١٦‏/١١‏/٢٠٠٦

اقرأ للشاعر ادم فتحي آخر مقال له

خميسيّات\ آدم فتحي(الشروق التونسيّة\ 9-11-2006)
الآب والإبن والروح الدنس
المكان: المكتب البيضاويّ في البيت الأبيض.
الزمان: دقائق بعد التصريح بنتائج الانتخابات النصفيّة.
الحاضرون: وزيرة الخارجيّة وقد بدت مشدودة إلى التلفزيون تتابع النتائج المحزنة..والناطق الرسميّ سنو الذي وقف خلفها بقليل..وبوش الأب الذي تهالك على كرسيّ قرب الباب وبدا كأنّه يحادث أشباحًا لا يراها سواه.
دخل دابليو كالعاصفة واتّجه ناحية النافذة المطلّة على الحديقة صارخًا فجأة: ألم أقل لك يا كاندي إنّنا ذاهبون إلى الخسارة؟ لا يكفي أن يقول فرنانديز إنّنا متغطرسون وأغبياء في العراق حتّى يضيف ديك إنّنا محترفو تعذيب..فكيف تريدين أن يصوّت لنا الناس؟ لو كانا يكذبان لهان الأمر ولكنّهما يفسدان السياسة يا كاندي..إنّهما يقولان الحقيقة..فكيف أثق فيهما بعد ذلك؟ تهدّج صوته مع الكلمات الأخيرة فأسرعت كاندي تهدّئ من روعه: سنو قال إنّ كلام فرنانديز أسيئت ترجمته يا سيّدي..اعترض بوش ساخرًا: كيف والرجل تكلّم بالعربيّة؟ فقالت كاندي موضّحة: أقصد أنّه أساء ترجمة أفكاره إلى كلمات..آه..هزّ دابليو رأسه مرّات وقد راقته الفكرة..برافو..وماذا عن ديك؟ قال سنو بسرعة: شرحت للجميع وبكلّ اللغات أنّه لم يقصد التعذيب بل كان يقصد «التحقيق الرجوليّ» على غرار اللعب الرجولي في ملاعب البيزبول..أُعجب دابليو بالفكرة وخاصّة بكلمة بيزبول، فهبط على ظهر الناطق الرسميّ بصفعة أبويّة تهدّ الجبال: رائع يا سنو..ولكن لماذا خسرنا الانتخابات على الرغم من ذلك؟
صمت فجأة وكأنّه تذكّر شيئًا ثمّ اتّجه من جديد ناحية مكتبه وجلس على الكرسيّ هامسًا وكأنّه يحدّث نفسه: أريد انتصارًا يا كاندي..أريد انتصارًا في العراق..تنحنحت جوهرة الخارجيّة السوداء وهمست متلعثمة: المشكلة يا فخامة الرئيس أنّ..قاطعها دابليو صارخًا: اللعنة يا كاندي..أريد كذبة جديدة تشرح الصدر فلا تحدّثيني عن مشاكل..ليتني لم أطرد كولن..كان بارعًا وهو يبيع حكاية أسلحة الدمار الشامل للسذّج..وأنت يا داد؟ ألا تساعدني بفكرة؟
قال دابليو هذا الكلام ملتفتًا ناحية أبيه دون أن يبدو على هذا الأخير أنّه انتبه إليه. أصحاب الألسنة الطويلة يؤكّدون أنّ دابليو فعل كلّ ما في وسعه في البداية كي لا يظهر والده في الصورة..ثمّ مرّت الأيّام وأصبح الرئيس الجديد يدعو أباه بمناسبة ودون مناسبة..الأمر الذي جعل نفس أصحاب ألسنة السوء يزعمون أنّه يثأر لنفسه..وكأنّه يقول له: ما رأيك الآن؟ ها أنا أنجح حيث فشلت.
طبعًا لم يكن هذا غائبًا عن أذهان البطانة الرئاسيّة..خاصّة ديك ودونالد وكاندي التي تعرف كلّ شيء..ولكنّهم كانوا يتصنّعون عدم الانتباه.
ويقول مروّجو الإشاعات ومحترفو التنكيت على شبكة الأنترنيت إنّ دابليو ظلّ ينظر ناحية أبيه للحظات..ثمّ ضرب فجأة على المكتب بقبضة يده صارخًا: يبدو أنّي لم أسأل الشخص المناسب حين طلبت من رئيس البرازيل وصفة لكسب الانتخابات..ما رأيك في أن أسأل رئيس الصين؟ ما اسم رئيس الصين الحاليّ؟ أجابته كاندي: Hu..وكان ذاك اسم رئيس الصين (ويُنطق هُوْ..) لكنّ التشابه في النطق مع كلمة Who جعل الأمر يلتبس على دابليو..لماذا تعيدين عليّ السؤال؟ هل سمعتني؟ أجابته كاندي: Yes Sir..فأخذ الرئيس يغمغم: ياسر؟ ياسر عرفات؟ أليس هو نفسه الذي توفّاه الربّ؟ Yes Sir..حسنًا، دعينا من «ياسر» الآن وقولي لي ما اسم رئيس الصين الجديد؟ كرّرت كاندي: «هُوْ..» وهنا نفد صبر الرئيس فصرخ في وزيرته: اطلبي لي الأمم المتّحدة فهم يعرفون أسماء الجميع..رفعت كاندي السمّاعة وسألته قبل أن تجمع الرقم: هل أطلب Kofi ؟ تقصد كوفي عنان..لكنّ الرئيس فهم أنّها تطلب له Coffee فانفجر في وجهها: ماهذا يا كاندي؟ هل هذا وقت مناسب للمشروبات؟ أسألك عن رئيس الصين فتقولين لي ياسر..وأطلب الأمين العامّ فتطلبين لي قهوة..ثمّ يستغرب العالم بعد ذلك كيف لم أنتصر في العراق وكيف خسرت الانتخابات؟
ألقى دابليو الأوراق من يده وخرج من المكتب لا يلوي على شيء..وتبعته كاندي مسترضية وهي تكاد تتعثّر في الطنافس الوثيرة..ولم ينتبه أيّ منهما إلى سنو الذي ظلّ واقفًا في مكانه، وإلى جورج الكبير الذي نهض بعد لحظات واتّجه ناحية الباب، فالتحق به سنو وأسنده في الطريق إلى الحديقة.
منذ سنوات وبوش الأكبر يعاني الأمريّن ويكتم في صدره ما لا طاقة به لبشر..إنّه يعرف ابنه جيّدًا..ولكنّه ابنه..ماذا يفعل؟ والنتيجة: أسلحة نوويّة تنذر بالويل ومقاومة تزدهر وإرهاب يتصاعد وعالم يزحف نحو التسلّح من جديد بينما تعود الولايات المتّحدة إلى أجواء الماكارتيّة وتنافس جمهوريّات الموز في تشجيع الطغيان والاعتداء على حقوق الإنسان والتلاعب بالقوانين وتشريع السجون السريّة والمحاكمات التعسّفية والتعذيب.
هذه كلّها إشاعات وأراجيف ولا شيء منها صحيح..لا شكّ في ذلك..لكنّ الناظر إلى جورج الأكبر سرعان ما يرى أنّه شاخ خلال سنوات حكم ابنه أكثر ممّا شاخ طيلة عمره..ويقول مروّجو الإشاعات ومحترفو التنكيت على شبكة الأنترنيت إنّه يفكّر أحيانًا في عقد ندوة صحفيّة رفقة أحد كهّان الكنيسة للاعتذار للشعب الأمريكي ولشعوب العالم وللربّ نفسه عن كونه أنجب مثل هذا الابن..كما يقولون إنّه سأل سنو حين بلغا الحديقة إن كان والد هتلر حيًّا حين ارتكب هتلر جرائمه؟ فأجابه سنو إنّه لا يعرف..فقال دابليو، والعهدة على الرواة: «هنيئًا له إن مات قبل أن يرى جرائم ابنه. »
ثمّ وقع مغشيًّا عليه.
ويقال والعهدة على الرواة إنّ سنو سارع بطلب الإسعاف وظلّ هناك حتّى غادر الطاقم الطبيّ المكان صحبة الرئيس السابق..ثمّ رأى فجأة شيئًا يلمع حيث وقع العجوز فإذا هو قلادة كانت في عنق بوش الأب تتدلّى منها نسخة مصغّرة من الكتاب المقدّس..فتذكّر عقيدة الثالوث الأقدس التي ظهرت منذ القرن الرابع والتي تتحدّث عن الآب صاحب العظمة الأبديّة، والإبن الذي تجسّد في يسوع الناصريّ، والروح القدس أو البارقيلط..وعندئذ خطر له أنّ كلّ ثالوث مقدّس يقابله في الأرض ثالوث مدنّس..وخاصّة في السياسة..فتساءل في سرّه: من يكون الآب في هذه السياسة العالميّة البشعة ومن يكون الإبن؟ ومن يكون الوسواس الذي ينخر قلوب المواطنين على عكس البارقيلط؟ من يكون راسبوتين هذه الدولة وكلّ دولة؟ من يكون روحها الدنس؟

ليست هناك تعليقات: