١٥‏/١١‏/٢٠٠٥

تقرير صحافي من مستشفى الأمراض العقلية والنفسية بتونس

جولة داخل مستشفى الرازي : الجـحـيم هم الآخرون

قد تمتطي سيارة اخرى وتقصد الرازي في مهمة مهنية او مرضية. لكن سؤال الاستغراب والحيرة قد يرافق هذا السائق او ذاك عند تحديد الوجهة فقد يمتعض من زيارة الرازي صباحا. وقد تعلم زوجتك بزيارة الرازي فتقول في رد فعل آني: الله يلطف بنا. لكن مع ذلك ورغم هذه العراقيل النفسية تتقدم للتحقيق والتثبت وفي البال حواجز نفسية مبدئية بين الزائر والمقيمين في المستشفى والمعالجين فيه وكذلك الامر بالنسبة الى الحواجز الاجتماعية وذلك »مربط الفرس» في تصور الرازي وتقبل الآخر. وتدخل هذا الفضاء الاستشفائي الذي تأسس منذ 1931 وكان المرضى يقادون اليه بالسلاسل وفي البال صراخ وضرب مبرح للمريض لكن التوقف عند الباب قد يخفف عنك المعاناة فيستقبلك الاعوان ببشاشة هي جزءمن وصفات العلاج عندهم. حركة هادئة داخل اسوار الرازي ذي المساحةالشاسعة. والمقدرة بالهكتار وبين اقسام ابن الجزار وابن رشد والكندي تذكر عمق التاريخ ومستقبل المرضى في آن.. اكثر من خمسين صبيا وعدد هام من المتربصين وممرضين بالمئات ومقيمين دائمين بالمستشفى ويتجاوز عددهم 100 مريض منهم من يعود اول دخول له الى هذا الفضاء الى1953 ... هل ترفع الحواجز بين المريض النفسي والمجتمع؟ هل ان العائلة السوية تتقبل المريض النفسي؟ لماذا يتخوف الطلبة من شعبة علم النفس وبعض المرضى كذلك هل يزيد الزوار على الطين بلة؟ ما هي الامراض النفسية الاكثر انتشارا؟ هل التدين احيانا يمكن ان يكون سلوكا مرضيا؟ كيف يعيش المريض حياته الجنسية؟ اسئلة وجدنا اجابة لها داخل المستشفى لا خارجه...

وانت على متن وسيلة نقل خاصة ام عمومية متجها الى منوبة لابد ان ترحل في الذاكرة الى سنوات انقضت كان فيها الامتداد الطبيعي والبيئي يفتح على الافق ولعل ذلك ما دعا احد البايات خلال بداية القرن الفارط الى تركيز فضاء الرازي للعلاج النفسي.

من باب سجن الى باب رواق

كل فرد يخرج عن سكة الاجماع والاتباع يدخل ذلك الفضاء واحيانا مقيدا بالسلاسل وتغتصب املاكه وما ملكت يداه هنا في هذا الفضاء كان المريض اقرب الى السجين والمعالج أقرب الى الجلاد لنقص في آليات التكوين والتوعية والتحسيس وفهم طبيعة الامراض المستعصية نفسيا.تتقدم في اتجاه المستشفى وفي البال اكثر من سؤال نابع من تكوين نفسي ورواسب اجتماعية نجهل فيها وبها المريض النفسي وحاجياته واحتياجاته. وطلباته وعمق وعيه وصراعه مع اللاوعي كما يؤكد على ذلك الاستاذ محمد فاضل مراد رئيس قسم ابن الجزار بالفضاء الاستشفائي الرازي.

تزايد الخريجين

هذا الطبيب نفسه يعود بنا الى الذاكرة منذ ما يزيد عن عشرين سنة عندما كان خريجو الجامعة التونسية من الاطباء النفسانيين 4 فقط كان هو واحدا منهم فاختار العمل العمومي لا المصحات الخاصة والعيادة رغم المردودية المالية. واختار مع القطاع العمومي التأطير للطلبة المقدر عددهم الآن بـ20 خريجا من الجامعات في السنة والتعمق في البحث. المجتمع لا يقبل الخروج عن المألوف حسب الدكتور مراد الا للفنان احيانا وكان الاعتقاد سائدا في الطب الرعواني وعند المشعوذين ان غضب الآلهة هو سبب كل نفسي وما المشعوذ الا وسيطا لتجنب ذلك الغضب فكانت الضحية المريض مع طرق غريبة في المداواة ولم تفهم العامة كما الخاصة ان المرض النفسي يعود الى عدم التناغم بين ذات الانسان بما فيها بدنه والواقع الخارجي الا مع ابيوقراط.

منذ ذلك العصر والى الان نعاني وبنسب متفاوتة من تلك النظرة الى الطب النفسي في المطلق »الطبيب مهيلة» المرضى النفسانيون كلهم كمجانين رغم ان الجنون المطلق بنسبة 100% لا يوجد. والمريض ذاته وعلى اختلاف درجة مرضه له لحظات صفاء ذهني وبراءة وعقلانية وهي الغالبة طيلة يومه...

هل عندك مال؟

تخترق الاسوار وتدخل باب المستشفى الذي تحول من باب سجن الى باب فضاء مفتوح على رأي احد الزوار الذي يعود ابنه منذ ما يزيد عن عشر سنوات. وقد يعترضك مريض يخاطبك في هدوء »اعطني مائة» قد تعطيه، لكن هذه المريضة بالذات التي تقيم هنا منذ ما يزيد عن عشر سنوات تجيبك »ما عاد تعمل شيء كمل لي على 500 مي». تتساءل عن حدود العقلانية حدود الجنون بالضبط كتلك الحادثة التي رواها لنا الاستاذ منجي الخميري المدير العام لمستشفى الرازي عندما استضاف المريضة الرسّامة في احدى المناسبات الدينية وبعد ان تناولت الاسرة مع المريضة وعلى الطاولة ذاتها. بعض المشروبات. همت بالتدخين فما كان منها الا ان رفضت التدخين داخل غرفة الاستقبال خوفا على صحة الابناء من التعفن الرئوي على حد تعبيرها. التدخين ساعدها خارج الغرفة على التوغل في دنيا الرسم.

حديقة للحوار والازهار

وعلى مرمى حجر من المدخل ثمة حديقة مفتوحة على الازهار والحشائش وبين تلك الشجرة وهذه تسرق السمع الى نقاش بين مريضين حول جدوى التداوي والعلاج الآن والى مدى ففي حين كان المريض الذي علمنا أنه يقيم الآن منذ ما يزيد عن 25 سنة والخبير بزوايا المستشفى يقنع الآخر بضرورة ملازمة الحذر والاستماع الى نصائح الاطباء المباشرين... فان الطرف المقابل كان يقدم الحجج المقنعة لازالة الغمة واللحاق بالامة والحوار المفتوح مع الآخر قبل ان يشدد على ضرورة »خروج المستعمر» ودعم الاستقلال وإلا فانه سوف يهدد هذا المجتمع بالانتحار. سلوك مرضي وهذيان له ما يبرره مع سيلان الريق.

ادوية باهظة الثمن

ويعزي الاستاذ محمد فاضل مراد ذلك الى نوعية الادوية ذات التأثير على سلوك المرضى الى حين لكنها مساعدة بدرجة اولى على العلاج والاسترخاء والنوم الهادئ دون كوابيس. لا جولات في الكواليس وهنالك ادوية لا تسبب في سيلان اي مادة من الفم مثل اللعاب لكنها باهظة الثمن وتصل بعض اقراصها الى 234 دينارا للعلبة الواحد...

سيجارة... سيجارة

تتوغل اكثر في هذا الفضاء لتعرج على قسم الاستعجالي حيث تستمع الى جدل مرح بين هذا المريض وذلك الممرض ينتهي باتفاق بسيط على »اقتراض» سيقارو وحيد لا علبة سجائر كاملة ويذعن الممرض لطلب المريض ضاحكا، راضيا، ويخرج للمريض الولاعة ويتدرج الى زاوية تحت شجرة ولن يهمل ما تبقى من السيجارة بل يضعها في وعاء اعدّ للغرض. هنا في هذه الصيدلية على الجانب الايسر من مدخل المستشفى اكثر من سبعة مساعدين صيدليين يقدمون الادوية حسب الوصفة الطبية وتلم هذه وتلك على التثبت من الادوية وطريقة استعمالها. والعودة الى مراجعة الطبيب بعد تناول كافة الاقراص. لكن هذه العجوز تبدي امتعاضا من هذه الادوية ولن يفشل الابن في اقناعها بضرورة تناولها بأمر من الطبيب المباشر وتعرج الى يسار الصيدلية لتدخل الى قاعة الانتظار واستقبال المرضى...

في قاعة الانتظار

كراسي متعددة ومثبتة بعناية والوانها صفراء وحمراء دون احالة الى طبيعة ميولات المرضى الكروية. ترى البعض متسمرا امام التلفاز يشاهد برامج الصغار من صور متحركة وصور متحررة قد تتناقض وطبيعة بعض المرضى من جراء المرض والمعاناة. لكن هذه القاعة لا تستقبل المرضى المقيمين فقط. بل هي مفتوحة على امراض متعددة يباشرها اكثر من 50 طبيبا في اختصاصات مختلفة مثل الطب الباطني والامراض العصبية وطب الاطفال...

والمقصود بطب الاعصاب تلك الامراض المتعلقة بالدماغ وطريقة عمله وهو قسم تأسس منذ اكثر من 3 سنوات ويستقبل اكثر من 10 آلاف حالة في السنة والتخطيط للدماغ يساهم في تشخيص الحالات وللتفريق بين المرض العصبي والمرض النفسي. ومن الامراض المتفشية والتي يتابعها عدد محدود من الاطباء إذ يشكو القسم من نقص الاطار الطبي وشبه الطبي المختص، نذكر الصداع والارتعاش والصرع...

حقيقة مرض الموظفين

الرازي جهة محكمة تستقبل الموظفين المرضى حقيقة والمتمارضين هنا يكتشف الاطباء ومنهم الدكتورة ماجدة شعور حقيقة مرض الموظفين ونواياهم الحقيقية ودرجة امراضهم وكيفية المعالجة وثمة تقارير سرية ترسل الى الادارات التي يتبع لها الموظفون... هذه السيدة تقدمت في السن وافنت عمرها كما تقول في خدمة الادارة وبعد 33 سنة احست بالارهاق زد على ذلك عدم تفاهمها وخلافاتها المسترسلة مع رئيس المصلحة في ادارتها مما سبب لها في امراض نفسية افقدتها »شاهية العمل» وشاهية الاكل. وانعكست على آدائها المهني والعائلي لذلك فهي ترغب في مواصلة الاجازة حتى التقاعد لكن الامر بيد الطب العمومي لا بيدها رغم شهادات طبية متعددة من اطباء الاختصاص الخصوصيين...

التثبت من الاجرام

كما يستقبل المستشفى وفي باب الطب النفسي الشرعي اصحاب السوابق والمتورطين في قضايا اجرامية للتثبت من صحة مرضهم النفسي ان وجد ويقوم الطبيب بمتابعتهم في حالات مختلفة والحوار معهم للتأكد من ان الجريمة قام بها مريض سوي... وذلك بطلب من المحاكم حيث يتحول الطبيب النفساني الى خبير. لكن النقاش والحوار قد يمثل القاسم المشترك للعلاج بين مختلف الاطباء والمرضى وثمة علاج جماعي يطول ممارسة الرياضة مع مؤطرين رياضيين خاصة لمرض الطب النفسي الشرعي..

انفتاح المستشفى

تزور الجناح العلمي من خلال قسم سليم عمار للتدريس والبحوث والذي تم احداثه منذ جويلية 2003 بتكلفة تناهز 500 الف دينار لينفتح على اطارات المستشفى ومرضاه على المؤسسات الجماعيةويؤمه عدد هام من الباحثين الذين وجدوا في المرضى حالات دراسة وتمحيص و»جرح وتعديل». تدخل فضاء قسم سليم عمار للتدريس والبحوث ويلفت نظرك معرض دائم للفنون التشكيلية مراوحة بين التجريدي والتشخيصي »البورتراي فتخال ان المؤسسة انفتحت على الفنانين التشكيليين المحترفين كانفتاحها على الجامعة لكن الجواب يأتيك من السيد احمد الطرابلسي المسؤول عن قسم التدريس والبحوث.

رسامون دون حدود

طارق العمري مريض ومقيم بالمستشفى منذ سنوات جادت قريحته بما رسم على لوحات مختلفة الاشكال والاحجم والالوان والابعاد والتصورات الرسم عند طارق العمري من الموجود وحسب المواد المتوفرة فلا يشترط لا القماش ومواد الرسم الزيتي بل اللوحة تناسب عنده انسياب الافكار والماء. مكتب المدير العام يفتح لاستقبال اهل البر والاحسان ممن يقدمون مساعدات للمرضى وادارة المستشفى تنظم سهرات رمضانية وانشطة ترفيهية للمرضى مع جوائز وهدايا، ذلك المكتب يضم بدوره لوحات من رسم المرضى لوحات تجد فيها المرضى المتعة والمتنفس وقد تجد هوى وصدى لدى جمهور المرضى في مستشفى يتحول الى ورشة ورواق تشكيلي وهذا ما يقتضي تغيير النظرة وفتح الآفاق.

هل للمريض النفسي حياة جنسية؟

يؤكد الاستاذ محمد فاضل مراد رئيس قسم ابن الجزار بمستشفى الرازي ان »الحياة الجنسية» للمريض النفسي غير طبيعية وغير سوية واحيانا يعاني المريض من العجز الجنسي مما تضطر العائلة المتصاهرة الى طلب الطلاق في عدة مناسبات. الممارسة الجنسية عند المرضى النفسانيين لا تتم وان تمت فبطريقة آلية ميكانيكية وهذا ما تتوقف عنده اذا ما رمنا محاورة هذا المريض اوذاك ولا تخرج الممارسة احيانا عن طلب الآخر مع غياب الرغبة لفترات معينة. 73% من المرضى من تونس الكبرى

وصل عدد العيادات بمستشفى الرازي خلال سنة 2004 الى 95 الف عيادة منها 7000 عيادة في شهر رمضان من السنة الفارطة وتتمكن العيادات الرمضانية من سنة الى اخرى لتفضيل المرضى للعائلة على المستشفى.

وتسجل السنة تلك احوالي 5050 اقامة بالمستشفى بمعدل اقامة 26 يوما لكل مريض مقيم تعزي ادارة المستشفى تراجع عدة المقيمين الى تطور الرعاية والعناية اثناء العيادات. وتشير المصادر نفسها ان 1/3 من المصابين بامراض حادة يمكن ان يعالجوا كما ان 73% من المرضى هم من ولايات تونس الكبرى.

86% من المرضى بين 15 و49 سنة 72% من المرضى يدخلون من تلقاء انفسهم» 22% منهم عن طريق الايواء الوجوبي 4% منهم بطلب من الغير» 70% من المرضى رجال 30% نساء 30% يشفى في (مدة علاج محدودة) كما تشير الاحصائيات الى وجود حوالي 450 مليون مريض في العالم» أما في تونس فان بحثا اجتماعيا اكد ان 9% من التونسيين اصيبوا بحالة اكتئاب تختلف في درجتها وان 1% اصيب كذلك بانفصام في الشخصية» 86% من المرضى بين 15 و49 سنة 13% منهم تتجاوز اعمارهم 50 سنة 2% اطفال دون 14 سنة

ناجح مبارك
جميع الحقوق محفوظة حقائق الموقع العربي

ليست هناك تعليقات: