٢٦‏/٩‏/٢٠٠٦

عثمان العمير: ملامح مدرسة صحافية سعودية

GMT 5:45:00 2006 الثلائاء 26 سبتمبر

الحياة اللندنية


 

عندما اقرأ الان اعمالي التي كتبتها في الجزيرة لا اشعر بالاحترام
الكبير لها واسال نفسي "لماذا كنت اكتب كل هذا الهراء"؟


عثمان العمير للحياة: الليبرالية التي اعتنقتها اوصلت اصدقائي الى المعتقلات
..الرياضة هي المجال الحقيقي لصحافة البلدان التي لا تمتلك الحرية 

 

  منى المنجومي - الحياة  :رئيس تحرير صحيفة  الشرق الأوسط السابق، عثمان العمير، ليس مجرد رئيس تحرير ولا أيضاً مجرد ناشر، بالتأكيد هو شاهد على عصره، شاهد على مرحلة من المخاضات الصعبة، والولادات العسيرة لمجتمع سعودي وعربي لما يولد بعد في شكل حقيقي. وإذا تحرينا الدقة في الكلام، نقول إنه ليس شاهداً إنما أيضاً مشاركاً في صناعة قيم إعلامية على مستوى العالم العربي، فمن يترأس التحرير في صحيفة مثل الشرق الاوسط ، لا يمكن له إلا أن يقدم  مشروعاً صحافياً، يليق بالعالم العربي، وهو ما يؤكده في الحوار، عندما سعى إلى إيجاد نموذج صحافي تارة يجمع الملامح اللبنانية بالملامح المصرية للصحافة في بوتقة واحدة، وتارة ينشد نموذجاً صحافياً سعودياً عربياً غربياً. في كلتا الحالتين نجح العمير في مسعاه، حتى وإن ألغي نموذجه الفريد بعد  أن خرج طبعاً من  الشرق الأوسط  مستقيلاً. 
صادق العمير الملوك والرؤساء، خلال فترة توليه  رئاسة التحرير في  الشرق الأوسط وعندما نقول إنه صادق، نعنى أنه حاز ثقتهم، ومن ثم جدارته بأن يفتح له هؤلاء الملوك والرؤساء ملفاتهم وملفات بلدانهم، في حقبة لم تكتف فيها  الشرق الأوسط برئاسته بالتفرج
على ما يحصل في هذه البلدان، التي يصادق ملوكها ورؤساءها، كما لم يكتف بأن تعكس الأحداث، إنما  كانت تحاول تقديم رؤيتها الإعلامية، التي تستشرف معظم ما يعتمل في عقليات وخطابات مثقفي تلك المرحلة ومفكريها وإعلامييها.

وعلى رغم ما تبوأه العمير من مكانة، لم ينكر أن له منافسين. إنه يقر بمنافسة ندية من صحف خليجية وعربية، كما ينفي عنه صفة المدرسة، ويفضل أن يشجع مختلف الأطياف الصحافية في جريدته، مختلف الآراء والتوجهات، من غير أن يدفعه ذلك إلى الإقصاء والانحياز إلى شخص بعينه أو رأي بمفرده. كما لم يشمر عن ساعده ليهجو زملاء المهنة، واصفاً إياهم بأشنع الأوصاف، وهو لا يكتفي بقول رأيه فيهم، هؤلاء الذين يعتبرون اليوم رموز الإعلام السعودي، إنما يجبرك على الانحياز لما يقوله والدفاع عنه أيضاً.  فعندما يتحدث عن رئيس تحرير صحيفة الرياض تركي السديري، وعن خطوته الجريئة في إدخال خمس كاتبات ضمن ملكية مؤسسة اليمامة، لا تملك إلا أن تقر بأن مثل هذا الرجل مكسب كبير للإعلام السعودي، وأن خروجه الذي يطالب به بعضهم هو الخسارة، وأي
خسارة.

من حقنا كإعلاميين سعوديين أن نباهي أن بيننا مثل هذا الرجل - المرحلة، فهو يختزل في فكره ووعيه تجربة هائلة، لو قدر لها أن توزع على مجموعة من الناس لكان الإعلام العربي والسعودي في حال أفضل منها الآن  بعد استقالته من جريدة  الشرق الأوسط لم يركن إلى الدعة والراحة، مستمتعاً بحصاده الوثير، إنما راح يؤسس المشروع تلو المشروع، وكلنا نتذكر مشروعه الصحافي في المغرب، وكذلك مشروع  إيلاف ، الذي لا غنى عنه اليوم بالنسبة إلى شريحة واسعة من المهتمين. وهو يعد العدة لإطلاق صرعة جديدة في الإعلام تجمع، بين فعالية الصحافة الورقية  وحيوية الإنترنت. كما ستكون هناك  إيلاف الإنكليزية قريباً. ثم إيلاف التي ستصدر لمناطق خاصة، مثل  إيلاف الكويت  و إيلاف دبي .من بين الحوارات التي دأبت على تقديمها صفحة  آداب وفنون مع إعلاميين بارزين، يأتي هذا الحوار مميزاً وفريداً لنواحٍ عدة، فهو يجمع بين المعلومة، وطرحخبرة سنوات وتجربة عميقة في الإعلام بمستوياتها، والبعد من مديح الذات، وأخيراً المتعة والفائدة التي
يجنيها القارئ.

أخيراً لم يكن إجراء حوار مطول مع العمير، أمراً في غاية السهولة، كما كنا نعتقد في البداية، فلتحقيق ذلك الهدف، تنقّلت فصول الحوار الذي استمر إنجازه نحو ثلاثة أشهر، بين ثلاثة مطارات لدول أوروبية (بريطانيا واسبانيا وفرنسا)، وانتهت فصوله النهائية
في مدينة جدة.

فالصحافي السعودي عثمان العمير الذي غالباً ما يثير الجدل، يحمل في أجندته العملية مواعيد مزدحمة لا يكاد يقضيها حتى يخلد إلى النوم، ليستيقظ على   مواعيد جديدة، في مدينة أخرى ولكن الحياة استطاعت كسر هذه الحواجز ولو لساعات معدودة لتخرج بحوار لا تنقصه الجراءة والشفافية من شخص عُرِفَ بجراءته وشفافيته وصدقيته. في هذا الحوار تحدث العمير إلى الحياة  عن  جوانب عدة من حياته المهنية، وطرح خلاله العديد من الآراء الخاصة بالتيارات الفكرية المكوّنة للمجتمع السعودي.

وهنا نص الحوار.

> أودّ أن نبدأ من أول المشوار الصحافي في  الجزيرة  ... كيف ترى تلك البداية من موقعك اليوم؟ وما الذي بقي وما تقويمك لها؟

كانت بدايتي في صحيفة « المدينة » وكانت صحيفتي المفضلة بسبب وجودي في المدينة التي تعتبر صحيفتها الأولى ، ثم « الندوة » ، ومن بعدهما « الرياض « و « اليمامة » .

وكانت هناك مجلة اسمها « الرياضي » أسسها المرحوم عبدالله منيعي. ،  لكنني التحقت بـ« الجزيرة » بعد الاعداد لصدورها يومية، وكنت ما زلت طالباً في  السنة الأولى في الكلية. « الجزيرة » شكّلت الانطلاقة الحقيقية لي، إذ زادت وتوسعت معرفتي بالناس، بشكل أكثر وأعمق، وعرّفت الكثيرين بي. وعادة ما أنظر إليها بحب ونقد،بخاصة أنني من أعضاء مؤسستها.

بالطبع عندما أقرأ أعمالي الآن، لا أشعر باحترام كبير لها، بل أسأل نفسي لماذا كنت أكتب كل هذا الهراء. بقى من الذكريات الكثير، وما يهمني هو الوفاء للرجال الذين وقفوا معي في مراحل حياتي الصحافية، مثل تركي السديري، وخالد المالك، ومحمد العجبان، ومحمد الشدي، وصالح العجروش، وفيصل الشهيل. وكذلك المرحوم الأمير فيصل بن فهد الذي دعمني ووقف معي، خصوصاً عندما كنت أكثر الصحافيين الرياضيين شهرة. هناك الكثير مما يمكن قوله عن تلك الفترة، التي تعتبر مفصلية في تاريخ الصحافة السعودية. كانت هناك مناقشات، وبدايات، ومحاولات وتأسيس لمراحل نراها الآن. وقد تزامنت مع ارتفاع أسعار النفط، والتحول السعودي، إذ كنا نستعد للعيش في بحبوحة نفطية غير مسبوقة زمنياً.
 
> هل كانت تلك التجربة هراء فعلاً، أم أن التطور الذي وصلت إليه جعلك تقول ذلك؟
 
- طبيعي أنني أنقدها اليوم. لكنني لا أخرجها عن سياقها. إنها مرحلة اعتيادية، لأني شخص يبدأ مهمة ما، فيها من الفشل والانكسارات والنجاحات الشيء الكثير.إنني لا أستطيع أن أتحول من بحر الستين إلى نهر الثلاثين. في النهاية تجربة بالنسبة إليّ رائعة، كما نتذكر طفلاً يحبو.

> من أجل لندن تركتَ منصب نائب رئيس ، لتكون مراسل تحرير صحيفة  الجزيرة ... فما  السر وراء ذلك؟

- حال السفر حالة مرتبطة بي منذ الصغر، لا سيما إنها حالة عادية لأهل مدينتي الزلفي.  فطبيعة أهل تلك المدينة السفر والترحال. إنها جزء لا يتجزأ من ثقافتنا. أبي أخذني قبل العاشرة في رحلة اعتبرتها مفصلية إلى المدينة المنورة. عندما قررت السفر إلى لندن، قبل سنوات من عرض ذلك المنصب عليّ، كنت قد أحسنت اتخاذ القرار الذي أراه الأصوب في تاريخي. كان حلمي البحث عن حضن يفور حيويةً ودفأً. وكذلك تقدماً، وتحرراً. كانت وما زالت لندن الملاذ الذي أعتقد بأنه المناسب لي.

> تجربة رئاسة تحرير صحيفة اليوم السعودية، كانت الأولى لك في تولي مهام رئيس التحرير والأقصر كذلك، قياساً بتجاربك اللاحقة في رئاسة تحرير مجلة « المجلة » وصحيفة « الشرق الأوسط ».. ماذا قدمت تلك التجربة لعثمان العمير؟

- قدمت لي الكثير على رغم قصرها، إذ كانت غنية، خصوصاً أن المجتمع السعودي والإنساني في المنطقة الشرقية مليء بالحركة والتعاطف والمودة. وبصراحة تلك الفترة عمّقت علاقاتي بالعديد من الأصدقاء، منهم المرحوم صالح العزاز، وفيصل الشهيل، ومحمد العلي، وعلي الدميني وآخرون. ،  حاولت أن أترك أثراًًً في صحيفة "اليوم"  لا سيما أنني كنت في قمة شبابي، تحت الثلاثين، ولكني شعرت بألم شديد، لأن الليبرالية التي كنت أعتنقها، أخذها العديد من أصدقائي بجدية، ما أدخل البعض منهم بالعديد من المشكلات أوصلتهم إلى المعتقلات، إذ إن الوقت لم يكن مناسباً لتجاوز بعض الحدود في ذلك الوقت، ولكنها تجربة مميزة في حياتي امتلأت بالأصدقاء والناس، والاستفادة سواء من جانبي أو من جانب الآخرين.

> تركي السديري، خالد المالك، هاشم عبده  هاشم، وأخيراً عثمان العمير رؤساء تحرير كانت بداياتهم في الصحافة الرياضية... ما تعليقك؟

- أريد التوضيح في البداية، ليس جميع الأسماء كانت بداياتهم من الصحافة  الرياضية، مثلاً الزميل تركي السديري كان كاتب قصة، وهاشم عبده هاشم كان  محرراً فنياً، وحتى أنا عندما بدأت في  الصحافة كنت أكتب في الأدب والفن، وبعد  ذلك تحولت إلى الصحافة الرياضية، وهذا  طبعاً مجال أفتخر به وأعتز كثيراً، فهو ليس  مجال للسخرية، حيثُ إن البعض يسخرون ويقولون « والله هذا صحافي رياضي سابق »، فالصحافة الرياضية هي المجال الحقيقي  للصحافة، خصوصاً في البلدان التي لا  تمتلك الحرية الكافية، وهي المجال الوحيد  للتعبير ومعرفة كيفية الكتابة والتعامل وكيفية إدارة الصراعات، واتجاهي للصحافة الرياضية، لأن فيها الكثير من السقف،
سواء منتصف التعددية وسقف الجماهير  والصراع والالتفات للرأي الآخر، والذي لم  يكن موجوداً في أي مجال صحافي في ذلك  الوقت، وبصراحة الصحافة الرياضية هي  مناورة حقيقية لأي صحافي يريد أن يكون  جَسُوراً.

ثانيا عندما كنت في  " الجزيرة "كنت  محرراًً رياضياًً وفنياًً، إذ عملت فيها محرراً فنياً ثلاث سنوات، ومحرر منوعات وترأست قسم الشؤون المحلية. أما عن سؤالك لماذا خرجنا جميعاً من الصحافة الرياضية، فذلك لأن المجال الرياضي يعد البوابة الحقيقة لأي صحافي، يستطيع ممارسة مهنته بشكل مهني حقيقي، لأن فيها قبولاً للرأي والرأي الآخر، فهذا ليس موجوداً في الأدب مثلاً، فالمجال الأدبي لا يصنع صحافياً مشهوراً، إذ إن شهرته لا تتجاوز فئة محدودة من المجتمع، ممن لهم اهتمامات ثقافية وأدبية، وكذلك الكاتب. أما الصحافي الرياضي فتمنحه شهرته الواسعة العديد من الخبرات منها: المعرفة بإدارة الأمور، وتكسبه العديد من العوامل المهنية
المهمة.

رئيس تحرير صحيفة الحياة يمتلك تفاصيل كثيرة عن تلك المرحلة

 > يقال إن صحيفة  الشرق الأوسط  عاشت عصرها الذهبي خلال فترة ترؤسك لها، لعدم وجود منافسين في تلك الفترة... ماذا تقول؟

- أولاً: هذا السؤال يحتاج إلى ثلاثة أجوبة، في البداية أرى أن صحيفة الشرق الأوسط دائماً وأبداً تعيش عصرها الذهبي، ومن المبالغة والغرور أن يعتقد أي صحافي بأنه وحده يصنع عصراًً ذهبياً. بالنسبة إلى فترة ترؤسي للصحيفة، فهناك أمور عدة ساعدتني في المضي قدماً في أثناء تلك الفترة، لكن هذه العوامل لا دائماً تنفي أن تعيش  الشرق الأوسط  عصوراً ذهبية متلاحقة، إذ إنها تنتقل من مرحلة ذهبية لأخرى.

ثانياً: ليس صحيحاً أن تلك الفترة خلت من المنافسين للشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال كانت هنالك صحيفة « القبس » وكانت صحيفة  قوية وجريئة وصدامية ومنافسة قوية، وكان زميلنا محمد الصقر رئيس تحريرها يمثل هماًً مهماً لنا كصحيفة ولي شخصياً، وفي أواخر ، الثمانينات عادت صحيفة  الحياة وكانت تنافسنا بقسوة، إذ إنها صحيفة قوية ومحترمة وأخذت مكانها سريعاً في السوق، كذلك كانت هنالك صحف أخرى صدرت  بعدُ مثل  الأهرام الدولية وغيرها .وأعتقد أن الزميل رئيس تحرير صحيفة الحياة يمتلك تفاصيل كثيرة عن تلك المرحلة. ثالثاً: كانت هنالك عوامل كثيرة ضمن معركة في الداخل والخارج، فعندما توليت منصب رئيس تحرير  الشرق الأوسط شكّك  الكثير بكفاءتي الصحيفة،  في ذلك الوقت، أذكر الأستاذ الكبير الشيخ جميل الحجيلان وكان سفير السعودية في باريس في ذلك الفترة هاتفني غاضبا ومحتجاًً على مقال نُشِر، قال لي:"ً لقد كنت  من الذين لهم رأى في توليك هذه الصحيفة".

 وكذلك قدومي ل الشرق الأوسط كان ضد رغبة الناشرين، وهما المرحوم هشام حافظ ومحمد حافظ، ولذلك حدث صراع، ولكن بصراحة كان صراعاً شريفاً، كنت في تلك المرحلة أقود مجموعة من الشباب الواعد،،  وكنا نتحدث دائماً عن الشرق الأوسط  وإننا نستطيع عمل الكثير مما لا يستطيع الآخرون عمله، هذه الأسباب أدت إلى نجاح الشرق الأوسط في اعتقادي، بجانب تفّهم الكبار لمهمتي كالأمير سلمان بن عبدالعزيز،الذي دافع عني بكل شرف ومسؤولية وبذل الكثير لإنجاحي، وكذلك ابنه المرحوم الأمير أحمد بن سلمان، ولم أكن مع زملائي نستهين بأي تجربة في تلك الفترة، وكنا نجرب تغيير سلوك الشرق الاوسط بهدف ، الذي قررنا تغيره منذ بداية ترؤسي لها، خصوصاً أنها كانت تتبنى خطاً هجومياًً ضد توجهات الليبرالية العربية، وكذلك القومية، فاستكتبت في تلك الفترة أكثر من ٥٠ كاتباً عربياً، منهم يوسف إدريس، صلاح حافظ، وأحمد الربعي، فؤاد مطر، وسمير عطا الله، وبلند الحيدري، ومحمد عابد الجابري، وأحمد بهاء الدين، وتركي الحمد، وميشيل أبو جودة، وآخرين غابت عن ذاكرتي أسماؤهم الآن، وكان هنالك كُتاب أيضاً من الغرب، وكل ما أود قوله أن الطيور لا تغرد وحدَها، كذلك القطعان لا تمشي إلا وهي مجتمعة، لذا فمن الصعب أن أقول إنني بمفردي مَنْ خلق نجاح صحيفة  الشرق الأوسط ، أو أنا الوحيد الذي كنتُ وراء نجاحها.

> هل كان هناك منهج أو نهج معين عملت من خلاله لإيصال الجريدة إلى العالمية؟

- كنا نحتاج في ذلك الوقت إلى شيء من الانفتاح. نهجي الوحيد كان الانفتاح على الناس وجميع التيارات الموجودة،  والانفتاح كذلك على تعريب الشرق الاوسط حقيقة، فلم تكن هنالك حدود عندما كنت موجوداً بين أي مواطن عربي إلا كفاءته، فهي الفاصل الوحيد الذي كنت أعتز به، وأعتقد بأنه أدى إلى وصول  الشرق الأوسط إلى هذا المستوى. وقد صهر الانفتاح الكفاءات العربية في بوتقة واحدة والعمل في مجال واحد، مما لا شك أن الناشِرَيْنِ هشام ومحمد حافظ لعبَا دوراً كبيراً، خصوصاً أن لديهم الرغبة الحقيقية   في وصول  الشرق الأوسط  لهذا المستوى الجيد.

> أسس عثمان العمير مدرسته الخاصة  الشرق الأوسط  ، وتخرج منها تلاميذ مبدعون نذكر منهم على سبيل المثال عبدالرحمن الراشد وهاني نقشبندي، ولكننا لم نسمع بتلاميذ لهؤلاء، إذ اكتفوا بتطوير أنفسهم... ما السبب من وجهة نظرك؟

- أولاً أنا أكره حكاية المدارس، فأنا هربت من المدرسة وتركت الجامعة بسبب المدرسين، وأكره الحضور والغياب بصراحة، فأبي بدأ حياته مدرساًً في الجامعة الإسلامية، وكان قبلها مديراً للهيئات الدينية في الزلفي، وكذلك إخواني، وشهدتُ وأنا صغيراً مرحلة تأسيس الجامعة الإسلامية ومنظر الطلاب، وهم يخدعون أبي، فليس لي مدرسة حقيقةً ولا أدعي ذلك، بل كانت فترة ترافقنا فيها مع الأخذ في الاعتبار الأعمار المتفاوتة في ما بيننا. كل هؤلاء الأشخاص الذين ترافقت معهم لم تكن هنالك حقيقة لما يُسَمّى بالمدرسة، كان هنالك نوع من التفاف التجارب والتعامل مع الأمور بطريقة فيها الكثير من الاخوية " الأسماك لا تمشي وحدها" ، وما تسمينه أنتِ بالمدرسة، أسميه التقاءَ الأفكار، وتعاطي فورة الشباب  وجموحها، وكنا على قناعة أن النجاح لا تحمله يد واحدة.

صحافة سعودية بدم غربي

> لماذا اتجه العمير إلى المدرسة اللبنانية في الوقت الذي كانت تسيطر على الصحافة المحلية المدرسة المصرية؟

- لم أتجه بشكل كامل إلى الصحافة اللبنانية، إذ إن هاجسي هو الصحافة الإنكليزية، ولكني أنصفت المدرسة اللبنانية  في الشرق الأوسط  الشركة السعودية  و  إذ كانت في الشركة مدرسة واحدة، وهي  المدرسة المصرية، فعندما دخلت الشركة  استخدمت جميع التيارات، ومن ضمنها التجربة اللبنانية الغنية والجميلة حقيقةً، لكني همي كان وجود تجربة جديدة عربية سعودية مزودة بدم غربي، وكان همي وشعوري أن الحكمة لا تأتي من باب واحد، بل من أبواب متفرقة، إذ كنت أمازح مع زملائي في موضوع أطبقه حقيقة وهو ، وهو التعامل مع الجميع  سياسة "الكوتا " بغض النظر عن طبقاتهم أو بلدانهم، وكنت  أحاول أن أتمثل بثقافة البلد الذي أعيش فيه (لندن)، إذ لا يُسأل أحدٌ عن مذهبه أو دينه أو لونه، وأذكر أننا حاولنا التوفيق بين المدرسة اللبنانية والمصرية في الوقت نفسه، وفي ما يخص كتابة الأسماء، نجحنا، ولكنها تجربة لم تستمر طويلاً، لأنها ألغيت  بعد خروجي من الصحيفة!

 > لماذا ألغيت؟

- لا أعلم، ولكن لكل منا تصوراته المعينة، لكني كنت أعتقد بأننا بحاجة إلى وجود مدرسة توافقية بين المدرستين، فمثلاً في ما تعلق بنطق الجيم، لديك كلمة ديغول او يجول  ففي المدرسة المصرية يستخدمون حرف الجيم عند تعريبها لسهولة نطقها عليهم، لكن في دول الخليج ودول عربية أخرى يتغير النطق عند وضع الجيم، ومثل تلك الخلافات اللغوية كان يتعصّب لها كل من اللبنانيين والمصرين، لذا كنا نعمل على التوفيق بين المدرستين من خلال مدرسة توافقية فيما بينهما، وهي تجربة من الممكن
تطبيقها مرة أخرى في صحيفة أخرى.

 الصحافة العربية تحاول تقليدنا نحن الذين كنا في لندن

> في رأيك أي مدرسة يتبع إعلامنا المحلي اليوم؟

- أعتقد أن إعلامنا المحلي اتبع المدرسة  المصرية في البداية، وفيما بعد وتحديداً  في السنوات العشرين الماضية بدأ بتقليد المدرسة اللبنانية، على رغم أنى ضد تقليد هذه المدرسة، بخاصة في جانب المواضيع لمحدوديتها في هذه المدرسة، لا سيما أن غالبية مواضيعها تدور في الجانب السياسي  أكثر من الجانب الإنساني، فالمتصفح للصحف اللبنانية يجد أن مواضيعها مركزة في الشق السياسي، وأعتقد أن المدرسة غير الموجودة والتي يحاول الجميع تقليدها هي المدرسة المهجرية، التي تمثلت في صحافة لندن وباريس منذ منتصف السبعينات، ولا وجود لمدرسة مصرية وأخرى لبنانية، هنالك مدرسة بليدة وأخرى متماهية مع العصر، فتلك التقسيمات موجودة في ذهن الكثيرين، ولكن في الحقيقة أن الصحافة السعودية بل العربية ومنذ ٢٠ عاماً تحاول أن تقلدنا نحن الذين كنا في لندن في السبعينات.

> هناك من يقول إن إعلامنا أصبح يتبع مدرسة سعودية خليطة من المدرستين المصرية واللبنانية... ما تعليقك؟

- أتوافق مع هذا الرأي، وفي اعتقادي أن لدينا اليوم مدرسة سعودية خرجت من المدارس الصحافية المختلفة، وأصبح لها تصور خاص بنفسها، وذلك بسبب تأثرها بمدرستي  الشرق الأوسط  و  الحياة اللتين تجاوزتا حقيقة المدارس المصرية واللبنانية، فمن الصعب مقارنة تلك المدرستين بالصحف العربية الصادرة من لندن في أواخر السبعينات، مع احترامي الشديد لهم، وكما هو ملاحظ اليوم، فإن الإعلام العربي بصفة عامة أصبح يقلد المدارس العربية في لندن.

> كيف تقوّمون الصحف السعودية اليوم، خصوصاً مع اعتمادها مبدأ التغير والتطوير؟

- الصحف السعودية ليست بعيدة من سباق العصر، ولكن نحتاج في السعودية إلى تخصص في الصحافة أكثر، إذ إننا بحاجة إلى صحف متخصصة في الوقت الراهن، بحيث يكون هنالك صحف وطنية وأخرى للمناطق، ليكون هنالك القدرة على متابعة جميع المواضيع، خصوصاً أننا نملك عدداً كبيراً من الصحف السعودية يتجاوز عدد القراء، فمثلاً في بريطانيا يوجد أقل من عشر صحف يومية، وهي البلد الذي يصل فيه عدد القراء إلى ٢٠ مليون قارئ، ونحن في السعودية لا نمتلك الأرقام، ولكني أعتقد أن القراء لا يتجاوزن نصف مليون قارئ، وهذه الحال موجودة في جميع الدول العربية، إذ لدينا كثرة في العرض وقلة في الطلب في مجال الصحافة، أما في ما يتعلق بصناعة الإعلام، فصناعة الصحف السعودية تحسنت كثيراً عن السابق، ولكنها في حاجة إلى تحسن أكبر.

> ما الاختلاف بين هامش الحرية في صحافتنا العربية والصحافة الأجنبية؟ وهل صحيح أن لدينا اليوم هامشاً كبيراً من الحرية، لم يكن متاحاً في السابق؟

- بالطبع لدينا اليوم هامش كبير من الحرية، فما كان لا ينشر قبل خمس سنوات، أصبح اليوم ينشر بشكل عادي ومقبول، ويجب علينا أن نشير إلى أن السبب الحقيقي والجوهري ليس في صحافتنا، لكن بسبب الهجمة الكبيرة من التكنولوجيا سواء عبر التلفزيون، أم عبر الانترنت، التي لم تَدَعْ لأحد القدرة على التفكير أو استخدام العقل، أو التلويح بالخصوصية، وهذا التطور التقني أدى إلى ارتفاع مساحة الخيارات لدى الإنسان سواء في السعودية أم خارج السعودية، فلولا التقنية والتكنولوجيا لكنا
في حالنا السابقة.

> هل صحيح أن إعلامنا العربي لا يفرق بين صحافة الفضائح والصحافة المتزنة والموضوعية ولماذا؟

- الحقيقة ليس إعلامنا العربي وحده الذي لا يستطيع التفرقة، بل إن العرب بحد ذاتهم لا يستطيعون التفرقة بين الصحافة الموضوعية المتزنة وما عداها، وبين الكاتب الخفيف الذي يكتب بالسياسة وبين السياسي الذي يدعي الخفة. والسبب في أن ثقافتنا لا تفرق بين الاثنين، " كل عنده صابون" ، لذا نحتاج إلى زمن طويل حتى تكون لدينا صناعة حقيقة، وهذا يعني التفكير في إصلاح الجذور وليس فقط إصلاح الصحافة، فهنالك قيم في المجتمع لم تستكمل بعد، وطبيعي في أي عالم جديد ما زال يحبو أن تكون لديه أخطاء، ومن الأخطاء عدم وجود  التقسيم بين الصحافة المحلية والصحافة القومية، والصحافة الوطنية، والصحافة الساخرة، وكذلك صحافة الإثارة. في الغرب وضعوا حدوداً لذلك حتى في الإعلام المرئي، فهناك هُوية للقنوات التلفزيونية.

> ذكرت في لقاءات سابقة أن التعرية الفكرية والسياسية في إعلامنا العربي هي الأخطر من التعرية الجسدية، بل هي الأكثر سيطرة عليه... كيف  يمكن لنا الرقي بهذا الإعلام، وتجريده من صفة التعرية؟

- علينا في البداية ألاّ نكون أساتذة على الإعلام، فالإعلام يخلق نفسه ويتطور وينشأ ويتعرض لتجارب، وفي النهاية يقدم لنا إعلاما ناضجاً، فأنا ضد مسألة التحكم في الإعلام، والحل الوحيد لتطور الإعلام العربي هو منحة المزيد من الحرية والعديد من الخيارات أمام القراء، فلا بد من أن يكون الحكم في هذا الموضوع هم الناس، مع أن هنالك العديد من الشرائح لم تصلإلى مستوى العلم والمعرفة والفهم، ولكن هذه ليست مسؤوليتنا، إنما مسؤوليتنا أن نقدم لهم الوجبات الإعلامية، ونترك لهم حرية الاختيار للتفرقة بين ما هو جيد وما هو غير ذلك. ونحن الآن نرى السيطرة من تيارات على حساب أخرى، فمثلاً في مجال الانترنت كانت هنالك سيطرة واضحة من الأصوليين  والآن أصبحوا لا يعرفون كيف يسيّرون هذه الآلة، لأنهم اكتشفوا أنها تؤدي إلى تقليل مساحة تفكيرهم، وكذلك الإعلام نحن نرى دعوات غير مقبولة، ورغبات في تهميش الآخر وفي النهاية سيكون الإعلام هو الفيصل، لأنه وسيلة خطيرة جداً وفي الوقت نفسه ناجحة وعملية.

> يرى البعض أن التعليم أداة مهمة لصقل الموهبة ومنح الموهوب المهارات المطلوبة للأداء دراسته من اجل الصحافة... ما تعليقك؟ وهل الصحافة من وجهة نظرك تحتاج إلى العلم لصقلها، أم هي مهنة يكتسبها المرء من خلال الخبرة؟
 
- مما لا شك فيه أن التعليم مهم جداًً، لكن من الصعب جداً أن نقول هنالك صحافي  مشهور بسبب أنه تعلم الصحافة، فهي ليست علماً يُدْرَس في المدارس، لكن الصحافة شيء تختلط فيها الموهبة والثقافة والخبرة. هناك العديد من الأسماء الصحافية المشهورة لم تكمل تعليمها، لكن المهم للصحافي هو التأهيل، فلا بد من أن يكون الصحافي مؤهلاً للعمل الذي يقوم به، ومن الصعب أن نقول إن هذا الصحافي ليس صحافياً، لأنه لا يمتلك مؤهلاً جامعياً أو شهادات عليا، هذا المعيار يمكن تطبيقه على المحاضر في الجامعة، والذي يتطلب عمله امتلاك مؤهلات تعليمية عالية في المجال ذاته، أما الصحافي فلا بد من أن يكون موهوباً، وهذا لا يعني أن يكون الصحافي جاهلاً وغير مثقف، فلا بد من أن يكون فاهماً لمهنته وعمله والعالم من حوله، فالصحافة لا تخرّجها الجامعة.

> هل أنت مع المطالبين بإغلاق أقسام الإعلام في الجامعات السعودية على اعتبار أنها لا تخرّج صحافيين أو إعلاميين، إن صح التعبير؟

- لا، لكنى مع إنشاء معاهد للتدريب والتأهيل، هدفها فتح المجال أمام الموهوبين والقدرات الصحافية لصقل مواهبهم، وكذلك لا بد من دعم المؤسسات الصحافية السعودية لأقسام الإعلام في جامعتنا، فبدلاً من تأسيس كليات إعلام في الجامعات نمنح الفرصة للمؤسسات الصحافية الكبرى في السعودية لافتتاح أكاديمية داخل تلك الصحف، وكذلك بالنسبة إلى التلفزيون. يعني وجود تدريب للراغبين في العمل في مجال الإعلام لمدة عام أو عامين في تلك المؤسسات، وهذا الأسلوب نجحت فيه الشركة السعودية للأبحاث قبل ١٥ عاماً، ومنهم من أثبت وجوده من خلال هذا المركز التدريبي، أذكر منهم الأخ هاني نقشبندي وصلاح سندي وعبدالله القبيع.

> عثمان العمير من أكثر الأسماء الإعلامية  السعودية المثيرة للجدل، والتي تعرضت للهجوم الاتهامات من الاسلاميين او  الأصوليين . ان صح التعبير... لماذا؟
 
- عندما تضع نفسك في فضاء الحياة فمن الطبيعي أن يكون لديك خصوم كارهون. وأنا أعترف لك بأننى شخصية مثيرة للجدل ليس فقط في السعودية، ولكن لمعظم من عرفني، لأن الشخصية المثيرة للجدل لديها شيء تريد قوله، وهذا القول يتعرض للنقد والجدل، وأعتقد بأنني لم أقل إلا القليل وما زال لديّ الكثير، وأرجو أن يكون لديّ مساحة من العمر حتى أقول ما أريد قوله.


إما في ما يخص الأصوليين أو الإسلاميين، فهم يرون أن هنالك ثأراً بيني وبينهم، لأنني وقفت أمام محاولتهم للسيطرة على صحيفة الشرق الأوسط في ذلك الوقت، وهم بطبعهم كمؤسسة أيدلوجية تؤمن بمسألة الاستيلاء والاستحواذ ونبذ الآخر، مثلهم مثل أي مؤسسة أيدلوجية أخرى، وهم فقط خلعوا أقنعة ووضعوا أخرى، بينما الأساليب هي الأساليب، وكان أول صراع بيني وبينهم في ما يخص التسمية، حينما أطلقوا على   أنفسهم مسمى "إسلاميون " وكنت أقول » لا بد من أن يستخدموا كلمة الأصوليون  لأن الإسلام ليس حزباً سياسياً حتى ينسبه البعض إلى أنفسهم، فجميعنا مسلمون، وكان هذا الموقف أكثر ما آثار حفيظتهم، ولم يغفروا لي، بل أدخلوني في صراع طويل معهم في ذلك الوقت، وهم لا يذكرون وقفتي معهم في قضاياهم سواء في تونس أو السودان، وكذلك استحداثي لصفحة  الدين والثرات  في،  صحيفة الشرق الأوسط ويشهد على هذا الأخ محمد الهاشمي، والدكتور حسن الترابي على وقفتي في تبني القضايا الإسلامية العادلة، لكن الأصوليين يردّون كل شيء، لا بد من أن تكون معهم أو أنت ضدهم، يريدون التعامل معهم كمريد أو متحزب، لهذا السبب أصبحوا يشعرون بالعداء تجاهي، ومن الطبيعي أن لكل شخص خطاً في حياته، ومن حقهم أن يكون لهم رأي في عثمان العمير، كما أن لي الحق في أن يكون لي فيهم رأي، والفيصل بينا هو الحوار والصراع الفكري.

> هل صحيح أن الصوت الليبرالي ضعيف أو مخنوق في العالم العربي في ظل السيطرة أو هيمنة الأصوليين، خصوصاً في ما يتعلق بمجال الانترنت؟

- في البداية أعطيني اسم شخص واحد ليبرالي في العالم العربي. الليبرالية كلمة نحن نستخدمها بطريقة عشوائية، ومن دون تحديد لمعنى أن تكون ليبرالياً، وعندما أكون في السعودية وأجتمع بما يسمي بالليبراليين السعوديين أجد أن هنالك فارقاً كبيراًً وصعباً بينهم وبين الليبراليين الحقيقيين. الليبرالية الموجودة في السعودية ليست الليبرالية التي تعرّفنا عليها في الغرب، فالليبرالي لا بد من أن يكون حاسماً في قضايا عدة، كقضايا الدولة المدنية والمرأة والمساواة واحترام الأديان والثقافات، هذه
الأشياء لا بد من أن يجيب عنها كل فرد حتى يصبح ليبرالياً، الذين هنا يمكن القول عنهم أي شيء إلا أن يكونوا ليبراليين، يمكن أن نقول عنهم .هؤلاء الإخوة المتلبرنين  ما من شك في أنهم يتعرضون لضغوط كثيرة، وهم خانقو أنفسهم ومخنوقون في الوقت ذاته، خانقو أنفسهم لعدم وجود وحده حقيقية في ما بينهم، مع بعضهم البعض، كما هو موجود في الأيدلوجيات الأصولية وما يسمى بالصحوية. أضيفي إلى ذلك نظرة المجتمع إليهم بصفات ليست فيهم، ويستشعرهم بأنهم أعداء، بينما هم جزء لا
يتجزأ من النسيج الاجتماعي، وكل ما أشعر به هو ادعاء وجود الكثير من الليبرالية غير الموجودة في السعودية.

> أمن أجل هذا سيطر الأصوليون على الساحة؟

- بالطبع، ولكن لا بد لنا من التفرقة بين أيدلوجية، وأيدلوجية أخرى، فالسعودية في النهاية دولة إسلامية ومجتمع إسلامي لا بد من احترام رغباته وسلوكياته، خصوصاً في ما يتعلق بممارساته الدينية، لكن الأصوليين نجحوا في تجييش المجتمع ضد من يريدون، لا سيما أنهم منظمون تنظيماً بالغاً، ونجاحهم في تجييش المجتمع لم يكن في جميع الجوانب، إذ فشلوا في الأمور التي لها علاقة مباشرة بحياة الناس، وذلك لأن الشعب يتصرف بحسب مصالحه الشخصية، وهذا يشمل الجانب الاقتصادي، حيثُ إنهم ضد البنوك والمشاريع الاستثمارية، بل ضد الحركة الاقتصادية.

> مرت السعودية في الثمانينات بما يعرف بالصحوة... ما تأثيرها في النسيج الاجتماعي السعودي؟

- لا يوجد شك في أن الصحوة أدت إلى تأخر المجتمع السعودي عقوداً من الزمن، فما يسمى بالصحوة الأصولية في الثمانينات، هي في اعتقادي نكسة وليست صحوة، أي ليست صحوة حقيقية لتطور المجتمع، فالذين يعرفون السعودية في أواخر الستينات والسبعينات وإلى ما قبل ظهور جهيمان يعرفون أنها كانت تتقدم بطريقة سليمة ومتوازنة وراقية، ولكن عندما هجمت عليها الرياح الصحوية تأخرنا كثيراً وأصبح الكثير من الناس يتناقشون معنا في قضايا حسمت من مئات السنين في أوروبا، وحسمت كذلك في العالم العربي والسعودية منذ عشرات السنين.

تحرير  رئيس  منقرض  

> نعود إلى المجال الإعلامي، وسؤالي عن  استقالتك من رئاسة تحرير صحيفة الشرق  الاوسط  عام ١٩٩٧ ، عندما قلت إن عشر سنوات كافية لرئاسة التحرير ومن المفترض التغيير لتجديد دماء الصحيفة... فما مرئياتك حول عدم تغير رؤساء التحرير في عدد من الصحف المحلية، وبقائهم في مناصبهم سنوات تزيد على ربع قرن؟

- صحيح، أذكر إنني كتبت هذا الكلام بعد  مرور أربع سنوات من استقالتي من الشرق الأوسط ، وفي اعتقادي بأن الصحافي له عمر افتراضي، إذ يمر بمرحلة الزهو والنجاح، ثم مرحلة الهدوء ثم الانقراض، وكنت أريد ألاّ أكون رئيس تحرير منقرضاً، يعيش ما بعد العمر الافتراضي، وما زال لديّ  إيمان بأن رئاسة التحرير لا بد من ألا تتجاوز خمس سنوات، فإذا زادت على السنوات الخمس يصبح رئيس التحرير عبئاً على الصحيفة. وأؤكد أن الصحافي ليس له عمر، ولكن رئاسة التحرير منصب يتستحق أن يكون لها تناوب واستفادة من الدماء الجديدة والمدربة. رؤساء التحرير في السعودية يجب على الكثير منهم توديع الكرسي وترك المجال لغيرهم. لكن هنالك جانب آخر يجب عدم الاستهانة به، فعلى سبيل المثال وجود رئيس تحرير مثل الزميل تركي السديري له ما يزيد على ٣٠ عاماً في رئاسة التحرير، ويمتلك الجرأة اللازمة لهذا المنصب، فهو من سعى إلى إحلال خمس نساء في ملكية مؤسسة اليمامة الصحافية، ولا ننكر أن هنالك رؤساء تحرير يستحقون البقاء على الكراسي، لأنهم يقدّمون أكثر مما سيقدمه الجدد.

> كيف تقوّمون الصحافي والصحافية السعودية اليوم، خصوصاً مع كثرة الأسماء على الساحة الإعلامية؟ وهل لدينا اليوم صحافيون مهنيون ومحللون بالدرجة المطلوبة لمنافسة الصحافي الأجنبي؟

- لا يوجد لدينا في العالم العربي احترام للمهنية، وهذا الشيء مهم، بأن يكون هنالك احترام للمهنة الصحافية، ليس يكفي أن يمتلك الصحافي القدرة على الكتابة أو أن تحتل مركزاً في الصحيفة ليكون مهنياً، لقد رأينا الصحافي الغربي كيف يعمل وكيف يحترم مهنته، وهذه الصفة للأسف مفقودة في الكثير من الصحافيين العرب. أما بالنسبة إلى الساحة الإعلامية السعودية ففي الحقيقة لم أطلع على إنتاج الكثير من الصحافيين الشباب، ولكن الذي أراه هو ظاهرة صحية، خصوصاً مع توجه مجموعة كبيرة من الشباب السعودي للعمل الإعلامي، والتفرغ فيه ومحاولة البروز فيه،  وهي مسيرة مهمة في مسيرتنا الصحافية السعودية،و أن تكون لدينا مجموعة تتوارث يعضها البعض، ومما لا شك فيه أن كل جديد أفضل من القديم.

> ما الفوارق بين الجيل القديم والجيل الجديد من الصحافيين السعوديين؟

- لا أرى وجود فارق كبير، خصوصاً أن الصحافة مهنة لها قواعد، والفارق الذي لا بد من أن نلاحظه هو وجود صحافي جاد وصحافي غير جاد، صحافي مقدر لمهنته ووجوده بها، وآخر يرى أنها طريق يمر به إلىنجاح معين في حياته، يمكن الجيل الجديد يتميز بإتقان عدد من اللغات الأجنبية، وهذا الجانب مهم بالنسبة إلى الصحافي.

تجربة القيادات الشابة مثيرة ومهمة

> وكيف ترون تجربة الجيل الجديد في قيادة الصحف المحلية والدولية؟

- أعتقد بأنها تجربة مثيرة ومهمة، وأتمنى لها النجاح، وفي اعتقادي أن الأهم هو كيفية الاستفادة من العزم والخبرة العالمية، والانفتاح على العالم ومواكبة التطور.

> بصراحة، ما السلبيات الموجودة في صحافتنا اليوم؟ وكيف يمكن لنا تفاديها مستقبلاً؟

- المطلوب هو المزيد من الحرية، والمزيد من تقبّل الرأي والرأي الآخر، وإنشاء صحافة مختلفة النهج ومختلفة عما هو موجود في الحاضر، تعميق مفهوم الصحافة وإدخالها في سوق الأسهم، فليس المطلوب فقط تأسيس صحافيين جيدين، ولكن تأسيس مؤسسات صحافية جيدة.

> لماذا اتجه العمير إلى الاستثمار في الإعلام المغربي، على رغم أن الكثيرين يرون أن السوق السعودية تعد الآن مناسبة لمثل هذا الاستثمار وربما أكثر ازدهاراً في هذا الجانب؟

- السوق المغربية تعد سوقاً واعدة وجيدة للاستثمار، وهي تنبئ بتطور كبير، وبدأت تنشأ مؤسسات صحافية مختلفة، ومما لا شك أن العامل الاقتصادي كان  سبباً في ذلك، وكذلك العامل الشخصي الذي يربطني بالمغرب حكومةً وشعباً.أما بالنسبة إلى الإعلام السعودي فأنا  مستثمر في الإعلام السعودي، كوني عضواً في مؤسسة الجزيرة  الصحافية وأحد  ملاكها، وفي الوقت ذاته أمتلك  إيلاف التي  أعتبرها استثماراً عالمياً، ليس محكوماً ببلد معين. أنني أشعر بالراحة وأنا أقترب من ختام التجربة، إذ ستكون المؤسسة التي ترأستها، غير المؤسسة السابقة، ستتحول إلى مساهمة، ومشاركة من رؤوس الأموال المغربية في تسييرها وملكيتها.

> أخيراً... بعد مرور ما يزيد على خمس سنوات على إنشاء صحيفة إيلاف الإلكترونية..كيف تقوّمون تجربة الصحف الإلكترونية؟ وهل إيلاف حققت  الأهداف المنشودة منها، خصوصاً أنها محجوبة في بعض الدول العربية؟

 تجربة ايلاف ، تجربة مثيرة وثرية بالنسبة إليّ، وربما بالنسبة إلى الوسط الإعلامي العربي. لم أتوقع أنني سأخوض هذا المحيط من المتغيرات والعوالم الجديدة. اليوم بلغت عامها الخامس، وعدد النقرات يفوق عشرين مليون نقرة.  سيطالع القارئ مولوداً جديداً هو إيلاف ديجتال ، وهي صرعة جديدة في الصحافة. أمضينا شهوراً لإعداده، وهو يجمع بين فعالية الصحافة الورقية وحيوية الإنترنت.ستكون هناك ايلاف انكليزية قريبا ثم  إيلاف التي ستصدر لمناطق خاصة، مثل  إيلاف الكويت  و  إيلاف دبي .

> أين تقف اليوم؟

- تقولين أين أقف؟ أقول إنني أقف على مدى من البصر والبصيرة.. لحقل مزروع بالمفاجآت. أشكر الله الذي أعطانا هذه التكنولوجيا.

سيرة ذاتية

. > وُلِدَ عثمان موسي العمير في مدينة الزلفى في ٢٥ من شهر أيلول (أغسطس) ١٩٥٠

> بدأ مشواره الصحافي مراسلاً رياضياً في عدد من الصحف السعودية، ولكنه سرعان ما أثبت كفاءته ليكون مراسلاً لجريدة الجزيرة . السعودية في لندن حتى عام ١٩٨٣ تولي رئاسة تحرير مجلة المجلة في عام ١٩٨٤ ، وفي عام ١٩٨٧ أصبح رئيس التحرير الشرق الأوسط ، وعمل في هذا المنصب عشر سنوات.

> حاور العديد من زعماء العالم منهم الملك فهد بن عبدالعزيز، والملك الحسن الثاني وزين العابدين بن علي وحسني مبارك ورفسنجاني وجورباتشوف وجاك شيراك ومارغريت تاتشر وجورج بوسى.

> في عام ١٩٩٥ أسس شركة إعلامية بريطانية بالشراكة مع رئيس تحرير الشرق الأوسط (السابق) عبدالرحمن الراشد، لإنتاج برامج تلفزيونية لقنوات فضائية في الشرق الأوسط وبريطانيا وأميركا.

في عام ٢٠٠١ أسس من بريطانيا موقع الالكترونية، والتي  إيلاف  أو صحيفة  إيلاف وأصبحت من أشهر المواقع على الشبكة.

، يمتلك العمير دار النشر ماروك سوير المغربية، والتي يصدر عنها لوماتين وهي تصدر باللغة الفرنسية  وصحيفة الصحراء المغربية تصدر باللغة العربية، اضافة الى موقع موركو تايمز وصحيفة لامانانا الاسبانية الاسبوعية .

ليست هناك تعليقات: