١٠‏/٢‏/٢٠٠٧

حلقة نقاشية

الصحافة والخطاب السياسي


(الوعي والمعرفة)


 


 


وليد السليماني


 


             التأمت أشغال المائدة المستديرة والتي نظمها نادي القلم المغربي ومختبر السرديات في موضوع:(الصحافة والخطاب السياسي:الوعي والمعرفة) وذلك يوم الجمعة 26يناير 2007..حيث ترأس اللقاء د/شمس الدين بلقايد ممهدا للموضوع بورقة تأطيرية عرض فيها لنقطتين أساسيتين:


·       الأولى وتتعلق بطبيعة التحولات السريعة التي مست علاقة الصحافة بالوعي السياسي.


·       الثانية  من تأثير الأولى وتتعلق بالأخلاق والالتزام  وطبيعة المعرفة.


 


          المتدخل الأول جلال الطاهر(محامي بهيئة الدارالبيضاء ورئيس تحرير مجلة المحامي) قدم قراءة نقدية وتصنيفية للتجربة المغربية حيث عرض في البداية لوضعية الصحافة التي هي عين المجتمع على حركيته الذائبة..وانعكاس لتفاعل الحاكمين والمحكومين،ثم ربط ذ/ جلال قوة هذا الطرف أو ذاك بمدى حضور الوعي السياسي..ممثلا لذلك بالصحافة المغربية  إبان الاحتلال الفرنسي والاسباني..فرغم بساطتها وعدم حرفيتها فقد تميزت بوعي سياسي وطني صادق شكل إطارا آخر للصراع من اجل قضايا الحرية والاستقلال ..وهي مطالب تهم الشعب المغربي برمته.


انتقل،بعد ذلك المتدخل إلى سنوات ما بعد الاستقلال وقد شهدت الصحافة المغربية توجهات أخرى، بنفس مباشر،للتعبير عن قضايا الاستقلال بنوع من المعالجة البسيطة والتي لا تخلو من الطوباوية بالنسبة للأهداف والغايات.


        المرحلة الأخرى التي عالجها ذ/جلال هي الفترة التي انشطرت فيها الحركة الوطنية سياسيا إلى توجهين برزا عبر صحافة كل طرف:توجه يريد استقلالا شاملا ينعكس على كل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.


 أما الفريق الآخر فكان يقصر الاستقلال على الراية والنشيد الوطني  فيما بقية القضايا فإنها تظل  مؤجلة...هنا أصبحت صحافة تعتنق مبادئ وقيم والتزامات الاستقلال الشامل مقابل صحافة ثانية موالية للحاكمين.والمتتبع للصحافة وخطابها السياسي في هذه المرحلة وما تلاها  يدرك مدى التمزق الاجتماعي  كتعبير عن هذين التيارين وقد شهدا العديد من النزالات  التي كانت دموية- أحيانا- بين مكونات الشعب المغربي ، والذي وحدته المقاومة وفرقه الاستقلال..وهي مفارقة يجد المتتبع آثارها من خلال افتتاحيات وتعاليق نخبة من السياسيين من  الفريقين، عبر صحافة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ممثلة التيار الأول ، وعبر جريدة التحرير وافتتاحيات الفقيه البصري وعبد الرحمن اليوسفي وعبد الله إبراهيم.


الاتجاه الآخر تعبر عنه صحافة (الماص) وبعض توابعها .


        المحور الأخير الذي قاربه الميتر جلال الطاهر هو الصحافة الجديدة في هذه المرحلة حيث اعتبرها انعكاسا للتطور الإعلامي والثقافي وللمتغيرات العالمية اذ يمكن رصد الوعي السياسي الصحافي في المزاوجة بين الانكباب على الراهن بكل تفاصيله والعودة –في فترات- إلى الماضي السياسي لقراءته بصيغة أخرى ليست بالحدة التي كانت من قبل..ووسط ثقافة التراضي والتوافق.


         إن الصحافة المستقلة/الخاصة  اليوم  هي عين ناقدة وأحيانا بقسوة لعيوب ونقائص العملية التوافقية التي تمت بين الطرفين المتصارعين منذ الاستقلال إلى أواخر الثمانينات.


  وختم الأستاذ تدخله بتقديم خلاصات مركزة حول المتاعب التي واجهتها الصحافة بالأمس وطبيعتها ومشاكل اليوم ونبل القيم التي تطبع مسار صحافتنا.


 مداخلة د/عبد الرحمن غانمي (أستاذ جامعي ) تركزت حول عمر بنجلون وجدلية التفكير الإعلامي ،معتبرا أن عمر بنجلون  هوعلم بارز، جمع بين اهتمامات وانشغالات متعددة، والأهم من دلك فإن مسؤولياته وتضحياته النضالية لم تحوله إلى "مناضل آلي" يكتفي بتنفيذ وترجمة البرامج السياسية، بل يمكن القول أن خبرته هذه كانت بمثابة ذخيرة فكرية لافتة، وأيضا إعلامية من خلال الكثير من الأفكار والآراء التي كانت تعكسها مشاركته في منتديات سياسية وفكرية وإعلامية، باعتباره كان مشرفا على جريدة "المحرر" التي تعرضت للمنع منذ أزيد من ستة وعشرين سنة، حيث أن عمله لم يكن مقتصرا على التعريف الإداري والتقني والمالي الروتيني، وإنما كان يتجاوزه إلى مساهمته الكبرى في رسم خط تحريري حداثي ديمقراطي، احتجاجي بصوت مسؤول وعال ووطني، يتوخى تكريس الحريةالإعلامية والسياسية في ظل ظروف القمع والاضطهاد والمنع المتواصل للكلمة المعارضة، التي كان لها ثمنها الغالي، وهو ما جسده عمر بنجلون، باستشهاده على إثر اغتيال غادر، سنة 1975.


بعد ذلك انتقل عبد الرحمان إلى مقترح ضرورة جمع وتوثيق وضبط المقالات والافتتاحيات التي كتبها عمر بنجلون، والتي تكشف عن حس فكري متميز، حيث لم يكن يكتفي بعرض الأخبار بشكل سطحي، وإنما نجح في رصد الواقع وفضحه وربط المعطيات ببعضها البعض، وتحليلها فكريا وإعلاميا، أي أن هذه المقالات لم تكن فقط حاجة إعلامية روتينية، بقدر ما كانت تكشف عن رؤية عميقة تربط السياق الإعلامي بعوامل سياسية وتاريخية وفكرية مؤثرة، في إطار الصراع الشامل مع قوى الارتداد في مجتمعنا، مع التأكيد على الثوابت الوطنية، وعلى رأسها القضية المقدسة لدى كل المغاربة، أي الصحراء المغربية، وربط كل هذه بجدلية الصراع مع قوى الاستعمار الجديد في فلسطين وكل الأقطار العربية، ولا نبالغ إذا اعتبرنا أن مساهمات عمر بنجلون الإعلامية والفكرية، تكشف عن فكر متجذر، وكأنه لا يزال يعيش بيننا.


وختم غانمي مداخلته بالتأكيد  أن تأثير عمر بنجلون الإعلامي لم يشمل فقط جريدة حزبه ومحازبيه، وقراءها، وإنما من خلال ما كانت تصدح به مقالاته من جرأة وتحليل واستشراف للمستقبل، ومن ترسيخ عملي لأسس الحرية والديمقراطية والحداثة، بمعناها العميق، لا المشوه والإيديولوجي، كان يتسع هذا التأثير ليمس تيارات سياسية أخرى، ويستفز قوى نافذة في الدولة، والأهم من ذلك، فإن صدى تحليلاته ومقالاته كان له وقع قوي على المجتمع، وهذا ما نفتقده كثيرا في وقتنا.


 


    مداخلة د/شعيب حليفي(أستاذ جامعي وكاتب) اهتمت بقراءة في تحليل الخطاب السياسي لأحد أعمدة الصحافة العربية بالعالم العربي  عبد الباري عطوان، والذي أصبحت تحليلاته مرجعا في تشكيل رؤية غير مغلوطة عما يجري من أحداث في العالم العربي ،خصوصا وان الآلة الإعلامية الغربية والأمريكية والصهيوبية المأجورة حاضرة بكل الأساليب لفرض تحليلاتها.


  وبعد تمهيدات ضرورية انتقل المتدخل للحديث بشكل عام عن خصوصيات الوعي السياسي في خطابات /افتتاحيات عبد الباري عطوان  في جريدة القدس العربي على مدى السنوات الفارطة ، وما يميزها من قدرة على التفكيك  والبناء وضمنهما يتحقق الكشف والتعليق الذي تحول مع اكتساب المصداقية إلى رؤية تنطلق من قناعات لاتلتزم بجهة ما ، بقدر ما هي ملزمة بأخلاق وقيم اعتبارية، قيم الكتابة والصحافة والمواطنة.


         ثم انتقل شعيب بعد ذلك إلى تحليل نموذج افتتاحية كتبها عبد الباري عطوان  في عدد ثامن  يناير 2007 بجريدة القدس العربي.. وقد استعان الباحث لتقريب التحليل بعرض نص  الافتتاحية على شاشة مكبرة متحكم فيها ..مفصلا من خلال عرض مفصل لثلاثة محاور طبعت الخطاب :


   اولا:المنهجية في بناء الموضوع وتشكيل الرؤية والموقف.فالافتتاحية كما يكتبها ذ/عطوان تبدع طريقتها في عرض الأفكار والمعلومات والأخبار والمواقف  بمنهجية تشد المتلقي وتجعله مساهما  ومشاركا.وقد أوضح حليفي على الشاشة الفقرات الأربع المكونة للافتتاحية وكيفيات صوغ الرؤية عبر تدرج يعتمد الوضوح واللغة الصحفية التي تمتح من معجم سياسي وأدبي-جمالي.


 


   ثانيا:التنسيب وهو النقطة الثانية التي عالجها الباحث لإبراز أن التحليل السياسي عند عطوان من ركائزه الأساسية الابتعاد عن اللغة المتخشبة والمتسلطة التي تقدم خطابها باعتباره تحليلا مقدسا ومطلقا.. وقد بين ،عبر الشاشة، أهم الفقرات التي تطرح وجهة النظر والموقف من منظور نسبي بالحديث عن الاحتمالات الممكنة والفرضيات المتوقعة( الفقرة الأولى والثالثة).


 


   ثالثا:تحدث شعيب حليفي في المحور الثالث ،بشكل مسهب، عن  إنتاج المعرفة في الخطاب عند عبد الباري عطوان..في تنوعها .معرفة سياسية وتاريخية، وهو ما وضحه من خلال كتابة تركيبية تتضمن معلومات وشواهد ماضية وأحداث ونتائج حاضرة تفضي إلى معرفة محملة بمرجعيات تمتلك القدرة على تفكيك الخطابات  وفضحها .


 وقد عرف هذا اللقاء بعد نهايته نقاشا عاليا قدم في المشاركون ملاحظات ورؤى أخرى في التحليل.

ليست هناك تعليقات: