٢٨‏/٨‏/٢٠٠٥

حديث مؤقت في النساء


حديث مؤقت في النساء ....
فصل من رواية لم تكتمل بعنوان
" الرهينة 4232.5 "

كيف نخوض في النساء في عصر المجلة ؟

في المجلة التي أسقطت آية وأخذت مكان الكتاب كله، سقطت رؤوس وارتفعت أخرى، قامت أحزاب وانحلت أخرى. صمدت المجلة وارتقت فوق القوانين جميعها. يعلقها السادة نيشانا عندما يستبدلون أموال النفط بالقروض الأجنبية ثم يضعونها على الرفوف إذا شرقوا ويشهرونها على طائرة الخطوط الفرنسية .
لكن المجلة لا تجيب بدقة عن أسئلة لا تعتني بطرحها في فراغ الخاضعين ....
هل عرفنا النساء؟ هل حررنا النساء؟ هل تحررنا من النساء؟ هل تتحرر النساء؟ من يستعبد الآخر؟ ...اطرح ما شئت من الأسئلة ...فلا مخرج إلا بالحقيقة وهل من حقيقة في النساء يستقر لنا فيها المقام ...؟ هذه رؤية اللحظة وقد نكبر فنعقل فنغيرها بعد أن يكبر الأولاد ويعرفون نساء أخريات ثم يقرؤون ترهات الآباء الذين يزعمون القول في النساء في عصر المجلة .
ألسنا نخوض في حديث النساء أحيانا كثيرة ... أ لسنا لا نصل إلا إلى ما صنعنا من الصور ... فلماذا ندخل الحديث عنهن بأحجار في أيدينا ثم نستطيب الانحناء ...
ثمة امرأة ليست من النساء ولم تلتقها إلا في الحديث العابر... فأعلن يأسك منها قبل الحديث .فقد تكون قد قلت مثلي لامرأة مرت قريبا « نام المغرمون باللحم الحلال فهيا .. رأسي بين نهديك يذوب فاحلبيني أسيل عسلا من حلمتيك الوردتين...» فنامت. وبقيت وحدي (ك) نحسب النجوم فلا نراها... فقد كانت تنتظر زوجا نافقا ...
توقف عن فضح العجز الذي تجد ... لكن الحديث بلاء والنساء بلاء مقيم في الضلوع ...وفي الحديث...
قل في مفتتح الحديث ما أكثر النساء وما أقل الحب معظلة المحبين القدامى تستعاد في كل العصور لحم كثير... أما الحب فانتظر خطأ الأيام ستسمح به ولو بعد حين لتستخرج من اللحم الكثيف نواة امرأة جميلة.
مشينا طويلا ...نمشي بعد ... وراء امرأة لا نعرفها نتوهمها نعطيها الوقت الذي تريد لتعرب عن نفسها فتهرب إلى غموض فاضح تخفي أفكارا بسيطة حول الحياة نتبعها نزولا إلى تفاهات كل يوم نقف خلفها أمام واجهات المحال تقيس الملابس الجديدة وتحكم على الألوان وتربط بين الألوان والمقاسات ونصبر حتى تقيس ثم نقف أمام محال جديدة وننتظر تلك هي... واحدة تعرب عن جمع ولا اختلاف إلا في المقاسات .
نصل نهاية الوهم بالاختلاف ولا نعود إلى الحقيقة حيث نحن بامرأة واحدة وبدون نساء... كنا فحولا نتناطح. تدخل امرأة حيث نحن يهدأ الصراع قليلا نتحول إلى تيوس مهذبين نمشط لحانا بأطراف أصابعنا وننتظر أن ترضى عن بعضنا أو عن جميعنا أو أن تغضب قليلا وتظل بيننا نراها ونستأنس إذا لم تأت نجيء بها لنختصم حولها نتناطح كالكباش أحدنا فقط يفوز بها قوة القرن أو قوة العين... يعود البقية خائبين إلى البحث عن امرأة أخرى نساء أخر؟ لما لا يمكن الاستمرار بدونها... هي ضعفنا وقوتنا فمن لنا بها كي نضع أنوفنا في وحل مداسها الجميل ؟
ثم قمنا مرارا ...وقد نقوم بعد بعملية عسكرية نتدرب على العيش بدون نساء نصاب بالإحباط تختلط الاتجاهات فنذهب إلى البحر في الشتاء ونعتقد أن الموج يحمل الرسائل ولكنه ينكسر على الشط ويذهب مليئا بالاحتقار ، نذهب إلى الواحة تحت النخيل الوارف أو تحت الزيتون الصامد للعناصر ،نمسك الجذوع ونعتصر الدموع ثم نكتب على الجذوع الخشبية أسماءنا وأسماء أخرى ونجعلها ملغزة لا يفهمها إلا الذي نريد فلا يقرأها إلا العابرون فلا يصل البريد ، نعاود العملية العسكرية نفسها ولا نصل إلا إلى معنى وحيد نحن بلا نساء إذن نحن بلا معنى هل هذا هو «الكوجيتو ؟» إنه المعنى الذي تعطيه النساء للحياة ...
الآن أزف السؤال الأخير... هل نعرف الحب مرة واحدة وأخيرة ونرتاح ... حالة التبعية التي تجعل الرجل يقدم نفسه لامرأة تفعل به ما تشاء تركبه أو تضع عليه برذعة أو تركعه أو تصلي له لا فرق إذ يكونان متفقين على تبادل العطاء... تبادل المعنى.
متى تصادفنا هذه الحالة العجيبة ؟ نتعزى بأن كل العمر مفتوح على مثل هذا الاحتمال شرط أن لا نغطس في الواجب اليومي فننسى وننغلق على الاحتمال المتاح سعداء بالأبوة والمصاريف حيث لا يكون الحب وتكون الألفة الممزوجة بالاحترام ...
أجلس وحدي بلا امرأة أرتب أفكاري أضع عليها علامات أضع العلامات في ملفات وأضع الملفات في علب جديدة، وأختم عليها ثم أضعها على رفوف أو أشحنها في أقراص وأضع الأقراص في علب أصغر وأحفظها من الغبار ثم أنظر بقية الأفكار... كل الفوضى وكل الاضطراب،
وأضل أدور في أسئلتي ...أين المراة؟ أين جسدها؟أين أنفاسها؟ أين حديثها؟ أين رائحة إبطيها العطرين بالطبيعة الفوارة ؟ أين شعرها المنساب فوق وجهي ويديها خلف عنقي ورأسي على كتفها؟ أين أضع هذه الفكرة وكل علب الأفكار مليئة بصور النساء أمام المحال التجارية ...
يكون الآن من الأمر ما يكون، وننخرط في السيستم تلك هي النهاية المرتقبة لن تأتي سيكون حراما أن نكسر الباب ونهرب إليها ونحن في زنزانة الألفة الجميلة ...
وحين يطول علي الليل في كهف وحدتي المبتغاة أقول ...علي اختراع لفظ خاص من داخل الألفة الجميلة يستعيض عن الحب بالفحولة ثم بعد حين يعبر عن تحول الرجل إلى تيس عجوز له من الذكورة خصيتان كبيرتان وبقايا صنان لا يلين وحنين جارف إلى زمن الجديان الصغار... ليس في اللغة هذا الاحتمال ولو بالعودة إلى اللسان العربي فلا تيس إلا بالنبيب أما إذا كف الفحول عن الفحولة فالمسالخ والكلاب ...سيقول التيس وقد صار حطاما «رطليهم يا خدوجة » فقد ذهب زمان الوصل بالأندلس وببعض البلاد العربية فنحن ننسى يا أم البنين أن الفحولة لا تكون في زمان كوندليسا ... وسيتعزى التيس العجوز «هل بالذكورة وحدها نبني البلاد ونقنع القوم بأنا حاضرون على الخريطة؟» الحمد الله الذي جعل خصي الخصيان أخف وزنا .. في أكفنا ... لكنا رغم ذلك نفيق على أكتافنا منهدة وشواربنا مرخية ونساؤنا يبكين الرجال ... أيها الوقت الذي يترك مروره على الكتفين أعفيني قليلا لعل الحب أن يأتي قليلا ... إني استسقي الحب ولي شجاعة من لم يركب جموح الخيل بعد ... ويتوهم أن الخصاء فردي في زمان كوندليسا ليقتدر على الألفة والمصاريف ...
يا صاحبي يا حامل الأسرار الأرضية ... اكتب ما لا يورق إلا لك فقد انصرف الناس عن النص إلى اللص يقيمون له الصلوات ويمكرون بعد سقوطه فيفرحون ويقولون «براءة من الله» نحن كنا في الحفاظ على النظام ونحن كنا حيث كان يجب أن نكون ليستمر "السيستم" ويوصلكم إلى المجد الجديد فلا بد من قسمة المجد الجديد ونحن نريد الحصة ، فقد مهدنا للأمر الجديد وكان لنا فضل البقاء في المكان الأقذر حتى نهيئ (....) ؟ هذه نهاية الأرب ... فلا فحولة إلا بالأرطال من الخصي... والوقت لم يعد يكفينا للصراخ .. . غدا نشارك في الدوام ... ليستمر "السيستم ". بلا فحولة و لا حب ... واجهات جميلة وملابس بمقاسات مختلفة ونساء يقفن سعيدات ورجال "يحررن" صكوك الصرف ... ولا تعلمني التصريف .
ثم تعض باطن كفك من جديد...
... تلك الشهوة المتولدة من الحب والحب الذي تسعره الشهوة وإن لم تلب ، هي ذي موسيقى الأيام الجميلة أو الموسيقى الجميلة التي تجعل الأيام أجمل مما تتوقع الأيام أو مما أرادت لك ... لا معنى إلا بالأنثى المحبة لكن أين هي ... ما أكثر النساء وما أقل الحب ...
كيف يمكن أن تدخل في موضوعة النساء دون أن تعري عجزك الفاضح ... تدبر معي مثلا كيف يمكن لامرأة أن تفتت فحولة رجل ولا تخصيه، وانظر معي كيف يصير التيس رجلا فلا ينزو إلا على أنثى واحدة ولا ينب نبيبا . قل مثلا معزيا ولا تبك ...«إن الكم غير مهم وأن التنوع عوض خير»أو قل «إن الغذاء في مطاعم الجمهورية قد تكفل "بالأنسنة" » ، قل ما تشاء ولكنك لن تصل إلى فهم اللحظة التي تضع تيوستك في ماء فاتر فتطمئن إلى أنثى عبرت سماء أيامك المتشابهة فتظاهرت بالبكاء على صدرها تزعم الشوق وقد تمر على ديارها تبكي لتوهم نفسك بالقدرة على الحب الجميل وادعاء الخيبة المبدعة .
تلك التي لقيتها يوما وقد كانت ابتسامتها كمزقة في السماء يظهر وجه الله خلفها ...متجليا
وتلك التي لما أنزلت فستانها الأحمر في الممر الفاصل بين الغرفتين نزلت ذكورتك انبهارا وبقي أمامك أن تهرب أو أن تبكي عجزا... وعدت في الليل على يدك توسعها ...
وتلك التي تعرت فلم تر اختلافا بين جلدها والزرابي القديمة ...
وتلك التي ... كم مرت بين يديك لست تحسب. لست إلا واحدا من كثيرين يزعمون في النساء علما وما أنت إلا جاهل يتعلم ...
وأخرى رأيتها لا تختلف عن أحلامك قلت عنها ... كلاما جميلا على أمل البقاء بقربها لكنها انصرفت إلى الزوج الذي قد يأتي تعد له قميصا وسروا يل جديدة وتنام في الليل تنتظر الغيوم أن تحمل إليها ذكرا يجمع القش لعش قد يدوم . وقد تتحجب كآخر محاولة للزواج ...
تلك هي أو كأنها ... أنت أبدا في حلمك السادر لن تصل أبدا حتى تنتهي النساء ... فمجد ما تجد عسى تصل إلى ما تريد ... سنة العجزة في بلاد العجزة المحكومة بالجواري يعرفن في التنمية المستديمة ويخطبن في المجالس ويخطئن في النحو قليلا ... فكاتب الخطاب ذكر يعرف النحو فيشمت في الخطيبة فيتعمَد ألا يشكل أواخر الكلمات ... اصنع وهمك لتستمر به أما الحقيقة فقاتلة ... صورها كمنتصرة عليك ... لتصنع وهم الحب ففي الحب بعض من هزيمة لذيذة للدموع ... انظر إليها تقرأ قليلا وتكتب أقل لكنها تحس ويظهر في عينيها الدمع قل معزيا ما ضر لو كانت غائبة وقلبها يرى ؟ لكنك تفهمها فتشفق ... فتتعزى بها عن مثالك ... مصرا على قهر الخيبة بالوهم .
إذا أقبلت تراجعت... تخاف، تعبر بعينيها، يخرج كلام كثير إلى العينين تقرأه. لها الحق تكون لها في أحسن الأحوال بالنصف في ظاهر القول وبالنصف لنفسك فكيف تفهمها أن جمع النصفين والأرباع الأربعة لها بالنهاية مقابل أمل بالبقاء قليلا حول فنجان من القهوة المرة في مكان مطل على البحر ...لكنك تجعل عينيها جميلتين فوق ذلك دون كحل أو"مسخرة" مفتوحتين بفكرة أولى لم تصل ككذبة طفل يتعلم النطق الفصيح جميلتان كالتمني، كالرجاء، كاللقاء الأول تحت صفصافة ناشئة، كحلمة طفلة في العاشرة تحلم في الليل بقلبها وتخاف ...فتحمر ... لم تره مستديرا قاسيا وله حدود تتضح بعد خمس ... نهد بعد اللمسة الأولى والعبارات على الفم هل تعضه .... ليس بعد حتى تؤوب إلى رشدها وتعري ... لن تفعل ... لا تنتظر ... محكومة بالكلام القديم الذي يحفظ قبل أن ينطق وتظل تدور حول الزاوية المستديرة ترسم خطا وتعيد توضيحه...«إني أخاف أن أسقط، وأخاف أن أصعد، وأخاف أن أظل مكاني، وأخاف أن يفهم الآخرون أنني اشتهي أن أكون،وأخاف أن لا يفهم أحد أنني اشتهي أن أكون، وأخاف أن أفهم أني انتهيت سريعا قبل أن يستقيم لي الأمر حتى أكون. هو أنا أيها الذي يعرف كيف يزن الكلام ويخرج رابحا من حسبة الرجل القديم. فكيف أحسبها دون علمك وكيف أجعلك في الحسبة دائما دون أن ... ستجد العبارات لتقول لي دائما إنها اللغة نخفي بها ما نريد ... فلا تحرج ما تبقى من حمرة خدي إنني أخجل بعد أن تفهم إنني أشتهيك ... فافعل ولا تفعل وأكذب علي حتى اللحظة الفاتحة، حتى فك المغالق التي ادخرت لك قبل أن تنبت لك شعرة واحدة ... هي أنا... لو غيرتني انكسرت صورتي الباهتة، التي نيفت بها على الثلاثين ... ونمت بها في الليالي وحيدة ... أضع مخدتي فوق رأسي ... وأتمنى لو أنني في خيمة واسعة لكي لا أسمع فحيح جارتنا خلف "الياجورة" الباردة يقلبها فحلها وقد نام الصغار».
هي ذي هل تجدها إنها في كل مكان ونحن نصادفها في الحديث ونضحك منها ومنا فهي صناعتنا نحن الذين صنفنا النساء إلى زوجات كرام و عاهرات ، نتدرب على واحدة لنحكم الأخرى ونبكي على الحب الذي لا نجد لأن الرفيقة مسطحة الفكر، ثم نخلص مسرعين إلى الجماع المتاح"
" لا تظنن أنه الحب بل هي سيرة عشاق مستعادة من زمن كان فيها الحب لا يعني المفاخذة والقذف" .

المرأة التي نراها كل يوم تزعج العين و المرأة التي ننتظر لا يجب أن تأتي حتى تظل صورة فوق التمثل كلما حلت واحدة جلست على القلب فاختنق التنفس ... نطاوعها فيما تريد القرية الساكنة نشتري خبزا ونأكل، نمشي في الطرقات قليلا وننتظر النهاية ... ثم يكر الحبل على الجرار جيلا خلف جيل ... الصور نفسها والوجوه مستعادة، كأن الله الذي ينوع في الخلق يصبهن على قالب واحد،حتى ليطاوعني مرارا جمع غير العاقلات. فالبقر تشابه علي في المكان القفر من القصائد والنساء .
المتخيلة تلك نفترض وجودها ... نصنعها قضيبا على كثيب أو نلبسها في خصرها خاتما، وليس في الأمر اختلاف إلا في دقة الانثناء ، ثم نغطي نصفها ونقف عند العيون المراض البابليات ثم نعريها فنرى التفاصيل الصغيرة تحت السرة وفوق الركبتين ثم ننسى ونعود باحثين عن التميز فإذا اللحوم نفسها والعرق يفوح من نفس المواقع ... نختلف قليلا حول الاختلاف نجعل لكل واحدة طعما ونكهة ثم نكتشف إنا كنا غافلين عن التشابه . نرفع من نوع الحديث وننظر فنرى الرجال يقودون التحرر ... فنعود نخلق الأمثولة نعيش بها على أمل اللقاء في دورة بين الفصول ... لكن الفصول لا تأتينا إلا بالتشابه ... نكبر الأمثولة ونعرج إلى القصائد والكلام الحلو، نحن ربوب اللغة الشعرية كلما وضعنا فيها من النساء صارت قصائدنا جميلة . نغزل الكلمات في النساء العاديات لنكبر واحدة مختلفة لا نجدها إلا في القصائد . قصائدنا نساؤنا الجميلات ونساؤنا لحم معاد يتكرر ... ستخرج واحدة منهن تلعنني مليا ستسبني بلغتي ،وتنعت أمي بالكلام الفاحش ... لو لم تكن في الأرض النساء ماذا كان الرجال سيضعون في مكان «القبَة» .. واسقط الحاء ليستمر النص وينخدع الرقيب .
و قد تكون قلت مرة لامرأة جميلة كنصف قصيدة، « لم نهجر القضيب على الكثيب حتى اكتشفنا حلاوة الجسد النحيل».
فلما أن تعرت وجدت الجلد قد فاق الملابس ، فقد كانت تجاهد الشحم الكثيف وتلتهم الحلاوة في المتاجر. تلك هي... أمثولة منقوصة نفصلها على مقاس نبتغيه. نسمنها إذا اشتد الشتاء ونقتصد ثمن الغطاء ، نجردها من الشحم إذا طلبنا البحر في الصيف الجميل، ثم نعلمها اللباس، ننزل الجلباب أحيانا فنعرى الصدر والكتفين، ثم نعرى الساقين الطويلتين ونستر الصدر إذا أردنا، ولا عذر للقصار من النساء حيث الصدر والقدمان يختلطون وهل يجتمع غير المتقاربين ... نصل إلى خيبتنا الأبدية لا نساء إلا صنعتنا من البقر اللطيف أو من نعاج الجاحظ ، ولنقل غزلانا للعزاء ،كيف نظفر بواحدة لا تشبه الأخريات، لها طعم ورائحة جديدة ولها كلام لم يسبقها إليه رجل من عهد آدم ولها شعر ليس فيه من وصف النساء وليس فيه من قول الرجال وليس فيه إلا نكهة نسوية، قل لي الآن وقد عريت رأيي دون خوف من النساء إذا كن بمثل هذا اللون الواحد ، فهل لأننا نظمنا قصيدة واحدة في كل جيل ؟ نحن صنعنا النساء متشابهات لأننا متشابهون وهل علينا أن نختلف حتى يختلفن ، إذن نحن من يحدث فروقا في النساء ... لا نسوة إلا من صناعتنا فمن للحم إذا أوشك أن يفوح ...
اجمع قصائدك واجعل كلامك رمزا إنهن مسلحات بالصواب الانتخابي ويعترضن على الكلام بصوتنا نحن الذين مجدنا الحساب الانتخابي لكل صوته حتى النساء ... هل قرأت أحط من هذا الخطاب؟ إنني أعلنه وحدي فنحن جيل يقول هذا في كل الزوايا ويخرج مبتسما للنساء ، لا امرأة سمت فوق ما استطعنا من البلاغة لا شعر إلا في رثاء الأقربين دموع خارج يوم الجنازة والعزاء ... ثم بعض الكاتبات يزعمن الكلام فيجدن رجالا من خشب أو بعض سيقان من المشاة إلى اللذة السهلة خلف المصاطب والزوايا ... يضحكون على الأنثى حتى يسيل العرق من إليتيها ثم يخرجون سراعا...محبطين من أدب النساء .
ثم في السياسة يا صديقي ... نحن ننتخب الرئيسة ونضع حولها الوزراء من الرجال .. ونطلب منها سريعا أن تخفف من تبرجها الجميل حفاظا على هيبة الدولة، فحازمة كالرجل رغم صيغة التأنيث ، ثم نقرر أن تكون في مقدمة الصفوف تطبق ما نرى لها من الخطط الخبيثة . ثم نعزلها أو نجعلها وزيرة بالأقدمية، وقد قرأنا أن سليمان بسط لها البساط فانكشف الغطاء عن اللحم الجميل،وأن سجاح قد سالت بفعل العطر في خيمة مسلمة، وأن مسلمة ركبها سريعا وضم نبوءتها القصيرة في جيوشه، وأن حاكمات مصر القديمة والحديثة، قد عاثت في الرجال حتى هزمت دولتها طائعة لتنجب ذكرا يخلفها..
كيف يزعمن السياسة ألسنا نحن الذين خططنا المكان فكن فيها كالسرير ... ؟
إنني أرى النساء في زمان كوندليسا ...لعبة قديمة معادة رجال يستعملون امرأة في غير حاجة الفراش... تقضي كوندليسا ساعتين تخفي زنوجة شعرها، وتعجز دون برق أسنانها ، ثم تشهر قنبلة وتضحك، لقد حررت نساء العرب بالسلاح وفرضت الانتخاب في العراق ، وقريبا في بلاد النفط والقضيب المتآكل .
نتجاوز عن سيئات كوندليسا فهي تنسى أنها مرؤوسة لرجل يرسلها حيث تريد الشركة، وتنسى إن اسمها الشمعة الصغيرة نشعلها في غرفة مغلقة إذا أردنا النساء في الظلام ، لنخدع رغبتنا أن المراة جميلة فنذهب المسافة كاملة ، ونختم بالحوقلة والذل والصغار .
من لنا بالأمثولة وقد عرفنا قرارة الآبار ؟ دعنا نعود إلى الخطاب الرسمي، المرأة نصف الرجل والنصف الآخر يتربى في أحضانها ، النساء شقائق الرجال وأوصيكم بالنساء خيرا ، ولا داعي لأن أقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المذكر ... فتلك مسألة وصلت متأخرة بعض الشيء.

الأمثولة ... امرأة لم نسبق إليها أولا ولا يركبها بعد ذهابنا أحد. قل باللغة الفصيحة«لم يطمسهن إنس قبلنا ولا جان» .ولم نوعد إلا بما نريد أو بما نتخيل ولا نتخيل إلا ما نفتقد. وحبذا لو ماتت قبلنا فنطمئن إلى تحلل لحمها قبل الذهاب. تكون جميلة بمقاييس المرحلة التي لم تتغير إلا قليلا منذ تعلمنا الكلام في النساء ... مثلا تكون لها عينان واسعتان كعيني بقرة من بقر الوحش حتى لا نهين البقر و شفتان لحيمتان مكتنزتان قابلتان للعض اللطيف واللسان بينهما ندي يلمع بماء اسمه الرضاب وليس البصاق فالصورة لا تتفل ، وفوق الشفتين أنف أشم أو مستقيم فالأنف الأفطس يذكر بالعبيد أي أن تكون من بنات شم العرانين( وهذا معجم شم العرانين لا يعرفهم فيظل يسطرهم بالأحمر ). ولها خدان أحمران دائما بفعل غير فعل البرد والزينة المصطنعة ، مكتنزين قليلا وغير مرتخيين وحبذا أن تكون بشرتها وردية لينة كبتلة الوردة أو كالحرير إذا انعدم الورد وأن ينسدل على كل ذلك شعر يجعل الشاعر الذكر يستلطف القول في إسبال الظلام على الضياء ويستمر الآخرون من بعده يقيسون طول الضفيرة إلى الردفين والكاحل . و أن تكون طويلة في غير اعوجاج ولا حظ للقصيرة فهي منعوتة بالنهم إذ لا بد تكون المراة غير نهمة إلى الفراش و لكن تستجيب عند الطلب فقط .هكذا قال الشيخ النفزاوي كما نشره في طبعة أنيقة بعض الحداثيين. وأن تكون ريانة في غير نحافة كالجرادة و في غير امتلاء كالبطة ...ولا بأس أن يتراكم الشحم في النصف الأسفل فحيث يكثف الشحم تزداد الحرارة وحيث هو يمكن جسه دون مشاركة الآخرين. ساقان طويلتان وفخذان ملتفان وبطن كالقبة ولكن بحفرة صغيرة في أعلاها، أي قبة مثقوبة تقريبا.لا يتهدل شحمها عند الوقوف ولا تسيل على الجنبين عند الاستلقاء الحميمي . وقد قبلت في المقاييس الجديدة المجلوبة من بلاد الشبع الحقيقي،ألا يكون لها من البطن إلا مكان أملس وفيه أثر سرة صغيرة، تكشفها الملابس وقد كتبت هذا في زمان قندليسا، لمن قد يغرم بتتبع الأذواق في المراحل كما يفعل أهل علم الاجتماع . وفوق البطن لا بد نهدين ، يملآن الكف ويفيضان قليلا صلبان دوما ولو بعد رضاع عشرة إذا انخسفا نستبدل ،ولو بأبغض الحلال فالضرر موصوف ، وفوق النهدين لا بد من دائرة وردية في الأول ثم تسود قليلا وتشهر حلمتها كاملة .أما تحت السرة فأعجز أن أصف لأن تجربتي محدودة ولكن لا بد من ريح طيبة وساقية ندية ورأس حليق . فوق العرصتين المشهورتين بالأفخاذ ،واللذين يستحسن بل أن يجب أن يلينا مثل ورد الخد وأن ينسكبا "كأنبوب السقي المذلل" أليس قائلها فحل يستعمل النساء قبل أن يصرعه علقمة بآلته العظيمة. والركبتان تحت ذلك لطيفتين كالحرير الأملس لينتين كالعجينة الطيبة صلبتين لتحملا كل ذاك الطول. و ربلة الساقين ممتلئة منتوفة "الغثنون"، والكعبان كحق العاج الذي لم يفض ختمه ...ثم أدرها لتر الظهر الاملود مستقيما كعرصة الرخام وفيه خطوط صغيرة بالعرض تشير للرواء والنعومة وتخفي الفقرات والضلوع ولابد لاكتمال الصورة من إلية رابية مشقوقة جبلة أي بغير عصا معجزة ، وفيها حفر صغيرة كما في قشر البرتقال وهي مكرمة غير متفق عليها خاصة في السنوات الأخيرة قريبا جدا من عصر مقاومة الشحم الإضافي كما حددها الرجال الذين يرأسون مجلات تصنيع الجمال النسوي في بلاد الشبع ، وحتى أصابع القدمين لها مقاييس محددة إذ لا بد أن يكون مثل عقيق في حقيق، و الحناء فيهما لمن أراد، ليتأكد أمر اللون القرمزي فلم يتغزل أحد بأقدام الإماء وإن حظي بعض الرقيق الأبيض ببعض الوصف والتلوين .
اعطني أمثولة واحدة تجمع كل هذا الحسن وأنا أشرك بالله ...بعد حين.
هل وضعت امرأة في سابق الأزمان مواصفات للرجل الذي تريد؟ نحن الذين مجدنا السيوف فعشقت النساء السيوف ثم جعلنا الفحولة في البندقية فعلقتها المراة على باب البيت فرحانة كطفلة بلعبة . نحن الذين أرسلنا اللحى فمشطتها النسوة ثم حلقناها فمسحن على وجوهنا الحلقية وشممن "الافترشايف" وفرحن بإشهار أمواس الحلاقة. نحن الذين وضعنا ربطات العنق لنشير بها إلى كنوزنا المخفية فتدربن على ربطها وتطويلها قليلا لتمس موضع الإشارة. نركب عضلات قوية فتسجد النساء للقوة ننحف أجسادنا ونزعم الرشاقة فتتمسح النساء على أبداننا النحيفة.. نرسل شعورنا فتمشط، نحلقها فتمسح ... حتى لتصير رائحة أقدامنا منعشة ... فمن لنا بمن يقابلنا بغزل الحرير ليفرض علينا ذوقه الجميل ... أيها الوقت البليد لماذا نعيد إنتاج نماذجنا القديمة ولا نغير؟ من يبارزنا في صنع النماذج؟ كيف نطور نظرتنا للجمال بدون نماذج جديدة؟ كيف تصنع الشعوب النماذج ؟كيف تفعل الثقافة بالنماذج؟أو كيف النماذج بالثقافة ؟
من يملك من؟ نحن أم النموذج ... ؟ كيف نجد نساءنا في قادم الأيام ؟؟
كيف نتوقف عن إنتاج خيالاتنا المريضة في كل لقاء مع امرأة مختلفة عما نريد من النموذج الذي يملكنا ؟ نحن عبيد نماذجنا، هكذا نختم النقاش، لأننا نعجز عن خلق نموذج،نحن الذين استسلمنا للنموذج، قبلنا ببعضه لنوقف النقاش داخل رؤوسنا لا بل قربنا للنموذج لنرضى ببعضه لكي لا نتعذب بغيابه الأبدي.
ثم هل لا بد من المراة ؟ هذا السؤال الذي دمر الأولين والآخرين ولن أجد له حلا في هذا الموضع ويستحسن أن أتوقف عن الهذر... فلو أمكن لكان قبلي ولم تمتلئ الأديرة برؤوس الأجنة ، فقد تخيل البعض أنه يكون فصار اللواط عندهم عبادة .ثم استسلموا للحرية .... ما أجمل الحرية في النساء ، وما أجمل حرية النساء في الرجال ... لقد وصلوا أخيرا ... إلى حالة فقدان النموذج المسبق فحيث الحرية تخلق النماذج كل يوم ... أليس الحرية هي التحرر من النموذج السجن ...
كيف بدونها نستمر ؟ إنها في الغلاف الظاهر الأم والأخت والزوجة وأم البنين وهي في الحميمي من الفكر والأحلام الصديقة التي تحمل منا الهموم ونخرج من عندها خفافا كاليمام أين الصديقة في لحظة الخضوع إلى القانون الاجتماعي؟ إنها المجال الذي يجلس فيه المجتمع على قلوبنا فيسد علينا الأنفاس لا مجال إلا أن تكون في إطار رسمي مقبول صنعه الأولون واستمر كأنه الكابوس لم نصل بعده إلى لحظة حرية.
من صنع الحرية؟هذا اللعنة التي تطاردنا ونحن نعرف أن المجال مفتوح فقط نحو طريق السجن الذي لم نبنه ... إنها الخمر الذي تذهب العقل في لحظة إمضاء العقود فنمضي بحضورها على كل التفاصيل التي لا ندرسها فنفعل بأنفسنا ما لا نريد ونحن صاحون متيقظون للغلاف الاجتماعي( هكذا قال عبود وهو يتزوج نفنافة في ناس من ورق وترحم على الرحابنة ) . تلك هي الصديقة التي لا نجدها لأنه ليس هناك صديقة إلا مشروع زواج مؤجل كل النساء يبحثن عن الغلاف الاجتماعي لأننا نحن صناع الغلاف الاجتماعي ضيقنا على أنفسنا الخناق وظللنا نخترقه ونبكي ألما لأنه كان قاسيا والثمن قوي على النفس المفردة ، ولن نجرؤ في قادم الأيام على هزه لأننا ربطنا به أجزاء من البناء الاجتماعي حديدا يمسك بناية، لو نزعت منه ظلعا سقط البناء. أين الصديقة إذا تمكنت الزوجة واستبد الأبناء بالمكان يخططون ويمسحون ما سبق ... أي نحن ؟ كيف الخروج من المكان المحكم الغلق وقد استبد بنا المكان والنساء.نحتاجهن كالدواء نحتاجهن كالسموم للفناء ثم نبكي سجننا. أين الخروج؟ إني أتيه في مكان ضيق هو المكان الاجتماعي لعنة الله على النساء ما أشد الحاجة إليها واجعل لهن جمع غير العاقلات فهن أدواء مستبدة ؟
إني اخرج بشعور من يهين أمه فقد... دعني أحذف جملا مؤذية ....
كم أنا الآن كريه افضح كل الخفايا التي لم يسع إليها رجل إلا استفزته النهاية وهرب من المكان الذي نال فيه المراة الأخيرة .... من لضعف الرجل الذي تأتي به المراة بين فخذيها ثم تفرض عليه الرسوم فيدفع خوفا أو محبة وهل من فرق بين الخوف والمحبة... الضعف المطلق بعد اللحظة التي تعقب أي إفراغ لحظة نسميها الحب فنهرب من الندم البغيض بتغيير اسمه إنه الحب...
ما الذي يدل على الحب أكثر من لحظة العرق التي تحل بعده ... فابتكر مشهدك الأخير ...عزاء ...
واجعل حبيبتك نخلة سامقة لتحبها أكثر ثم أسقطها في روحها الأنثوية فأنت محق في البقاء وحيدا ...فليس امرأة تطاول نخل البلاد العزيزة التي فتحنا فيها أعيننا الواسعة ... وأنصت إلي ...
صوت النخلة تتمزق...كمشهد أخير للحب ...
درسك الأول درسك الأزلي ... لا يمكن قطع النخلة واقفة تلك هي القاعدة الأولى لقطع النخلة نصفين ثم أربع ثم ثمان ثم ستة عشر ...
تصلب النخلة، تسوى بالأرض، تهان بعد شموخ ، تنزل الأرض، يعمل الفأس في قاعدتها الصلبة. ترى رذاذ الماء الأبيض يخرج مع كل ضربة فأس، يتناثر مزقا بيضاء على وجه حامل الفأس، يمسح وجهه ويواصل الضرب. يبدأ محايدا يفكر في سقف الكوخ الذي سيستظل به، ثم يتوتر فيصير الضرب انتقاما للبناء العنيد الواقف لا ينثني . تعمل الفأس جاهدة. يتصبب العرق على العينين الحاقدتين صيفا أو شتاء، يلعن صاحب الفأس النخلة لأنها أصلب منه عودا. لكنها تنتهي بالانهيار تسمع لها طقطقة ثم صريخا ثم انهيارا مدويا كانهيار الجبل الشامخ . يتمسح جريدها بالفضاء المحايد يتوسل بقاء أخيرا،لحظة أخيرة من الشموخ الذي لا يلين، تتذكر كل جريدة من جريدها وهي تتهاوى الزمن العظيم الذي قضته سابحة في الفضاء. تتذكر الرياح التي هزتها ولم تقو على إسقاطها، تتذكر العصافير التي حطت عليها، تتذكر الحمام الذي عشش في ركنها الحميم،هناك قريبا من الليف الدافئ، حيث استكان الذكر إلى أنثاه وحضنا البيض كلاهما وسقسق كل في منقار الأخر وهدل هديلا. تسترجع النخلة الهديل الأزلي منذ طاولت قامتها الصغار الذين يعتدون على الأعشاش. النخلة هي التي أوحت للحمام ألا يعشش في أركانها إلا إذا طالت ووفرت منعة الأعشاش من أيدي الطفولة العابثة ... يختار الحمام باسقات النخيل ليعشش و يهدل متناغما مع هسهسة الجريد والسعف الأخضر الذي لا ينثني.
يتمسك الجريد بآخر أهداب الهواء العابر لا يستجيب الهواء. شقته ضربات الفؤوس البشرية، كان الهواء مجروحا أبدا وينعطب كلما سقطت نخلة من فضاء الغيوم النديفية إلى الأرض الموحلة تحت أقدام البشر العابث، يغرس، يجني التمر، يسب النخلة العاقر، ويحمي التي تلد إلى حين، ثم بالفأس، يجتث اجتثاثا ...
ترى من وحشتك ...النخلة تسقط، تسمع لها دويا موجوعا من الألم، تتمزق الخصلات الأخيرة التي تربطها بالجذر الأرضي. آخر الخصلات في قلب الجذع الأبيض الذي طافت حوله الفأس وعرته وفضحت بياضه الخجول ... تميل النخلة مستسلمة حيث يريد صاحب الفأس المستبد الذي يمسح جبينه وينتظر السقوط... يزيدها بقدر نذالته الخلقية «انزلي يا كلبة»وينسى عرجون البلح السكري «كم أعطيتك يا بشرا لا يقر بالحقيقة و ينكر حتى حليب أمه». تتهاوى تنطرح تهتز اهتزازات أخيرة تحشرج يبكي جذعها آخر دموعه السكرية ،تهمد يائسة. صارت النخلة أفقا تافها ورخيصـــا و منطرحا على الأرض الندية. يسير الأطفال الصغار عليها ويبولون أحيانا. يشمت صاحب الفأس، لقد انتصر انتصارا آخر على الكائن الذي لا يمد عنقه مستجديا ولا يعرف إلا طريق السماء الصافية، وقد تعبث بالغيوم وتبقى ضاحكة تعري نواجذها... و تعاكس الريح التي لا تلين. يمر الهواء الرصاصي المشبع بالرطوبة الأرضية على السعف المستكين يحركه فلا يستجيب. سقطت نخلة على نهر الزاب أو في بلاد الجريد أو في بلاد المزاب لا فرق فالنخل مغرور والهواء يسارع إلى النسيان ليستمر في العبور بين أرجاء البسيطة المستكينة لفعل الإنسان قطاع النخيل السامي حامل الفأس الحجرية حامل الفأس المعدنية وحمال المنشار الكهربائي... سقطت النخلة.
مسح القاطع عرقه يمكنه الآن أن يستريح تحت ظل النخلة المجاورة. لن تحاسبه...في قلبها كلم مفتوح ،أختها سقطت منذ حين . قريبا يحل الفأس في جذعها "يداعبه" ويفضح عري الجذع الأبيض. لن تطرد الفلاح من تحت الجذع المحايد أو يتظاهر بالحياد ... فهي سامقة دوما وتحتقر القصار وتزدريهم . قصار أولئك الذين يعملون الفؤوس في جذوع النخيل . يشرب ثمالة كأسه المترعة برغوة النخل المقتول وينتظر يوما أو بعض يوما يجف الجذع قليلا ويطاوع الفأس من جديد «ما لجرح بميت إيلام»هكذا قال الشاعر الذي لم يقطع النخل واستظل به من سفر طويل لا يصل به إلى غاية غير مطاولة النخيل . يسقط الشاعر الذي يعرف أن «من يهن يسهل الهوان عليه » سهل الهوان على النخلة المقطوعة . وبدأ الجذع يجف .. يحد القاطع فأسه من جديد على حجر صواني صقيل ثم يستأنف ،يغرس خنجره ثانية وثالثة في الجسد الطويل الراقد بعد شموخ . يقول معزيا أحيانا إذا ذكر البلح الأحمر في أول الخريف " سنة الله في خلقه" ويسند يده بالنص "ولقد كرمنا بني آدم ورزقناهم من الطيبات" لم يكن آدم نخلة لكنه لم يقطع نخلا من نخيل الجنة أو من نخيل الأرض التي أورثها ولم يكن من طيبات الأرض الإطاحة بالنخل العزيز .
يكشط مساحة كافية من طرفي الجذع الممدد جثة باكية بدموع لا يراها عميان البصيرة. يغرز في المكانين العاريين أداة من الحديد الحاد كالهرم المقلوب أوجد لها من الأسماء إسفين... ويبدأ في الضرب بمطرقة حديدية وتبدأ النخلة في التوجع المكلوم.كلما غاص الهرمان الحديديان في طرفي جذعها أنت وبكت بصمت ولم تعترض لكنها تحزن مرتين إذا كان الإسفين من خشب الزيتون الشديد فالغدر ليس من شيم الزيتونة الهادئة الطبع التي تضيء قناديل للمتعلمين.
تعرف النخلة أن العزيز إذا وقع لا يشتكي فقد تخلى عنه الذي أعزه قبل السقوط هكذا يسكت الملوك إذا ذلوا بعد عز. ويبدأ الحديد في الغوص وتزيد المطرقة في زهوها الجبار تدق الحديد في الجذع المستسلم ويبدأ الشق الطولي في الانفتاح في الجذع كلما انفتح زيد من الأسافين واحد حتى تصل القلب فتفلقه شقين . تسمع مع كل ضربة مطرقة صوت تمزق موجع كصوت كبد أم تفصل عن وليدها بين أيدي بغاة من البشر الكافر بالحنان الامومي ...
لم تسجل لغة الإنسان الذي ولد بين النخل صوت تمزق النخلة لأنه كان دوما يخاف أن يخلد الصوت الموجوع في اللغة الخالدة فيظل يطارده كصوت الضمير الصاحي أيها البشر يا قاطع النخل خسئت إنما تسمع صوت كبد أمك يتمزق تحت ضربات الحديد. كل الأصوات لها اسم إلا صوت تمزق النخل العتيد. أيها اللغوي الأول يا جبانا منذ أول القول كيف نسيت صوت تمزق النخل في اللغة؟ سميت صوت الثعالب وصوت الذئاب وصوت ابن آوى وصوتك الخانس الجبان بكل الأصوات والأسماء سميت الفأس والإسفين ونسيت صوت انفلاق قلب النخلة السامقة صوت انفصال كبد النخل الموجوع تحت ضربات الفأس الجبارة التي أتقنت صنعها في كل العصور ..
يا صانع الفأس وقطاع النخيل السامق خسئت إنما تقطع كبدي في موهن الليل وها أنا أشكو إلى اللغة وقد انتهى كل شيء . يغوص الحديد في اللحم النخلي الطري ينبجس ماء أبيض كالرغاء من أوصال الجذع الذي يتمزق . يجأر ألما ... يتفجع ثم ينفصل صراخ ليس من مواء القطط فمواء القطط تافه ومصطنع وفيه دلال الحيوان المدجن. كبد النخلة تتمزق في عواء غير عواء الذئاب الجائعة فيه صوت جروح السيف في صدر بطل خاض معركته الأخيرة وانهزم من خيانة .أحدهم خان النخلة لما أولج الفأس الصخرية الجبارة المتقنة الصنع في لحمها الحميمي . مزيح من حرف العين والخاء والعين مشددة والصاد الصامتة ثم العين الشديدة الممزوجة بحروف ليست من الأبجدية. يفرح القاطع كلما انغرس الخنجر في كبد النخلة يرى الشق الأفقي يتسع رويدا رويدا فيرقص منتشيا .
أيها القاتل انك تغوص في صدري فارفع فأسك عن كبدي إني أموت. لكن النخلة تحجم عن الشكوى إن قاتلها بلا كبد. لن تمن عليه الحلوى، لن تمن عليه السكر، لن تمن عليه البلح الناهد بين أسنانه كالحلمات الأنثوية صلبا ثم طريا ثم مزيجا من الماء والسكر المذاب...
أيها القاطع إنما تعمل فأسك في كبدي فترفق قليلا قبل الضربة القاصمة إني أموت ...

يغوص الحديد يتسع الخرق في الجذع المصلوب إني أموت مع النخلة المهانة.

أيتها النخلة يا أمي إني أموت بلا صديق يحمل عني ضربة فأس من فؤوس البشر القطع .. بلا دموع يا أمي النخلة بلا صديقة تحمل عني حقيبة الأحلام الثقيلة التي حملتها مذ تفرع من قلبي الأبيض جريد أخضر . سقطت نخلة في مسافة من طريقي إليك فلا ظل غير الحنين إلى ظلك أيتها الولادة أيتها الحاضنة أيتها المرضعة يا حلمات البلح الأحمر يا حلمات الماء المذاب في السكر العسلي يا ماء الحياة ...يا حياة...إني أموت فلا تهربي من ظلال الحب إني أموت إليك أيتها النخلة السامقة، فلما أنت نخلة هاربة وأنا نخلة تتهاوي على ركام التراب الرطب في اللزوجة البشرية .
إني أموت يا أمي وقلبي يتمزق كالنخلة المتهاوية بعد طول عناد وكبر ... سقطت الحياة مع النخلة المغدورة بفأس لم تر صانعه غير أن الفأس قاطعة والحداد يعرف مهنته جيدا فقد ألان الله له الحديد .
... ثمة لحظة تصرخ النخلة صرختها الأخيرة يغوص المثلث الحديدي في قلبها فتتمزق... فتأن أنينا... إني اسمع صوتها يصرخ صرخته الأخيرة إني اسمع صوتي الآن على مقام الحجاز ضربة أولى في الجواب ثم ضربات عميقة في القرار ثم دوي عميق من طبل جوفي قادم من وادي سحيق وادي الفراق حيث تركت إبل أكبادها بين أيدي الذئاب البشرية توزع الأخلاق على الركبان وتمنع الحب عن النخيل السامق خوف الجنون الاجتماعي أليس النخل حمال الجنون. إني نخلة مجنونة أسمع الفأس في قلبي العميق على مقام الحجاز وأسمع رجفات قلب الأم الحزينة في موهن الليل البهيم. نخلة تسقط في الليل وتتمزق تحت وقع مطارق العارفين بالله والسجن وكتب الترهات القديمة والحديثة في المجلة الجنائية. يفرح حامل الفأس إذ يسقط جذع النخلة نصفين وينطرح الأبيض فوق الأرض تحت الشمس اللاهبة ثم يحمر حزينا مشوي الكبد من الصهد والغدر ونكران الجميل .
الآن وقد أحمر يمكن الشروع في قطع كل نصف نصفين فتصير النخلة أربعا. لم يعد هم النخلة وقد ماتت أن تقسم .قديما قال محارب يريد أن يبني مدينة على هواه وقد حاصرته الجيوش وخاف "ما ضر الشاة سلخها بعد ذبحها ".
يا أمي لقد تداولني الفؤوس فاعجلي إلي إني أتقطع أربعا ثم ثمانية ثم ستة عشر ،وقبل أن تحملني الريح سيدب السوس في خشبي . هربت مني الحياة... تقطع النخل في كبدي إلى أجزائي الأصغر فالأصغر وقد أسقطتني فؤوس لا تلين . من يحمل خشبي الآن خارج الغابة لينمو في منبتي طحلب الأرض حمال العفونة البشرية من يحمل كبدي الحرى إلى مكان تذوي فيه في سلام المكان المنسي من يمد القلب الكليم بصوفة بيضاء لكفكفة الدماء الصاحية ؟من يحمل دمعة في كفه للحياة وقد تخلت تحت مطارق الأيام.تسقي خوفها فتحتمي من وسوسة الحب في جريد النخل يحضن الحمام ويسمع الهديل ويتمتع بالحب وقد حط العشاق على كل فنن من أفنانه السامقة الدافقة بالحياة .
من كسر نخلة قلبي يا أمي؟ إني أذوي كنخلة مقطوعة الصلب في غابة موحشة من البشر الذي لا يرفع عينيه للسماء إلا ليرى ضربات الفأس في قلبي المغروس في عميق الأرض حمالة البلح والسكر والماء النمير حيث كان كل شيء من الماء حياة ...
أمي البعيدة كالحلم الطفولي هل تسمعين صوت سقوط نخلتي ... وهروب الحمام...
تلك حياة وقد تخلت .
(...) سقط النخل وتليف الكبد فودع بدايات الأمل وادخل في النسيان المشترك وكل ما تيسر من دجاج الآلة . ثمة من يوزع القيم السامية على الركبان ويقيس عمق مياه الحب بقصبة ويمن على الناس سعادة النوم المبكر في حضن زوجات سمان أكلن جيدا وشخرن على المخدات الطرية . واكتب كعزاء أخير مرثية القهوة التي كان يشربها المتصوف ليصلي ...
... رائحة قهوة الصباح تضوع .. عودتها بلا سكر ... لكن الفراق أمر . أشم رائحة اللحظات الأخيرة في رشفة من الفرقة الحارقة فتحت عيني على الوجه الجميل مرارا وجدت الحزن سباقا إلى الضحكة المتوقعة ... أضفت على مائها سكرا وحليبا ... لكن المرارة تصعد الآن إلى الحلق والكلمات ... فنبكي ... يحكمنا حاكم مستبد يقول مرتاح الضمير سعيدا على جثتي عاشقين خرجا عن صفوف الشحوم النضيدة .." قفا إنكما تدفعان سيول حريق على حطب يابس ... ينكسر الواجب إذا تتبادلان القبل ...ثم ... الواجب أجمل من كلمات الغرام ومن ريق المحبة الصاخبة إذ يتجمع في حلمتي نهد مغامر...ثم ... حرام على العشاق أن يتجمعا ... إني أخاف على المجتمع ... " فنذهب كل إلى غاية لا يريد .فيضحك فاسق في كتب الترهات القديمة " قتلت بحجر واحد حجلين." نهق الواقفون على حدود الشريعة " خذ قهوة مرة وانتظر أن تجد السكر في القيم السامية "
كأنا ضحكنا من القيم السامية لكنها ضحكت من حبنا مرتين ... هربنا إلينا نفتح الأجنحة لكنها وقفت بيننا مقبلين ... وقفنا نقرع أسنانا حيرة ،حرام على العشاق أن يتجمعا فالأرض تفقد في سيرها دورتين . تقوم البلاد على منعنا وترقص على نعشنا رقصتين أليست سعيدة بالانتصار وقد قتلت بحجر طائرين . من حزننا تفرح القيم الخالدة وتغرس على قبرنا شوكتين. يراها الحزانى على مثلنا فيبكون حفنة من كل عين . لكنها القيم الخالدة ونحن في عرفها فاسقين.
قهوتنا مرة كل مرة لكن مرارتها تحمد فالمر أن لا أقبلك قبل فراقنا قبلتين ...
وتكون قد انصرفت إلى الشؤون العاجلة تنتظر زواجا مطابقا للمجلة. فانكمش عزائك في القهوة المرة على مقام النخيل... فوق النخل فوق بدر لامع خدك يا بدري القمر فوق لامع .. صعبان الفرقة علي سلم عليهم يا با .
انكمش لا مكان للحب في زمن قصف النخيل بفأس القيم السرمدية والحسابات القصيرة في البنوك الراصدة أن تدخل في الاستهلاك والطبقة الوسطى حيث يصير كل شيء قابلا للمفاوضة طبقا لأحكام المجلة التجارية و خيار الشرط المصاغ حديثا بقانون تقاسم الأملاك .
فتت ذكورتك جيدا كي لا تختفي خلف شهوتك وتتحدث عن الحب فأنت تيس جيد ما دمت المعزاة واحدة . فإذا استبد بك الجسد فتذكر أنك تدخل في "الروج" بعشاء واحد في مطاعم حلق الوادي ألست في الطبقة الوسطى التي تستلف على "راس الشهر" منذ اليوم العاشر . هل تعرف الخبز "المشلوش" لا تشرح للعارفين فمن أكله سيقوم عليك إذ تفضح حساباته المصرفية أما من جهله فسيتهمك بقدرتك على اللغة الشارعية. أيها المشلوش يا خبز الطبقة الوسطى التي"تخنصر" الخبز لتجد ثمن وقود السيارة الشعبية. أين مكان الحب في زمن الخبز المشلوش؟ " شلوش" ما تستطيع ففي النساء نساء يصحبنك بربع دجاجة حيث تشاء فلماذا تستعيد حديث الحب في زمن الدجاج .
اقسم أن الحب لم يأكل من حشاشة قلبي واقسم أن لم تتقاسمني النساء فأنا وللضرورة الوطنية قررت وأنجزت ... تيس عاقل بمعزاة وحيدة ...طبقا لأحكام المجلة التي توزع على الخطوط الجوية الذاهبة إلى بلاد القروض المؤجلة الدفع ...

نور الدين العلوي: روائي من تونس
****
abouchedy@yahoo.fr
******