٢٨‏/٩‏/٢٠٠٦

رحيل الصحافية الايطالية اوريانا فالاتشي

GMT 6:45:00 2006 الأربعاء 27 سبتمبر

خسرو علي أكبر


خسرو علي أكبر من طهران: توفيت مؤخرا في مسقط رأسها بفلورنسيا الصحافية الايطالية ارويانا فالاتشي، بعد صراع مرير مع داء عضال. ولفالانشي مكانة مهمة لدى الايرانيين نظرا لدورها المؤثر في الثقافة اليسارية التي هيمنت على مفاصل الثقافة الايرانية في سبعينات القرن الماضي،وقد تعرف الايرانيون الى نتاجها للمرة الاولى في نهاية الستينات من خلال مقالاتها التي انتقدت فيها سياسة الادارة الاميركية في فيتنام والأنظمة الديكتاتورية في اليونان واسبانيا والبرتغال.ثم نشرت المجلات الايرانية فصولا من كتابها "الحياة، الحرب ولاشئ آخر " و تزامن صدوره على هيئة كتاب مع وصول الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الى طهران وذلك عام 1972.وقد أقدمت السلطات الأمنية على جمعه من الأسواق وتصنيفه ضمن الكتب الواردة في قائمة السافاك والتي عرفت بالقائمة السوداء، مع ذلك انتشر الكتاب انتشارا واسعا بين القراء الايرانيين وحققت مؤلفتة شهرة واسعة في ايران.خصوصا وانه قد نال قبل صدوره عن دار نشر امير كبير جائزة بانكارلا.
تابعت فالاتشي مسيرتها الصحافية باجراء مقابلات مع شخصيات سياسية شهيرة منها هنري كيسنجر وانديرا غاندي وياسر عرفات وذو الفقار علي بوتو ومعمر القذافي وغولدا مائير ومحمد رضا شاه.ولم تخل هذه المقابلات من اسئلة جريئة ومحرجة خصوصا مع الشخصيات الديكتاتورية واليمينية.
وقد أثر حوارها مع الشاه عام 1973 في نشوب ازمة ديبلوماسية بين طهران وروما، فقد استطاعت فالاتشي في حوارها مع محمد رضا بهلوي اثارة غضبه واستدراجه للتصريح بأمور ألح القصر الايراني على حذفها من الحوار نالا أن فالاتشي استطاعت ان تخيئ نسخة من الحوار قبل ان يداهم رجال السافاك محل اقامتها في غيابها.
وقد كلف القصر الايراني مجموعة من الصحافيين التابعين له بمهاجمة فالاتشي عبر العديد من المقالات في الثصحف الرسمية وشبه الرسمية وهو الأمر الذي ضاعف شعبية اوريانا في ايران.

في عام 1973 وافق القصر الايراني على طلب قدمته فلاتشي لمحاورة الشاه، ويعتبر هذا الحوار من أهم المحطات في مسيرتها الصحافية،اذ لم تستجب لضغوط السلطات الايرانية بحذف مقاطع من الحوار ذكر فيها محمد رضاشاه أمورا لم يكن قد أعلن عنها قط وكانت في غاية الخطورة والغرابة، كقوله بأنه يحمل رسالة سماوية وانه مكلف من قبل الله بانجاز مهامه، كما ذكر الشاه انه يتلقى الهامات سماوية.وحينها سألته فالاتشي :"هل ذكرتم سيادتكم مفردة الالهامات السماوية ؟"رد الشاه قائلا:"نعم أحصل على الهامات من عالم الغيب تخبرني بالمستقبل وهي التي فضحت لي محاولة اغتيال دبرها بعض المتآمرين ضدي، لايمكن لك أن تعتقدي بهذه الأمور لأنك لا تؤمنين بالله،أبي ايضا لم يكن رجلا مؤمنا وكان يسخر دائما من اعتقاداتي، مع ذلك فلا أشك أبدا أن الله تعالى كلفني بانجاز مهمة عظيمة، ان الالهامات التي فاضت علي من السماء كانت بمثابة معجزات خير للبلاد،ان ادارتي للحكم أنقذت الوطن لأنني كنت قريبا من الله على الدوام ".
 
بعد سبعة أعوام سافرت فالاتشي مجددا الى ايران،والتقت بآية الله الخميني في منزله في أحد الأحياء الفقيرة في قم وقد تأثرت كثيرا ببساطة بيت قائد الثورة الايرانية، وقد حدد السيد الخميني فترة قصيرة للحوار الذي قام بترجمته الرئيس الايراني المنشق ابوالحسن بني صدر، ولم ينف السيد الخميني في هذا الحوار خبر اغلاق الصحف واعدام الشيوعيين.
وخلافا للشخصيات التي استطاعت فالاتشي من استفزازها باسئلتها الحادة، كان آية الله الخميني هو المحاوَر الوحيد الذي استطاع ان يستفزها ويثير غضبها حينما أنهى الحوار بعد دقائق معدودة وقد غادر المكان قبل ان يشرع المترجم بترجمة جوابه، وهو الأمر الذي كتبت عنه فالاتشي بحزن اذ لم تستطع اجراء حوار مفصل.
وقد عادت ارويانا فالاتشي الى الظهور بقوة في الصحافة العالمية بعد كتابتها سلسلة من المقالات التي هاجمت فيها التطرف الديني والأصولية الاسلامية تحديدا، وقد تحولت من شخصية ذات صيت وشهرة طيبة في عقدي الستينات والسبعينات بسبب مواقفها المؤيدة للحركات اليسارية في الشرق الاوسط، الى شخصية مرفوضة في العالم الاسلامي خصوصا بعد كتابها "انشاء الله" الذي اثار غضب وسخط الاصوليين الاسلاميين.
وبعد جريمة الحادي عشر من سبتمبر،كتبت اوريانا مقالات عديدة دعت فيها لطرد المسلمين من اميركا واوربا، كما كتبت بعد احداث مدريد الارهابية في العام الماضي "من المؤسف انني لا امتلك المتفجرات كي أهدم بها مساجد المسلمين".
ورغم كل التعابير المهينة التي وظفتها اوريا فالاتشي ضد المسلمين في السنوات الاخيرة والتي لم تميز فيها بين المسلمين والأصوليين المتطرفين،فقد آثرت الصحافة الايرانية أن تتذكر وتذكّر بالجانب المشرق في مسيرتها الصحافية وبتضامنها الانساني مع الشعوب المضطهدة والحركات التحررية وهو الأمر الذي دفع بكبريات الصحف الايرانية الى نشر خبر رحيلها مع صور لارويانا الصحافية الجذابة التي جازفت بالعمل مراسلة صحافية في ميادين الحرب واقتحمت قصور ومكاتب أهم الشخصيات السياسية في القرن العشرين. قالت كلمتها وارغمت محاوريها على قول الحقيقة