١٦‏/١١‏/٢٠٠٦

مهزلة استئناف نينوى في اختيار القضاة

فارس عبد الستار البكَـــوع


بسم الله الرحمن الرحيم
مهزلة استئناف نينوى في اختيار القضاة


بداية أقول مهنة القضاء تعد من المهن التي ترتب على عاتق من يمتهنها مسؤولية كبيرة جداً فهي بالقدر التي تمنح متوليها سلطة واسعة بموجب التشريعات النافذة توجب على كل من يتولى ويتصدى لهذه المهنة الإمكانية الكافية والملائمة لإشغال هذه الوظيفة من حيث الشخصية والثقافة العامة والعلم بأحوال وفن التقاضي فضلا عن صفات أخرى اشترطتها القوانين وكذلك الشريعة السمحاء ، وبناء على ذلك وحسب ما جاء في الأثر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى أهل بيته وأصحابه أجمعين انه مَنع إناطة القضاء لأحد الصحابة عندما جاء طالبًا توليها ، والتاريخ يروي لنا مقولة احد الفقهاء في عهد الدولة العباسية عندما رفض تولي القضاء بعد تكليفه من قبل الخليفة وعندما ألح عليه بالطلب قال قولته المشهورة ( ذُبحت بغير سكين ) اسرد هذه المقدمة البسيطة وأنا أرى بأمي عيني كما يرى غيري من الحقوقيين والمحامين ظهور بعض البقع السوداء الصغيرة على ثوب القضاء العراقي الناصع وأتمنى عدم اتساع هذه البقع أو النقط السوداء في هذه المؤسسة العريقة المشهود لها ولعقود طويلة بالكفاءة والنزاهة والاستقامة حتى في أحلك الظروف الصعبة التي مر بها البلد .
ظهور البقع السوداء (قضاة الهمر) نموذجاً:
ابتداء لااريد التحدث عن كيفية والية اختيار وتعين القضاة قبل الاحتلال واجتياح العراق من قبل القوات الأمريكية والمتحالفة معها ، هذه القوات التي دشنت احتلالها للعراق بفصل وعزل العشرات من القضاة وأعضاء الادعاء العام تحت ذريعة الفساد والرشوة والانحراف وهي لم يمض على احتلالها العراق بضعة أيام ولا ندري من أين عرفت بسلوكيات هؤلاء القضاة وارتكابهم لهذه الجرائم التي استوجبت إقصائهم وبهذه السرعة ؟
هذه العملية الاقصائية طالت العديد من العناصر القضائية الكفوءة والمشهود لها بالحيادية والنزاهة ، وسؤال أخر يثار هل البقية الباقية ممن لم يشملهم الإقصاء والعزل متوفرة فيهم النزاهة والألمعية والذكاء ؟ قطعا الجواب لا . لأنه في اعتقادي لكل قاضي مسيرة مهنية تُُستجلى من خلال قرارته وأحكامه ومدى انطباقها وانسجامه مع القانون من عدمه من خلال التدقيقات التمييزية الجارية عليها من لدن المحاكم المختصة بالإضافة إلى سلوكه وأخلاقه المهنية فهل راعت ذلك دولة الاحتلال عند الفصل والعزل ؟ وأقول شخصيا لم أمارس العمل القضائي ولست مكلفاً من قبل احد للدفاع عن القضاة المعزولين ولكني على إطلاع بمجريات وأحوال عدد غير قليل من الجيدين والكفوئين منهم ،ممن تم إقصائهم دون صرف مستحقاتهم المادية وبالتالي حرموا وعوائلهم من مصدر رزقهم الوحيد .
هذه العملية الاقصائية خلقت فجوة كبيرة في العمل القضائي وبالتالي أدت إلى ظهور (قضاة الهمر) وكاتب هذه السطور وغيره من المعنيين شاهدوا نماذج من قضاة الهمر ممن غرقوا بالعمالة مع المحتل منذ أول أيامه وقدموا لهم الخدمات ليكافئوا على خدماتهم الجليلة والمفيدة بالتعيين كقاضاة أو غيرها من المهن المتعلقة بالقضاء والدوائر العدلية ، ولكن يا ترى ماذا سيقول هؤلاء لأنفسهم ولأولادهم بعد مغادرة المحتل إذا لم يلحقوا به أو تركوا ورُفِع الدعم والحماية عنهم؟
هذه نماذج من قضاة الاحتلال وليس المقصود بهم ممن امتهنوا هذه المهنة الشريفة والرفيعة بالطرق الأصولية وحتى أثناء الاحتلال ولنا كلام أخر عن قسم منهم . وشخصيا أشفق على قضاة الهمر وأقول هل يستطيع احدهم ممارسة عمله كقاضي بعد مغادرة أسياده لاسيما وان أمر تعيينه قد صدر مذيلا بالتوقيع الأمريكي أو بمباركة وتزكية من المسئول الأمريكي المحتل .؟ فإلف مبروك لقضاة الهمر ، هذه بعض البقع السوداء في رداء هذه المؤسسة القضائية المهمة .
مع مرشحي الموصل لتولي القضاء :
مؤخراً وفي خطوة أراها جيدة لو اعتمدت الأساليب الصحيحة في الاختيار حيث طَلب مجلس القضاء الأعلى من المناطق الاستئنافية ترشيح عدد من المحامين للعمل في السلك القضائي عملا بنص المادة 36 من قانون التنظيم القضائي . والتي يفترض العمل بها وتفعيلها منذ زمن إذ إنها كانت شبه معطلة إن لم تقل معطلة تماما بسبب اعتماد وزارة العدل سابقا على خريجي المعهد القضائي فقط هذه المادة أجازت تعيين المحامي كقاضي إذا أمضى عشرة سنوات على الأقل في مهنة المحاماة إضافة إلى بعض الشروط الإجرائية و الإدارية الأخرى المتصلة بالاختبار والمقابلة وغير ذلك ,وما يهمنا بهذا الصدد من خلال هذه التجربة في محافظة نينوى تحديداً ولا علم لي بالإلية التي اعتمدت في المحافظات الأخرى ،حيث تقدم عدد يربو على (70) محام و محامية بمستمسكاتهم المطلوبة لغرض الترشيح للعمل في القضاء للسيد رئيس محكمة استئناف نينوى الاتحادية وهو شخصية موصلية معروفة وله خدمة قضائية مشهودة بالحيادية والنزاهة وقد تولى رئاسة الاستئناف (رئيس المحاكم كما يحلو للبعض تسمية من يشغل هذا المنصب) بعد الاحتلال والشهادة لله استطاع أن يدير هذا المرفق القضائي وفي هذه الظروف الحرجة بجدارة وكانت له مواقف ممتازة ضد البعض من عناصر السلطة التنفيذية في المحافظة عندما أرادوا تهميش السلطة القضائية نتيجة الفراغ الأمني وكذلك قانون الطوارئ ، ورغم الإشادة في المسيرة الوظيفية لهذا الرجل ونظافة اليد أقول رغم ذلك ارتكب أخطاء قاتلة وجديرة بالمناقشة والمُسَالة في مسالة ترشيح واختيار المحامين لتولي مهمة القضاء 0 من بين المتقدمين وحتى لااطيل عليكم أدناه ملخص لما جرى :
كانت أول نتيجة ظهرت هي قبول (20) مرشحا من اصل المتقدمين وبواقع (5) من الإناث و (15) من الذكور واعتقد أن هذا الاختيار جاء كاختيار أولي _ ابتدائي _ من قبل السيد الرئيس محكمة استئناف نينوى وحده ولا ندري ما هي المعايير التي استخدمها لاختيار هؤلاء رغم وجود أكثر من مرشح منهم لا تتوفر فيهم الشروط الواجب توفرها في القاضي فضلا عن حشر اكثر من ثلاثة أشخاص لا تتوفر فيهم لا بل تنعدم أصلا الشروط المطلوبة في الترشيح واقطع واجزم شخصيا أن ذلك يتحمله السيد رئيس الاستئناف شخصيا لوحده ولأسباب سنذكرها لاحقا 0
بعد هذا الاختيار غير الموفق لأغلب المرشحين تم تبليغ أل(20) مرشحا بالحضور إلى بغداد للمقابلة و الاختبار يوم 31/8/2006 ولما كان الاختيار غير الموفق للسيد رئيس استئناف نينوى وعدم إتباع معيار صحيح للاختيار وامتعاض عدد من المتقدمين من هذا الأجراء وتقديمهم لشكاوى عديدة إلى مجلس القضاء فقد أفرزت المقابلة ما يلي
1_ وجود أكثر من مرشح موظف على الملاك الدائم في (مجلس القضاء) ويتقاضى راتب من الدولة في حين كان المفترض أن يكون المرشحين من المحامين وليس من الموظفين 0
2- وجود من يعمل موظفا في أكثر من هيئة ودائرة ويتقاضى عدة رواتب من عدة دوائر ومنقطع عن ممارسة المحاماة لمدة طويلة 0
3-الطامة الكبرى هي وجود مرشحين لم يكملوا المدة المطلوبة التي اشترطها القانون وهي ممارسة مهنة المحاماة لمدة لا تقل عن عشرة سنوات فهل يجوز ذلك يا سيادة رئيس الاستئناف المحترم 0؟
4- وجود أكثر من مرشح لا علاقة لهم أصلا بالمحاماة أو الحضور إلى المحكمة والترافع سوى حصولهم على هوية نقابة المحامين .
5- هناك شرطا اجتماعي اعتبرته الشريعة ركنا من أركان القضاء وكذلك أوجبه المشروع العراقي ألا وهو الزواج فيمن يروم أن يصبح قاضيا فهل تأكد السيد رئيس الاستئناف من ذلك وخاصة بالنسبة للعنصر النسوي من المرشحات ؟! والحمد لله إن جميع المرشحات هن من الأوانس أو من المطلقات 0
النتـــــــائج :
تأسيسا على ما تقدم وبعد مثول السادة المرشحون أمام اللجنة المختصة بالاختبار في مجلس القضاء واعتقد أن مجلس القضاء واللجنة قد علمت بهذه الخروقات القانونية الواضحة وحسب ما ورد إلى علمنا أن مرشحي السيد رئيس الاستئناف قد جوبهوا بالمعلومات واستبعد من استبعد وبقي من المرشحين أل(20) سبعة من الذكور و(2)من الإناث 0ومع شديد احترامي وتقديري لكافة المرشحين كونهم زملائي في المهنة وأخوة لي وتجمعني بهم علاقات طيبة إلا أن الموضوع يفرض علينا مناقشته مناقشة موضوعية دقيقة وبكل تجرد عن الانحياز وكاتب هذه السطور تربطه علاقة وثيقة ولطيفة مع السيد رئيس استئناف نينوى ولكن في خطوة مثل هذه ويكتنفها أكثر من خطأ قاتل وهو الذي يُعرف عنه ( لا تلومه في الحق لومة لائم) كيف سمح لنفسه بمثل هذه الأخطاء وهو يختتم حياته الوظيفية الناصعة 0هذه الأسئلة وغيرها متروك الإجابة عليها لرئيس الاستئناف أو مجلس القضاء الأعلى ، حين نرى في تشكيلة المتقدمون رغم كثرة عددهم إلا أن الاختيار لم يبتعد عن المحاصصة الحزبية والطائفية وربما المحسوبية والمنسوبية أو الفئوية ، ذكرت لكثير من زملائي في المهنة وكان هذا رايهم ايضا لو أن السيد رئيس الاستئناف شكل لجنة تتألف من قضاة وممثل عن المحامين كمنتدب محامي الموصل مثلا وقاموا بتدقيق بيانات المتقدمين للترشيح واختياروا من يصح ، الم يكن ذلك أفضل ويدفع عنه الظغوط إن وجدت ويتخطى هذه الأخطاء القاتلة في اختيار قضاة أو قاضيات المستقبل . والذين نتمنى لهم الموفقية في عملهم لاسيما أن عددا غير قليل من المحاميات والمحامين المرشحين حرموا من فرصهم وحل بدلهم مرشحون لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة .
وحسب علمي أن ثلاثة محامين ممن هم أساساً طلبة في المعهد القضائي من الذين سيتخرجون بعد فترة وجيزة من الزمن قد تم إضافتهم إلى المرشحين وهذا خرق قانوني أخر حَرم مرشحون آخرون من المحامين للتقدم لإشغال هذه المهنة فهل يجوز هذا ؟ وهل يجوز أن يبدأ قاضي المستقبل أول حياته الوظيفية بهذه المغالطات والأكاذيب ؟ والذي سيصبح مستقبلا حاكمًا في رقاب وأموال العباد ، ولكن ارجع وأقول كل شئ جائز في العراق الجديد .
وفي الختام هل سنسمع رداً من الجهات المعنية عن هذا الملف ، شخصياً أتحمل مسؤولية كل كلمة في هذا الموضوع إذا كانت تخالف ما أقوله ومن الله التوفيق ...
* حقوقي وناشط في حقوق الإنسان

ليست هناك تعليقات: