١٨‏/٣‏/٢٠٠٦

قصة قصيرة من أو. هنري

Alquds Newspaper

بقلوب ٌوأيد
قصــة الكـاتـب الأمريكي : أو. هـنـري
ترجمة: تـامـي الـشـيـخ عـلـي
في دنـفـر كانت ثـمـّـة َ حـُشـود ٌ من الرّكـّاب ِ تـتـدفـّـقُ إلي عربات القطار السريع بي آند إم المتوجـِّـهِ شرقاً. في إحدي العربات كانت ثـمـّـة َ امرأة ٌ شـابـّـة ٌ فائـقـة ُ الجـمـال تـجـلسُ وقد نـمـَّتْ ثيابـُهـا عن ذوق ٍ رفيع ٍ مـُحـاطـة ً بكل أسباب الراحة والرفاهية التي يتمـيـّزُ بـهـا مـسـافـر ٌ مـتـمـرّس. بين الوافدين الجـُّـدُد ِ كان ثمـَّـة َ رجلان شـابّـان أحـدُهـُمـا بـَهـِـيُّ الـطـّـلـَّـة ِ وذو ملامح جريئة ٍ وصريحـة ٍ وأنـيـقُ اللباس ِ، فيما كان الآخـَرُ شخصاً مـُكـَـدَّراً كالح َ الوجه مـفطوراً علي الـجـِدّيـّـة ِ ومـضـطـربَ اللباس. وكان كلّ ٌ منـهـمـا مـُقـَـيـَّـداً إلي الآخـَر.
حين طـفـقـا يـعـبـران مـمـشـي العربة كان المـقـعـدَ الـشـاغـرَ الوحيدَ الـمـتـبـقـّـي هـو الـمـقـعـد ُ الـمـعـكوسُ المواجـهُ للـشـابـّـة الـجـذّابـة، فجلس الاثنان اللذان رُبـِطَ كلٌّ منهما بالآخَـر عليه.
وقعـت نظرة ٌ من المرأة الشابّـة عليهما بلا مبالاة ٍ رشيقة ٍ ونائية ٍ ثمّ، وبابتسامة أضفت علي ملامحها المزيدَ من السطوع والإشراق وبتورّد ٍ رقيق ٍ اعتلي وجنتيها، مدّتْ يداً صغيرة ً مكسوّة ً بقـفـّاز ٍ رماديّ. وحين تحدّثتْ دلّ صوتـُها الـعـذبُ الجهوريُّ والمتروّي علي أن صاحبته معتادة ٌ علي التحدّث وعلي وجود ِ مـَنْ يـسـمـعـهـا. قالت:
ـ حـسـن ٌ يا سيد إيستون. إن كنتَ ترغب في دفـعـي إلي التكـلّم أوّلا ً فإنني أعتقد أن عليَّ أن أفـعـل ذلك. ألا يمكنك أبداً أن تميّز َ الأصدقاء القدامي عندما تقابلهم في الغرب؟
أوقظ الشابُّ الأصغـرُ نـفـسـَـهُ علي نحو ٍ حادّ ٍ لدي سماع صوتها وبدا أنه كان يكافح ارتباكاً طفيفاً طرأ عليه لم يلبث أن طـَرَحـَهُ علي الفور ثمّ شـَبـَـكَ أنامـِـلـَـهـا بيده اليسري وقال مبتـسـمـاً:
ـ الآنـسـة فيرتـشـايـلد! سأطلبُ منك ِ أن تـعـذري يدي الأخري فهي مشغولة ٌ الآن.
ورفعَ يدَهُ اليمني علي نحو ٍ طفيف ٍ وكانت تكبـِّـلـُـهـا عند الرُّسـْغ ِ إلي يد ِ رفيقه اليسري إسـوَرَة ٌ برّاقـة ٌ، فاستحالت النظرة ُ المسرورة ُ في عيني الفتاة وببط ء ٍ إلي رعب مرتبـِك. بهت التوهـُّجُ في وجنتيها وانفرجتْ شفتاها في أسي ً مـُسـْتـرخ ٍ وغامض. ضحك إيستون ضحكة صغيرة وكأن ذلك أمـتـَعـَـهُ، وكان علي وشك التكلم مرة أخري عندما سـبـقـه الآخر ُ إلي ذلك. كان الرجلُ ذو الوجه الكالح ِ يراقب ملامح َ الفتاة بنظرات ٍ خـفـيـَّـة ٍ من عينيه الحادّتيـْن. قال:
ـ معذرة ً إن تكـلـّـمـْتُ أيتها الآنـسـة غير أني أري أنك تعرفين الماريـشـال. لو طلبْـت ِ منه أن يتحدّث َ عني بكلمة ٍ عندما نصل إلي السجن فسوف يقوم بذلك، ولـسـوف يـُسـهـِّـلُ هذا الأمورَ بالـنـسـبـة إليّ. إنه يأخذني إلي سجن ليـفـن وورث وإنها فترة ُ سبع ِ سنوات ٍ بسبب التزوير.
قالت الفتاة ُ بـنـَفـَـس ٍ عميق ٍ وقد استعادت لونـَهـا:
ـ أوه. هـذا ما تفعـلـه هنا إذن ؟ مـاريـشــال !!
قال إيستون بهدوء:
ـ عزيزتي الآنسة فيرتشـايلد. كنتُ مرغَـمـاً علي القيام بشيء ٍ ما، فالنقود تبدو وكأنـهـا تكتـسـبُ أجـنـحة ً وتعرفين أن المرء يحتاج إلي نقود ٍ ليجاري أقرانـَه ُ في واشنطن. لقد أبصرْتُ هذه الفتحة في الـغـرب و..... حـسـن ٌ، ليست الماريـشـالـيـّـة ُ منصباً رفيـعـاً كمنصب الـسـفير تماماً، ولكن.....
قالت الفتاة بدفء ٍ:
ـ لم يَـعـُـد ِ السفيرُ يتّـصل، ولم يكن في حاجة قَـطُّ إلي ذلك. عليك أن تعرفَ هذا. إذن أنت َ الآن واحد ٌ من أولئك الأبطال الغربـيّـيـن البواسل، تمتطي صهوة َ الحصان وتُـطلق ُ النارَ وتـتـوغـَّـلُ في جميع أنواع المخاطر، وهذا يختلف عن الحياة في واشنطن. الأصدقاء القدامي يـفـتـقـدونك.
وعادت عينا الفتاة مـبـهـورتـَيـْـن وقد اتـَّـسـَـعـَـتـا قليلا ً لـتـسـتـقـرّا علي الأصـفاد المتلألـئـة. قال الرجل ُ الآخـر:
ـ لا تقلقي بـشـأنـهـا أيتـهـا الآنـسـة فجميـع ُ الماريـشـالات يـُكـَبــِّـلون أنـفـسـَـهـم مع سجنائهم ليمنعوهم من الـهـرب. السيّـد إيستون يعرف عـمـلـه.
تساءلت الفتاة قائلة:
ـ هـل سـنـراكَ في واشنطن مرة أخري عـمـّـا قريب؟؟
قال إيستون:
ـ ليس عـمـّـا قريب علي ما أعـتـقـد إذ أخشي أن تكون أيامي الصاخبة قد ولـَّـتْ.
قالت الفتاة علي نحو ٍ لا صـلـة لـه بالموضوع:
ـ أعـشـقُ الـغـرب.
كانت عيناها تـشـعـّـان علي نحو ٍ رقيق ٍ وسـَـرَحـَتْ بنظرهـا خارج نافذة العربة. طفـقتْ تـتـحدّث بصدق ٍ وبساطة بعيداً عن بهرجات الترف والتكـلـُّف:
ـ قضينا، أنا والماما، الصيف َ في دنفر. رجعتْ هي إلي المنزل قبل أسبوع لأن أبي كان متوعـّكـاً بعض الشيء. كان في مقدوري أن أعيش َ وأن أكون َ سعيدة ً في الغرب. أعـتـقد أن الهواء هنا يلائمـنـي. النـقـود ليست كلّ شيء غير أن الناس دائماً يـسـيئون فهم َ الأمور ويبقون أغبياء.
دمْـدَمَ الرجلُ ذو الوجه الكالح قائلا ً:
ـ حـسـَـن ٌ أيـهـا السيد المـاريـشــال. هـذا ليس عـدْلا ً. إنني في حاجة إلي مـشــــروب ولـــــــم أدخـِّنْ طيلة َ اليـــوم. ألم تـتـحـــدّثْ لفتـــــرة طويلة كافـية ؟؟ خذني إلي جناح المـدخـّـنـيـن الآن فأنا أســتـعِـرُ شـوقـاً إلي تـدخـيـن غـليـون.
نهض الـمـسـافران الـمـُكـَبـَّـلان علي أقدامـهـمـا وقد ارتـسـمـتْ علي وجه إيستون الابـتـسامةُ البطيئـةُ نـفـسـُـهـا. قال بمرح:
ـ ليس في مقدوري أن أرفضَ التـمـاسـاً للـسـمـاح بالـتـدخـيـن. إنه الصديقُ الوحيدُ لـسـَـيـِّـئـي الـطـالـَع. وداعاً أيتـهـا الآنـسـة فيرتـشـايـلـد فالواجب يدعوني كما تـعـلـمـين.
ومدَّ يـدَهُ لـتـوديـعـهـا. قالت وهي تـعـيـد إضفـاءَ سـِـمـات ِ الترف والتكـلـُّـف علي نـفـسـِـهـا:
ـ من المؤسف للغاية أنكَ لستَ ذاهباً إلي الشرق. يـتـحـتـّـم ُ عليك َ الذهابُ إلي ليـفـن وورث علي ما أعـتـقـد ؟؟
قال إيستون:
ـ أجلْ. عليَّ الذهاب إلي لـيـفـن وورث .
ومـشـي الرجلان بشكل ٍ جـانـبـيّ ٍ في مـمـشـي الـعـربة مُـتـَّـجـِـهـَـيـْن ِ إلي جناح الـمـدخـّـنـين. كان الراكبان الجالسان في مـقـعـد ٍ قريب ٍ قد سـمـعـا مـعـظم َ أطراف المحادثة. قال أحـدُهـُمـا:
ـ إن ذلك المـاريـشــال يـنـتـمي إلي صُـنـف ٍ مـمـتـاز ٍ من الرجال. بعـضُ هؤلاء الغربـيـّـيـن علي حقّ.
سـألـَـهُ الآخـَـر:
ـ أليسَ صـغـيـراً علي شـُغـْل ِ منصب ٍ كـهـذا؟؟
فـهـتـَـفَ المتـحـدّث ُ الأوّلُ قائـلا ً:
ـ صـغـيـراً ؟؟ يا لَلـعـَجـَب !! ألـَمْ تدرك ما الأمر؟؟ هـل تناهي إليك قـَطُّ أن ضابطاً يمكن أن يـُكـبـِّـلَ بيدِهِ اليمـنـي سجـيـنـاً ؟؟
أو.هـنـري (1862 ـ 1910) كاتب أمريكي تـمـيـّز بالـسـخـرية وحـسّ الدعـابة في قصصه واسـمـه الأصلي ويليام سيدني بورتر.

مـتـرجـمـة فـلـسـطـيـنـية تـقيـم في ســوريـة
0

ليست هناك تعليقات: