٢٨‏/٩‏/٢٠٠٥

بيان صحافي
مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس التابعة لإفيكس
خبراء في حرية التعبير يشككون في مصداقية القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تونس

جنيف 26 / 9 / 2005

" تونس ليست هي المكان المناسب لعقد القمة العالمية للأمم المتحدة " ، وفقاً لأحدث تقرير أصدرته مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس قبل شهرين من موعد إنعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات ، التي ستعقد في العاصمة التونسية من 16 – 18 تشرين الثاني ( نوفمبر ) 2005 .

وقد أطلقت مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس تقريرها الثاني اليوم عن تونس بعنوان " حرية التعبير في تونس : تكثيف الحصار " ، بعد سلسلة من بعثات تقصي الحقائق التي قام بها مؤخراً خبراء في مجال حرية التعبير .

ويغطي التقرير الثاني ، المؤلف من 18 صفحة، آخر التطورات التي حصلت منذ إعلان مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس تقريرها الأول بعنوان " تونس : حرية التعبير تحت الحصار " ، الذي نُشر في شباط / فبراير من هذا العام في معرض التحضير للقمة العالمية .

ويبرز التقرير التدهور الخطير في الأوضاع المتعلقة بحرية التعبير في تونس ، وبخاصة فيما يتعلق بالهجمات على المنظمات المستقلة ومضايقة الصحافيين والمخالفين في الرأي، وإستقلال القضاء . كما يسترعي التقرير الإنتباه إلى زجّ المدافع عن حقوق الإنسان المحامي " محمد عبّو " في السجن .

وفي معرض تعليقه على سجن " محمد عبّو " ، يقول " ستيف بكلي "، رئيس مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير :
" إن سجن محمد عبّو بسبب التعبير عن رأيه في مقالات نشرها على شبكةالإنترنت له تأثير مثبّط على حرية التعبير وإستقلال القضاء ، بيد أن له إرتباطاً مباشراً بجهود الحكومة التونسية لقمع الأصوات المخالفة في وقت يتم فيه تكثيف الإستعدادات لعقد القمة العالمية لمجتمع المعلومات " .

ويخلص التقرير إلى أن هذا التطور وغيره من التطورات الجديدة تبين أن الحكومة التونسية تعمل على خنق الأصوات المخالفه في وقت نقترب فيه من موعد إنعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات .

إنتهى البيان

النسخه العربيه الكامله ستكون متوافرة على الموقع التالي:
hrinfo.net/ifex/wsis


للحصول على مزيد من المعلومات ، يرجى الإتصال ب : أليكس كريكويان على + 41 79 214 55 30 ، وفاتو جاغن على : +221 569 2315 ، كما يمكنكم الرجوع إلى الموقع التالي : http://campaigns.ifex.org/tmg


ملاحظة للمحررين
مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير هي أئتلاف يضم"14" منظمة ، أنشئت في عام 2004 لمراقبة حالة حرية التعبير في تونس قبيل وبعد إنعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات . وتجدر الإشارة إلى أن الأربعة عشر منظمة كلها أعضاء في الشبكة الدولية لتبادل المعلومات عن حرية التعبير ( إفيكس ) ، وهي شبكة عالمية تضم 64 منظمة وطنية وإقليمية ودولية ، ملتزمة بالدفاع عن الحق في حرية التعبير .

وتضم المجموعة الثالثة ممثلين عن المادة " 19 " والإتحاد الدولي للصحافيين ( IFJ ) والإتحاد الدولي للجمعيات والمؤسسات المكتبية ، وجمعية الناشرين الدوليين ، ومؤشر على الرقابة ، و PEN النرويجية ، والرابطة الدولية للمذيعين المجتمعيينAMARC واللجنة العالمية للحريات الصحفية ( WPFC ).

ومن الأعضاء الآخرين للمجموعة: الصحافيون الكنديون من أجل حرية التعبير ، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، ولجنة الدفاع عن الكتّاب المسجونين ، وصحافيون في خطر ، والمعهد العالمي لجنوب إفريقيا ، والجمعية الدولية للصحف .

٢٥‏/٩‏/٢٠٠٥

منظمات غير حكومية تدين تدهور الحريات في تونس شهرين قبل قمة المعلومات
تعبّر المنظمات المستقلة الدولية والتونسية عن استنكارها للتدهور السريع للمناخ العام للحريات في تونس شهرين قبل انعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات (15-18 نوفمبر 2005). فبعد منع عقد المؤتمر التأسيسي لنقابة الصحافيين التونسيين المعيّن ليوم 7 سبتمبر قررت السلطات التونسية منع المؤتمر السادس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المفترض عقد يوم التاسع من سبتمبر/أيلول.
إنّ هذا القرار الخطير الذي يستهدف أقدم منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي وفي القارة الإفريقية يسعى إلى خنق أهمّ منظمة حقوقية في تونس. وهذا القرار الذي اتخذ في إطار ديكوري لدولة القانون قد كشف عن توظيف القضاء، حتى ضد القضاة أنفسهم، فقد منعت جمعية القضاة التونسيين من استخدام مقرّها على إثر مطالبتها بنظام أساسي يضمن استقلالية القضاء.
ويندرج هذا الأسبوع الأسود في سياق تجدّد انتهاكات الحريات في تونس: محاصرة أمنية لمقرات الجمعيات واعتداءات لفظية وجسدية وحملات صحفية تشويهية وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان.
إنّ الإصرار على هذه السياسة يعدّ مؤشرا سيّئا لقمّة ناجحة. ومن غير المقبول كذلك أن تعقد القمّة في تونس برصيدها السيّء في مجال حقوق الإنسان وحيث يجري شلّ رابطة حقوق الإنسان إحدى دعائم المجتمع المدني المستقلّ.
نطالب الحكومة التونسية باحترام تعهّداتها في مجال الحريات الأساسية وخاصة في مجال حق التعبير وحق التنظم المنصوص عليها في المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس والتي تم التذكير بها خلال المرحلة الأولى من قمة المعلومات في ديسمبر 2003.
كما ندعو الحكومات التي ستجتمع في تونس في نوفمبر 2005 في المرحلة الثانية من القمة إلى الوعي بخطورة هذه الوضعية والعمل على أن تقوم الحكومة التونسية باحترام تعهداتها الدولية.
الموقّعون:
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين في تونس(AISPP)
الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب(ALTT)
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان(LTDH)
المجلس الوطني للحريات بتونس(CNLT)
المرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر(OLPEC)
رابطة الكتاب الأحرار(LEL)
راد أتاك تونس (Raid-Attac-Tunisie)
لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس(CRDHT)
مركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة(CIJT)
نقابة الصحافيين التونسيين(SJT)

الاتحاد الدولي للناشرين(UIE)
مؤشر الرقابة (Index on Censorship)
"بن" العالمية (International Pen
"بن" المعنية بشئون الكتاب المعتقلين (WIPC)
"بن" مكتب النرويج (Pen Norway)
الجمعية الدولية للإذاعات ذات الصبغة الجماعية(AMARC)
الجمعية الدولية للصحف(AMJ)
جمعية التقدم الاتصالي(APC)
جمعية الصحافيين العابرين للحدود (AJT)
جمعية الصحفيين الألمانيين (DJV)
الحق في الاتصال في مجتمع المعلومات(CRIS)
الفدرالية الدولية للمكتبات والحق في الاعلام والتعبير(IFLA/FAIFE)
الحقوق والديمقراطية (Rights and Democracy)
الفدرالية الدولية للصحافيين(FIJ)
الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان(FIDH)
اللجنة العالمية لحرية الصحافة (WPFC)
المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب(OMCT)
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (EOHR)
الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطن(LDH)
المادة 19 (Article 19)
الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان(Euromed Network)
معهد إفريقيا الجنوبية للإعلام (MISA)
صحافيون كنديون من أجل حرية التعبير(CJFE)
صحفيون في خطر(JED)

٢٤‏/٩‏/٢٠٠٥

اللطمية والرادود كما يكتب موسى الحسيني

د . موسى الحسيني

- هذه المقالة مهداة للشاعر الذي كتب القصيدة موضوع البحث، والرادود الذي قرأها، وجميع اللاطمين، وكل شيعي ملتزم بخط آل البيت والتشيع العلوي، اخص بالذكر الدكتور عادل رضا الذي تسائل مرة في مقالة "ماذا بعد ياموسى" وستظل "بعد" هذه مفتوحة حتى انتصار خط التشيع العلوي

اذاعت محطة صوت الحق التي تبث برامجها في بغداد عبر احد موجات الاف. ام، وفي مختلف انحاء العالم عبر غرفة صوت الحق على الانترنت، مساء يوم 4/8/2005، تسجيلا لاحد شعائر العزاء الحسينية، قرأ فيها الردود (القارئ) قصيدة بعنوان "والله عار عالرجال النائمة"، اتصلت بمباشرة بالاخ ضياء الكواز طالبا منه اعادتها، بل ووضعها بشكل كامل على صفحة شبكة اخبار العرااق، ليعود لها من يشاء، لاهمية ما ورد بها من معاني عميقة، قد لاتكون واضحة حتى لبعض مثقفي الشيعة انفسهم. ولذلك قررت القيام بكتابة مقدمة لها لترجمة هذه المعاني، لانها تمثل صفحة مشرقة من التراث الثوري الشيعي العربي، العلوي، الحسيني، وتفرزه عن اولئك المتاجرين بالتشيع واسم الامام علي والحسين. كما انها تسجل لصفحة مشرقة من صفحات النضال الشعبي ضد الاحتلال الذي برز من خلال الانتفاضة الصدرية الاولى. هذا اضافة الى ما تعكسه القصيدة من تشخيص واقعي لطبيعة العدو المحتل، الذي يحمل قناعا اميركيا، الا ان هويته الحقيقية تظل اسرائيلية.

العزاء الحسيني:

اعتاد الشيعة ان يقيموا مثل تلك الشعائر في عاشوراء ( الايام العشرة الاولى من شهر محرم كل سنة) وفي كل مدينة او منطقة شيعية ، ينتقلون بعدها وتحديدا يوم 20 صفر الى مدينة كربلاء لاداء نفس الشعائر هناك، ويذهبون جماعات باسم المناطق او المدن الى هناك، وتسمى هذه الجماعات "مواكب"، ويرفعون عادة الاعلام السوداء والخضراء امام هذه المواكب وهي تسير لاطمة على الصدور. تردد أهازيج أو عبارات (تسمى بالردات – من الترداد او التكرار) مكتوبة من قبل الرادود (وهو مصطلح يطلق على القارئ الذي يتولى قرائة الشعر الذي يلطم على ايقاعه اللاطمون، بعد ان يتوقفوا في مكان محدد بعد انتهاء المسيرة).
كثيرا ما يخرج بعض الرواديد او القراء عن النمط الكلاسيكي، المعتاد للاشعار المقروءة، فبقرأ اشعارا ذات مضامين سياسية او اجتماعية. وكثيرا ما تحاول بعض القوى السياسية العراقية استثمار هذا الواقع فتستغل انتماء الرادود لها لتحرضه على اختيار ردات او قصائد عبارة عن شعارات سياسية. ويكشف حنا بطاطو في دراسته عن العراق كيف ان قيادات الحزب الشيوعي كانت تخطط لاستثمار هذه العزوات وطرح شعاراتها من خلال بعض الرواديد المتعاطفين مع الحزب. على أن هذا النمط السياسي يظل مربوطا عموما بالحالة الجماهيرية، في المناسبات العصيبة التي تمر بالعراق والامة العربية عادة، فيبرز احيانا بشكل عفوي نتيجة حالة التاثر الجماهيرية بالموقف السياسي. كما حصل في اعوام 56، 57، 1958، بعد تصاعد المد الثوري العرابي بعد حرب السويس في 1956، لذلك بادر عبدالكريم قاسم لمنعها عام 1958، وفرض ان تكون محصورة في اماكن محددة (المساجد والحسينيات)، وتوالت عمليات الشد والجذب بين الحكومة والجماهير الشيعية، بين منع العزوات، والسماح لها، حيث امر نظام صدام حسين بمنعها نهائيا ، في الفترات من 1977 – 2003.

بغض النظر عن صحة او عدم صحة هذه العزوات، فقد اصبحت جزء من التراث الشعبي عند الشيعة العرب، ومناسبة للتنفيس عن مكنونات النفس والتوجهات السياسية الجماهيرية. ولااتذكر المصدر الذي قرأت فيه ان اللطم بهذه الطريقة كان سائدا ورائجا ايام السومريين والبابليين في العراق، عندما يتوفى احد ملوكهم أو حكامهم. أضاف الشيعة الهنود والباكستانيين والفرس، شعائر التطبير (ضرب الرؤوس بالسيف)، والضرب على الظهر بالزناجيل الحديدية، التي تطورت الى تركيب بعض السكاكين الصغيرة على الزنجيل لتجريح الظهر.

حاول بعض العلماء الشيعة القول ببطلانها، الا انهم تعرضوا لنقد حاد، ما جعل بقية العلماء يتوقفون عن النقد والتحريم. اسغل جماعة التشيع الصفوي مبادرة السيد محمد حسين فضل الله للافتاء بتحريم التطبير والضرب على الظهور بالزناجيل الحديدية، ليشككوا بمرجعيته، بل وبتشيعه.

هناك نموذج أخر من هذه الشعائر الحسينية يطلق عليه أسم "التعزية أو القراءة". أي هناك عزاء، كما هناك تعزية. والعزاء كما عرفناه أعلاه حالة اللطم على الصدور، ترافق قراءة عاطفية، لقصيدة شعرية غالبا ما تكون مكتوبة باللهجة الشعبية، بايقاع غنائي حزين. أما التعزية فهي حالة عقلانية مختلفة من الوعظ والارشاد الديني، واستنباط المعاني الاخلاقية والمثل الدينية والانسانية في ثورة الحسين، تنتهي بذكر جانب من معاناة الامام الحسين وعائلته في خلال المعركة ، وتختم في الدقائق الاخيرة بقراءة قصيدة او مقطع من قصيدة مكتوبة، غالبا، بالفصحى. يعرف قارئ التعزية " بالقارئ او الخطيب" تميزا له عن الرادود. يختلف الخطيب عن الرادود في انه يفترض ان يكون مثقفا موسوعيا يمتلك معرفة واسعة بالتاريخ والفقه. لذلك تحتاج الخطابة الى التفرغ للدراسة، في حين أن الرادود لايحتاج لمثل هذه الثقافة الواسعة، فكل بضاعته هو صوته الجميل، وقدرته على اخيار القصيدة اعطاءها لحنا وايقاعا يتناسب مع حركات اللاطمين. فهو أقرب للمطرب والملحن في الاغنية العادية ، يختار القصيدة ويلحنها، موسيقاه هي صوته وضربات اللاطمين . فهو يخاطب العواطف بعكس الخطيب الذي يخاطب العقل .

الحسينيات:

بمناسبة الحديث عن العزاء ، نود الاشارة الى ان الحسينيات تاسست عادة على اساس انها مراكز لتجمع الناس بها والانطلاق في العزوات منها، او اقامة العزاء بداخلها عند يكون هناك ما يمنع انطلاقها بالشوارع، فهي ليست اماكن عبادة بل اماكن خاصة لاقامة الشعائر فقط ، باعتبار الحرمة المفروضة على دخول الجامع مالم يكن الانسان نظيفا طاهرا. وحرمة الدخول بالحذاء. والرغبة في الحفاظ على طهارة ارض الجامع واثاثه ومنع سقوط الدم او أي شئ أخر من النجاسات، كما يكره الاكل في الجامع، بعكس الحسينية التي هي ليست الا مكان عام لاحرمة ولاموانع فيه. الا ان الملاحظ في التوجهات الجديدة عند بعض ممن يريد استثمار التشيع كبضاعة لتحسين اوضاعهم المادية، بدؤا ببناء او تاسيس الحسينيات كبديل للجوامع. نعتقد ان ذلك يعود لسببين هما:

1 : أن الجامع يعتبر ملكية عامة، ووقف عام، تعود ملكيته لعموم المسلمين. بينما يمكن تسجيل الحسينية كملك شخصي، او كوقف عام. ولايخفى ما بين الاثنين من فرق، فالملك الشخصي يمكن بيعه وتحويل ملكيته، او تحويله لبناء اخر ولاغراض اخرى. لذلك تجمع الاموال بحجة بناء مساجد واماكن للعبادة لتتحول الى حسينيات او مؤسسات. ففي سوريا جمع السيد حسين الصدر مثلا، مئات الاف الدولارات بحجة بناء جامع، ثم بنى حسينية سجلها باسمه ولم يكلفه بنائها اكثر من 300 الف ليرة سورية (ستة الاف دولار) عاد فباعها عندما قرر الانتقال الى لندن بمبلغ 1200000 ليرة سورية، ليؤسس بعد ذلك مركزا جديدا في لندن.

أن مشروع بناء حسينية اصبح من المشلريع التجارية المربحة جدا هذه الايام ، فالحسينية تعني اقامة الشعائر الحسينية وهذه تحتاج لاموال تجمع عادة من تجار الشيعة والمتبرعين بشكل لايخضع لحساب او تدقيق، الا من قبل المشرف على الحسينية او مالكها. والحسينية ليست مركزا للعبادة لذلك يمكن تاجيرها كقاعة عامة في المناسبات كالزواج، او اقامة الماتم الخاصة . وهكذا يصبح كل شئ مبرر تحت شعار حب الحسين. وتستثمر دماء الحسين في التجارة وجمع الارباح.

هناك موضة أخرى جديدة تجري في أوربا خاصة، هي أطلاق أسم مؤسسة على الحسينية، لكي يتم تسجيلها كجمعية خيرية، ليحصل صاحبها بذلك على المساعدات التي تقدمها الجمعيات والخيرية الخاصة بدعم النشاطات الاجتماعية عادة، كما تؤمن لصاحبها وسيلة للهروب من الضرائب. لذلك نجد صاحب الحسينية يسجل معه في لجنة رئاسة الجمعية أفراد من اهل بيته أو أقاربه أو مؤيديه الخاصين ليضمن منع الاخرين من الاطلاع على موارده من هذه التبرعات.

نفس الحالة التي نجدها في العمليات التي يلجأ بها بعض الافراد لتشكيل جمعيات خيرية أو ثقافية للتعيش على المساعدات التي يحل عليها، أو لتحسين ظروفه المادية.

وبالعودة لموضوع حديثنا، القصيدة المعنية، تكشف كل هذا الزيف، عندما يذكر الشاعر:


"حسين مو قيمة وهريسة ولالطم

الحسين حرية وكرامة وعلم

واللي يحب حسين يعلن هالاسم

ينشف الدمعة ويطب بالملحمة "

فهو يغمز وينبه الى اؤلئك اللذين يريدوا ان يحولوا المثل الحسينية الى منافع مادية ودنيوية خاصة.

2 : أن لهذا التوجه لبناء الحسينيات أو ما يسمى بالمؤسسات في البلاد الاوربية، بدلا من الجوامع، هو توجه صفوي يهدف على ما يبدو الى عزل الشيعة عن بقية المسلمين العرب، فتغدو الحسينية وكانها بديل عن الجامع عند الشيعة. لذلك نجد ان المؤسسة الشيعية الايرانية تشجع بناء الحسينيات على بناء الجوامع.

عودة للقصيدة المعنية:

للاسف لم نتعرف على اسم الشاعر، ولااسم الرادود الذي قرأها.

القصيدة كتبت بلغة شعبية عراقية، بطريقة رمزية ، تهدف على مايبدو الى التمييز بين خطين متضادين للتشيع. سماهما الدكتور علي شريعتي، بخطي التشيع الصفوي، وخط التشيع العلوي، وهذا لايعني المساس بالشيعة الملتزمين بخط الامام علي حتى في ايران فالدكتور شريعتي هو ايراني– فارسي الاصل، فهو يتحدث عن توجه الدولة الايرانية التي تحاول استثمار المذهب لتحقيق مصالحها القومية، بدءً بالدولة الصفوية، ومن هنا ياتي استخدامه لمصطلح التشيع الصفوي.

لكن مفهوم التشيع الصفوي يشمل جميع اؤلئك اللذين يريدون استثمار المذهب لتحقيق ماربهم ومصالحهم الخاصة سواء اكانوا فرسا او عرب، فهم اقرب في سلوكهم الى النهج الاموي الذي يبرر كل شئ حتى الدين من اجل تحقيق المصلحة الخاصة.

ظهر هذا الاتجاه الاموي بين من يدعون التشيع في الانتفاضة الصدرية، مع انها الاكثر انسجاما في محتواها من التشيع الاثنى عشري. فقد طرح الامام الرابع علي زين العابدين، مفهوما واضحا للموقف من الغزو الاجنبي لديار المسلمين من خلال ما يعرف بدعاء الثغور(الثغور تعني الحدود السياسية بمفهومنا اليوم)، وهو دعاء قدمه الامام زين العابدين للجنود العرب المقاتلين على حدود الدولة الاموية في زمن الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، واذا اخذنا الامر بصورته الضيقة، سنستغرب من هذه الدعوة من الامام السجاد، فهؤلاء جنود نفس الجيش الذي قتل اباه وسبعين من اهل بيته، واخذوه هو نفسه، وكان مريضا، كاسير، فكيف يدعوا لهم بالنصر دعاء مخلصا في فحواه ومفاهيمه.

هل كان ذلك تقية، والتقية لاتصح في مثل هذه الاحوال، لانها تصبح ترويجاً للباطل، وحاشا الامام السجاد من ان يروج لمثل هكذا باطل.

كيف يفهم اذاً.. دعاء الامام السجاد..!؟

لايمكن ان يفسر أو يفهم بغير أن الامام كان يميز بين الدولة والحاكم. فالدولة هي دولة العرب والمسلمين يجب ان يتم الدفاع عنها، والحفاظ عليها بغض النظر عن الموقف من الحاكم اكان حاكم عدل، او ظالم.

والصحيفة السجادية بعد نهج البلاغة تعتبر نموذجا للخلق والمثل الشيعية، ترى الم يفهم ويدرك المتاسلمين أو المتشيعين هذه المعاني مع انهم لاينكرون بقية المعاني في الصحيفة السجادية، الا هذا الدعاء.. !؟ ترى لماذا يتم نسيان هذا الدعاء فقط..!؟

كشف احتلال العراق، او خط الحد الفاصل بين التشيع العلوي والتشيع الاموي. كما كشف زيف المتاجرين بدم الحسين. اولئك اللذين قلبوا الدنيا بالصراخ توجعا لضرب حسين كامل لقبة العباس في اذار1991، وظلوا في حسينياتهم وجامعاتهم التي اسسوها للتجارة ولتشويه صورة العلم ، يقيمون الاحتفالات الحزائنية السنوية في ذكرى ضرب قبة العباس (طبعا تجمع اموال هذه الاحتفالات من حقوق فقراء الشيعة)، الا انهم لم يحركوا ساكنا عندما ضربت وبتعمد قبة الامام علي – ابو العباس والحسين، بل وقفوا يتفرجون وكان الامر لايعني الشيعة، وكأن قبة الامام علي قبة شخص اخر لاعلاقة لتشيعهم به. انهم كشفوا انفسهم انهم شيعة امويين ..!

يقول الشاعر في القصيدة موضوع البحث:

" والله عار.. وعار عالناموا سبات

يعتب العباس راعي التضحيات

وين شيعتنا اللي ردناهم حماة

شو صفت كبة (قبة) ابوي مهدمة "

كما يشخص الشاعر هوية الغزاة، واهدافهم من غزو العراق عندما يقول:

" وصلت أسرائيل يم (قرب) الحسين"

وكذلك قوله:

" وصلت اميركا يم مرقد علي "

يلاحظ هنا الوعي السياسي الحاد والدقيق عند الشاعر الذي يقدم ذكر اسرائيل على اميركا، ليعطي معنى أن اميركا تقاتل نيابة عن اسرائيل ومن اجلها.

وهذه تساؤلات يطرحها الشاعر للتساؤل عما بقي من خطوط حمراء يهدد بها السستاني. فالاحتلال لم يحاول سحق التشيع بمفهومه ومثله العلوية بل حتى بمفهومه الصفوي، او ذاك الذي يصور قضية الحسين ومظلومية الشيعة، وكانها حفلات اكل جماعية للقيمة والهريسة، واللطم، فهذه القبب تهتك حرمتها، من قبل اعداء المسلمين، الذين سحقوا بدباباتهم وجزماتهم كل المثل والقيم الشيعية، بما فيها عظام الاجداد في مقبرة دار السلام في النجف، ماذا بقي كي يتحرك، تجار التشيع الاموي..!؟

يعبر الشاعر عن هذه الماساة في ازدواجية المعايير عند هؤلاء المتاجرين بدم الحسين واطفاله، فيقول:

" رد رضيع حسين ينزف منحره (نحره او رقبته)

والجيوش عالنجف بالمقبرة "

الرضيع هنا كناية عن أطفال الشيعة الذين ماتوا قتلا، وهم عطاشا، بما يعيد نفس مأساة عبد الله الرضيع. والقوات الاميركية تحشد وتجمع وحداتها في المقبرة، تدوس بزناجيرها، وجزمات جنودها على رفات الاجداد، ومع ذلك ظل هناك من يزعم بأنه سوف يتحرك عندما تتجاوز اميركا الخطوط الحمراء.

أية خطوط، وماذا بقي من مثل التشيع ورموزه ..!؟

يبدو أن الخطوط الحمراء هي منزل ومصالح السستاني، ولكي لاتداس هذه الخصوصيات، وليبرء نفسه من دماء اطفال النجف وهي تسيل امامه عليه أن يهرب متمارضا، وهذا بحد.. الكذب، عدا ما يعنيه من خروج على اساسيات المذهب لفرد عادي، ناهيك عن من يدعي أنه يمثل المذهب..! مراجع أو احزاب.

نص القصيدة، كتب يالخطوط العريضة، اما الكتابة بين الاقواس فهي توضيحا من الكاتب لمعانيها:

والله عار عالرجال النائمة

هجمت عالنجف جيوش الظالمة

والله عار وعار عالناموا سبات

يعتب العباس راعي التضحيات

وين شيعتنا اللي حسبناهم حماة

شو صفت كبة (قبته) ابوي مهدمة

وصلت اسرائيل يم (قرب) مرقد علي

والصدر يصرخ عليكم يا هلي

(الصدر المقصود هو السيد مقتدى الصدرالذي ظل يصرخ يا أهلي)

أنا لعراقي الابي مو بس الي

(انا اعمل للعراق وليس لنفسي)

هالشرف ذمة وعلينا مذممة

(هذا الشرف، مقاتلة الظالم والغازي والمحتل والدفاع عن كرامة المدن المقدسة، هي امانة وعلينا بشكل خاص كامتداد لاهل البيت والحسين علينا ادائها ، نذكر هنا بما أوردناه من حديث عن دعاء الثغور في أعلاه )

حانت الساعة أنعلن وقت الحرب

سدوا بالاجساد عالغازي الدرب

(أغلقوا باجسادكم على الغازي الطريق)

لاتنظرون الدعم من العرب

(أستخدم الشاعر هنا مصطلح النظر بدلا عن الانتظار، ليعطي صورة شعرية غريبة محملة بكثير من معاني الالم والخوف والانتظار والترقب للمعركة، فعادة ما يتوجه من وقع عليه بظلمأ أو حيفأ، بنظره صوب السماء ليقول لاشعوريا، أترى ما يجري لي يارب، ليس لي معين غيرك. أو قد ينظر المظلوم المحاصر، المهدد بالموت أو العدوان صوب الجهة التي يسكنها اهله واقاربه أو اخوته، نظرة فيها امل ونخوة في أن يروا ما يتعرض له كي ياتوا لمساعدته. كحالة ذاك الذي يجد نفسه في غابة او صحراء امام حيوان مفترس، نجد عينه اول ما تصوب على الطريق العام بامل أن تلتقط من ياتي لنجدتها. لكن الشاعر يعلن الخيبة، ويخاطب الثوار بأن لاحل الا أن تستعدوا للتضحيات، وتقطعوا الطريق على هذا الحيوان المفترس باجسادكم، كي لايصل الى مقدساتكم، مرقد الامام الحسين، ومرقد الامام علي.)

كاموا يصيحون ربنا محرمه

(بدؤا بالصراخ ان الله حرم دعم المقاومة العراقية، وهذه اشارة الى بعض الفتاوى التي قالت ان المقاومة ارهاب حرام)

وصلت اميريكا الكفر يم (بالقرب) الحسين

وينها الشربت فرات ودجلة وين

(اين تلك الجماهير العراقية التي شربت من ماء الفرات ودجلة)

وين اهل ذاك اللطم والخادمين ..

(أين اولئك اللذين يلطمون على الحسين ويدعون انهم بخدمته، مستعدين للقتال من اجل مبادئه)

ردت عا الحسين تلطم فاطمة

( نتيجة الخيبات التي راتها السيدة فاطمة الزهراء ببعض من يدعي انه من شيعة الحسين، عادت هي تلطم على الحسين وماساته وخيباته بهكذا شيعة غدارين)

(لماذا تلطم فاطمة الزهراء.. هذا الجزء يفسر ذلك..)

هم رجع عاشور هاليوم وطلع

(هم تعني بالعراقية الدارجة رجع الشئ او عاد وتكرر الحادث، وطلع تعني ظهر أو بان، للتاكيد على عودة الماساة الكربلائية)

وبأمر بوش الشمر على المذبح رجع

(الشمر هو احد قادة جيوش يزيد، وهو الذي تقدم بعد سقوط الحسين صريعا الى قطع رقبته، ورفع راسه دلالة للانتصار وانتهاء الحرب. بوش – الرئيس الاميركي – اعاد ذكرى الشمر اللعين في ذبحه للاطفال الشيعة والشباب الشيعة في النجف)

ظل غريب حسين والدين انفجع

من جديد، وهاي زينب لاطمة

(أعاد شمر العصر الحديث بوش الفاجعة في قتل الاطفال والشيعة في النجف، لذلك يعود الحسين غريبا. وتعود وثورته وما تحمله من معاني فاضلة وقيم غريبة ايضا على العصر، وهذه نكسة جديدة للدين الاسلامي – والتشيع خاصة - لذلك تعود زينب ابنة الامام علي الى اللطم ثانية لان الماساة تعود، بيزيد جديد، وشيعة متخاذلين جدد، عودة نفس الدورة التاريخية، وكأن زينب لم تضحي، وعليها أن تعود للتضحية ثانية لذلك هي نلطم. وزينب هنا كناية عن كل أمراة عراقية حرة شريفة تلتزم بقيم العروبة والاسلام.)

(لماذ تلطم زينب وفاطمة الزهراء ... يعود الشاعر لايضاح ذلك ثانية في هذه الاشطر الجديدة)

رد رضيع حسين ينزف منحره

.. (رجع عبد الله الرضيع ابن الامام الحسين الذي قتل بكربلاء ينزف نحره من خلال الاطفال الشيعة اللذين قتلوا بالنجف بنفس الطريقة، عطشا، وظلما.. لذلك تلطم فاطمة الزهراء)

والجيوش على النجف بالمقبرة

(تلتصق مقبرة النجف بالمدينة، ووجود الجيوش الاميركية في المقبرة دلالة على قربها من المدينة، اضافة لما تعنيه المقبرة من ان الحقد وصل للعظام، وليس فقط الاحياء والاطفال وانما عظام الاجداد ايضا)

وناس متورطة بامرها وحايرة ..

(الحيرة في ماساة كربلاء جائت من ان وعاظ يزيد قالوا على الحسين انه خارجي، فحارت الناس هل تقاتل مع هذا الخارجي ام ضده، وهذا السيد مقتدى الصدر خرج يقاتل الاحتلال، فوقف وعاظ اميركا كالسستاني وجماعة الحكيم وحتى حزب الدعوة ، ورغم ان الحقد وصل للعظام ورفات الموتى- لتقول انه متمرد مدفوع من الخارج، وحار بسطاء الشيعة هل يخرجون مع هذا المتمرد ام يسمعون لوعاظ اميركا. الشطر او الاشطر السابقة تؤشر، وبسخرية- بشكل غير مباشر لدعوى السستاني من انه هناك خطوط حمر لن يسمح للاحتلال في تجاوزها، مع ان الاحتلال لم يرعى اية خطوط حمر ولم يرعى اي قيم لم يدوس عليها بجزماته ودباباته، بما في ذلك عظام الجدود ورفاتهم، فماذا بقي من الخطوط الحمر السستانية)

أعداد القيود ملجمة ..

(الكلمة الاولى لم نستطيع التقاطها، الا ان المعنى العام تكملة لما سبقها، كون الناس ملجمة ومقيدة بتلك الفتاوى الباطلة لوعاظ يزيد – اميركا في حالة الصدر-)

حسين مو قيمة وهريسة ولا لطم ..

(اعتاد الناس ان يطبخوا اكلات خاصة مثل القيمة والهريسة ويوزعونها مجاناً بمناسبة عاشوراء، ويلجأ البعض الاخر الى اللطم على الصدور او الظهور أو الرؤوس بنفس المناسبة، والشاعر ينبه الى ان الحسين وذكراه لاتعني الاكل المجاني او اللطم بل لثورته معاني اكبر واسمى مما تفعلون، يجيب الشطر التالي عن هذه المعاني.

حاول جماعات النفعيين والمتاسلمين من قادة الحركات التي تدعي التشيع ان تختصر معاني التشيع، باقامة مثل هذه المراسيم توزيع القيمة والهريسة المجانية، ثم اللطم على الحسين- او ما يسمونه بمظلومية الشيعة، أي ان الشيعة محرومين من اداء مثل هذه الشعائر، على اساس ان هذا هو التشيع متغاضين او محاولين تعمدا طمس الاهداف الاساسية والمعاني والقيم النبيلة لثورة الحسين، لذلك يريد الشاعر ان يميز بين خطين للتشيع، خط اولئك النصابين والنفعيين اللذين يريدون استخدام اسم الحسين لتعزيز امتيازاتهم، وجني الارباح، وتشيع المثل وقيم الحرية والعدل والكرامة)

حسين، حرية، وكرامات، وعِِلم

واللي يحب حسين، يعلن هالاسم

(من يحب الحسين يعلن ماهي المعاني والمثل في ثورته، المعاني التي ذكرها الشاعر في الشطر السابق، الحرية، الكرامة، والعلم )

ينشف الدمعة ويطب (يدخل) بالملحمة ..

(من يدرك المعاني النبيلة لثورة الحسين، يتوقف عن البكاء على الحسين، ويدخل بالملحمة – المعركة – ضد المحتل الاميركي، وذلك هو التجسيد الحقيقي لمعاني ثورة الحسين وليس كما يروج النفعيين من انها مجرد توزيع لاكلات القيمة والهريسة او للطم – مظلومية الشيعة - )

كربلاء جيوش الكفر، والينها

(الولية تعني استهتار الظالم بظلمه بسبب امتلاكه لعناصر القوة، وتعني هنا الاسر، اي ان كربلاء وقعت اسيرة بايدي جيوش الكافرين، وهل هناك من دافع او حافز او مبرر اكثر من هذا لاعلان الجهاد، ومع ذلك يتقول السستاني حول الخطوط الحمر، وهل هناك خطوط حمراء اكثر من الذل الذي تعرضت له المدن المقدسة ، ككربلاء والنجف)

وفاطمة تعاين (تراقب) ترى (احذروا) بعينها

وين اعلام المواكب وينها..

(اعتاد الشيعة في العراق ان يذهبوا جماعات من كل المدن بمواكب مليونية الى النجف وكربلاء بمناسبة استشهاد الحسين في 10 محرم، يعلنون ويجددون البيعة للامام الحسين على انهم سيقاتلون من اجل مبادئه وقيمه، وهم عادة يحملون الاعلام كناية عن استعدادهم للحرب والمعركة، وهنا تعاتب الزهراء على لسان الشاعر على اهل هذه المواكب في انهم لم يفوا بعهدهم وهم يرون ابن الحسين السيد مقتدى الصدر يحاصر في حرم جده علي، ولا يتحركوا، والدبابات تدوس عظام ورفاة الاجداد، وكربلاء والنجف مسبيتان)

وينها اللي نزلت سواد محزمة

(النقاط كلمة غير واضحة، والشطر يعني تكرار لنخوة فاطمة الزهراء التي تناشد هؤلاء اللذين ينزلوا محزمين – دلالة عن الاستعداد – للوفاء ببيعتهم للحسين. وتساؤلهم لماذا لم يتحركوا لنصرة ابنها السيد مقتدى الصدر)

والله عار عالرجال النائمة

عانجف هجمت جيوش الظالمة

خاتمة:

القصيدة بمعانيها تشبه الى حد قريب القصيدة التي قرئها احد المشايخ من الفلوجة، وبطريقة الموالد النبوية، يرافق قرائتها ضرب الدفوف على ايقاع خاص، يشبه الضرب عند احياء الموالد النبوية، بعنوان

" حي الله أهل الفلوجة
اللي كلهم شجعان
ما دنوا راس وذلوا للاميركان "
تتشابه القصيدتان بما تعكسانه من ايمان بالاولياء، يستمد الثوار منه الدعم المعنوي، وعتب على المتخاذلين، وتصميم على القتال ضد العدو بقوة وايمان وشراسة. كما انها تشخص من هو العدو الحقيقي، الذي لايقتصر على المحتل الاميركي ، بل يشمل الجماعات الصهيونية والماسونية. حيث يقول أحد مقاطعها:

"تبقى الفلوجة بحيل الله المحمية
قلعة وتبقى تحارب بالماسونية
أم المساجد والمآذن هي
محروسة بعين الباري الفرد الديان "
نفس الاشارة الواردة في اللطمية الحسينية عندما تقول : "وصلت اسرائيل يم مرقد علي"
من الملاحظات المهمة، أن هذه القصيدة تبدأ بالانتخاء بالعباس، وتستمد منه العزيمة والقوة في محاربة العدو:
" حي الله أهل الفلوجة التيجان الراس
ولدين الله ورسوله وقفوا حراس
بيهم شارات اليمة (الائمة) وجدنا العباس
اش هالضربة البازوكة بساحات الميدان"
وفي القصيدة الحسينية يبدأ الشاعر بتذكير ببطولات العباس، ونخوته:
"والله عا وعار عالناموا سبات
يعتب العباس راعي التضحيات
وين شيعتنا اللي ردناهم حماة
شو صفت كبة ابوي مهدمة"
واذا كان الشاعر في القصيدة الاولى يشكك في تشيع المتقاعسين، ويونبهم، ويتهمهم بانهم اوجعوا السيدة فاطمة الزهراء بتقاعسهم هذا، كما خيبوا امال السيدة زينب بهم. فان الشاعر الفلوجي يعاتب على الاسياد عتب المحب وصاحب الحق في ان يطلب نخوتهم:
" ارد انخى جدودي السادة اللي ما فزعولي
ومن ردنا امداد العاجل شو ما جولي
هي السبب الاميركي يصول يجولي
يا ابن الرفاعي وينك وين الكيلان "

وهذه النخوة لها قصتها، فما بين النجف ودليم او محافظة الانبار هناك علاقات قوية، فعشائر آل فتلة الشيعية المقيمة بين النجف والديوانية، تنتسب بالاصل الى عشائر الدليم. وقد عرف آل فتلة بمواقفهم البطولية، وادوار شيخهم عبد الواحد السكر، في ثورة العشرين معروفة، كما هي أدواره الممتدة بطول حياته في مقارعة الظلم والاحتلال والعدوان. وعندما انتخى المراجع الشيعة في النجف وكربلاء بعشائر الدليم، والفلوجة تحديدا، ثارت عشائر زوبع بقيادة الشيخ ضاري الزوبعي (جد الشيخ حارث الضاري– رئيس هيئة علماء المسلمين). وعشائر الجنابات بقيادة الشيخ الشيخ خضير الحاج عاصي، وعشائر البو محيي بقيادة الشيخ علوان الشلال. الامر الذي اغض لجمن – الحاكم البريطاني للواء الدليم في حينها- فطلب الاجتماع بهم، وتسائل مستغربا كيف يشاركون بالثورة، محاولا التلاعب على وتر الطائفية، كون هؤلاء الشيوخ من السنة، والثورة تخضع لقيادات شيعية خاصة المرجع الميرزا محمد تقي الشيرازي .فأجابه الشيخ ضاري: "أن علمائنا حكومتنا وقد امرنا القران باطاعة الله ورسوله وأولي الامر منا، فاذا اعتديتم عليهم فأننا سننتصر لهم ونحاربكم بجانبهم.. والاولى أن تلبوا ما ارادوا"
الجواب الذي أثار حنق لجمن وغضبه على الشيخ ضاري ، وأدى الى تصاعد العداء بين الاثنين حتى اضطر الشيخ ضاري الى قتل لجمن بمساعدة ابنه الشيخ سليمان (والد الشيخ حارث الضاري). وهذا ما يدفعنا للقول لو كانت هناك مرجعية حقيقية حريصة على وحدة المسلمين وعلى وحدة العراق، وتستطيع أن تغالب هواها، أو أن هناك قوى سياسية حريصة فعلا على المثل الشيعية، لحاولت أن تستفاد من هذا التراث اللاطائفي، بل الملتزم بخط المرجعية عند الشيخ حارث، لتجعل منه الاساس لوحدة المسلمين في مواجهة محتل غاشم، داس أول ما داس على مقدسات الشيعة، كما اوضحت اللطمية اعلاه
الا أن مصلحة المرجعية والاحزاب المتاسلمة– المتشيعة، لاتلتقي مع المثل الشيعية، ولا مع مصلحة الطائفة او مصلحة المسلمين عامة، فهي اكثر التصاقاً بمصلحة المحتل واهدافه العلنية، المكشوفة، والمستورة ايضا.

الآراء المنشوره لا تعبر بالضروره عن رأي أسرة التحرير www.arabrenewal.com

شياطين الشيطان

شياطين الشيطان
*ادواردو غاليانو
Eduardo Galeano

إنّ هذه مجرّد مساهمة متواضعة في حرب الخير ضد الشر. يمنحنا الكاتب بعض الهويات لمساعدتنا على تحديد الأوجه المختلفة لأمير الظلمة. ترد هنا فقط الشياطين الموجودة منذ زمن طويل، الناشطة في العالم منذ قرون أو حتى عشرات القرون.

الشيطان مُسلِم كان دانتي نفسه على علم بأنّ محمّد كان ارهابياً. ألمْ يضعه وسط دوائر الجحيم، محكوماً للأبد بشطره من الأعلى الى الأسفل ؟ فقد غنّى الشاعر في كتابه "الكوميديا الالهية " ما يلي: "رأيته مشطوراً الى قسميْن، من اللّحية حتى أسفل البطن..."

وقد لاحظ عدة باباوات، منذ أن كانت المجموعات الاسلامية تقضّ مضاجع المسيحية، أنها لم تكن تضمّ أناساً من لحم ودم، إنما جيوش من الشياطين التي يتزايد عددها كلّما تعرّضت لضربة سيف أو رمح أو اطلاق نار من القربينات.

في أيامنا، كانت القذائف تخلق أعداء أكثر ممّا تقتل. لكن، في نهاية المطاف، ما مصير الله إن لم يعد هنالك أعداء؟ الخوف هو الآمر، والحروب تتغذى من الخوف. وقد أثبتت التجربة أنّ تهديد الجحيم فعّال أكثر من الوعود بالجنّة. فأهلاً وسهلاً بأعدائنا! في القرون الوسطى، كلّما اهتزّ عرش، بسبب الإفلاس أو السّخط الشعبيّ، كان الملوك المسيحيون يندّدون بالخطر المسلم، ويحرّكون الرعب ويطلقون حرباً صليبية جديدة، ليصبح كلّ شيء على ما يُرام. ومن فترة قريبة، أُعيد انتخاب جورج بوش رئيساً للعالم، بفضل الظهور المناسب للسيّد أسامة بن لادن، الغول الكبير الذي سيلتهم العالم، والذي أعلن على شاشة التلفزيون، عشيّة الانتخابات، أنه آتٍ لالتهام الأولاد الصغار نيئين.

في العام 1564، قام المتخصّص بعلم الشياطين، جوان واير، بإحصاء الشياطين التي كانت تعمل على الأرض، بدوام كامل، من أجل هلاك أرواح المسيحيين. وقد أحصى ما لا يقلّ عن سبعة ملايين وأربع مئة ألف وسبعة وعشرين، كانت تعمل موزّعة على تسعة وسبعين فيلق.

منذ هذا الاحصاء، سال الكثير من الماء الغالي تحت جسور الجحيم. ما هو اليوم عدد المبعوثين من مملكة الظلام؟ إنّ فن التخفي يجعل العدّ صعباً. فهؤلاء المخادعون يعتمرون العمامات لإخفاء قرونهم، ويلبسون جلابات واسعة لتستير ذيولهم الشبيهة بذيول التنانين، وجوانحهم الشبيهة بجوانح الوطاويط والقنبلة التي يحملونها تحت إبطهم.

الشيطان يهوديّ. هتلر لم يخترع شيئاً. منذ ألفي سنة حتى الآن، اليهود هم قتلة المسيح الذين لا يُغفر لهم، والمتهمون بكافة الشرور.

ماذا؟ ما الذي تقولونه؟ أنّ يسوع كان يهودياً؟ كما التلاميذ الاثنتا عشر والرسل الأربعة؟ مستحيل. إنّ الوقائع التي تظهر لا تحتمل أيّ شك ولا تتطلّب أيّ برهان سوى وجودها نفسه. فالأشياء هي ما نقوله عنها، ونقوله لأننا نعرف: في الكنيس، الشيطان يحتفل واليهود يصبّون اهتمامهم، منذ القدم، على تدنيس القربان وتسميم المياه المقدّسة. وهم سبب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية والهزائم العسكرية؛ هم الذين أتوا بالحمّى الصفراء والطاعون الأسود وكافة الأوبئة.

بريطانيا طردتهم، حتى آخر واحد، في العام 1290. لكنّ ذلك لم يمنع شوسر أو مارلو أو شكسبير، وهم كتّاب لم يروا يهودياً واحداً، من اتّباع التشويه التقليدي واعادة خلق شخصيات يهودية وفقاً للنموذج الشيطانيّ لمصّاص الدماء المتطفل والمرابي الجشع.

إنّ هؤلاء الملعونين، المتّهمين بخدمة الشيطان، عبروا القرون من نفي الى آخر ومن مجازر قتل الى عمليّات إبادة. وعلى مثال بريطانيا، طردتهم كلّ من فرنسا والنمسا وإسبانيا والبرتغال، اضافة الى العديد من المدن السويسرية والألمانية والايطالية. وطردهم الملوك الكاثوليك، ايزابيل وفردينان، خارج اسبانيا، بحجّة أنهم يفسدون الدم. وإنّ اليهود، الذين كانوا يعيشون في هذا البلد منذ ثلاثة عشر قرناً، أخذوا معهم مفاتيح منازلهم. لا يزال بعض الأنسباء يحتفظون بها حتى اليوم. لكنهم لم يعودوا أبداً.

شكّلت المذبحة الضخمة التي نظّمها هتلر ذروة تاريخ طويل من الاضطهادات والإهانات.

لطالما كان صيد اليهود رياضة أوروبية. والآن، إنّ الفلطسينيين، الذين لم يمارسوه أبداً، هم الذين يدفعون الحساب.

الشيطان امرأة.

يوصي كتاب "ماليوس ماليفيكاروم"، الذي يحمل أيضاً عنوان "مطرقة الساحرات"، باللّجوء الى التعويذ الذي لا يرحم ضدّ أيّ شيطان له نهدان وشعر طويل.

وضعه الكاتبان، القاضيان في محاكم التفتيش، الألمانيّان هاينرك كرامر وجاكوب سبرينغر، بطلب من البابا إينوسانتي الثامن، لمحاربة المؤامرات الشيطانية ضدّ المسيحية. وقد نُشر للمرة الأولى في العام 1486، وتمّ استخدامه حتى نهاية القرن الثامن عشر، كمرجع قضائيّ ولاهوتيّ لمحاكم التفتيش في مختلف البلدان. يصرّح فيه الكاتبان أنّ الساحرات، حريم الشيطان، يشملنَ كافة النساء في حالتهنّ الطبيعية: " إنّ الشعوذة تنبعث من الفسق الجسدي الشره عند المرأة. ويضيفان أنّ "تلك الكائنات الجذابة، ذات الملمس المقزّز، والتي تؤدّي معاشرتها الى الخراب"، تسحر الرجال، فتجذبهم بصفيرها الذي يشبه صفير الأفاعي وذيولها التي تشبه ذيول العقارب، من أجل القضاء عليهم. ويحذر هذان الكاتبان، المتهوّران من أنّ "المرأة أكثر مرارة من الموت. فهي مليئة بالأفخاخ. قلبها عبارة عن شباك، ويداها سلاسل حديدية."

إنّ هذا المرجع في علم الإجرام، الذي أرسل الآلاف من النساء الى محارق محاكمة التفتيش، ينصح بتعذيب كافة النساء المتّهمات بالشعوذة لحملهنّ على الاعتراف. في حال اعترفت المرأة، فهي تستحقّ نار المحرقة. وفي حال لم تعترف، فهي تستحقها أيضاً، فوحدها الساحرة، بتشجيع من الشيطان ـ عشيقها في محافل السحرة ـ تستطيع تحمّل عذاب كهذا دون أن يخونها لسانها.

أقرّ البابا هونوري الثالث أنّ الكهنوت مخصّص للرجال فقط: "لا يجب على النساء التعبير عن أنفسهنّ. فشفاههنّ تحمل وصمات حوّاء التي قادت الرجال الى هلاك أنفسهم." وبعد ثمانية قرون، لا تزال الكنيسة الكاثوليكية مصرّة على عدم السماح لبنات حوّاء بالوصول الى الكهنوت.

ولجأ المسلمون الأصوليون الى بتر العضو التناسلي للنساء وحجب وجوههن. أما اليهود الأورثوذوكس، المرتاحون لتجنّبهم القدر المشؤوم، فيهمسون في مطلع كلّ نهار: "شكراً يا الله لأنك لم تخلقني امرأة".

الشيطان مُثليّ الجنس.

منذ العام 1446، كان مصير مُثليّو الجنس في البرتغال المحرقة. ومنذ العام 1497، كان يتمّ حرقهم أحياء في اسبانيا. فقد كانت النار مصير هذه الفئة الشيطانية المحتقرة المولودة من نار جهنّم.

في المقابل، كان الغزاة الاسبان في أميركا، يفضّلون رميهم الى الكلاب. وكان فاسكو نونيز دي بالبوا، الذي حكم على العديد منهم بهذا العقاب القاسي، يعتقد بأنّ المُثليّة الجنسيّة مُعدية. وبعد خمسة قرون، سمعت الشيء نفسه على لسان اسقف مدينة مونتيفيديو.

عندما لاح أوّل الغزاة الاسبان في الأفق، كانت قبيلتا الأزتيك والانكا هما الوحيدتان، ضمن امبراطورياتهما التيوقراطية، الّلتان تعاقبان المُثلية الجنسية - بعقوبة الموت. أما باقي الشعوب الأميركية فكانت تتقبّلها، وحتى أنها كانت تحتفل بها في بعض المناطق، دون منعها أو قمعها.

كان من المفترض أن يثير هذا الاستفزاز غير المحمول الغضب الالهي. وبحسب الغزاة، إنّ أمراض الجدري والحصبى والحمّى، التي كانت أوبئة غير معروفة تبيد الهنود كالذباب، لم تكن تأتي من أوروبا بل من السماء. فالله كان يعاقب فجور الهنود الذين كانوا يمارسون بشكل طبيعيّ عاداتهم غير الطبيعية.

لم يُحصَ، لا في أوروبا ولا في أميركا، ولا حتى في أيّ مكان آخر، عدد مُثليّي الجنس الذين حُكم عليهم بالإعدام. لا نعرف شيئاً عن هذه الأزمنة البعيدة، ولا نعرف إلاّ القليل، أو بالأحرى لا شيء، عن الأزمنة الحالية.

في ألمانيا النازية، كان هؤلاء "المنحطّون المتّهمون بإهانة الطبيعة بطرق شاذة" مجبورين على حمل المثلث الوردي على ثيابهم. ما هو عدد الذين أُرسلوا الى معسكرات الإعتقال؟ ما عدد الذين ماتوا هناك؟ عشرة آلاف، خمسون ألف؟ لم يتمكّن أحد من معرفة ذلك. ما من أحد أحصاهم؛ بالكاد أُتيَ على ذكرهم. ولا نعرف المزيد عن عدد الغجر الذين أُبيدوا.

في 18 أيلول/سيبتمبر 2001، قرّرت الحكومة الألمانية والمصارف السويسرية "تعديل الإقصاء الذي طال مُثليّي الجنس بين ضحايا المحرقة". اتخذت عملية تصحيح هذا الإقصاء أكثر من نصف قرن. واعتباراً من هذا التاريخ، أصبح من حقّ مُثليّي الجنس الذين نجوا من معسكر أوشفيتز أو غيره من المخيّمات - اذا اعتبرنا أنها كانت موجودة- المطالبة بتعويض.

الشيطان هنديّ.

اكتشف الغزاة الاسبان الذين احتلّوا أميركا، أنّ الشيطان الذي طُرد من أوروبا وجد لنفسه ملجأًً في أميركا. ففي تلك الجزر وشواطىء البحر الكارايبي، التي تتضاربها ليلاً ونهاراً أمواجه المشتعلة، كانت تعيش كائنات غريبة في أبسط زيّ لها، كما خلقها الشيطان. كانت تعبد الشمس، الأرض، الجبال، الأنهار، وغير ذلك من الشياطين المتنكّرين بزيّ آلهة، وكانت تُطلق اسم "لعبة" على خطيئة الجسد التي كانت تمارسها في أيّ وقت دون قيود. كانت تجهل الوصايا العشر، والأسرار السبعة، والخطايا السبع المميتة. لم تكن تعرف معنى كلمة خطيئة ولا تخشى الجحيم؛ لم تكن تُحسن القراءة ولم تسمع أبداً بحقّ الملكية أو غيره من الحقوق؛ وكما لو أنّ كلّ ذلك لم يكن كافياً، جرتْ بينها العادة أن تتآكل، نيئة.

كان غزو أميركا عبارة عن عملية تعويذ طويلة وصعبة. فالشيطان كان متأصّلاً في هذه الأراضي، لدرجة أنه، عندما كان الهنود يركعون بخشوع أمام العذراء، كانوا في الحقيقة يعبدون الحيّة التي تدهسها برجلها؛ وعندما كانوا يقبّلون الصليب، لم يكونوا مهتمّين أبداً بابن الله، بل كانوا يحتفلون بتلاقي المطر بالأرض.

قام الغزاة الاسبان بمهمّتهم بإعادة الذهب الى الله، والمال والعديد من الثروات التي دنّسها الشيطان. لكنّ استعادة الغنيمة لم يكن بالأمر السهل. لحسن الحظّ أنّ يد العون كانت تمتدّ اليهم، من وقت الى آخر، من الأعلى. فعندما حضّر سيّد الجحيم كميناً داخل شعبة في الجبال، لقطع الطريق أمام الاسبان المتّجهين نحو مناجم الفضّة في سيرّو ريكو دي بوتوزي، نزل ملاك من السماء وأعطاه صفعة لا تُنتسى.

الشيطان أسود.

كالخطيئة، كالظلمات، إنّ الأسود هو عدوّ النور والبراءة. ذكر ماركو بولو، في قصته المشهورة عن رحلاته، سكّان زنجيبار: "كانت أفواههم كبيرة جداً، وشفاههم سميكة وأنوفهم تشبه أنوف القردة. كانوا يتمشّون بكامل عريهم وكانوا سوداً بالكامل، بحيث أنهم اذا ظهروا في منطقة أخرى من العالم، لاعتقد الناس بأنهم شياطين." بعد ثلاثة قرون، في اسبانيا، كان لوسيفر يدخل الى المسرح وجسده مطليّ بالأسود، خلال المسرحيات أو الحفلات، وهو يمتطي عجلة من النار. ولم تتمكّن القديسة تيريزا الطفل يسوع، التي لطالما حاربته، من التخلّص منه. فقد وقف ذات يوم بالقرب منها، وكان "زنجياً صغيراً كريهاً". مرة أخرى، رأتْ لهيباً أحمر ضخماً يخرج من جسده الأسود، بينما كان يجلس فوق كتابها المقدّس؛ وحرق صلواتها...

تذكير مختصر للعلاقات بين أوروبا وأفريقيا: خلال القرن السادس والسابع والثامن عشر، كانت أفريقيا تبيع العبيد وتشتري البنادق: عمل مقابل عنف. فالبنادق تنظّم الفوضى الشيطانية، وتعتبر العبودية أوّل خطوة نحو الخلاص. وقبل دمغهم بالحديد الأحمر، كان السود يتلقون دفقة من المياه المقدّسة. فالمعمودية تهرّب الشيطان وتنفخ الروح داخل هذه الأجساد الفارغة.

ثم، في القرنين التاسع عشر والعشرين، قدّمت أفريقيا ذهباً وماساً ونحاساً ورخاماً وكاوتشوكاً وقهوة، مقابل الكتب المقدسة. منتوجات مقابل كلمات. كانوا يعتقدون بأنّ قراءة الكتاب المقدّس بإمكانها تسهيل رحلة الأفارقة من الجحيم الى الجنة. لكنّ أوروبا نسيت أن تعلّمهم القراءة.

الشيطان غريب.

إنّ "آلة قياس التّهم" تشير بأنّ الأجنبيّ آتٍ ليسرق وظائفنا، و"آلة قياس الخطر" تشغل صفارة الخطر.

ففي حال كان الدخيل فقيراً وشاباً وغير أبيض، ذاك الآتي من بعيد، فهو محكوم عليه مسبقاً بسبب فقره وميله الى الفوضى ولون بشرته. في كلّ الأحوال، حتى وإن لم يكن فقيراً ولا شاباً ولا ملوّناً، ليس مرحّباً به لأنه مستعدّ للعمل بصورة مضاعفة مقابل نصف الأجر.

وفي ظلّ سيطرة المخاوف، إنّ التخوّف من فقدان العمل هو الأقوى؛ ويُستخدم الأجنبيّ كفزّاعة لدى اتّهام المسؤولين بالبطالة وانخفاض الأجور وعدم الأمان أو غير ذلك من مظالم المجتمع.

فيما مضى، كانت أوروبا تنشر في العالم حصّتها من الجنود والمساجين والفلاّحين الجائعين. وقد دخلت التاريخ شخصيات المغامرات الاستعمارية هذه على أنهم تجار الله المسافرين. فقد كانوا يمثلون الحضارة لإنقاذ البربرية.

في الوقت الحاضر، تتمّ الرحلة في الاتجاه المعاكس. فالواصلون أو الذين يحاولون الوصول، من الجنوب نحو الشمال، لا يحملون سكّيناً بين أسنانهم، ولا بندقيّة على أكتافهم. يأتون من دول معصورة كحبّات من الليمون الحامض، وليس في نيّتهم سوى الاستيلاء على وظيفة أو عمل صغير. ويُعتبر هؤلاء المشاركون في المغامرات الاستعمارية مبعوثين من الشيطان، يمثلون هجوم البربرية على الحضارة.

الشيطان فقير.

يتلمّظون عندما تأكلون، ويتجسّسون عليكم عندما تنامون: الفقراء يتربّصون بكم. في كلّ واحد منهم، يختبىء جانح، أو ارهابيّ حتى.

فممتلكات البعض مهدّدة من شرّ العديد. الأمر معروف. فالأمور تجري على هذا المنوال، منذ ان قُضّت مضاجع الأغنياء ومنذ لم يعد المفلسون يجدون ما يأكلونه.

إنّ جزر الكرامة، التي تتعرّض للتنكيد منذ آلاف السنين، مُحاصَرة ببحار متدفقة من البؤس. الأمواج الصاخبة تزمجر وتجبر الناس على العيش في حالة تأهّب دائمة. في مدننا المعاصرة، التي هي عبارة عن سجون يقفل السجناء فيها على أنفسهم خوفاً، المنازل هي الحصون والثياب أسلحة.

الوضع أشبه بحصار، يقضي بالتيقظ الدائم وتشديد الحراسة وعدم التسليم: إحصائياً، ما من أحد يستطيع الهروب منه؛ فعاجلاً ام آجلاً، ستتعرّضون لاعتداء أو خطف أو اغتصاب أو قتل. في الأحياء السيئة السمعة، المخفية في الظلّ، هنالك من يموتون من الحسد ويخفون نقمتهم: إنّهم صانعو بؤسكم المقبل. ليسوا سوى مشرّدين يمشون حفاة، ثمالى، مدمنين على المخدرات، من سلالات الجانحين أو الخسيسين، صعاليك مساكين دون أسنان ولا مشاريع ولا مستقبل. لا أحد مُعجَب بهم، لكن سارقو الدجاج هؤلاء يفعلون ما في استطاعتهم، عبر تقليدهم المتواضع للمعلّمين الذين يُطلعون العالم على وصفات نجاحهم. لا أحد يفهمهم، لكنّهم يطمحون بأنْ يُصبحوا مواطنين مثاليّين، على صورة أبطال الأزمنة المعاصرة، هؤلاء الذين يغتصبون الأرض ويسمّمون الهواء والمياه، ويخنقون الأجور، ويغتالون الوظائف ويسجنون دولاً برمّتها.

* كاتب من الأورغواي. من مؤلّفاته، "رأساً على عقب. مدرسة العالم مقلوباً"، هومنيسفير، باريس، 2004

Festival El Jem- Tunisie

Festival El Jem- Tunisie / 14-21 AOÛT 2005
Guylaine Renaud, femme Troubadour retrouve Zohra El Ajnef, déesse tunisienne. Une rencontre artistique. Une aventure humaine. Un concert magnifique de simplicité et de complicité. Les jours précédents, Guylaine et Zohra, guidées de maison en maison par Faouzia Zid, mêlent leurs voix à celles des femmes d'El Jem.
Le mot de Guylaine...
"Les femmes nous ont ouvert leur maison et nous avons partagé nos chants. Et ça m'a fait penser à cette vieille tradition perdue que nous avions chez nous à Noël.Laisser toujours sur la table dressée, une assiette de plus, pour l'étranger de passage que l'on disait pauvre d'ailleurs.
Là-bas ce n'était pas Noël et ce n'était pas la Provence. C'était à El Jem en Tunisie au mois d'août, derrière des murs blancs où les femmes travaillent à faire griller l'orge et à mêler les épices odorantes. J'avais amené avec moi des paroles de vent, de terre et, comme ça, de maison en maison nous les avons partagées et modelées pour qu'elles deviennent poèmes, colportés de bouche à oreille, de désert en maison.
Mêler nos voix, nos envies en France ou ailleurs est ce qui me construit. Que le vent m'amène d'autres projets, d'autres maisons, d'autres femmes aussi accueillantes dans le chant et la vie... "
Un MICRO-TROTTOIR réalisé par Radio El Jem sur le concert de Guylaine Renaud et Zohra El Ajnef ICI
Et de quelques coupures de PRESSE :
" 7éme Session de Découvertes 21: De l'audace, encore de l'audace, toujours de l'audace. (...) Zohra Lajnef était la première à relever le défi. Elle s'est produite lors de la première soirée en compagnie de la chanteuse française Guylaine Renaud. Très différentes l'une de l'autre, elles ont pourtant trouvé un point commun: chanter le patrimoine sur un ton de modernité. L’une, troubadour marseillaise qui a interprété un chant marié au conte dévoilant autant de poésie que d’anecdotes et de chroniques. L’autre, bédouine originaire de Gafsa, s’est évadée dans une rythmique bien spécifique du Sud tunisien. Elle suit la danse du vent, s’inspire des chants des montagnes et raconte la vie des nomades. Toutes les deux se sont réunies pour chanter la mémoires de leurs peuples. " - Héla HAZGUI-La Presse - 24/08/2005
" L'Universalité de l'être prouvée- (...) Zohra Lajnef, Guylaine Renaud et Faouzia Zid ont émerveillé les présents par leurs chants traditionnels puisés dans le patrimoine de deux cultures, de deux environnements si différents et qui arrivent à gagner le pari de «s’entendre», de communiquer, de parler ce langage universel, celui de l’amour par la musique. - J.B.A - Tunis Hebdo- 22-28/08/2005

برنامج الماجستير في إدارة الأعمال

الجامعة الافتراضية الدولية في المملكة المتحدة

International Virtual University (U.K)

و لأول مرة في العالم العربي

برنامج الماجستير في إدارة الأعمال.
Master of Business Administration (MBA)

يتاح نيل درجة الماجستير في إدارة الأعمال في كل من الاختصاصات التالية :

- تخصص إدارة عامة وتنفيذية.

- تخصص إدارة موارد بشرية.

- تخصص إدارة المبيعات ورعاية الزبائن.

- تخصص تخطيط إداري واستراتيجي.

- تخصص علاقات عامة ودولية.

- تخصص إدارة أعمال السياحة والسفر.

- تخصص تسويق وإعلان وتجارة الكترونية.

- تخصص إدارة تأمين ومصارف وبورصات.

- تخصص إدارة موارد مالية ومحاسبة.

- تخصص تكنولوجيا الأعمال والمعلوماتية .

- تخصص إدارة منازعات و فن التفاوض.

- تخصص إدارة فنادق.


وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية

مديرية الثقافة في دمشق

المركز الثقافي في أبو رمانة

بالتعاون مع

أكاديمية التعليم الافتراضي والمفتوح في المملكة المتحدة

الجامعة الافتراضية الدولية في بريطانيا

(مكتب التمثيل في سورية)

يتشرفون بدعوتكم لحضور

الندوة الثقافية بعنوان:

( التعليم الاحترافي و المهني - التخصصي في خدمة المجتمع )

( تقنيات المعلومات و تجربة المملكة المتحدة نموذجاً )


بمشاركة :

الأستاذ عزام القاسم

استشاري و مدرس تقنيات المعلومات في أكاديمية التعليم الافتراضي و المفتوح في المملكة المتحدة و الأكاديمية الأمريكية للعلوم و التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية.

الأستاذ د. مصعب عزّاوي

أستاذ العلوم الصحية في أكاديمية التعليم الافتراضي و المفتوح في المملكة المتحدة و الجامعة الافتراضية الدولية في بريطانيا.

وذلك في تمام الساعة السادسة والنصف من مساء يوم السبت الموافق 17/09/2005 ( السابع عشر من أيلول ) في قاعة المحاضرات في المركز الثقافي في أبو رمانة.


لمزيد من المعلومات:

مكتب تمثيل الجامعة الافتراضية الدولية وأكاديمية التعليم الافتراضي والمفتوح في المملكة المتحدة

دمشق – شارع الفردوس – مقابل صالة الشعب للفنون الجميلة- ط 1

هاتف:

+963 (11) 44 67 35 22

+963 (11) 22 30 40 7

على شبكة الإنترنت : www.abahe.co.uk

بريد إلكتروني : info@abahe.co.uk

الدعوة عامة.

ملاحظة:

نحن نحترم خصوصيتكم, في حال استقبلتم هذه الرسالة عن طريق الخطأ, أو في حال رغبتكم بعدم استقبال بريدالجامعة الافتراضية الدولية في المملكة المتحدة يرجى إلغاء بريدكم لدينا عن طريق الرابط التالي

http://abahe.co.uk/ivu/unsubscribe.htm

Note:

If you wish to unsubscribe from the list, you can do it at :

http://abahe.co.uk/ivu/unsubscribe.htm


Best Regards

International Virtual University (U.K)

صحافيو تونس في الخارج بساندون زملاءهم في الداخل

تنشر المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التنبيه التالي على النشرة العربية للشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير, آيفكس, و هو التنبيه الصادر عن المنظمة العربية لحرية الصحافة. للمتابعة برجاء الإتصال بالمنظمة العربية لحرية الصحافة مباشرة و ذلك على البريد الإلكتروني info@apfw.org أو الإتصال اتحاد الصحفيين التونسيين (SJT) علی البريد الإلكتروني sjt_diaspora@yahoo.fr. و للمزيد عن المسألة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية, برجاء زيارة مواقع آيفكس http://www.ifex.org

*************************
تونس: صحفيو الخارج يساندون زملاء الداخل ضد محاولات تقويض نقابتهم

باريس-07-09-2005- أعرب صحفيون تونسيون في الخارج عن دعمهم ومساندتهم دون تحفظ عن تضامنهم مع زملائهم في نقابة الصحفيين التونسيين في جهود بعثها, مطالبين بعدم التدخل في شئونهم والسماح لهم ببمارسة الحق النقابي كما يضمنه دستور البلاد وقوانينها طبقا للقانون الدولي للشغل.

وقد تلقت المنظمة العربية لحرية الصحافة نص العريضة التالية من الزميل الطاهر العبيدي الصحفي التونسي عضو المنظمة المقيم في باريس:

نحن الصحفيون التونسيين المشتغلون بالخارج الموقعين على هذه العريضة، نؤكد دعمنا ومساندتنا دون تحفظ ولا تردد، من أجل بعث نقابة للصحفيين التونسيين.


* نعرب عن تضامننا الفعّال مع زملائنا في اللجنة الوقتية، والاستنفار من أجل إنجاز هذا الهدف، الذي حملته أجيال متعاقبة كي يصبح واقعا.


* نغتنم هذه الفرصة للتأكيد على الحق المشروع، في بعث منظمة نقابية صحفية مستقلة. هذا الحق المنصوص عليه في البند الثامن من دستور الجمهورية التونسية، من قانون مجلة الشغل الصادر في غرّة ماي سنة 6196 ( الكتاب السابع) (الباب الأول) (الفصول 242 إلى 257) طبقا لاتفاقيات الدولية عدد 87 لسنة 1948 و98 لسنة 1949 التي صادقت عليها تونس منذ سنة 1957، والإعلان الدولي لسنة 1998 المتضمن للحقوق الأساسية للشغل، وفي مقدمتها الحق النقابي.


* نعبر عن رفضنا المطلق لتعويق هذا المسعى، ومحاولات تقويض الجهود من أجل بعث نقابة للصحفيين التونسيين، ونطالب بعدم التدخل في شؤونهم، وممارسة الحق النقابي كما يضمنه دستور البلاد وقوانينها طبقا للقانون الدولي للشغل.


الصحفيون الموقعون:

(1) محمد كريشان / قطر

(2) آمال وناس الزين / قطر

(3 ) جلول بن حميدة / فرنسا

(4) نبيل الريحاني / قطر

(5) الطيب معلى / كندا

(7) الهادي يحمد / فرنسا

(8)عبد اللطيف بن سالم / فرنسا

(9) محمد بوريقة / كندا

(10) خالد شوكات / هولندا

(11) بسام بونني / فرنسا

(12) الطاهر العبيدي / فرنسا

(15) صفوة عيسى / سويسرا

(13) علي بوراوي / فرنسا

(14) سامي بن غربية / هولندا

(15) جمال الهاني / فرنسا

(16) شهاب بالريش / سويسرا

(17) جلال الورغي / بريطانيا

(18) فرجاني سعداني / فرنسا

(19) عبد الوهاب الهاني / فرنسا


لمن يود من الزملاء الالتحاق بقائمة الموقعين على عريضة المساندة الرجاء إرسال مسانتده إلى البريد الالكتروني التالي.

sjt_diapsora@yahoo.fr

يوهان هيردر ـ فيلسوف اللغة وصديق الإسلام

يوهان هيردر فيلسوف كبير ذو تأثير واضح على الحضارة
الألمانية، فضلاً عن أنه من كبار منصفي الإسلام. ولعل
مقولته: "لقد هبت رياح الدين والشرف وتذوق الجمال
الإسلامية على الأوروبيين، فأغنت قيمهم..." دليل جلي على
ذلك.

ولد الفيلسوف الألماني يوهان غوت فريد هيردر في 25 أغسطس/
آب 1744 في موارنغين، حيث عمل والده كمعلم وقائد لفرقة
الموسيقى الكنيسة، وفي وقت لاحق انتقل إلى كونيغسبيرغ
لدراسة الطب والفلسفة وعلم الأديان. بعدها شغل وظيفتي مدرس
وراهب في المدرسة الدينية بمدينة ريغا. ثم أصبح خطيباً في
مدينة بوكيبورغ. في العام 1769 سافر هيردر إلى باريس حيث
جادت قريحته بكتاب "العاصفة والضغط"، لينتقل بعدها إلى
فايمار، تلك المدينة التي احتضنت مفكرين وفلاسفة على غرار
غوته وشيلر ونيتشة الذين عاصرهم هيردر. وعاش في فايمار حتى
وفاته في أغسطس/آب عام 1803.

التشديد على عنصر اللغة

عاصر هيردر علماء كبار ومفكرين مثل ولايبنيتز وليسنغ، كما
تأثر بمفكرين وفلاسفة مثل كانط وهامان. وقد عُرف عنه موقفه
الرافض لفلسفة نقد العقل للفيلسوف ايمانويل كانط. كما عارض
المفكر وولف في تجزئته للنفس البشرية داعياً إلى اعتبارها
جزء متكامل. ومن أبرز ما دعى إليه هيردر الاهتمام بعنصر
اللغة، كونها هي أساس أي تطور. وتأتي اللغة حسب مفهومه في
المقدمة ثم تتبعها المعرفة والحكمة. كما أن اللغة برأيه هي
التي تجعل من الإنسان إنساناً، لذلك قام هيردر بمحاولات
لـتأريخ اللغة، أي دراستها من خلال تاريخ تطورها. وإما إذا
كان من الممكن دراسة أصل الإنسان عن طريق تاريخه فأنه من
الممكن أيضاً دراسة كل لغة عن طريق تأريخها، ودعى هيردر
احترام الفروقات الثقافية بين الحضارات والأجناس ، وأوضح
انه من خلال هذه الفروقات فقط ، وهي التي تميز كل حضارة
إنسانية عن الأخرى، يمكن فهم الحضارة الإنسانية بشكل عام.

إشادة بالإسلام

وفي كتابه "أفكار حول فلسفة تاريخ الإنسان" أطرى هيردر على
شخص نبي الإسلام محمد وأبدى حماسه لفكرة وحدانية الخالق.
كما أبدى إعجابه بتعاليم الإسلام التي منحت المسلمين
الأمان والاطمئنان النفسي. ورأى هيردر أن الحروب الصليبية
كانت "فرصة ثمينة" لأوروبا لتتفهم الكثير عن حياة المسلمين
وحضارتهم. كما أبدى يوهان هيردر إعجابه بالقران الكريم حيث
قال: "لو كان للجرمانيين كتاب كلاسيكي بلغتهم كالقرآن
الكريم لما أصبحت اللغة اللاتينية مسيطرة عليهم، ولتعذر
تفرقهم وتشتتهم ضمن الشعوب المختلفة المجاورة".

علاء الدين جمعه

الهذيان


مليكة مستظرف

قبلني فوق شفتي المتشققتين وقال:
قبلة أبوية … انت مثل ابنتي. -
مررت بلساني على شفتي, شيء لزج يسيل منهما …دم ..لعاب؟ لاأعرف.
نور قوي مسلط على عيني…أحاول أن أفتحهما…لاأستطيع. رأسي مثقلة…أحاول ثانية…أعاود
اغلاقهما…أين أنا بالضبط؟
الرجل قال لي بعد أن قضم شفتي:
قبلة أبوية …أنت مثل ابنتي.-
لكن أبي لا يقبلني في فمي…بل لم يقبلني أبدا, ربما فعل ذلك عندما كنت رضيعة.هل أبي
يقبل أمي؟ أغمض عيني, أضغط عليهما بقوة, أتخيله…جلابية رمادية…بلغة صفراء معفرة
بالتراب, وعمامة ضخمة كصحن هوائي…أمي تقف قبالته.أحاول أن أتخيلها نحيفة ترتدي
قفطانا قرمزيا ومنديلا صغيرا تطل منه خصلات شعرها الأسود, تتخلله شعيرات بيضاء.
كانت والدتي عندما تغضب تصرخ فينا”شيبتوني قبل الوقت”.
ينحني والدي بقامته الفارعة, يضع يديه حول خصر أمي…و تختفي الصورة, كما تختفي الصور
من تلفازنا القديم.يتجمع غضب والدي في قبضة يده ويلكم الجهاز فتعود الصورة…يضحك
بانتصار”العصا لمن عصى”.
أين أنا؟هل أنا هناك؟ و من يكون هذا الذي قضم شفتي وعندما ا ضبطته قال: قبلة أبوية.
مررت بلساني على شفتي,علق به مذاق كالبلاستيك المحروق.
صلاح عندما يقبلني, أتمنى أن يفعل ذلك الى ما لانهاية.كنت أحب طعم قبلاته..مذاق
السجائر والخمرة الرديئة. عندما أقلع عن التدخين والشرب, لم أعد أستسيغ قبلاته,
أشمه ,أبحث عن تلك الرائحة التي أدمنتها و لاأجدها… تنزوي الرغبة بعيدا, أنفلت من
بين يديه يغضب و يصرخ في وجهي :
لقد تغيرت. هل تحبين شخصا غيري؟-
-هل لديك سيجارة و خمرة رديئة؟-
بهت:
هل أصبحت تد…خنين؟-
-لا بل أنت…ستدخن كل يوم قبل موعد الحب…وستمضمض بهذه الخمرة …لقد أدمنت هذه
الرائحة..
ضحك حتى دمعت عيناه:
-صدري أصبح كقفص يسكنه طائر الجاوش… انك تقودينني رأسا الى مستشفى الأمراض
السرطانية..
أين أنا؟ هل يمكن أن أكون هناك؟
هل سيأتي من يسألني من هو ربك؟ ما هو دينك؟ من هو نبيك؟
من يملك الاجابة السحرية سيقضي بقية حياته/مماته في…
أحد البرامج التي تبثها احدى القنوات اليتيمة تقول اذا كنت تملك الاجابة على
أسئلتنا… اتصل الان وقد يحالفك الحظ وتفوز بسفر الى…
أين أنا؟
مسجاة على ظهري…احدى يدي بها ابر كثيرة, لا أستطيع الحركة, رأسي تؤلمني, أنجح في
تحريك يدي اليمنى, لا انها اليسرى…أتحسس جسمي تحت الغطاء ,هل هو الكفن؟
ألمس نهدي, أجفل…تبدو كفلفلة مقلية مرتخية بشكل مقزز.عندما مر شهر على لقائي بصلاح,
شهر أو اسبوع…ربما هي ساعات فقط, قال لي :
أريد أن ألمس نهديك.-
فاجأني بطلبه.
-أحس أن نهديك غير حقيقيين…انهما منتفختان بشكل غريب, هل هما نهداك أم ان السوتيان
محشو بقطعة اسفنج؟ هل يمكنني ان ألمسهما؟
ضحكت يومها و تمنعت قليلا و قلت له:
اليوم تريد ان تتاكد من نهدي…غدا من فخذي..وماذا بعد؟لن ننتهي أبدا.-
أحب جسده الذي يشبه قطعة خشب متفحم,ألتصق به أكثر, أذوب في حرارة شفتيه, يكسر ضلوعي
بذراعيه…هل صحيح أن لديه ضلعة زائدة؟
عندما قلت لزوجي”أشتهيك.
قال: أنت عديمة التربية…ألا تخجلين؟
في الغد قال لي زوجي : أشتهيك.
قلت له :انت عديم التربية …ألا تخجل؟
ضحك ببلادة وقال : هذا حقي … منحني اياه ديني و أجدادي.
عندما أرغمني على الحب ,استسلمت و أنا متخشبة.صرخ في وجهي :هل انا متزوج من صنم؟
عندما تأوهت بين ذراعيه و تلويت وتمتمت بكلمات ساخنة, صرخ في وجهي :من علمك هذا؟ من
لمسك قبلي؟
صلاح لم يكن يهتم بطرح اسئلة بليدة,لم يكن يجيز أشياء و يحرم أخرى حسب مزاجه.
صرخت,صرخت, و صرخت…خرجت من المنزل وأنا أصرخ…كنت أجري في الطرقات و أنا أصرخ …سمعت
صرير عجلة..وجسمي يرتطم بعنف على الاسفلت,لم أعد أصرخ.
أين أنا؟
جاءت والدتي, وضعت يدها على رأسي , وأخذت تتمتم ببعض السور القرآنية.
أين أنا؟
أنت هنا في المستشفى.-
-أمي, لقد قبلني, كانت عيناه بلون الكبد المريض, وعندما ضبطته قال: أنت مثل
ابنتي.كان يرتدي لباسا أبيض.ممرض؟ طبيب؟ أم جزار؟ هل نحن في محل جزارة يا أمي؟
نامي يا ابنتي انك تهذين.

كتاب مغاربة يتحدثون عن علاقة أبنائهم بالقراءة والكتابة

هل يورث الأباء عادة القراءة إلى أبنائهم؟

سعادة المثقف لا تكتمل فقط برؤية مئات الكتب الموزعة على رفوف مكتبته كل صباح، بل أيضا بمشاهدة أبنائه يقرؤون.
حسن نجمي، رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق، وبعد أن يحدد طرقا مختلفة للدفع إلى القراءة، يقول أنه اختار توجيه ابنته الكبرى، طالبة في المعهد العالي للإعلام والاتصال، إلى قراءة كل ما يقع بين يديها من كتب مرتبطة بالفكر السياسي وكل ما يتعلق بالنسق السياسي المغربي، مثل كتابات محمد معتصم وعبد الله ساعف ومختلف كتب القانون الدستوري المغربي.
آثر نجمي مسايرة رغبات ابنته الوسطى التي لمس لديها ميولا لقراءة الرواية البوليسية والتأثر بالبرامج القانونية التي يبثها التلفزيون المغربي حيث ان ولعها بهذا الجنس الروائي جعلها تلتهم جميع روايات الميلودي الحمدوشي، روائي بوليسي مغربي، وتتابع كتاباته وأخباره بنهم شديد، وحاول نجمي تنمية رغباتها في قراءة الرواية البوليسية بالشكل الذي يراه مغذيا لرغبات القراءة لدى الأطفال في مثل سنها.
الشاعر والكاتب المغربي عبد الوهاب الرامي الرامي يرى أن القراءة يجب أن ترتدي زيا نقديا , لا يخلو من مساءلة على أساس أن النصوص المكتوبة ليست نصوصا مكتملة، بل هي نسبية، وبالتالي فإنه يرفض أن يكون أبنائه مجرد مستهلكين للكتب أو مكتنزين للمعرفة، بل أن يقوموا باستثمارها بشكل تداولي، بمعنى ألا يكون الطفل موسوعيا على مستوى تلمسه للغة والمعرفة فقط، بل أن يوظفها في تعامله مع الواقع حتى لا يتحول إلى مجرد قاموس جامد، مؤكدا أن ما ينقصنا في العالم العربي هو تحويل فعل القراءة إلى فعل انتاج مساءل وحداثي، مع الاهتمام بالجوانب التواصلية وهذا ما يشغله على مستوى تعامله مع أبنائه، فيما يحاول، دائما، توجيه محيطه القريب الى قراءة بعض الكتابات الرصينة مثل كتب ميلان كونديرا.
أما عبد القادر الشاوي، روائي وكاتب، فيذهب إلى أن القراءة طقس يلازمه طيلة فصول السنة، فهو لا يغير في غالب الأحيان شيئا كثيرا من البرنامج أو الكتب التي يفكر في قراءتها والمرتبطة بمجال البحث أو الاهتمام الثقافي بشكل عام، معلقا «أقرأ، حاليا، رواية ناقصة للأديب الفرنسي ألبير كامي نشرت عام 1994، لكنني لم أقرأها في تلك الفترة وصدرت في طبعة مفسرة في بداية العام الجاري، وهي رواية جميلة بعنوان «الرجل الأول» الذي يقصد به والد الأديب، إذ تحاول الرواية بناء جينولوجيا المسار الفردي والعائلي والتاريخي لهذا الأديب الفرنسي منذ ولادته في الجزائر والتطورات التي عرفتها حياته بعد وفاة والده في الحرب العالمية الأولى والمشاكل التي ترتبت عن هذا الحادث»، ويضيف الشاوي بنبرة مرحة «لا أقرأ شيئا باللغة العربية في هذه الفترة بسبب انشغالي في انجاز عمل للترجمة من العربية الى الفرنسية الذي استغرقني كثيرا، فجنس الكتاب المنشغلين بالبحث الأكاديمي تكون قراءتهم «متمواجة» أي أن بها نوعا من الاستبدال بحكم الظروف المناخية».
ويرى الشاوي أن الكتاب يفضلون دائما أن يكون أبناؤهم من نفس طينتهم أو مرآة تنعكس عليها اهتماماتهم الفكرية والثقافية في مختلف المجالات، إذ أن هذا يمثل أمنية منطقية وطبيعية، لذلك يحبذ بعض الكتاب أن يصادفوا ميولاتهم الذاتية لدى أبنائهم سواء كانوا أطفالا أو مراهقين، لكن يبقى للأبناء عوالمهم الخاصة واهتماماتهم التي لا ترتبط بالأسرة فقط، وإنما بالتلفزيون والشارع، إذ أنها مؤثرات، ربما، تطغى على التأثير المفترض الذي يمكن أن يمارسه الوالدان، موضحا أن المجال الضيق الذي تستطيع الأسرة توجيه الأبناء يظل هو ساعات الليل أو بين حصتين دراسيتين، قصد توجيههم إلى ما فيه فائدة، خصوصا أن الأبناء يعشقون المغامرة ويتلصصون على مواضيع الجنس.
ولا يختلف الكاتب العربي الحارثي مع الطرح الذي قدمه عبد القادر الشاوي، قائلا «تشجيع الأطفال على القراءة يبدأ منذ نعومة أظفارهم حيث يتطلب هذا الأمر وجود علاقة وطيدة بين الأب والابن، ويبدأ التلقين الموجه داخل الاطار الشفاهي من خلال سرد الحكايات الموروثة عن الأجداد. ».
يضيف العربي: وشخصيا لي برنامج لتشجيع القراءة مع أبنائي حيث أتلو عليهم صفحتين كل ليلة قبل النوم، لأن القراءة عادة يجب ان تفهم حاجيات الطفل وميوله عبرها

لماذا نقرأ الروايات البوليسية؟

الشغف بالرواية البوليسية

*بيار لوباب
Pierre LEPAPE

تدلّ كافة الاستطلاعات على تراجع المطالعة، وخصوصاً مطالعة الكتب الأدبية، حيث تنافسها ألعاب التسلية الالكترونية الجديدة، وذلك منذ 20 عاماً في البلدان الغربية الكبرى. باستثناء واحد: مبيعات الروايات البوليسية ما تزال على ارتفاع ثابت. لماذا؟

قبل أكثر من عشرين عاماً، أطلق "المجلس الوطني للفنون" أو الوكالة الفيديرالية الاميركية للثقافة، تحقيقاً واسعاً حول الممارسات الثقافية في الولايات المتحدة. وقد طُرحت الأسئلة على أكثر من 17 الف شخص على دفعات في الأعوام 1982، 1985، 1992 و2002، وقد تجمّعت الأجوبة لدى مكتب الاحصاء الفيديرالي. تمّ نشر جزء من هذا الاستطلاع في كتاب كبير حمل عنواناً مثيراً للقلق: "المطالعة المهدّدة: دراسة حول المطالعة الأدبية في الولايات المتحدة" [1].

وجاءت النتيجة الأكثر اثارة للانتباه التراجع المُتسارع، خلال عشرين عاماً، لقراءة الأدب: الروايات والقصص القصيرة والشعر والمسرح. ففي العام 1982، كان 56،9 في المئة من الأميركيين، ما فوق سنّ الـ18 الذين طُرح عليهم السؤال، قرأوا على الأقلّ كتاباً أدبياً واحداً في العام السابق. وفي 1992، كانت النسبة ما تزال في حدود 54 في المئة. في الـ2002، هبطت الى 46،7 في المئة، وتسارع تراجع عدد القرّاء فجأة خلال السنوات الاخيرة ليتدنّى بنسبة 13،5 في المئة بين 1992 و2002.

والأكثر اثارة للقلق ازدياد تراجع النسبة لدى الفئات الشابّة، حيث انحسرت بمعدّل 21،9 في المئة لدى الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44، وبمعدّل 23،2 لدى الـ 25 ـ 34، و28،4 في المئة عند من هم بين الـ18 والـ24. وعلى هذا المنوال، يبقى أميركيّ واحد من أصل ثلاثة ليُطالع كتاب أدب واحداً في نهاية العقد. ولدى الرجال الأميركيين من مختلف الاصول، هبطت نسبة الاطّلاع على الكتب الادبية الى ما دون الـ 35 في المئة.

"إنّ تسارع تدنّي القراءة الأدبية، لدى مُجمل الجماعات الديموغرافية من البالغين الأميركيين، يُنبئ بأزمة ثقافية وشيكة". هذا ما يقوله كاتبو التقرير الذي لا يبدو أنه لقيَ صدى إعلامياً واسعاً، حتى في الصحافة المكتوبة المهدّدة بدورها بتراجع القراءة... مع الحرص على الحذر في استكشاف أسباب الانكفاء السريع عن المطالعة، يُشير أصحاب التقرير من جهة الى زيادة كبيرة للنفقات العائلية في مجالات التجهيز السمعيّ البصريّ والوسائط الالكترونية. ومن جهة أخرى، تسجّل عملية اعادة تمركز للنشاطات الترفيهية حول المنزل، والممارسات الفردية على حساب المشاركات الجماعية كالتطوّع والأندية وزيارة المتاحف والمباريات والمسرحيات والكورس الغنائيّ الخ... فتراجع الاقبال على الرواية قد يترافق مع حذر متزايد إزاء العالم الخارجي الذي تبرز تعقيداته من خلال أعمال الخيال الأدبي.

يرجع آخر تحقيق فرنسيّ حول العادات الثقافية الى العام 1997، وتُظهر الاحصائيات السنوية التي تصدرها النقابة الوطنية للناشرين وقاعدة المعلومات "ألكتر بيبليو"، التوجّهات الرئيسية للناشرين في غياب المعلومات حول القراءة والقرّاء. فيلاحظ فيها أنه في هذا الانتاج المزدهر، ما يزال عدد العناوين الأدبية يمثّل في المعدّلات السنوية ثلث المنشورات.

في العام 2004، سُجّل 18 الف اصدار جديد، بما فيه اعادة الاصدار في منشورات الجيب، أي بزيادة 2200 عنوان عن العام السابق. تحت عنوان "الأدب" ـ والذي يتضمّن أيضا الشرائط المصوّرة وكتب الشباب ـ تمثّل الرواية كنوع أدبيّ 6660 عنواناً. حتى ولو سُجّلت شكاوى من أصحاب المكتبات حول تضخّم الاصدارات، والذي يُخفي تراجعاً في معدّل التوزيع لكلّ عنوان على حدة، فإنّ الأدب الروائيّ ما زال يمثّل أحد نقاط القوّة في مجال النشر.

داخل باب "الأدب" نفسه، تتّخذ الرواية البوليسية أهمّية مُتزايدة مُلفتة للإنتباه. ففي 2003، أُحصي اصدار 1800 عنوان بوليسي وبيع 18 مليون كتاب [2]. حتى الستّينات، كانت الروايات البوليسية مُصنَّفة مع "الأدب الشعبي"، وكانت تُوزَّع بشكل أساسيّ في المطارات ومحطّات القطار. لم يبقَ من إصدارات تلك الحقبة إلاّ روايات جيرار دو فيليه التي تمزج الأحداث الدولية (الشبكات الارهابية) مع المشاهد السادية واللقطات الايروتيكية.

واليوم، بات لكبريات دور النشر الأدبية سلاسلها البوليسية، بعد أن أقدمت منشورات "غاليمار" على اصدار سلسلتها "السوداء" الذائعة الصيت، ويحتلّ كتاب الروايات البوليسية المراكز الأولى في أفضل المبيعات لدى هؤلاء الناشرين. ماري هيغنز كلارك، باتريسيا كورنويل، فريد فارغاس، جان كريستوف غرانجه، هينينغ مانكل ومايكل كونللي ما عادوا يكتفون ببيع عشرات الآلاف او مئات الآلاف من النسخ. فالبعض منهم، مثل مانويل فاسكيس مونتولبان في اسبانيا، يُعتَبرون روائيين أدبيين كاملي الصفات، وهم يختارون حبكة بوليسية لبناء عالمهم الروائي.

وكان هذا التحوّل في التصنيف الاجتماعي والجمالي للرواية البوليسية وجدَ لحظته الرمزية مع دخول مؤلّفات جورج سيمنون الى سلسة "لا بلياد" الشهيرة، الى جانب تحف الادب العالمي الكلاسيكي. فمؤلفات سيمنون المقروؤة من ملايين الناس، والمنقولة الى عدد كبير من اللغات ومصدر الوحي الذي لا ينضب للاعمال التلفزيونية والسينمائية، كانت افضل جسر يربط بين الأصول الشعبية لانتاج الرواية البوليسية واستهلاكها وبين البُعد الأدبي الجديد لهذه الرواية.

ومن المؤشّرات الاخرى على دخول الرواية البوليسية الى المؤسّسة الادبية، تكاثُر التظاهرات والجوائز والمهرجانات (21 في العام 2004)، والندوات والمجّلات المخصّصة للرواية السوداء والمكان الذي تحتلّه في الاعلام، ضمن حيّز نقديّ لا يضيق. كما تشهد الرواية البوليسية ازدهاراً في مجال النشر للشباب، حيث المطلوب من المؤلّفين خلق التواصل بين عالم الجريمة والحساسيّة الخاصّة بالصغار والمراهقين.

يطرح تسويق الرواية "السوداء" أسئلة على الأدب الروائي التقليدي. فبعد تحقيق بدأه في 2002، يخلص عالما الاجتماع، آني كولوفالد (جامعة باريس العاشرة) وايريك نوفو (جامعة رين الاولى)، الى أنّ الرواية السوداء أقلّ تعبيراً عن الممنوعات الثقافية من غيرها، وذلك بسبب أصولها وتاريخها [3]. فيشعر القارئ أنها سهلة القراءة ولا تتطلّب جواز مرور مدرسيّ أو ثقافيّ، وأنها تنتهج نمطاً سردياً واضحاً وثابتاً، وتسمح أخيراً بالحصول على قدرة استيعاب حقيقية في مجال يتساوى فيه القرّ!اء. كما تُبرز الدراسة ميل القرّاء الى روايات الحياة اليومية "الحقيقية"، في فرنسا وغيرها، روايات تعكس الحياة الاجتماعية المعاصرة التي ابتعدت عنها الرواية "البيضاء" النخبوية، الباريسية والمنطوية على ذاتها، كما تعكس التعبير المتميّز للبورجوازية الصغيرة المثقّفة.

صحيح أنّ الرواية الفرنسية "السوداء" منذ السبعينات، وخصوصاً بفضل المبادرة الأدبية لجان باتريك مانشيت، خرجتْ من اللّعبة المسلّية لفكّ الأحاجي من أجل تركيز قصصها على الوقائع الاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع الفرنسي. ويعبّر كتّاب، أمثال ديديه داننكس او جان برنار بوي، عن هذه الجمالية المناضلة، لكنها أشبه بإشارات تشهد على زمن مضى.

لا يمكن في الواقع فصل ازدهار الرواية "السوداء" عن التطبيع الذي طرأ على موضوعاتها واساليب معالجتها لهذه الموضوعات. فلو طالعْنا قائمة الـ 326 عنواناً من "الجيّد والجيّد جداً" بين الروايات البوليسية، والصادرة في فرنسا بين آب/اغسطس 2002 وآب/اغسطس 2003 وفق احصاء "بيليبو"، نلاحظ التفوّق الكبير للأدب البوليسي الأنكلو ـ ساكسوني. والسيطرة هذه أيضاً يشهدها السوق لجهة عدد العناوين وعدد النسخ المُباعة. فالقرّاء الفرنسيون أكثر اطّلاعا على النظام القضائي البريطاني، أو على الأساليب الغامضة في عمل الشركات المتعدّدة الجنسية، من معرفتهم بأنماط انتشار العنف في مناطق الريف الفرنسيّ.

اذا كان التحقيق الجرمي التقليدي ما زال يتمثّل، بوجود أو بدون وجود محقّق، في 239 عنواناً، إلاّ أنّ المُلفت ازدياد حصّة الرواية البوليسية التاريخية مع الجرائم المتصاعدة، من زمن الفراعنة الى "الجنود الضائعين" في حرب الجزائر. لا أمل كبير هنا ايضاً في مقاربة الواقع المعاصر، كما أيضاً في الروايات البوليسية "النفسيّة" التي تُثري الروائيات البريطانيات ودور النشر، أو في الموضة الجامحة من نوع "رمز دافينتشي" حيث تلتهم الأحجية البوليسية الرؤية العُظامية لعالم يحكمه منطق المؤامرة.

لا مكان يُذكر لاستكشاف الحياة الاجتماعية، فإمّا الوقوع في الفولكلور المحلّي، روايات المناطق لحساب السيّاح، أو البقاء ضمن عموميات ديماغوجية لا معنى لها حول بؤس الضواحي. إنّ الرواية "السوداء" المعاصرة تبحث عن عباقرتها أمثال وليم بورنيت وداشيل هامت او غيرهما أمثال هوراس ماك كوي.

اذن تبقى تلك "المُطالعة المُستريحة" التي تسرّ قراء الرواية البوليسية، والتي تعكس ربّما النهج المتزايد لـ"مدارس الكتابة" الهادفة الى التنميط الجماليّ للخلق الأدبيّ. في هذه الحال، تكون الموضة الفرنسية للرواية البوليسية آخر محطّة روائية يحتلّها القرّاء الأكثر ضعفاً. قبل الخروج من عالم القراءة كلّه؟

---------------------------

* * كاتب ومحلّل. لهVoltaire, le conqu鲡nt (1994), Andr頇ide, le messager (1997) et Le Pays de la litt鲡ture (2003), tous parus au Seuil, Paris.

----------------------

[1] Reading at risk : a Survey of literary readind in America. National Endowment for the Arts (www.arts.gov) Research division, n?46. Et Livres Hebdo, n?574, Paris, octobre 2004.

[2] Les crimes de l’ann饬 n?13, 餩t頰ar Bilipo (Biblioth豵e des litt鲡tures polici貥s), groupe de lecture “ romans policiers ” des biblioth飡ires de la ville de Paris.

[3] Annie Collovald et Erik Neveu : Lecteurs et lectures du policier. Biblioth豵e publique d’information/ Direction du Livre au minist貥 de la culture et de la communication, Paris, 2004.

مكافحة الارهاب في السويد

في السويد، محكمة الاستئناف تنظر في أول قضية وفق قانون مكافحة الإرهاب الجديد


للمرة الأولى ستنظر محكمة استئناف سويدية في قضية وفق قانون مكافحة الإرهاب
الجديد، إذ ستعيد النظر في قضية عراقيين حكم على أحدهما بالسجن سبع سنوات، وعلى الآخر بست سنوات من قبل محكمة ابتدائية أدانتهما بتقديم الدعم الى منظمة إرهابية في العراق.
ممثلة الأدعاء العام أغنيتا هيلدينغ فارنستروم تتطلع الى تشديد الحكم على المدانين أسنادا الى توفر أدلة جديدة ضدهما لديها:تقول هيلدينغ كفارنستروم أن هناك أدلة تحريرية جديدة، كما أن هناك شهودا جددا لم يدلوا بشهادات أمام المحكمة الأبتدائية، ومن الأدلة التي يعتمد ليها
الأدعاء العام الأتصالات الهاتفية التي أجراها المتهمان، والتي قامت المخابرات السويدية ـ يبو ـ بتسجيلها على مدى نحو عامين.
وكانت المحكمة قد أدانت المتهمين بتحويل ايعادل المئة وثمانية وأربعين الف دولار الى منظمة نصار الأسلام بهدف تمويل عملياتها الأرهابية.
وقد تناقضت الأأفادة التي أدلى بها أحد المتهمين أمام الشرطة، بشأن أسباب تحويله الأموال الى العراق، مع الأفادة التي أدلى بها أمام المحكمة
الأبتدائية، دون أن يقدم للمحكمة دليلا مقنعا على أسباب أختلاف الأفادتين، مما دفع الكحمة الى التمسك بالأفادة التي أدلى بها أمام الشرطة حكمته على أساسها.
ويعتقد أولا سالمونسون محامي الدفاع عن المتهم أن موكله قادر الآن على تقديم تفسير واضح وقنع لمحكمة الأستئناف بشأن تضارب أقواله:يقول المحامي أن المعلومات التي أدلى بها الى سيبو لم تكن صحيحة.

٢٣‏/٩‏/٢٠٠٥

رجال الدين المسلمون وخطاب الارهاب

ذكرى مرور عام على مذبحة بسلان:
لماذا يتقاعس علماء الإسلام عن تفنيد خطاب الإرهاب؟

يجيب عن هذا السؤال: الدكتور طه أبو كريشة، نائب رئيس جامعة الأزهر والدكتور محمد شحرور، مفكر إسلامي معروف والدكتور الهادي الصباح، إمام مسجد مدينة باساو بألمانيا.

دكتور أبو كريشة، هل توقف دوركم كعلماء عند إدانة العمليات الإرهابية فقط؟
طه أبو كريشة: ينبغي ألا نحمّل العلماء أكثر مما هو مطلوب منهم. فإذا قام العلماء وبينوا وجهة نظر الإسلام في الإرهاب وفيما يقوم به الإرهابيون، وأن ذلك خارج عن الإسلام، وأنه يجب على أولي الأمر أن يأخذوا على أيديهم، مطبقين قول الله تعالى " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّع أيديَهم وأرجلهم من خِلاف أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خزي في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".فإذا قام العلماء في كل مكان، وبينوا هذا الحكم الشرعي، فإن ذلك هو الواجب عليهم في المقام الأول، وهو الأمر الذي يملكونه، ولا يملكون غيره، حتى لا نضع على عاتق العلماء مسؤولية التقصير في ميادين أخرى.
دكتور، قبل أن نتطرق إلى المسؤولية وأسباب الإرهاب، دعني أنتقل إلى دمشق إلى الدكتور محمد شحرور. دكتور شحرور، قبل أن ندخل في تحليل هذه الظاهرة، دعنا نتوقف عند دور العلماء المسلمين في محاربة هذه الظاهرة، كيف تقوم أنت دور العلماء؟.
محمد شحرور: أعتقد أن دورهم مازال دوراً سلبياً وليس ايجابياً، لأني إلى الآن لم أرَ عالماً مسلماً من علماء الوسطية ناقش أحد أتباع أسامة بن لادن على شاشات التلفزيون وأقام عليه الحجج الشرعية. أنا لم أر هذا حتى الآن، مع أن الأمر بسيط، ناقشوهم.
هناك مشكلة الآن في العالم الإسلامي، ألا وهي مشكلة الولاء والبراء. ويجب على علماء المسلمين إعادة النظر فيها مرة ثانية. الذين قاموا بتفجيرات بريطانيا هم بريطانيون، أي مسلمون ولدوا في بريطانيا وهذا يعني أن ولاءهم لم يكن لبريطانيا، والذين قاموا بتفجيرات شرم الشيخ منهم مصريون، لكن ولاءهم ليس لمصر.
تستعمل القاعدة أطروحة الولاء والبراء لتشكيل صفوف جديدة. وأعتقد أنهم يجندون المزيد من الشباب بفضل هذه الأطروحة، ومازالوا يجندون إلى الآن. فهناك ازدواجية في الولاء. ويجب على العلماء شرحها، فهناك ولاءان: الولاء لبريطانيا أم للدين، الولاء لبريطانيا أم لمكة، الولاء لبريطانيا أم لبن لادن؟ أنا بريطاني وفي نفس الوقت مسلم. وتخص هذه المشكلة الجالية الإسلامية في أوربا وأمريكا، كما تخص الآن المسلمين في كل مكان.
ما الذي تاخذه على العلماء بالضبط؟
شحرور: هناك ازدواجية ويجب على العلماء حلها، وتظهر هذه الازدواجية علناً، فالذين ضربوا بريطانيا عندهم ازدواجية في الولاء، هم بريطانيون وقتلوا بريطانيين.
الدكتور أبو كريشة يقول إن العلماء لديهم فقط سلاح الكلمة، وقد استعملوا هذا السلاح.
شحرور: أنا لم أر حتى الآن بحثاً جديداً في الولاء والبراء. ذلك البحث الذي تستعمله القاعدة والذين يقومون بالإرهاب. وهذا البحث من أبحاث الفقه التي وضعت منذ قرون حين تأسس الفقه الإسلامي وظهرت الأطروحات الشهيرة كـ "دار الكفر ودار الإسلام" و"دار الإسلام ودار الحرب" و "الحرابة" و "التمترس" و "الولاء والبراء". وقد وضعت هذه المفاهيم في وقت كان فيه انسجام تام بين الولاء للدين والولاء للدولة. ولا يوجد هذا الانسجام الآن، وتستغل القاعدة هذه النقطة بالذات.
دكتور هادي، من الواضح أن الإرهاب انتقل إلى أوروبا بقوة، ووقود هذا الإرهاب مسلمون يعيشون في أوروبا، أو لنقل هم مواطنون أوروبيون. وهناك انتقادات لكم أنتم كعلماء وأئمة خصوصاً في ألمانيا وفي بريطانيا وفرنسا، بأنكم تحرضون هؤلاء الشباب على القيام بعمليات إرهابية، في أوروبا وفي العراق. كيف ترد كإمام وعالم؟
الهادي الصباح: أود أن أشير باختصار إلى أن ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة مرضية معقدة ومركبة، فمن ناحية نجد أن الكثيرين من الذين يتحدثون باسم الإسلام، ويوصفون بعلماء الإسلام، من وجهة نظري أنا كدارس للشرعية الإسلامية، يحتاجون إلى دراسة معمقة للإسلام. لأن تحليل وتفكيك ظاهرة مثل هذه الظاهرة المعقدة والخطيرة جداً يحتاج إلى أكثر من مجموعة متخصصة من علماء المسلمين، سواء في مجال العلوم الشرعية أو في مجال العلوم الاجتماعية أو في مجال العلوم السياسية أو النفسية.
فالذي يفجر نفسه في أي مكان في العالم، ويقتل أبرياء هو مريض، وبالتالي يحتاج إلى معالجة عقلية نفسية علمية، حتى يفهم ويعي أن هذا السلوك إنما هو سلوك شاذ لا أصل له في جميع الأديان. وهذا موضوع معقد على كل حال.
ولكن أريد أن أشير إلى أن المسألة لا تؤخذ ببساطة، فمثلاً عندما يقول الدكتور أبو كريشة إن العلماء تحدثوا بما فيه الكفاية، أقول له:لا، العلماء لم يقولوا ما فيه الكفاية، فالمنتظر من العلماء هو أن يقولوا كلمات معينة في أوقات محددة.
فعندما وجدنا مثلاً أن ظاهرة الإرهاب تظهر في كثير من الأماكن، وتقتل الأبرياء، سواء من المسلمين أو من المسيحيين، وقتلهم حرام طبعاً، نسمع من هنا أو من هناك بعض التنديدات والإشارات، لكنها تأتي بعد فوات الأوان، أي بعد وقوع العمليات الإرهابية.
تحتاج المسألة إلى توعية أجيال ومجتمعات بأكملها، حتى لا تقع هذه الأخطاء. أنا أريد أن أشير إلى أن التوعية ودور العلماء لا يقتصران على الكلمة، فالكلمة هي واجب شرعي، وتقوم بدور أساسي.
وماذا عندهم غير الكلمة؟
الهادي الصباح: لابد من معالجة هذه المشاكل، ولا يكفي أن نأتي بعالم من القاهرة أو من دمشق أو من الرباط، ليقول للناس إن قتل الأبرياء حرام، فالناس يعرفون جميعاً بالفطرة أن قتل الأبرياء حرام. وما يحتاجونه هو توجيه وتوعية وإيضاح لمجموعة الشروط الموضوعية والاجتماعية والسياسية والواقعية والاقتصادية، لكي يُؤهلوا للسير على سيرة سوية مستقيمة.
دكتور أبو كريشة كيف ترد على ما قاله الضيفان من دمشق وباساو بألمانيا؟
طه أبو كريشة : أحب أن أؤكد أنّ ظاهرة الإرهاب ظهرت عندنا في مصر أولاً في أواخر القرن الماضي. وقام العلماء بدورهم في التصدي للإرهاب من خلال بيان الحكم الشرعي في كل الآراء التي يعتنقها هؤلاء الذين يدَّعون أنهم يدافعون عن الإسلام.
وقد أصدر الأزهر الشريف جزئين كبيرين يحملان عنوان "هذا بيان للناس" فيهما كل القضايا المطروحة على الساحة ورأي الأزهر فيها، سواء كانت تتعلق بالعقيدة أو بالسياسة أو بأمور الحكم، ويستطيع إخواننا في المراكز الإسلامية في جميع أنحاء العالم أن يطلبوا هذين الجزئين من الأزهر الشريف. وأعتقد أن الأزهر الشريف أرسل بهذه الأجزاء وبهذا البيان إلى كل المراكز الإسلامية. طالما أن الأمر كما تقول، لماذا كل هذه الانتقادات لتقاعس العلماء في التصدي لهذه الجماعات التكفيرية. الكل يتحدث عن تقاعس العلماء في التصدي لظاهرة الإرهاب، والآن سمعنا ضيفين يتحدثان أيضاً عن تقاعس العلماء.
طه أبو كريشة: التعميم ينقصه الاستقراء على الواقع وعلى المؤلفات والمؤتمرات. فمنذ سنتين وعقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عقد مجمع البحوث الإسلامية مؤتمراً إسلامياً عالمياً تحت عنوان "هذا هو الإسلام" ودارت موضوعات كثيرة حول الفرق بين الجهاد والإرهاب وحماية الإسلام للأبرياء.كما أن لدينا المؤتمر الذي يعقد في كل عام من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الأزهر وقد تصدى لهذه الظواهر أيضاً. فمن يتحدثون عن تقاعس العلماء غير ملم بما قام به هؤلاء، لقد قال العلماء أكثر مما يجب عليهم أن يقولوا. ولكن كما قلت الذنب ليس في رقبة العلماء وحدهم. لابد من معالجة الظواهر الأخرى المرتبطة بظهور مثل هذه الدعاوى أو هذا التطرف أو هذا الإرهاب، وعلينا أن نكون صرحاء كل الصراحة في مواجهة الأسباب التي تؤدي إلى ذلك.
دكتور شحرور ما المطلوب من الأزهر أكثر مما قيل؟
محمد شحرور: أنا لا أشك أن ما قاله نائب رئيس جامعة الأزهر قد حدث، ولكني أقول إن هذا لا يكفي. لأن المواطن الآن يعاني من مشكلة ازدواجية الولاء، ويجب على الأزهر أن يجد حلاً لمشكلة ازدواج الولاء هذه وخاصة في أوروبا. الثقافة الإسلامية الشعبية السائدة ولا أقول الدين الإسلامي هي ثقافة سلبية وليست إيجابية.
إنسان عمره عشر سنوات يذهب إلى الجامع ويسمع "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى، وهذا إنسان عمره عشر سنوات، ويسمع هذا الكلام. هذه الثقافة تشكل مادة خام لتنظيم القاعدة، وهي موجودة في مصر، موجودة في السعودية، موجودة في سوريا. هناك شيء اسمه الخطاب السلبي. لا يوجد جامع، تدخله بدمشق مثلاً إلا وتسمع في الخطبة "اللهم يتم أولادهم ورمل نسائهم، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر واللهم اجعل الدائرة عليهم"، ويقال هذا كلما ذكر الوضع في أفغانستان أو في الشيشان أو غيرهما. وأعتقد أن جزءاً كبيراً من المسلمين في أوربا لديهم اقصاء ضمني للأوروبي، فهم لا يتفقون عليه أصلاً.
دكتور هادي، أنت تعيش في ألمانيا، وتعرف أن الإعلام الألماني ينتقد الأئمة بشدة، وقبل وقت قصير تم ترحيل أحد الأئمة إلى مصر بتهمة التحريض على الجهاد ضد الكفار وبث الحقد والكراهية في المجتمع. فماذا تقول؟
الهادي الصباح: هذا بكل تأكيد واقع، لكنه لا ينطبق بطبيعة الحال على كل أئمة أوروبا. من المؤكد أن كثيراً ممن أصبحوا أئمة مساجد في كثير من الدول الأوروبية ليسوا من المتخصصين. وهذه مشكلة كبيرة، فالكثير من الأئمة جاءوا من بلدانهم، سواء من شمال إفريقيا أو من أي بلد عربي آخر، دون تكوين علمي إسلامي صحيح، وهذه مشكلة يمكنني أن أؤكدها، لأنني عشتها مباشرة، سواء في فرنسا أو في ألمانيا.
من سمح لهؤلاء بأن يتحولوا إلى أئمة، من وضعهم في هذه المراكز؟
الهادي الصباح: أنا أقيم في ألمانيا منذ ثلاث عشرة سنة، وفي السنة الأولى من وصولي كنت أذهب لأصلي الجمعة في مدينة ريغنسبورغ مثلاً، وكثيراً ما كان يأتي للخطبة خطباء لم يحصلوا حتى على البكالوريا، أي لم يتجاوزوا المرحلة الثانوية وليسوا مؤهلين لدخول المرحلة الجامعية.
ويقف هؤلاء الخطباء أمام جمع من الناس ويخطبون فيهم ويشرحون لهم الأحاديث. والمشكلة أنهم يشرحونها شرحاً مغلوطاً لأنهم يفتقدون الأساس العلمي. هذه الظاهرة موجودة ويجب معالجتها. وأنا مع كل من يقول إن كل من يقف على المنبر ليوجه خطبة جمعة للمسلمين يجب أن يكون متخصصاً وله شهادات عليا معترف بها من جامعات عربية أو أوروبية معترف بها. فلا يستطيع كل من هب ودب أن يتحدث عن الدين والقرآن وعلومه والحديث وتفسيره إلى آخره.
دكتور هادي خلية هامبورغ انطلقت من ألمانيا وأنت لم تجب عن سؤالي؟
لهذا قلت في البداية إنّ ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة سلبية معقدة لها أكثر من جانب. ولا يستطيع علماء الدين وحدهم أن يحلوا هذه المشكلة. فظاهرة الإرهاب في عامتها هي ظاهرة سياسية وليست ظاهرة دينية.
دكتور أبو كريشة ثمة من يقول إنّ المشكلة تبدأ في المدارس وهي في جوهرها تنبع من الخطاب الديني؟
طه أبو كريشة: إذا حرص القائمون على المجتمع في أي مكان على استقرار مجتمعاتهم وسلامتها من الأمور الشاذة التي تخرج من حين لآخر فعليهم أن يجعلوا مادة التربية الدينية مادة أساسية تبدأ من الصف الأول حتى الثانوية والجامعة. معظم شبابنا مُغَيَّب عن التربية الدينية.
ولكن هم يقولون إن المشكلة هي التربية الدينية التي تدرس.
طه أبو كريشة: هذه مغالطة من أولئك الذين يريدون محو الدين محواً تاماً من التعليم أساساً، هؤلاء هم العلمانيون الذين لا يريدون مكاناً للدين، عندما يطلقون هذا الحكم. ألا يوجد في الدين إلا تعليم الناس الاعتداء على الآخرين؟ هذه مغالطات وربما تكون سببا من أسباب التطرف من ناحية أخرى، كالقيام بالأعمال الإرهابية ردا على هذه الأقوال.
دكتور شحرور أنت تتحدث دائما عن إصلاح الخطاب الديني والموروث الفقهي المشترك الذي يُدَرَّس في كليات الشريعة، وتنهل منه الجماعات المتطرفة أيضا. لكن هذه العملية طويلة. كيف يمكن إيجاد حلول سريعة؟
محمد شحرور: أنا لا أنادي بإصلاح مناهج التعليم، أنا أنادي بتحديث الخطاب الديني. وعندما نقوم بتحديث الخطاب الديني سيتم تعديل المناهج. أما تعديل المناهج بشكل عشوائي فلن ينجح أصلاً. المشكلة هي أن المسلم العادي يعلم أن قتل النفس حرام، لكن هناك مسوغ شرعي في نفسه يسوغ له عملية القتل، وهذا المسوغ موجود في تراثنا. فإذا أخذت الإسلام السياسي، على سبيل المثال، ستجد فيه الاغتيالات والحروب الأهلية وبث السم والسجون والمؤتمرات. أما الإسلام العقائدي فهو ممتاز ولا غبار عليه وهو إنساني بحت لا مشكلة فيه.
طه أبو كريشة: الإسلام لا يعرف هذه المصطلحات الحديثة التي أطلقت، مثل الإسلام السياسي والإسلام كذا إلخ ....
دكتور الهادي كانت هناك آمال بأن تعتمد الجاليات الإسلامية في أوروبا أسلوباً معتدلاً في الإسلام. لكن الذي حدث، أن هناك تشددا كبيرا بين الشباب المسلمين في أوروبا. ما رأيك كإمام ومطلع على هذه الأمور؟
الهادي الصباح: أود أن أقول هنا إنه لا توجد إحصائية علمية دقيقة حتى الآن ـ حسب معلوماتي ـ تؤكد أن أغلبية الشباب في أوروبا متشددين. العكس هو الصحيح، بالملاحظة والمباشرة بين الناس، فأنا إمام مسجد مدينة باسَّاو منذ ما يقرب من ستة أشهر ولا أرى أحداً من المتشددين. الناس الذين يُقبلون على صلاة الجمعة هم أناس معتدلون من جميع بلدان العالم الإسلامي و شمال إفريقيا.
من أين جاء هؤلاء الذين فجروا مترو الأنفاق في مدريد وفي لندن وخلية هامبرغ، كما ذكرنا من قبل؟
الهادي الصباح: يجب على الخبراء المتخصصين أن يبحثوا ويتتبعوا الأسباب الحقيقية التي قادتهم إلى القيام بهذه الأعمال الإجرامية. لكننا لا نستطيع أن نعمم هذه الظاهرة على جميع المسلمين في أوروبا، لأن الواقع يثبت غير ذلك.
فعندما سمع المسلمون هذا الخبر كانت صدمتهم أعمق من صدمة المسيحيين أنفسهم، لأنهم يعلمون أن هذه الأفعال تتم باسم الدين، والدين منها براء. وأنا لا أريد أن أنحصر في هذه الدائرة، أو أجد المبررات، لأنني لا أعرف من قام بهذه الأفعال. وبالتالي فعلينا أن ننظر للمسألة من منظور آخر. فعلى علماء المسلمين والمهتمين والسلطات في جميع بلدان العالم الإسلامي أن يتعاونوا على إصلاح مجتمعاتهم.

أدار الحوار: أحمد حسو
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005

حبيسات الخيام


رسائل شوق وأمل بالتحرر من "دولة الخيمة"


نساء حبيسات خيامهن يرسلن رسائل إلى العالم الخارجي تحكي عن حياتهن المعقدة والحزينة، وعن الصراع الذي يعانين منه بين قيود المجتمع وبين آمالهن في التحرر. هذه هي خلاصة العمل الفني الجريء للفنانة هيلينا فالدمان.

لا شك أن فقدان الإنسان لمنزله أو بالأدق للجدران الأربعة التي تعطيه الحماية والأمان يعد من أفظع أشكال معاناته، ومن أصعب اللحظات التي قد يمر بها عندما تضطره الظروف القاسية إلى أن ينتقل إلى العيش في خيمة، فهذا يعني عدم الأمان النفسي وافتقاده للاستقرار. أما الخيمة في حد ذاتها فتمتاز بمرونتها، لأنها تنصب وتحل، كما أنها لا تربط الإنسان بمكان وإنما تشبع حاجته للاستكشاف والتجوال في شتى أنحاء المعمورة.

الرقص مهمة صعبة

وجدت هيلينا فالدمان غايتها في الخيمة، فهي سيدة المهام الصعبة. وهي مصممة ومخرجة رقصات في البلاد، التي يصعب فيها الرقص أو محظور فيها الرقص العلني مثل إيران. وتكمت صعوبة مهمتها في إيجاد حلول بديلة لتحتفظ برسالتها، ألا وهي استخدام الجسد كأداة للتعبير عن المشاعر مثله مثل القلم. لم تجد فالدمان أفضل من الخيمة لتستخدمها في تصميم رقصاتها واستخدمت ستة من الراقصات الإيرانيات اختبئن داخل العديد من الخيمات المصنوعة من القماش الخفيف .الراقصات يتحركن داخل الخيمة، تارة يستخدمن حركات جسدية رقيقة ورشيقة، وتارة يتحركن وكأن زلزال يمر تحت الأرض، مشاعر مختلفة قوية وعميقة تريد أن تخرج من الخيمة المحتبسة فيها، إلا أن الخروج من الخيمة محظور عليهن وما على هؤلاء الراقصات سوى البقاء والاستمرار في التعبير.

ما هي الرسالة؟

الفن بجميع أشكاله أداة للتعبير عن النفس، وإن افتقد تلك اللمسة لما حن المرء إلى العمل الفني ليرى ويسمع ويقرأ ما عجز هو ذاته عن التعبير عن ما يجول في خاطره. ما هي الرسالة التي تريد هيلينا فالدمان إرسالها؟ إنها رؤيتها الأوربية لوضع المرأة في الدول الإسلامية، وبالأخص في إيران، وكيف أن تقييد حرية المرأة يبدأ بفرض" التشادور" عليها و كيف أن" التشادور" أو الخيمة كما تراها هي، قد تكون ما هي إلا سجن يقيد الحرية الداخلية للمرأة. الراقصات الستة داخل الخيم المصممة على شكل خطابات، يبعثن برسائل إلى العالم الخارجي تحكي عن حياتهن المعقدة والحزينة، وعن الصراع الذي يعانين منه بين ما يفرضه المجتمع عليهن وبين آمالهن في التحرر من تلك القيود. كما أن رؤية فالدمان لإيران كبلد يجبر نسائه على ارتداء التشادور جعلها تسمي عملها الفني الراقص „رسالات من بلد الخيمة".

عمل جريء في بلد القيود

عُرض عمل فالدمان الفني في إيران في عام 2004 في حفل افتتاح "مهرجان الفجر المسرحي"، حيث كانت عملية الإنتاج العمل جزء من مشروع ثقافي مشترك بين ألمانيا وإيران شارك معهد جوته في طهران في تمويله. وبذلك نجحت فالدمان في أن تصبح أول فنانة أوربية يعرض لها عمل مسرحي جرئ في إيران، وذلك على الرغم من أن عملها ممنوع الآن في أيران. في عام 2005 بدأت فالدمان في عرض عملها المسرحي على خشبة المسارح الأوربية وبدأت جولاتها المسرحية في ألمانيا والتي مازالت مستمرة حتى نهاية العام.

أسلوب متميز

يمتاز تناول هلينا فالدمان للمواضيع الفنية بالبعد السياسي أو الاجتماعي المرافق لها دوماً، فهي لا تنتهج فلسفة " l’art pour l’art" أو "الفن من أجل الفن"، أي مجرد إخراج عمل فني دون أي هدف أو مضمون. فعملها الفني "رسائل من دولة الخيمة" ليس العمل الوحيد لها الذي يعد فريدا من نوعه، فهي أنتجت أعمالاً أخرى أخرى مثل عملها المشترك مع فرقة الرقص الحديث الفلسطينية الذي يحمل إسم "عربة الإسعاف العاطفي" والذي عرض في 17 سبتمبر/ أيلول الحالي في رام الله والذي تتناول فيه حياة الفنانين في الأراضي الفلسطينية في منطقة يصعب التحرك فيها بسهولة وبحرية. هيلينا فالدمان ترى في الرقص تجسيد للحرية التي يفتقدها الأشخاص في هذه المناطق الصعبة التي لا تتوفر فيهاحرية التجوال.

هبة الله إسماعيل

٢٢‏/٩‏/٢٠٠٥

مهرجان الكميت الأسدي الأول للثقافة والفنون


استعدادات واسعة لإقامة مهرجان -الكُميت الاسدي القطري الأول للثقافة والفنون-


تستعد الجمعية الثقافية المستقلة في محافظة ميسان/ العراق، لإقامة مهرجان ( الكُميت الاسدي) القطري الأول للثقافة والفنون.

وقال رئيس الجمعية مزهر جاسم الهاشمي لمراسل وكالة أنباء (عراقيون) في يوم الخميس 22 أيلول انه تجري استعدادات واسعة للتهيئة لإقامة هذه التظاهرة الثقافية التي ستشهدها المحافظة للمرة الأولى حيث تم عقد اجتماع في ديوان محافظة ميسان بحضور المحافظ المهندس عادل مهودر راضي والجهات ذات العلاقة وتم توزيع المسؤوليات على اللجان العاملة . مشيرا الى التنسيق مع مفتشية آثار ميسان للغرض نفسه ويتضمن منهاج المهرجان الذي تحضره وفود من محافظات القطر كافة تقديم فعاليات فنية ومسرحية وأدبية كما ستقام على هامش المهرجان معارض للفنون التشكيلية
وأشار الهاشمي الى ان الجمعية ستبدأ برنامجها الثقافي والفني لخريف عام 2005 وذلك اعتباراً من يوم 25 / 9 / 2005 ولغاية 15 / 12 / 2005 وستقدم خلال هذا البرنامج مفردات منوعة وحوارات دستورية وعروض مسرحية منها عرض مسرحي لجمعية البصرة والجنوب وعرض مسرحي آخر لمكافحة الفساد الإداري في ميسان.
ويذكر ان ناحية كميت قد سميت بهذا الاسم نسبة إلى وجود قبر الشاعر الكميت بن زيد الاسدي الذي يجهل مكان قبره في الناحية

٢١‏/٩‏/٢٠٠٥

رسالة مفتوحة الى الشاعر العراقي حميد سعيد



رِساَلَةٌ مَفْتوُحَةٌ إِلىَ الشاَّعِرِ الْعِراَقِيِّ حَميِدْ سَعيِدْ
من رَشيِدْ وَحْتيِ


سَيِّديِ،
مُتَمَنَّياَتيِ لَكَ بِطَيْبِ الْمُقاَمِ بِعَماَّنْ، وَكُلٌّ عاَمٍ وَأَنْتَ بِخَيْرٍ.
بِاسْتِغْراَبٍ كَبيِرٍ قَرَأْتُ الْحِواَرَ مَعَكَ، الْمَنْشوُرَ فيِ الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية، بِتاَريِخِ 26.11.2004. وَماَ أثاَرَ اسْتِغْراَبيِ أَكْثَرَ _فَثَمَّةَ، فيِ الْحَقيِقَةِ نُقَطٌ كَثيِرَةٌ تَسْتَوْجِبُ النِّقاَشَ_ هُوَ كِذْبَتُكَ التاَّلِيَةُ، كِذْبَتُكَ عَلىَ نَفْسِكَ قَبْلَ الْآَخَريِنَ: "كَماَ كُنْتُ بِاسْتِمْراَرٍ، فَإِنَّنيِ أَحْتَرِمُ رُؤىَ الْآخَريِنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشيِرُ إِلَيْهِمُ السُّؤاَلُ. أَتَفَهَّمُ مَعاَناَتَهُمْ، وَأُقَدِّرُ الْأَسْباَبَ الَّتيِ دَفَعَتِ الْبَعْضَ مِنْهُمْ إِلىَ الْمَنْفىَ. وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّنيِ أُشاَرِكُهُمُ الْحُلْمَ بِعِراَقٍ حُرٍّ [...]"
لاَ، ياَ سَيِّديِ، وَأَلْفُ لاَ! لَمْ تُؤْمِنْ قَطُّ، وَأَنْتَ بِرِضاَكَ تَحْتَ الْبَسْطاَلِ الْبَعْثِيِّ، بِاحْتِراَمِ رُؤىَ الْآخَريِنَ.
وَلَناَ أَنْ نَحْتَكِمَ لِواَقِعَةٍ تاَريِخِيَّةٍ، سُجِّلَتْ عَلَيْكَ، ضِمْنَ مَساَرٍ أَسْوَدَ مِنْ قَمْعِكَ وَابْتِزاَزِكَ لِخيِرَةٍ مِنْ شُعَراَءِ الْمَشْهَدِ الشِّعْرِيِّ الْعِراَقِيِّ بِالداَّخِلِ، صُحْبَةَ صِنْوِكَ ساَميِ مَهْديِ صاَحِبِ الْبُكاَئِياَّتِ الْقاَهِرِيَّةِ الْمُبَطَّنَةِ. وَرُبَّماَ يَأْتيِ يَوْمٌ يَتَجَرَّأُ فيِهِ الشاَّعِرُ يوُسُفْ الصاَّئِغْ وَيَتَحَدَّثُ عَنْ بَعْضِ مُعاَناَتِهِ مِنْهاَ، أَماَّ الشاَّعِرُ رُشْديِ الْعاَمِلْ، فَقَدْ حَمَلَهاَ مَعَهُ إِلىَ قَبْرِهِ. هَذاَنِ فَقَطْ مِثاَلاَنِ بَيْنَ كُثْرٍ، لَكِنَّ الذاَّكِرَةَ - مِنْ حُسْنِ حَظِّ الْمُهَمَّشيِنَ وَالْمَهْزوُميِنَ - لاَ تَمْحوُ وَلاَ تَنْسىَ.
الْواَقِعَةُ/ الْوَقيِعَةُ، ياَ سَيِّديِ، كَالتاَّليِ: لَماَّ ثَمَّ انْتِخاَبُكَ بِالْإِجْماَعِ - الْإِجْماَعُ الْعَرَبِيُّ الْمَقيِتُ الَّذيِ لاَ نَجِدُ لَهُ مَثيِلاً سِوىَ بَيْنَ قُطْعاَنِ الْأَغْناَمِ - أَميِناً عاَماًّ لِاتِّحاَدِ الْكُتاَّبِ الْعَرِبِ - جَسَدٌ بِلاَ روُحٍ! - فيِ مُؤْتَمَرِهِ الْمُنْعَقِدِ فيِ بَغْداَدْ، سَنَةَ 1986، يَوْمَهاَ قُلْتَ، رُبَّماَ مُفاَخِراً بِنَياَشيِنِ سَيِّدِكَ، فيِ مَعْرِضِ حَديِثِكَ عَنِ الْأُدَباَءِ الْعَرَبِ، الَّذيِنَ يَعيِشوُنَ بِالْخاَرِجِ، وَالَّذيِنَ يُخاَلِفوُنَكَ الرَّأْيَ حَوْلَ الْحَرْبِ الْعِراَقِيَّةِ-الْإِيْراَنِيَّةِ: "وَاللهِ حيَنَ تَنْتَهيِ الْحَرْبُ سَأَجيِءُ إِلىَ هُناَ، وَكُلَّماَ الْتَقَيْتُ بِواَحِدٍ مِنْ أَمْثاَلِ هَؤُلاَءِ سَأَخْلَعُ قَنْدَرَتيِ [تَوْضيِحٌ لِقُراَّءِ عُيوُن، الْقَنْدَرَةُ، بِاللَّهْجَةِ الْعِراَقِيَّةِ هِيَ الْحِذاَءُ] وَأَضْرِبُ بِهاَ عَلىَ رُؤوُسِهِمُ الْخاَوِيَةِ."
وَأَنْتَ تَعْلَمُ، سَيِّديِ، أَنَّ الْجُزْءَ الْأَكْبَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ الْأُدَباَءِ عِراَقِيوٌّنَ مَنْفِيوُّنَ. وَلَرُبَّماَ كاَنَتْ هاَتِه الْجَريِمَةُ فيِ حَقِّهِمْ تَفَرُّداً عِراَقِياًّ فيِ الْقَرْنِ الْـ 20، بَلْ عَبْرَ التاَّريِخِ: مَشْهَدٌ ثَقاَفِيٌّ، بِغاَلِبِيَّتِهِ الْعُظْمىَ، يَعيِشُ مُهَجَّراً مِنْ مَوْطِنِهِ الْأَصْلِيِّ.
لَكِنْ لاَ يَفوُتُنيِ أَنْ أُشيِرَ هُناَ إِلىَ أَنَّ ثَمَّةَ مَنْ صَمَدَ بِوَجْهِكَ وَبِوَجْهِ الْآلَةِ الْبَعْثِيَّةِ الْجَهَنَّمِيَّةِ، بِاْخِتْياَّرِهِ لِلْعَبَثِيَّةِ وَالتَّمَرُّدِ [كَجاَنْ دْموُّ، أَميِرِ الصَّعاَلِيِكِ] أَوْ بِاخْتِياَّرِهِ لِلْمَنْفىَ الداَّخِلِيِّ [كَمَحْموُدْ الْبْريِكاَنْ]. مَرَّةً أُخْرىَ، هَذاَنِ فَقَطْ مِثاَلاَنِ وَسْطَ قاَفِلَةٍ مِنْ مُكَمَّميِ الْأَفْواَهِ وَمِمَّنْ اخْتاَرواُ الْمُواَجَهَةَ. [مُلاَحَظَةٌ: مُصْطَلَحُ الْمَنْفىَ الداَّخِلِيِّ ثَمَّ اسْتِعْماَلُهُ لِتَوْصيِفِ اخْتِياَّرَ مَجْموُعَةٍ مِنَ الْمُثَقَّفيِنَ الْأَلْماَنِ مُواَجَهَةَ الناَّزِيَةِ، أَياَّمَ هِتْلِرْ، بِالصَّمْتِ وَالتَّمَنُّعِ عَنْ أَيَّةِ مُشاَرَكَةٍ فيِ آلِيَتِهاَ الدِّعاَئِيَّةِ.] ماَ أَشْبِهِ اللَّيْلَةَ بِالْباَرِحَةِ، ياَ سَيِّديِ!
وَأَناَ أَقْرَأُ حِواَرَكَ، امْتَزَجَتْ كِذْباَتُكَ الْمُتَتاَلِيَّةُ فيِ آذاَنيِ وَدَخيِلَتيِ بِهُتاَفاَتِ فِئَةٍ مِنَ الْمُتَظاَهِريِنَ الْمَغاَرِبَةِ - فيِ إِحْدىَ تَظاَهُراَتِ الرِّباَطِ تَضاَمُناً مَعَ الشَّعْبِ الْعِراَقِيِّ - بِحَياَةِ صَداَّمْ حُسَيْنْ! ياَ لِقُطْعاَنِ الْبَشَرِ! تَتَضاَمِنُ مَعَ الشُّعوُبِ وَمَعَ جَلاَّديِهاَ فيِ نَفْسِ الْوَقْتِ! وَلَكِنْ لاَ حَرَجَ فيِ ذَلِكَ ماَ دُمْتَ تَجِدُ نَفْسَكَ مُنْسَجِماً مَعَ ذاَتِكَ، يَوْمَ كُنْتَ قِطْعَةً فيِ آَلِيَةِ الْبَعْثِ وَالْآَنَ وَأَنْتَ يَتيِمُ الْقاَئِدِ الضَّروُرَةِ!
إِشاَرَةٌ أَخيِرَةٌ، هَذِهِ الرِّساَلَةُ كَتَبْتُهاَ لَكَ فَقَطْ لِتَصْحيِحِ مُعْطىً خاَطِئٍ صَدَرَ مِنْكَ، ضِمْنَ مُعْطَياَتٍ أُخْرىَ، لِلْأَماَنَةِ التاَّريِخِيَّةِ وَالنَّزاَهَةِ الْفِكْرِيَّةِ الَّذَيْنِ يَقْتَضيِهِماَ الْأَمْرُ، وَانْطِلاَقاً مِنْ كَوْنيِ مُطَّلِعاً مُهْتَماًّ بِالْمَشْهَدَيْنِ الشِّعْرِيِّ وَالتَّشْكيِلِيِّ الْعِراَقِيَيْنِ. أَماَّ الْمَسْأَلَةِ الَّتيِ يُشيِرُ لَهاَ صاَحِبُكَ فيِ سُؤاَلِهِ حَوْلَ مَنِ الْأَجْدَرُ بِالْعِراَقِ: شُعَراَءُ الْمَناَفيِ أَمْ شُعَراَءُ الداَّخِلِ [ثُناَئِيَّةٌ مَقيِتَةٌ!]، فَلَرُبَّماَ كاَنَ أَجْدَرِ مِنيِّ أَنْ يُناَقِشَكَ فيِهاَ شُعَراَءُ الْعِراَقْ بِأَنْفُسِهِمْ.
مَعَ تَحِياَّتيِ، دوُنَماَ أَيَّةِ ضَغيِنَةٍ، وَمُتَمَنَّياَتيِ لَكَ بِالْعَوْدَةِ إِلىَ عِراَقٍ ديِمُقْراَطِيٍّ، حُرٍّ وَمُسْتَقِلٍّ.

رَشيِدْ وَحْتيِ
شاَعِرٌ مِنَ الْمَغْرِبِ
rouhti@yahoo.fr

_______________

مُلْحَقٌ بالرِّساَلَةِ، لِقُراَّءِ عُيوُن، لِيَكوُنواُ فيِ الصوُّرَةِ، وَياَلَهاَ مِنْ صوُرَةٍ قاَتِمَةٍ!!! مُقْتَطَفٌ مِنَ الْحِواَرِ/ الْأَكاَذيِبِ:
  • أحمد المديني: هُناَكَ شُعَراَءٌ عِراَقِيوُّنَ يَقوُلوُنَ الْيَوْمَ إِنَّهُمْ عاَنَواْ مِنْ قَبْلُ طَويِلاً مِحْنَةَ الْمَنْفىَ بِسَبَبِ وَفيِ ظِلِّ النِّظاَمِ الَّذيِ أَطاَحَ بِهِ الْاحْتِلاَلُ، وَأَنَّهُمُ أَجْدَرُ بِالْعِراَقِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَخاَصَّةً مِنْ ناَحِيَةِ التَّعْبيِرِ الشِّعْرِيِّ عَنْ هَذاَ الْوَطَنِ وَأَماَلِهِ وَجِراَحِهِ. كَيْفَ تَرىَ هَذاَ الطَّرْحَ؟

  • حميد سعيد: كَماَ كُنْتُ بِاسْتِمْراَرٍ، فَإِنَّنيِ أَحْتَرِمُ رُؤىَ الْآخَريِنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشيِرُ إِلَيْهِمُ السُّؤاَلُ. أَتَفَهَّمُ مُعاَناَتِهِمْ، وَأُقَدِّرُ الْأَسْباَبَ الَّتيِ دَفَعَتِ الْبَعْضَ مِنْهُمْ إِلىَ الْمَنْفىَ. وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّنيِ أُشاَرِكُهُمُ الْحُلْمَ بِعَراَقٍ حُرٍّ، لَكِنْ لاَ أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذاَ الْحُلْمَ يَأْتيِ بِالْغَزْوِ، وَبِتَدْميِرِ الْمُدُنِ، وَتَجْريِدِ الْوَطَنِ مِنْ سِياَدَتِهِ وَوَضْعِهِ فيِ أُحاَدِيَةٍ سِياَسِيَّةٍ مَحْكوُمَةٍ قَطْعاً بِمَصاَلِحِ الْمُحْتَليِّنَ. [ص 7]
[الْمَصْدَرُ: "فيِ أَوَّلِ لِقاَءٍ وَحِواَرٍ بَعْدَ الْاحْتِلاَلِ مَعَ الشاَّعِرِ الْعِراَقِيِّ الْكَبيِرِ حَميِدْ سَعيِدْ: لاَ الشاَّعِرُ كِياَنٌ مَعْزوُلٌ وَلاَ الشِّعْرُ نَبْتَةٌ شَيْطاَنِيَّةٌ"، الصَّفَحاَتُ 1، 6-7، الْمُلْحَقُ الثَّقاَفِيُّ لِجَريِدَةِ الْاتِّحاَدُ الْاشْتِراَكيِ الْمَغْرِبِيَّةِ، 26.11.2004]

__________________________

نُشِرَتْ هذه الرسالة فيِ مَجَلَّةِ عُيوُن، العدد 17، صيف 2005، السنة التاسعة، دار الجمل، كولونيا، ص. ص. 153-156.