١١‏/٤‏/٢٠٠٦

في الذكرى الثالثة لسقوط الصنم


عشية الذكرى الثالثة لسقوط الصنم:

نــــــــــــزار حيدر لجريدة (الصباح )البغدادية:

انقلاب جذري في المشهد الثقافي

توطئة

عشية الذكرى الثالثة لسقوط الصنم، رمز النظام الديكتاتوري الشمولي البائد، الذي حكم العراق طيلة أكثر من ثلاثة عقود عجاف من الزمن، أجرت جريدة (الصباح) البغدادية، استقراءا لآراء عدد من العراقيين بشأن المشهد الثقافي العراقي الجديد.

نــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، كان من بين من استقرأت( الصباح) رأيهم، فكان جوابه كالتالي؛
   في الأعوام الثلاثة الماضية التي تلت سقوط الصنم، شهد المشهد الثقافي العراقي تحولا جذريا على عدة مستويات، لعل من أبرزها:
   أولا: انتهاء عهد الفكر الشمولي، وتجلي ثقافة التعددية في أبهى صورها، فلم يعد المواطن العراقي يقرأ فكرا واحدا مفروضا عليه بالقوة والاكراه، أو يصبح ويمسي على صورة واحدة، أو يستيقظ ويغفو على رأي واحد، بل راح العراقيون يختارون بأنفسهم ما يشاؤون من الفكر والرأي، من دون رقيب أو حسيب، الا قناعاتهم الخاصة وخلفياتهم المتنوعة، فنراهم اليوم، يقرأون ما يشاؤون من فكر اليمين واليسار، والاسلامي والعلماني، وعلى مختلف الاصعدة، وهم الشعب المعروف بأنه الأكثر قراءة من بين شعوب العالم.
   لقد بات العراقيون يختارون المحطة الفضائية التي يشاؤون، ويختارون المجلة والجريدة والمحطة الاذاعية التي يحبون، وينتقون الكتاب والموسوعة التي تنسجم مع توجهاتهم، من دون أن يفرض عليهم الحاكم نوع الخبر والتحليل السياسي والتقرير الاعلامي والصورة والثقافة التي كان يفرضها عليهم النظام الشمولي بالحديد والنار، فلم يعد التقرير السياسي لمؤتمر الحزب الحاكم هو سيد المكتبات العامة والخاصة، والحاضر الوحيد في قاعة الدرس، وأمام الطلاب.
   في العراق الجديد لا معنى للممنوعات في مجال الثقافة والفكر، الا ما يمنعه الرقيب الذاتي للمواطن نفسه، والذي هو عبارة عن نتاج التراكم الثقافي والوعي السياسي الذي يتحلى به العراقيون.
   لقد ملك العراقيون اليوم حرية الاختيار، في ظل التعددية الثقافية، ما أفضى الى امتلاكهم لقرار بلورة الرأي، حسب الوعي والادراك الذي يتميز به كل واحد منهم، أي أن العراقيين امتلكوا رد الفعل الممكن والمناسب وما يترتب على نوع الثقافة التي يطلعون عليها كل يوم، اذ لم يعد رد فعلهم قرارات منصوص عليها من قبل مجلس قيادة الثورة مثلا.
   ثانيا: وفي هذا الجو الثقافي الجديد، تجلى التنوع الثقافي الذي قمعه النظام الشمولي البائد، وكاد أن يقضي عليه، اذ لم يعد ممنوعا على الكردي مثلا أو التركماني أو الايزدي أو الصابئي أو الآشوري أو الكلداني أو الشيعي أو السني أو أي مكون آخر من مكونات المجتمع العراقي، أن يعبر أو يعتز أو يقرأ أو يدرس أو يتحدث بخلفيته الثقافية وبلغته الأم، لا في المدرسة ولا في وسائل الاعلام، ولا في المقهى ولا في الشارع، ولذلك شهدنا ولادة العديد من الفضائيات التي تعبر عن التنوع الثقافي الذي يتميز به العراق وشعبه منذ أقدم العصور، والذي يضيف الى العراقيين، تنوع في الفهم وقوة في المنطق وقدرة على البناء الحضاري الذي ما شيد بناؤه الا بالتنوع الثقافي، على اعتباره نتاج تلاقح الثقافات المختلفة، والأفكار المتعددة.
   هذا التنوع الثقافي، أعاد للمكتبة العامة ألقها الثقافي وحيويتها، وأدار المطابع لتستعيد عافيتها، فصدرت المجلات الدراساتية والدوريات المتخصصة، كما أعاد للكتاب مكانته في المشهد الثقافي العراقي، بعد أن كان النظام الشمولي البائد قد فرض حصارا شديدا على الكتاب، فمنع القراءة الا بقرار، وحاصر الثقافة لتقتصر على ثقافة الحزب الحاكم أحادية الجانب.
   يبقى أن يتخلص العراقيون ويكنسون من واقعهم الجديد بعض الأمراض التي أصابت الشخصية العراقية جراء الفكر الشمولي الذي خيم على العراق أكثر من 35 عاما، والتي يمكن اجمالها بمرضين؛
   الأول، هو مرض عبادة الشخصية الذي كرسته ثقافة النظام البائد، فهي تدمر مفهوم الرأي العام، وقبل ذلك، تسلب من الانسان حرية الاختيار، لأن عبادة الشخصية مرض يمنع المرء من الاختيار الحر، وبالتالي يحوله من  متلقي ثقافي، يميز فيختار،  الى مستهلك ثقافي لا يعي كثيرا ما يقرأ، بسبب الأحكام المسبقة التي تكبله، جراء الانبهار بالشخصية الذي يكون سيد الموقف في هذه الحالة.
   الثاني: الغاء ثقافة الصورة والعنوان والأزياء والألقاب، التي كرسها النظام البائد ضمن موسوعة ثقافية فاسدة، أراد بها حث المواطن على عبادة الصورة، والنظر الى من يقول وليس الى ما يقول، وتلك هي من أخطر ظواهر القمع الثقافي والفكري الذي تبتلي به أمة من الأمم.
   ان القضاء على هذين المرضين، سيساهمان في صناعة جو ثقافي نظيف، في اطار الانفتاح الثقافي، الذي لا يعتمد القشور، وانما يكرس المحتوى الثقافي في أبهى صوره، من خلال وعي المفهوم والتعصب للفكرة بدلا من التعصب للشخص، بعيدا عن التحجر والتعصب الثقافي ضيق الافق والتكفير والتخوين، يحترم الرأي الآخر، ويقاتل من أجل أن يدلي به صاحبه، كما يحرص على أن يقول رأيه في أية قضية من القضايا العامة المطروحة للنقاش.
   وبذلك سننهي عهد الممنوعات وثقافة السلطة والحزب الحاكم والزعيم الأوحد، الذي لا يرى الا نفسه قادرا على التفكير والانتاج الثقافي، وأخيرا، اعادة حق الخيار الى المواطن وليس الى السلطة.
   انه انقلاب جذري في المشهد الثقافي العراقي، اليس كذلك؟.
9 نيسان 2006

ليست هناك تعليقات: