٢٣‏/٩‏/٢٠٠٥

حبيسات الخيام


رسائل شوق وأمل بالتحرر من "دولة الخيمة"


نساء حبيسات خيامهن يرسلن رسائل إلى العالم الخارجي تحكي عن حياتهن المعقدة والحزينة، وعن الصراع الذي يعانين منه بين قيود المجتمع وبين آمالهن في التحرر. هذه هي خلاصة العمل الفني الجريء للفنانة هيلينا فالدمان.

لا شك أن فقدان الإنسان لمنزله أو بالأدق للجدران الأربعة التي تعطيه الحماية والأمان يعد من أفظع أشكال معاناته، ومن أصعب اللحظات التي قد يمر بها عندما تضطره الظروف القاسية إلى أن ينتقل إلى العيش في خيمة، فهذا يعني عدم الأمان النفسي وافتقاده للاستقرار. أما الخيمة في حد ذاتها فتمتاز بمرونتها، لأنها تنصب وتحل، كما أنها لا تربط الإنسان بمكان وإنما تشبع حاجته للاستكشاف والتجوال في شتى أنحاء المعمورة.

الرقص مهمة صعبة

وجدت هيلينا فالدمان غايتها في الخيمة، فهي سيدة المهام الصعبة. وهي مصممة ومخرجة رقصات في البلاد، التي يصعب فيها الرقص أو محظور فيها الرقص العلني مثل إيران. وتكمت صعوبة مهمتها في إيجاد حلول بديلة لتحتفظ برسالتها، ألا وهي استخدام الجسد كأداة للتعبير عن المشاعر مثله مثل القلم. لم تجد فالدمان أفضل من الخيمة لتستخدمها في تصميم رقصاتها واستخدمت ستة من الراقصات الإيرانيات اختبئن داخل العديد من الخيمات المصنوعة من القماش الخفيف .الراقصات يتحركن داخل الخيمة، تارة يستخدمن حركات جسدية رقيقة ورشيقة، وتارة يتحركن وكأن زلزال يمر تحت الأرض، مشاعر مختلفة قوية وعميقة تريد أن تخرج من الخيمة المحتبسة فيها، إلا أن الخروج من الخيمة محظور عليهن وما على هؤلاء الراقصات سوى البقاء والاستمرار في التعبير.

ما هي الرسالة؟

الفن بجميع أشكاله أداة للتعبير عن النفس، وإن افتقد تلك اللمسة لما حن المرء إلى العمل الفني ليرى ويسمع ويقرأ ما عجز هو ذاته عن التعبير عن ما يجول في خاطره. ما هي الرسالة التي تريد هيلينا فالدمان إرسالها؟ إنها رؤيتها الأوربية لوضع المرأة في الدول الإسلامية، وبالأخص في إيران، وكيف أن تقييد حرية المرأة يبدأ بفرض" التشادور" عليها و كيف أن" التشادور" أو الخيمة كما تراها هي، قد تكون ما هي إلا سجن يقيد الحرية الداخلية للمرأة. الراقصات الستة داخل الخيم المصممة على شكل خطابات، يبعثن برسائل إلى العالم الخارجي تحكي عن حياتهن المعقدة والحزينة، وعن الصراع الذي يعانين منه بين ما يفرضه المجتمع عليهن وبين آمالهن في التحرر من تلك القيود. كما أن رؤية فالدمان لإيران كبلد يجبر نسائه على ارتداء التشادور جعلها تسمي عملها الفني الراقص „رسالات من بلد الخيمة".

عمل جريء في بلد القيود

عُرض عمل فالدمان الفني في إيران في عام 2004 في حفل افتتاح "مهرجان الفجر المسرحي"، حيث كانت عملية الإنتاج العمل جزء من مشروع ثقافي مشترك بين ألمانيا وإيران شارك معهد جوته في طهران في تمويله. وبذلك نجحت فالدمان في أن تصبح أول فنانة أوربية يعرض لها عمل مسرحي جرئ في إيران، وذلك على الرغم من أن عملها ممنوع الآن في أيران. في عام 2005 بدأت فالدمان في عرض عملها المسرحي على خشبة المسارح الأوربية وبدأت جولاتها المسرحية في ألمانيا والتي مازالت مستمرة حتى نهاية العام.

أسلوب متميز

يمتاز تناول هلينا فالدمان للمواضيع الفنية بالبعد السياسي أو الاجتماعي المرافق لها دوماً، فهي لا تنتهج فلسفة " l’art pour l’art" أو "الفن من أجل الفن"، أي مجرد إخراج عمل فني دون أي هدف أو مضمون. فعملها الفني "رسائل من دولة الخيمة" ليس العمل الوحيد لها الذي يعد فريدا من نوعه، فهي أنتجت أعمالاً أخرى أخرى مثل عملها المشترك مع فرقة الرقص الحديث الفلسطينية الذي يحمل إسم "عربة الإسعاف العاطفي" والذي عرض في 17 سبتمبر/ أيلول الحالي في رام الله والذي تتناول فيه حياة الفنانين في الأراضي الفلسطينية في منطقة يصعب التحرك فيها بسهولة وبحرية. هيلينا فالدمان ترى في الرقص تجسيد للحرية التي يفتقدها الأشخاص في هذه المناطق الصعبة التي لا تتوفر فيهاحرية التجوال.

هبة الله إسماعيل

ليست هناك تعليقات: