٢١‏/٨‏/٢٠٠٥

تأبين شهيد المحراب في واشنطن

في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاده:


الجالية العراقية في واشنطن تؤبن الشهيد الحكيم

أبنت الجالية العراقية في العاصمة الاميركية واشنطن، ليلة أمس (الخامس من حزيران) شهيد المحراب أية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم، في ذكراه السنوية الثانية.
وقد تخلل المجلس التابيني الذي أقيم في مركز دار السلام، والذي حضره جمهور غفير من العراقيين والعراقيات وعدد من أبناء الجالية العربية والمسلمة المقيمة في العاصمة واشنطن، عدد من كلمات التأبين والرثاء، بالإضافة إلى قصائد شعرية لشعراء عراقيين معروفين.
وقد بدأ الحفل التابيني الذي أداره وقدمه الأستاذ محمد الطريحي، بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، شنف بها أسماع الحضور الأستاذ محمد الخفاجي، ليعتلي المنصة بعد ذلك، الأستاذ السيد كريم الموسوي، ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، في العاصمة واشنطن، ليلقي كلمة المجلس، التي حيا فيها صاحب الذكرى، مستعرضا جوانب من فصول العملية السياسية الجديدة في العراق قائلا:
إن إحياء ذكرى استشهاد شهيد المحراب( رض) هو إحياء للقيم والمبادئ التي نذر الشهيد حياته من أجل تكريسها وضحى بنفسه لتحقيقها، وعلى رأسها إنقاذ العراق من الديكتاتورية الغاشمة التي أعادت البلاد إلى القرون الوسطى ودمرت كل شيء فيه، الإنسان والدولة والبيئة والبنية التحتية، حيث بذل رضوان الله تعالى عليه جهوداً مضنية منذ مجيء النظام الديكتاتوري إلى السلطة، لتحقيق هذا الهدف الكبير فلم تثنه العراقيل والتحديات والمصاعب والتضحيات، عن مواصلة مسيرته الجهادية، والتي من ضمنها جريمة النظام باعتقال وقتل العشرات من علماء الدين والأساتذة من أسرته الكريمة.
وفضلا عن مناداته بالحرية للشعب العراقي، طرح الشهيد مبدأ أساسيا للمستقبل ألا وهو؛ أن الشعب هو صاحب الكلمة العليا والرقم الصعب في رسم المستقبل السياسي للعراق، فرفض كل تجاوز أو تهميش أو إقصاء لدوره في تقرير مصيره، وأكد فوق كل ذلك، على أن الإسلام، الذي هو دين الأغلبية الساحقة للشعب العراقي، ولذلك ينبغي احترامه كهوية للشعب ودين رسمي للدولة ومصدراً من مصادر التشريع رافضا سنّ أي قانون يتعارض مع أساسياته وثوابته المجمع عليها، وشدد على تشكيل حكومة عراقية منتخبة أساسها العدل والمساواة، منبثقة عن دستور يصوغه ممثلو الشعب، وتتم المصادقة عليه باستفتاء شعبي عام.
وأضاف الموسوي:
إن ما تمر به بلادنا اليوم من مرحلة غاية في الأهمية، إذ أن إعادة بناء أمة خربت بالكامل، وفي خضم هجمة إرهابية واسعة النطاق ومعقدة تحاول تخريب بناء العراق الجديد وفق منهج التعايش والأخوة وحقوق المواطنة والتكافؤ في الفرص، بين جميع مكوناته المتنوعة، هذه المكونات التي عاشت متئالفة لقرون مضت بمحبة وتآخي وفق منطق حقوق المواطنة، هذا التنوع الذي هو مصدر أساسي لثراء العراق الحضاري والذي بدونه لا يمكن أن نتصور عراقا حقيقيا مستقرا يعيد دوره الحضاري في المنطقة والعالم، هذه المرحلة تتطلب وقفة حكيمة من جميع رجالات العراق وعقلائه في التأكيد على الوحدة الوطنية لدحر الهجمة البربرية التي تواجهنا جميعا، ووعي خطورة ذلك بالعمل الجاد في تجاوز كل الصعوبات التي تحول دون إتمام البناء السياسي والإداري للبلاد وتعطي الفرصة للإرهابيين في الاستمرار في التدمير تحت شعارات مزيفة همها الأول هو إيقاف التجربة العراقية الجديدة والرائدة.
وأضاف ممثل المجلس الأعلى في العاصمة واشنطن:
كما هو معروف لدينا جميعا، فقد مثلت انتخابات كانون الثاني الماضي وولادة الجمعية الوطنية، منعطفا في تاريخ العراق المعاصر والتي أعقبها تشكيل الحكومة المنتخبة، كما أن عملية إعداد وصياغة مسودة الدستور الجارية حاليا بعد الجهود الخيرة في إشراك الإخوة المقاطعين للانتخابات، والمراحل المتقدمة التي وصلت لها عملية الإعداد، ما هي إلا إشارات خير وأمل في إعداد دستور عراقي حضاري متوازن، دستور دائم يحفظ لكل عراقي حقه وللأجيال القادمة حقوقهم ومستقبلهم.
كما أن الخطى الحثيثة التي تسير فيها الخطة الأمنية في البلاد أعطت الكثير من الدلائل بتراجع الإرهابيين القتلة لو قيست هذه الأعمال الإجرامية في استهداف المدنيين الأبرياء دون القوات الدولية أو حتى المؤسسات الحكومية، وان الحكومة ماضية بعون الله تعالى، في تحقيق الهدف الأمني المنشود، ومن هذه الدلائل أيضا نعتقد بوجود وضع إعلامي جديد في القنوات الإعلامية حيث تتم إدانة الإرهاب خصوصا أن الإرهاب الذي يقع في العراق قد ارتبط بخطف الدبلوماسيين الأجانب وقتلهم أو اغتيالهم.
كما يوجد مؤشر آخر على مستوى فتاوى بتحريم وتجريم العمليات الإرهابية، وهو ما يمكن تسميته بتحول نسبي ضد الإرهاب كفتوى الأزهر ومواقف بعض علماء السعودية وفي المنطقة في هذا الاتجاه، أما على المستوى السياسي والدبلوماسي، فهناك العديد من الأصوات السياسية والدبلوماسية المتصاعدة وعلى مستويات رفيعة في إدانة الإرهاب والقتل العشوائي، فضلا عن التعاطف والدعم السياسي والمادي الدولي للعراق في بناء قدراته لحماية تجربته الجديدة والتي من المهم استثمار هذا الدعم الدولي لخير العراق.
وأضاف الأستاذ الموسوي، قائلا:
إن تنامي قدرات الجيش والشرطة، مع تجاوب جماهيري مضطرد ليس على مستوى التأييد وإنما على مستوى إيصال المعلومة الأمنية والتعاون الطوعي والانسجام مع تحركات القوات الأمنية العراقية ضد مناطق التوتر، وأيضا تفعيل الاتفاقيات الأمنية مع دول الجوار وما تمخض عنه مؤتمر وزراء داخلية دول الجوار العراقي في تركيا، كلها وقفات مهمة ستؤدي إلى انحسار العمليات الإرهابية ودحر الإرهاب.
بعد ذلك، اعتلى المنصة، السيد حامد الاعرجي، إمام وخطيب مركز دار السلام، ليلقي كلمة المركز بالمناسبة، والتي حيا فيها صاحب الذكرى، متطرقا إلى ابرز ما تميز به الفقيد السعيد من خصال، كالعلم والجهاد والتضحية والإيثار، داعيا إلى أن تكون الذكرى محطة للعراقيين يتزودون فيها من وقود الصبر والتضحية الذي يعينهم على مواصلة المسيرة التي ضحى من اجلها الشهداء الأبرار، وعلى رأسهم العلماء والفقهاء، ومنهم شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم.
أما الدكتور العبيدي، فقد قال في كلمته التي ألقاها بالمناسبة:
لم تمر الذكرى الثانية لاستشهاد آية الله الحكيم هذه السنة كذكرى عابرة قبل سنتين، بل زادها حضورا في الأذهان، هذه المجازر البشرية التي ينفذها الحاقدون على العراق، كما أحياها سجل عراقي يتحدث عن الانتهاكات الكثيرة لأمن الوطن داخليا وخارجيا، كنا نظن أنها اندثرت تحت ركام النظام السابق، وكأن الأزمة والمعاناة، ومضاعفاتها لم تكن درسا للجميع يتعضون منه ويستندون إليه في معالجة المستجد من المشاكل والخلافات.
وأضاف الدكتور العبيدي قائلا:
نحن نعجب، أصحيح أن الوطن لم يكن قادرا على العودة إلى بر الأمان والاطمئنان؟ وكأن هذا البلد كتب عليه أن لا يعيش مستقرا، فقد تكالبت عليه المشاكل في الداخل ومن جيرانه في الخارج، وبدأ الحاقدون يتطلعون إليه وكأنه رجل مريض لا بد من اقتسام أملاكه قبل أن يموت.
هذه هي عصابات القتل والتخريب تنخر في جسده الدامي، وهذه حدوده مخترقة من قبل دول الجوار، كل منهم ينهش في الجسد العراقي ما يعمق النهش والاستحواذ على الأرض والثروة، متذرعا بقرارات الأمم المتحدة، وما دروا أن هذه القرارات الباطلة اتخذت في وقت كانت الدولة فيه قد وهنت وأبناؤها غيب عنها، إنها فرصة لتثبيت شرعية الباطل في أراضيها في ظل حكومة منهوكة القوى، لا تقوى على الحفاظ على أمن الوطن وسلامته، ناسين أو متناسين قول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي يقول فيه؛ { فان الحق القديم لا يبطله شئ} فالعقل مضطر لقبول الحق، فلا تدعوا الآخرين يأكلون حقوقنا ويجعلوننا من المستضعفين، نعم انه مشهد رهيب يكاد أن ينطق بصوت الكارثة القادمة من وراء حجب الغيب.
وواصل الدكتور العبيدي كلمته قائلا:
لقد طالبت، أيها السيد الشهيد، بوحدة الشعب العراقي وهم يقسمون، وطالبت بجلاء الحقيقة للشعب، عن كل صغيرة وكبيرة، وهم يسكتون، نأمل أن يقتدي بك كل من سار في طريق الحق، لنصل إلى ساحل النجاة.
وأضاف:
بعد زوال عقدة صدام، يفترض أن لا تكون هناك مبررات، لتكرار ما مل الناس من تكراره، وسماعه، كالمجازر الجماعية ونهب أموال الدولة وتحطيم المؤسسات والتفريط بالأرض والثورة والإنسان، حددوا المواقف أيها السادة من قضايا الوطن، بفكر منفتح لا مكان للتحجر والتخلف فيه، ولا لأعداء الوطن.
ثم خاطب الدكتور العبيدي، صاحب الذكرى، بقوله؛
إن وراء جريمة اغتيالك كان همك الوحيد بوحدة الوطن، وأرض الوطن وإنسان الوطن، لقد قتلوك يا حكيم الحكمة ولا أحد يدري من قتلك؟ لم لم يحفضوك؟ ولم لم نسمع تحقيقا باستشهادك، ولم نقرأ شيئا منشورا عنه؟ أهكذا هي أرواح المخلصين من أمثالك رخيصة عندهم؟ إنها غالية وأغلى من الذهب عندنا.
وعودة إلى الذكرى سيدي، ترى، من يعوضك للوطن؟ أهذه الكلمات الرنانة التي لا يؤمن بها حتى أصحابها؟ قتلتك المبادئ وخائنيها حتى لا يجدوا سبيلا لها.
إن الذين تآمروا عليك رسموا لدولة العراق أن تبدأ مع النقص، والنقص يعني بداية التدهور وما ظنوا أن المبادئ الحق والعدل هي فوق النقص، نحن لا نريد أن نرى معدل النقص يعلو على العدل والقوة، لكن كما يبدو، حدث ذلك، فان حلت لا سامح الله، كانت بداية التعثر والضعف والوهن.
وفي الحفل التابيني، كانت للقافية حضورها الكبير من خلال قصيدة الشاعر العراقي الأستاذ حميد الخاقاني، الذي ألهب بأبياته الشعرية المؤثرة أحاسيس الناس وعواطفهم، مستذكرا فيها الشهيد السعيد ومآثره، ومعرجا إلى الحالة التي يمر بها العراق اليوم على يد عصابات القتل والتكفير والموت، ومجددا العهد مع الشهداء الأبرار، بالمضي قدما في طريق الإيثار والتضحية من أجل بناء عراق حر كريم خال من الاستبداد والديكتاتورية والتمييز.
بعد ذلك ألقى نـــــــــــزار حيدر مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، كلمة تحدث فيها عن فلسفة إحياء الأمم والشعوب لذكرى شهدائها الأبرار، فيما تطرق، في جانب آخر من كلمته، إلى الظروف والتطورات التي يمر بها العراق حاليا، قائلا:
إن قيمة الأمم تقاس بإنجازاتها التي تقاس، بدورها، بتضحيات شهدائها، ولذلك تهتم الأمم والشعوب بتخليد ذكرى تضحيات شهدائها وتفخر بها بين بقية الأمم، لأن أمة لا تحيي ذكرى شهداءها، لهي أمة ميتة، وان شعب يتصور بأن شهداءه أموات، لهو شعب ميت، أما الشعب الحي، فهو الذي يتذكر شهداءه وتضحياتهم، ليعرف دائما أين يقف؟ وماذا أنجز؟ وكيف وظف التضحيات أحسن توظيف من أجل حياة أفضل.
كما أن حجم التضحيات لكل أمة من الأمم دليل على ضخامة الإنجاز، أضاف نــــزار حيدر، فالإنجاز الضخم لا يمكن أن نتصوره بتضحيات قليلة وبسيطة، ولأن إنجاز العراقيين اليوم كبير وتاريخي ومفصلي، لذلك جاءت تضحياتهم كبيرة جدا فاقت، ربما، حد التصور، فضحى هذا الشعب بعلمائه وفقهائه وشبابه وكباره وصغاره ومثقفيه، وكذلك برجاله ونسائه، وكل ذلك من أجل أن يأتي الإنجاز كبيرا يستوعب تصحيح الخطأ التاريخي الذي بني على أساسه العراق الحديث، وليس شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم، إلا واحدا من ذالك الطراز الرفيع من الشهداء الأبرار الذين قدمهم الشعب العراقي من أجل أن يحيى حرا كريما أبيا، رافضا للظلم والضيم.
إن إحياء ذكرى الشهداء الأبرار، مسؤولية في أعناق العراقيين، ليتذكروا تلك التضحيات الجسام، من أجل أن لا يفرطوا بها، في كل الظروف، ولقد فعلت الحكومة العراقية خيرا، عندما أعلنت يوم السابع من حزيران، يوما للشهيد في العراق، لتبقى دماء الشهداء في ذاكرة العراقيين تعيش معهم دائما.
وأضاف نـــــــــزار حيدر متحدثا عن المدرستين اللتين يمثلهما الشهيد وقتلته، قائلا:
إن الحديث عن ذكرى الشهيد، هو حديث عن معالم مدرستين متناقضتين، متوازيتين لا يمكن أن يجتمعا حتى قيام الساعة، الأولى التي يمثلها الشهيد بتضحياته، والثانية هي التي يمثلها قتلة الشهيد وسافكي دمه الطاهر.
الأولى التي تعتمد الحق والصدق والإيثار والتضحية والعلم والمعرفة والجهاد، من أجل خير الإنسان وسعادته وحريته وكرامته، والثانية التي تعتمد الكذب والتزوير والكراهية والبغض للحق وأهله، والقتل والدمار، لأنها لا تحب الحياة والخير للإنسان، كانسان، إنها تتمنى الموت للناس وتكره الحياة لهم.
ولذلك رأينا، أضاف حيدر، كيف أن القتلة والإرهابيين، يعمدون إلى كل الوسائل الخسيسة والأدوات غير الشريفة من أجل أن يقتلوا أكبر عدد ممكن من العراقيين الأبرياء، بعد أن وظفوا الفتوى الطائفية الحاقدة، يدعمهم المال الحرام والإعلام الطائفي المضلل للحقيقة، ومتشبثين بقيم صالحة هم أبعد ما يكونوا عنها، كالجهاد والمقاومة، فأية مقاومة هذه التي تقتل الأبرياء من المواطنين كل يوم وليلة؟ وأي جهاد في سبيل الله تعالى ذلك الذي يقتل أفراد الشرطة والجيش الجديد؟ وهم الذين يدعون بأنهم يقاتلون لطرد المحتل من البلاد؟ فإذا كانوا ينوون ذلك بالفعل، فلماذا يقتلون الشرطة التي تسعى لتقوية بنيتها لتكون قادرة على استلام المهام الملقاة على عاتقها من القوات متعددة الجنسيات؟ ألا يعني ذلك أنهم يساهمون بدرجة كبيرة في إطالة أمد (الاحتلال)؟ أم أنهم يريدون من القوات الأجنبية أن تغادر العراق ليستلموا العراق، فيعيدوا عقارب الزمن العراقي إلى الوراء ، فيعيدوا نظام المقابر الجماعية وحلبجة والأنفال والحروب العبثية إلى ربوع هذا البلد الطيب، كما أشار إلى ذلك، الزمرة التي اجتمعت مؤخرا في بيروت لتمجد ما أسمته بــ(ثورة السابع عشر من تموز، وقيادتها الأسيرة) من دون أدنى اكتراث بمشاعر أسر الضحايا ، ومن دون الأخذ بنظر الاعتبار التطورات الجديدة التي يمر بها العراق، وكأنهم يعيشون خارج الزمن العراقي الجديد، أو أنهم يتعمدون الإصرار على كشف هويتهم الحقيقية التي تنتمي إلى النظام الشمولي البائد.
عن الملف الأمني الذي لا زال يشهد تدهورا خطيرا، قال نــــــــــــــزار حيدر:
كلنا يتذكر آخر خطبة جمعة كان الشهيد الحكيم قد ألقاها في الصحن الحيدري الشريف، عندما طالب فيها بتسليم الملف الأمني إلى العراقيين، معتبرا أنهم الأقدر على التعامل معه بشكل صحيح وفاعل، ومنذ ذلك اليوم ولحد هذا اليوم، بقي الملف الأمني هو الهاجس الأكبر الذي يقلق العراقيين، من دون أن ينجح الاميركيون والحكومات العراقية المؤقتة التي تعاقبت على السلطة في بغداد، في إنجاز شئ مهم يذكر، إذ لا زال الدم العراقي المسفوك ظلما وعدوانا هو اللون العام الطاغي على بقية الألوان والذي يصبغ حياة العراقيين، فلماذا يا ترى كل هذا القتل والعنف والإرهاب الأعمى ؟ لماذا لم تنجح الحكومة العراقية في تحسين الوضع الأمني للعراقيين؟.
أعتقد أن هناك أسبابا كثيرة، قال نـــــــــــــــــــزار حيدر، لعل من أبرزها:
أولا؛ لا زال الإرهابيون وأيتام النظام البائد يعشعشون في الأجهزة الأمنية، ويسيطرون على مفاصلها المهمة، وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة الدكتور الجعفري في مؤتمره الصحفي الأخير قبل يومين، فلماذا، يا ترى، لا تتصرف الحكومة بحزم مع هذا الأمر؟ ماذا تنتظر لتبدأ عملية واسعة وحازمة لتطهير الأجهزة الأمنية من هذه العناصر؟ لماذا لا تتكئ الحكومة على كل هذا الدعم الذي لقيته من العراقيين، وهي الحكومة المنتخبة من قبلهم، لتنفيذ خطة التطهير هذه؟ ألم تدعمها المرجعيات الدينية وكبرى الأحزاب السياسية وجل العراقيين؟ فلماذا لا تتحلى بشجاعة أكبر من أجل أن تبدأ بتنفيذ عملية التطهير بأسرع وقت، والله تعالى يقول في محكم كتابه العزيز{يا يحيى خذ الكتاب بقوة} في إشارة إلى وجوب أن يتعامل المسؤول بحزم وصرامة من أجل تأمين الحماية اللازمة لأرواح المواطنين.
يجب أن تناط مهمة إدارة الأجهزة الأمنية، بضحايا النظام الشمولي البائد، فهم الأحرص على حماية العراق والعراقيين من الإرهاب، فهل يعقل أن ننتظر من أيتام النظام البائد، أن يكونوا حازمين في التعامل مع الإرهابيين، وهم الذين ينتظرون بفارغ الصبر، النزو على السلطة من جديد؟.
لا شك أن ضحايا النظام البائد، هم الاحرص على أرواح العراقيين من هؤلاء، ولذلك يجب إناطة مسؤولية الأمن إليهم وبأسرع وقت، لنضع حدا للعبة الموت والدمار والقتل التي يتعرض لها العراقيون يوميا.
ثانيا؛ كذلك فان عدم تنفيذ أية أحكام قضائية صدرت حتى الآن بحق عدد من الإرهابيين، وكل هذا التساهل في تقديم الطاغية وزبانيته إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، والذي سوف لن يكون بأقل من الحكم عليه بالإعدام، لعب دورا في تمادي الإرهابيين في غيهم، واستمرارهم في أعمالهم الإجرامية.
إن السبب في ذلك، هو سيطرة أيتام النظام على الجهاز القضائي، والحيلولة دون استلام ضحايا النظام لهذا الملف المهم والخطير، ولذلك فان على الحكومة أن تبادر كذلك إلى تطهير جهاز القضاء من العناصر الفاسدة والمتعاطفة مع الإرهابيين والنظام البائد، ليتم بالتالي الإسراع في تنفيذ الأحكام ضد كل من يثبت تورطه بعمليات القتل للأبرياء، أو مشاركته في عمليات التخريب التي تطال البنى التحتية.
ثالثا: وهناك السبب المهم الآخر الذي يحرض على العنف والإرهاب، ألا وهو الفتوى التكفيرية التي لا زال يصدرها فقهاء الإرهاب من المملكة العربية السعودية على وجه التحديد، وفي عدد من دول الجوار.
إن القتلة والإرهابيين يتلفعون بالفتوى الطائفية ليمارسوا عمليات القتل اليومية، ولذلك، فإذا أردنا ان نكون جديين في محاربة الإرهاب، علينا أولا إن نضع حدا للفتوى التكفيرية الطائفية، لنجفف الأرض والمنابع التي يقف عليها ويتغذى منها الإرهابيون، وبهذه المناسبة، فأنا أدعو البرلمان العراقي المنتخب، الذي يمثل الأغلبية الساحقة من العراقيين، أن يتقدم بمشروع قرار إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، {الذي أصدر مشكورا، مؤخرا، قرار الإدانة ضد الإرهاب في العراق} يعتبر الفكر التكفيري فكر إرهابي محظور لا يجوز التعامل معه والترويج له، بأي شكل من الأشكال.
وكخطوة عملية للتخفيف من وطأة الإرهاب على العراقيين، اقترح نـــــزار حيدر على البرلمان العراقي أن يصدر قرارا يجيز للعراقيين الدفاع عن النفس، وهو حق مشروع تمنحه للإنسان كل الشرائع والأديان السماوية، واللوائح والقرارات الدولية، قائلا:
إذا كان الاميركيون عاجزون عن تأمين الحماية لشعبنا حتى في إطار قرارات الشرعية الدولية، وإذا كانت الحكومة العراقية لم تنجح حتى الآن في استتباب الأمن، فعلى البرلمان العراقي أن يشرع قانونا يجيز للمواطن العراقي ممارسة حق الدفاع عن النفس، والا، ففي غير هذه الحالة، سيظل الدم العراقي يجري انهارا، من دون أن يرى العراقيون أي نور في نهاية النفق الإرهابي المظلم.
بعد ذلك، ألقى الشاعر العراقي المعروف الأستاذ سعيد الوائلي، قصيدته العصماء التي أعادت إلى ذهن الحضور، صورة العراق وشهدائه وتضحيات أبنائه، كما صور فيها الأمل الذي لا زال يرتسم في أذهان العراقيين في بناء عراق جديد خال من الاستبداد والديكتاتورية، ينعم تحت خيمته الواسعة كل العراقيين، بالعزة والكرامة والأمن والسعادة والمساواة.
وكان مسك الختام، أبيات من الرثاء الحسيني الحزين، ومجلسا حسينيا، ألقاه الشيخ أحمد الحائري، الذي قال بأن التاريخ يكرر نفسه دائما، سواء بصفحات الخير أو بصفحات الشر، ولذلك نرى كيف أن القتلة والإرهابيين يمارسون نفس الأساليب التي كان يستخدمها كل الطغاة على مر التاريخ، ومنهم بني أمية الذين قتلوا ابن بنت رسول الله وسبطه الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) بدم بارد، من دون أن يكترثوا لمكانته من رسول الله (ص).
وفي ختام برنامج الحفل التابيني، تقدم الأستاذ الطريحي بالشكر الجزيل لكل الحضور لمشاركتهم الكريمة في إحياء الذكرى السنوية لشهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم.
يذكر أن عدد من وسائل الإعلام، كانت قد حضرت الحفل التابيني، منها قناة الحرة التي غطت جانبا منه في نشراتها الإخبارية.