٢٨‏/٢‏/٢٠٠٦

الامة والدولة

إشكالية العلاقة بين الامة والدولة
بقلم: د . وليد سعيد البياتي
albayatiws@hotmail.com

     منذ البدء قدم الفكر الاسلامي مفهوما مغايرا للامة، يتبنى مرجعية العقيدة الاسلامية والايمان بها كمعيار لعلاقة الفرد بالامة، فعندما يصرح القران الكريم قائلا: )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر( آل عمران/110 يقدم الاسلام كأمة متوحدة خارج مفاهيم القبلية والقومية الضيقة: )إن هذه امتكم أمة واحدة وأناربكم فاعبدون( الانبياء/92، عبر المعيار الايماني والاخلاقي لتحديد العلاقات بين الفرد والموجودات: )إن اكرمكم عند الله اتقاكم( الحجرات/13.
    نحاول في هذه المقالة تقديم مفاهيم تفسر القيم الترابطية بين الامة والدولة حسب الفهم الاسلامي لكل منهما، فالاسلام يفسر الامة من خلال التوحد في العقيدة باعتبار مصدرها الالهي، ومن خلال مفهوم الانسان الخليفة الذي تتحقق عبره الدولة الاسلامية، وإذا كانت المعايير الذي وضعها المؤرخون لتفسير مفهوم الدولة تتمثل في العوامل التالية:
1- وجود جماعة بشرية.
2- تحقق رقعة جغرافية تعيش عليها.
3- وجود قيادة فردية او جماعية.
    فانها لا تمثل كل العوامل المنطقية لقيام الدولة، وهي تفتقد الى تفسير العلاقة بين الدولة ومنشؤها ثم ديمومتها عبر حركة التاريخ، وهذا لايمكن ان يتحقق الا من خلال الترابط بين نشوء الدولة وحركتها وارتباطها بالقيم الالهية، ومن هنا يجب اضافة عوامل العقيدة، الاهداف والغايات، الحيوية والقدرة على التطور لتتكامل عوامل الدولة من خلال التفسير الاسلامي وانا اضع هذا التفسير لتحديد العلاقة بين الدولة والامة والعقيدة الالهية والتي تسعى عبر قيم الخلافة الالهية لتحقيق الغايات العليا من قيام الدولة، فالاسلام لاينظر الى الدولة ككيان منفصل عن الاهداف العقائدية، بل ان الغاية من الجعل الالهي للخلافة هو تحقيق ما هدفت اليه الخلافة الالهية منذ البدء والمتمثل بتجسيد العبودية لله الخالق، هذه العبودية والخضوع الذي لم يعرفه الكثير ممن صار يطلق عليهم جزافا لفظ الصحابة، فالخلافة لم تكن يوما برأي البشر، أوحسب الاهواء، فكيف تكون كذلك وهي جعل الهي: (وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لاتعلمون) البقرة/30، ومما يؤكد خصوصيتها الالهية هو مسألة العلم الالهي بمن يصلح للخلافة ممن لا يصلح لها فقال: (إني اعلم ما لاتعلمون)  الذي يؤكد تفرد الله وحده بالعلم في هذا الموضوع، اما سقيفة الخيانة وما تلاها من غصب الخلافة الالهية من النص الالهي لعلي بن ابي طالب امير المؤمنين، فتلك الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.
    منذ البداية حاول بعض ممن اطلق عليهم لفظ الصحابة فصل الامة الاسلامية عن الدولة عبر مفاهيم خضوع الامة للسلطة خضوعا لا يقبل النقاش، فتم وضع كم هائل من الاحاديث الموضوعة، والمزيفة لاجبار الامة على الخضوع للخليفة غير الشرعي الذي مثل راس الدولة الاسلامية، ومن هنا ظهرت احاديث مثل "اطع اميرك حتى لو ضربك واخذ مالك" وغيرها من الاحاديث التي كان معاوية يدفع لاجلها مئات الالوف من الدراهم والدنانير من بيت مال المسلمين ثم ظهور بدعة (تفضيل المفضول على الفاضل) وهو ما لا يقبله العقل السليم ولا الفطرة الصحيحة، وتم عزل الامة عن كل ما يتعلق بمنهجية الحكم، حتى ان اهل الشام لم يكونوا يعلموا ان للرسول الخاتم قرابة وأهل بيت وكانوا يظنون ان بني امية هم الاحق بالخلافة، وما ذلك الا بعد ان وضع معاوية حاجزا بين الامة والدولة. لقد اتسعت مساحة رقعة الدولة الاسلامية ليس حبا في نشر الرسالة ولكن من اجل المزيد من مال الفيء، والمزيد من الجواري والعبيد، ولهذا كان الاسلام في المناطق النائية ضعيفا، ويغلب علية التفكير المحلي والوضعي وثمة سوء فهم متعمد تجاه علاقة الامة بالدولة، فالعقيدة الاسلامية ترتب العلاقة من موقف توحد الامة والدولة وفق القيم الالهية تحقيقا لسببية الجعل الالهي، وغاياته المتمثلة في العبودية لله، غير ان اصحاب مدرسة الخلافة ساروا بالامر على غير هذا الطريق، فالامراء كانوا مشغولين بالاماء، وجمع الاموال تحت حجج تنسب الى الشرع الاسلامي، والعقيدة الاسلامية منها براء. والخليفة ابعد ما يكون عن العلم الالهي، والقضاة يصدرون احكامهم وفق هوى الخليفة، وبما يدفع من اموال الامراء وبيت المال، ومن هنا اسيء فهم العلاقة بين الامة والدولة والغايات.
فالدولة لم تكن يوما مجرد رقعة جغرافية يحكمها انسان ما، كما انها لم تكن مجرد فكرة تتجرد عن ترابطات الحياة، او انها خارج مفهوم حركة التاريخ، فثمة ترابط عضوي بين الامة والدولة والغايات التي تسعى اليها، فالعقيدة الاسلامية تنظر الى الدولة باعتبارها كيانا تتحقق عبرة افكار الامة في الوصول الى الغايات الشرعية، ومن هنا يفهم ان تكتسب الدولة شرعيتها من العقيدة الالهية، لا ان تسير العقيدة وفق منهج الدولة كما حدث بعد سقيفة بني ساعدة.
الرأي الآخر للدراسات - لندن    
  

ليست هناك تعليقات: