وفي عام 1996 قاده عمله في تفكيك الشيفرات والعمل مع وكالات الحكومة السرية لكتابة اولي رواياته القلعة الرقمية ، عن الأمن القومي وعلاقته بالخصوصية الشخصية، التي لم تعد موجودة في امريكا بعد احداث ايلول (سبتمبر) 2001. رواية شيفرة دافنشي تدخل ضمن اطار الادب البوليسي والذي يقوم باستلهام احداثه من عالم الكنيسة الوسيطي، ولكن بلغة حديثة، وكان امبرتو ايكو، بارعا في استخدام هذا في روايته الاشهر اسم الوردة التي نشرها في بداية تسعينات القرن الماضي، عن مخطوطة تسممت اوراقها، لمنع الكهنة والقساوسة من الاطلاع علي محتوياتها، التي قد تشير الي البحث عن السعادة، الحب المحرم، وعندما تكثر عمليات الموت الملغزة يحضر محقق، قس من الكنيسة الانكليزية للمساعدة في اكتشاف الفاعل، حيث يقوم الكاهن، القبيح بحرق الدير علي من فيه بعد اكتشاف سر القتل، حيث يكتشف المحقق ان كل الموتي من القساوسة يموتون بنفس الطريقة، اصابعهم ملوثة بالحبر والسنتهم كذلك، مما يقوده الي اكتشاف سر المخطوطة الملوثة.
ولكن ايكو في تصويره لعالم الدير الكئيب يشير لحرص الكاهن الانكليزي علي انقاذ التراث الوسيطي هذا والذي قد يكون عربي الاصول، حيث يحاول حمل ما يستطيع من الكتب والمخطوطات علي ظهر حماره مع مساعده الذي وقع في حب فتاة فقيرة تعيش علي احسان القساوسة القساة. واعتبر كثير من النقاد رواية ايكو ذات طابع بوليسي بنكهة شعبية ولكنها تظل رواية عميقة في مساءلتها لمعني الحب والسعادة، ومعني القداسة والدين.
ناقد من اسرة القدس العربي
0