٣١‏/٨‏/٢٠٠٥

حالة حرية التعبير في البحرين

تقرير: المنظمة المصرية لحقوق الإنسان و الشبكة الدولية لتبادل المعلومات عن إنتهاكات حرية التعبير تقيمان حالة حرية التعبير في البحرين

خلال العامين الماضيين شهدت مملكة البحرين تصعيدا ملحوظا في الضغط الشعبي الساعي لإحراز إصلاحات سياسية و إجتماعية و إقتصادية, و لربما كانت المظاهرات المسيرات و الإعتصامات و المنتديات الإلكترونية الأكثر تعبيرا عن هذا التوجه الشعبي.

و الجدير بالإهتمام ان تقبل السلطات البحرينية لهذا التوجه, على ما يبدو, يتلآكل تدريجيا كاشفا النقاب عن تزايدا ملحوظا في إنتهاك الحؤيات, لا سيما حرية التعبير و الرأي, و قد وضعت تطورات العام الماضي تحت المجهر. و كانت السمات الأوضح هي إعتقال الصحفيين بالإضافة الى تفعيل المزيد من القيود المعرقلة لعمل مديري المنتديات الإلكترونية و الجمعيات المدنية و السياسية. و لكن التطور الأكثر خطورة تمثل في إفراط السلطات البحرينية في استخدام القوة ضد المتظاهرين و المعتصمين خلال الأشهر الماضية.

جاء أكثر الإنتهاكات المثيرة للقلق متمثلا في إغلاق السلطات البحرينية لمركز البحرين لحقوق الإنسان في سبتمبر\ أيلول من العام الماضي بعد إتهام القائمين عليه بخرق قانون الجمعيات. فوفقا لعبد الهادي الخواجة, مدير مركز البحرين لحقوق الإنسان, اتهم المركز بتهم عدة جاء من بينها "التدخل في الشؤون السياسية" و "التدخل في شئون جول الجوار" لمشاركة المركز في حملة لدعم الحقوق السياسية للمرأة الكويتية و هي أعمال يحظرها قانون الجمعيات البحريني. إلا ان الخواجة أفصح عن اعتقاده بأن أهم سبب لإغلاق المركز يتمثل في نقده الحاد لرئيس وزراء بلاده في ندوة نظمها المركز لمناقشة الوضع السياسي و الإقتصادي و تفشي الفساد في البحرين, و من الجدير بالذكر ان السلطات البحرينية اعتقلت الخواجة لمدة ناهزت الثمانية اسابيع و حلت مركز البحرين لحقوق الإنسان و الذي لا تزال دعوته القضائية ضد القرار الإداري مستمرة.

أما خلال الأشهر الماضية, فقد جاء الإنتهاك الأبرز متمثلا في رد فعل السلطات البحرينية على تصاعد المسيرات و الأعتصامات الشعبية و الذي تميز بالعنف و الإفراط في استخدام القوة. فقد نظمت جمعيات منها جمعية السكن الملائم و لجنة العاطلين عدة إعتصامات في الفترة ما بين مارس\أذار و يوليو\تموز من العام الجاري. و جاء رد الفعل الأكثر عنفا من قبل السلطات ردا على الإعتصام الذي نظمته لجنة العاطلين في ال15 من يوليو\تموز و الذي اعتقل على إثرها 30 من أصل 50 معتصما كان بينهم نبيل رجب من مركز البحرين لحقوق الإنسان الى جانب العديد من الإصابات جراء إفراط السلطات في استخدام العنف ضد المتظاهرين و كان من بين هؤلاء عبد الهادي الخواجة.

و قد أفاد بعض المتظاهرين بأن السلطات لجأت الى الإفراط في استخدام القوة بسبب إقتراب المعتصمين من منطقة الرافع في المنامة, و التي تسكنها العائلة المالكة, أما ناشطي حقوق الإنسان فيعزون أعمال العنف الى رغبة حكومية في ارسال رسالة تحذيرية الى الجمعيات السياسية في البحرين و التي تزايد نشاطها المطالب بالإصلاح الدستوري في البلاد من خلال المسيرات و الإعتصامات و التي تجلب مشاركة أعداد غفيرة.

و قد امتازت المسيرات التي نظمتها الجمعيات السياسية الأربع في البحرين, وهي جمعية الوفاق الوطني الإسلامية, جمعية العمل الوطني الديمقراطي, المنبر الوطني الديمقراطي و حمعية العمل الإسلامي, بحصانة نسبية املتها الأعداد الغفيرة المشاركة فيها اضافة الى مباركة رجال الدين و الحقوقيين لها و تبنيهم إياها. الا أن هذا, و إن كان قد حال دون استخدام العنف ضد المتظاهرين, لم يمنع السلطات البحرينية من تهديد المنظمين باتخاذ إجراءات عقابية ضدهم, يعتقد الكثيرون انها قد تصل الى حد حل السلطات لبعض هذه الجمعيات. و في سياق هذه التهديدات جاء تعليق وزير الإعلام و الدولة للشئون الخارجية محمد عبد الغفار و الذي أتهم فيها المنظمين ب"تنظيم مظاهرة غير شرعية."

و في سياق اتهامها للجمعيات السياسية ب"الحاق الضرر بالعوام" و "اشاعة الطائفية و الحساسيات و النعرات" أقدمت حكومة البحرين على حظر المسيرات و الإعتصامات و هو ما يشكل انتهاكا صارخا للحق في التظاهر السلمي و التعبير عن المواقف السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية للمجتمع و أفراده. و يأتي هذا الحظر فيما تستعد المنامة لإستضافة منتدى المستقبل نوفمبر\تشرين ثاني و الذي يجمع بين ممثلي مجموعة الثماني و دول الشرق الأوسط و يسبقه منتدا آخر يحضره ممثلي منظمات المجتمع المدني في المنطقة لمناقشة قضايا الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط الكبير.

و قد برر الشيخ عبد العزيز بن مبارك آل خليفة, وزير الخارجية البحريني, الحظر بأن "هذه الأعمال تتناقض و روح المنتدى... الذي يأتي ليناقش قضايا دولية و إقليمية و ليس قضايا قطرية و محلية." و يأتي الحظر اثر نشوب جدل واسع بين السلطات و الجمعيات السياسية, اكتفت فيه الأخيرة بشرط الإخطار المسبق لتنظيم المسيرات, بينما طالبت السلطات بتقديم طلب تصريح لهذه المسيرات و الإعتصامات.

و من الجدير بالذكر ان الجمعيات الأهلية و السياسية في البحرين اكدت اصرارها المضي قدما في تنظيم المظاهرات و المسيرات الإحتجاجية ضاربة بعرض الحائط عراقيل السلطات و الحظر المفروض على مثل هذه الأنشطة.

الى جانب هذه الإنتهامات تأتي انتهاكات حرية الصحافة و التي وقع ضحيتها العديد من الصحف و الكتاب و الصحقيين اضافة الى أصحاب و مديري المنتديات الإلكيرونية, و تأتي تلك الإنتهاكات من قبل كل من السلطات البحرينية و قطاعات المجتمع البحريني ذاتها.

شملت هذه الإنتهاكات اعتقال العديد من الصحفيين و مديري المنتديات الإلكترونية و لعل اعتقال على عبد الإمام و رفيقيه, مديري موقع بحرين اون لاين, المثال الحي لهذا الإنتهاك. و قد اعتقل عبد الإمام و رفيقيه, محمد الموسوي و حسين يوسف, عدة مرات خلال العام الماضي و كان ابرزها في مارس\أذار 2005 حين شن المعتقلون اضرابا عن الطعام احتجاجا على ظروف الإعتقال في قسم شرطة الحورة ذو السمعة السيئة, الى جانب رغبتهم في ان يعاملوا بصفتهم متهمون في قضايا الرأي و ليس كمجرمين.

و تلى ذلك قرارا من وزارة الإعلام قضت من خلاله بحتمية تسجيل مديري المنتديات الإلكترونية مواقعهم لدى الوزارة و تحمل المسئولية عما ينشر عليها من آراء و مشاركات و مساهمات, و هو ما اعتبر "انتهاكا صارخا لحرية التعبير و ابداء الرأي" وفق لناشطين حقوقيين. و في هذا السياق أعرب عبد الهادي الخواجة, مدير مركز البحرين لحقوق الإنسان, عن ايمانه بأن هذه الإجراءات تأتي في سياق رغبة السلطات في تدشين ثقافة الرقابة الذاتية و أن تبسط سيطرتها على ما ينشر في المنتديات الموجودة خارج البحرين.

و يأتي هذا بعد أن مرر قانون الصحافة البحريني رقم 47 للعام 2002و الذي يشكل المرجع الرئيسي للعديد من الإعتقالات ضد الصحفيين و رؤساء التحرير و الذي يعتبر السبب الرئيسي لما يعتبره الكثيرون ثقافة الرقابة الذاتية في الأوساط الصحفية البحرينية. و قد أعرب صحفيون اتصلت بهم المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن استيائهم الشديد ازاء ما يعتبروه أوامر رسمية تمليها وزارة الإعلام على رؤساء التحرير من خلال مخابرات هاتفية و رسائل رسمية.

و قد عدل القانون السالف ذكره قوانين الصحافة السابقة له مضيفا المزيد من القيود على حرية التعبير بما في ذلك تجريم ما اسماه المشرع "الإساءة لذات الملم المصونة" و التي تستخدم لفرض الرقابة على كل ما يتعرض للأسرة المالكة بالنقض, كما اضاف القانون المزيد من العقوبات القاسية في قضايا الرأي و النشر.

لم تقتصر القيود التي يواجها الصحفيون في البحرين على ما تفرضه السلطات عليهم, بل امتدت الى دور رجال الدين, و قد تبلور هذا الدور اثر نشر جريدة الأيام البحرينية رسوم كاريكاتورية تجسد السيد علي الخامنائي, المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في ايران و أحد اكبر مراجع الشيعة, و دوره في الإنتخابات الإيرانية الأخيرة التي فاز بها محمود أحمدي نجاد. و قد اعرب أنصار السيد الخامنائي و مقلديه عن غضبهم لما اعتبروه انتهاكا لحرمة رجل دين. و قد ادى ذلك الى اندلاع مظاهرات و اعتصامات احتجاجية الى جانب احتجاج بعض رجال الدين على ما اعتبروه اعتداء طائفي موجه ضدهم. و جاء في هذا السياق خطاب العالم الشيعي البارز السيد عقيل الموسوي لرئيس تحرير جريدة الأيام و رئيس جمعية الصحفيين البحرينيين, عيسى الشايجي, مدينا ما نشر متهما الصحيفة باشاعة النعرات الطائفية. و قد اعتبر البعض هذه الرسالة تهديدا مباشرا للصحفيين في حين وصفها البعض بانها فتوة على غرار فتوة الخميني التي أهدر بها دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي.

و رغم أن ناشطي حقوق الإنسان في البحرين اعتبروا الخطاب و الإعتصام امام مقار الصحيفة اعمالا فردية لا تدعمها الدوائر السياسية و الدينية و لا تعبرعن قيود اجتماعية على حرية التعبير الا انها دون شك تمثل سابقة خطيرة في البحرين و تهديدا للحق في انتقاد السياسيين و رجال الدين.

ليست هناك تعليقات: