٣‏/٤‏/٢٠٠٦

أنا والقرامطة والبعث..

أنا والقرامطة والبعث..
طارق الخزاعي

من أجل أيضاح حقيقة تأريخية ترتبط بذاكرة المسرح العراقي وخوف من أن تطمرأو يأتي آخرون يدعون البطولة والثورية للمسرح العراقي متلحفين عباءة الثقافةوالمسرح وأغلبهم كانوا من ضمن جوقة كانت تطبل للنظام, سواء في المهرجانات الداخلية أو الخارجية بأسم المسرح العراقي وللأسف كان بعضهم اساتذة وفنانين كبار!!
حين قدمت من تأليفي واخراجي مسرحية....أنهض ايها القرمطي هذا عصرك... كاأطروحة تخرج من معهد الفنون الجميلة هبت وقتها عاصفة من نقاشات وحوارجرىء حول التاريخ وقراء ته من جديد وماذا يمكن للمسرح ان يقدمه من خلال الدراما ليعيد تحليله وصياغته من جديد في اسلوب عصري وعلمي, في وقت كان يصول ويجول الدعي الساذج خيرالله طلفاح بتفسير التاريخ حسب هواه مستغلا قرابته من النائب صدام حسين وعلاقته باأحمد حسن البكر رئيس الجمهورية آنذاك وكان الهجوم مركزا علي الحركات الفكرية في الأسلام ومنها القرامطة وحزمت أمري للتصدي لهذا الدعي الأحمق عبر مسرحية من تأليفي أواسط عام 1975, امتد هذا الجدل ليشمل أكاديمية الفنون الجميلة وبالذات دائرة النشاط الجامعي لتقوم بخطوة جريئة وهي أعادة أخراج النص بروءية جديدة من قبل المخرج ليث جعفرالأسدي وكوكبة شابة, جيدة من خيرة ممثلي المسرح بعد اكثر من سنتين...وتم عرض المسرحية علي قاعة مسرح أكاديمية الفنون الجميلة وتم استحصال الموافقات ألاصولية لذلك ولكن بعد ستة أيام وبناء علي نقد مسرحي سليم النية للناقد المسرحي المعروف حسب الله يحي في صفحة الثقافةلمجلة(ألف باء ) التي يحررها الصحفي جمعه اللآمي ويديرها الصحفي حسن العلوي... تم أيقاف العرض المسرحي والقاء القبض علي العاملين في المسرحية جميعا وانا أولهم وتم ايداعنا جميعا في دائرة الآمن العامة بأمررئيس الجمهورية العراقية أنذاك احمد حسن البكربالكتاب المرقم 1324\ج|1975 في 10|6|1976
تم التحقيق معنا بسرعة وسرية تامة في بناية قرب القصر الجمهوري ,الممثلين والمؤلف والمخرج والصحفيين جميعا من قبل سميرعبدالوهاب الشيخلي الذي كان رئيس الهيئة التحقيقية العليا لمجلس قيادة الثورة ( وزير الداخلية ) وتم أحالة كل من السادة أسماوءهم أدناه الى محكمة الثورة برقم الكتاب الصادر من مجلس قيادة الثورة برقم 8 في 26|6|1978 وبرقم الدعوي 399|ج|1968 وهم: طارق عبدالواحد الخزاعي, ليث جعفر الأسدي , حسب الله يحي ,جمعه الآمي, وكانت المحكمة برئاسة مسلم هادي موسي والمقدم الحقوقي داود سلمان شهاب والرائد الحقوقي علي جاسم عباس والمدعي العام الرائد الحقوقي طارق هادي شكر.كان ذلك صدمة كبيرة للفنانيين العراقيين والمثقفين, كذلك طلبة معهد واكاديمية الفنون الجميلة بل وكل المسرحيين العراقيين وألغيت طريقة منح أجازة النصوص في كل موءسسات الدولة بما في ذلك الفرقة القومية واصبحت من صلاحية وزارة الثقافة والاعلام وبلجنة من رئاسة الجمهورية!!
أمر البكر بتشكيل لجنة خاصة من رئاسة الجمهورية يديرها النائب صدام حسين من كتاب وأساتذة التاريخ في جامعة بغداد برئاسة الدكتور نزار الحديثي تكون الفيصل بيني كمؤلف وبين أراء واتهامات خير الله طلفاح مما اثار حفيظة كل الطلبة الذين تعاطفوا معنا جميعا وكذلك البعثيين الطيبين في الحزب وتحركوا ضمن هذا الشعور نحو قياداتهم الذليلة ولم يتوقفوا بل ذهبوا وقابلوا أبرز القياديين في القيادة القومية للحزب مثل منيف الرزاز والياس فرح وشبلي العيسمي وناصيف عواد وغيرهم لكن كان اشجعهم في الوقوف معنا كطلبة هو المرحوم منيف الرزاز الذي أعلن وبشجاعة ...أن خيرالله طلفاح لايمثل رأي حزب البعث!!! ودفع بالتالي حياته ثمنا لشجاعته وصدقه, وقد ألتقيت مع نجله المرحوم القاص موءنس الرزاز بعد اعدام والده وتحدثنا كتيرا حول ذلك...أستفز عنوان المسرحية كل قيادات الحزب وحصل اختلاف في وجهات النظر في القيادتين القومية والقطرية وكذلك في اللجنة الخاصة التي انتدبت من خيرة كتاب التاريخ في الجامعة وتم سحب كل الكتب التاريخية من المكتبات العامة أو الخاصة وشن الدرويش البعثي عزت الدوري حملة مسعورة علي القرامطة... وأودعوني في سجن خاص بتكريت لوحدة عسكرية, وحكمونا بمادة قانونية....هي الدعوة لأفكار تروج لتهديم حزب البعث والعروبة وأبسط حكم لها هو.. ألاعدام... ولم يجعلونا نوكل اي محامي لذلك ورغم محاولات اصدقائي في الدفاع عن أنفسهم أو حتي عن القرامطة فقد افتقدوا للمصادر التي تعينهم لعدم وجودها وبقي الوحيد.. أنا.. كمؤلف معتمدا على ذاكرتي وماتيسر لي من كتب وصلتني بالسر من أصدقاء شجعان كالناقد المسرحي عصمان فارس والكاتب عبدالجبار محمود السامرائي.كان الموقف صعبا وحرجا أن اواجه شراسة القاضي الذي كان يضغط عليه خيرالله طلفاح كي يحز روؤسنا كزنادقة وكذلك الرئيس البكر الذي أزعجه هذا النشاط والجراءة في موسسة بعثية هي الأكاديمية!!!جمعت دوائر الأمن والأسخبارات, معلومات دقيقة, عني كمؤلف وصودرت مكتبتي وحقق مع أخواني وراقبوا سكنات وحركات أصدقائي واخوتي ودامت جلسات المحكمة لاأكثر من مرة بفعل الصراعات والخلافات التي كانت تجري بين قيادة الطلبة والحزب وردود الفعل الكثيرة التي أنتابت الشارع الثقافي أنذاك!!وللتاريخ لم يقف معنا في هذا الموقف الأخلاقي والوطني والثقافي أية نقابة مسرح أو صحافة أو حزب أوموسسة أو فنان ماعدا الدكتور المرحوم المؤرخ طه باقرالذي طلب أن يكون شاهد دفاع لكنه منع من الدخول الى المحكمة وصديقي الوفي عصمان فارس....لآن الخوف كان يجتاح الجميع وكان الشاهد الوحيد علينا هو الاستاذ اسعد عبدالرزاق ,عميد كلية الفنون الجميلة وحضر شاهد بصفته عميد للكليه ووافق علي العرض المسرحي وهو لايعرف مامعني القرامطة واهدافهم...وكان مرتبكا جدا, خوف ان يتحول الي متهم.!! لقد أظهرت المسرحية رغم بساطة فكرتها وموضوعها وطرحها الدرامي هو أن حزب البعث لايمتلك نظرة أوفكر واضح وناضج في تفسير جدلية التاريخ العربي والاسلامي بل ولاتوجد دراسة أو تحليل أو رأي بشأن الحركات الفكرية في الأسلام وتفسيرها سواء وفق منطق ايديولوجي أو منطق تحليلي وجدلي...بل مجرد كتابات غيبية ساذجة ومثالية لاتتعدي الموضوع الأنشائي ماعدا اشارة سريعه للتاريخ العربي والاسلامي لكنها منصفة للدكتور منيف الرزازفي كتابه المسألة القومية. وهناك ملاحظة وددت أن اذكرها وحذرت أن اقلها أنذاك حتي لزوجتي وأخوتي, بعد اطلاق سراحي خوف القتل وهو...تم أقتيادي الى النائب صدام حسين وانا مغلق العينيين ووجهت لي اسئلة حول التاريخ وتفسيره وحول الحركات الفكرية في الاسلام كالمعتزلة والقرامطة وأخوان الصفا والغيلانية والمرجئة والمتصوفة واسعفني في ذلك حبي وشغفي للتاريخ والحياة وعدالة قضيتي وبعده باأيام عديدة من أطلاق سراحي ابصرت كتاب من تأليف صدام حسين بعنوان...أعادة كتابة التاريخ هو كل الكلام الذي جري بيني وبينه!!!
في هذه اللحظات التي أستعيد فيها ذاكرتي لابد أن اقف أحتراما وأجلالا للكوكبة الرائعة التي رافقتني في رحلة الموت والصدق الثقافي والفني ولن أنس كيف وقف معي في قفص ألأتهام... الناقد حسب الله يحي الذي كان غريم الأمس لي في النقد المسرحي وقال: ساظل معك حول رأيك في القرامطة الى أخر جلسة مهما كانت النتائج وكذلك جمعه اللآمي...أعبر عن فخري ,اعتزازي لتلك المجموعة الشجاعة من الممثليين والفنيين وهم : الممثلة وئام عبدالسلام والممثليين: محمود شنيشل,كنعان علي,موفق عبدالحميد,سعد محمدأبراهيم, محمود نجم , منير يوسف , مجيد حميد, رعد جبار, عبدالحسين أبراهيم , حميد علي,سمير عباس, جودت عبدالستار,عبدالسميع عبدالحق,نوري صالح, ميسر علي أحمد,جلال جميل,عبدالغني مصطفي, الذي هم الان اساتذة وخبراء في المسرح العراقي . وقد حاول البعض بدوافع النوايا الصادقة مني ومن الآخريين بأن نذهب ألي خير الله طلفاح لنطلب المغفرة منه ولكني شخصيا رفضت بشدة هذا الأمر وأعتبرت كل من يذهب لطلب المغفرة خائن للآمانة والتاريخ وفعلا وافق الجميع وأولهم المخرج ليث ألاسدي الذي هو نفسه نقل لي هذا الخبر أو الراي الذي أستهجنته ورفضته,بعد ذلك ونتيجة أنصاف بعض كتاب التاريخ في الجامعه وكرههم الشديد لخير الله طلفاح وأنتشار القضية بين أواسط المثقفين وخارج العراق تم أغلاق القضية وأطلاق سراحنا جميعا وفق قرار رئاسة الجمهورية بكتابها المرقم 10077 في 27|2|1978 وفق المادة200|ب| من ألأصول الجزائية.....لقد تم تقديمي أنا واشرف مجموعة مسرحية لاأعلي محكمة في البلاد وهي ظاهرة لم تحدث منذ فجر تاريخ المسرح عند اليونان والي يومنا هذا لاأي فرقة أو مجموعة مسرحية , أمنت بأن العمل المسرحي هو أبداع وتجديد وتصحيح لمسيرة التاريخ كي نتجنب السقوط كاأمة ووطن, وكانت صرختي هو أن المسرح أقرب الفنون الناطقة لتجسيد هذه المقولة في وجه اليمين السياسي التقليدي الذي يفسر مسيرة التاريخ من خلال منظور فردي وغيبي وقد حذرت الحكومة والحزب أنذاك من أن الفكر اليميني سيجر البلاد الي فاجعة كبري وهزيمة منكرة وسيأتي( هولاكو) جديد لبغداد,و لحكم العراق ولن ينفع كل الذهب والقصور التي أنشأت في در خطره...لقد حوت المسرحية علي روءية عصرية لكل الصراعات التي كانت تجتاح الوطن العربي وأتخذت من القرامطة نموذجا ورمزا لبناء الأشتراكية وحذرت الحزب من أن يتحول ألي أداة قمع مثل استبداد الخليفة العباسي المقتدر بالله وجنده وشرطته ولكن أغلب الأصوات النقية تضطهد!!. والمشكلة أن الذي لايصغي يحاول أسكاتك وقمعك وبالتالي يصبح هو نفسه ..نفاية...في مزبلة التاريخ سواء أكان حزب أو فرد.
* كاتب المسرحي
lund1000@hotmail.com

WWW.MASRAHEON.COM :: اطلع على الموضوع - أنا والقرامطة والبعث..طارق الخزاعي.

ليست هناك تعليقات: