٣‏/٤‏/٢٠٠٦

رمزي ناصر .. ليس على الشِّعر أن يركع على ركبتيه كي يصل إلى النَّاس

الفلسطيني الذي نُصِّب شاعراً لمدينة بها أكبر كثافة يهودية في بلجيكا!
"رمزي ناصر": ليس على الشِّعر أن يركع على ركبتيه كي يصل إلى النَّاس
عماد فؤاد

لم يكن لأحد أن يتخيل أن يصل هذا الممثل الفلسطيني الأصل الهولندي الجنسية إلى أحد أهم الشعراء في اللغة الهولندية، فبعد ظهوره في العديد من الأدوار السينمائية والمسرحية في هولندا وبلجيكا، أصدر "رمزي ناصر" في العام 2000 مجموعته الشعرية الأولى "27 قصيدة من دون أغنية واحدة" “27 Gedichten & Geen lied”، والتي نصَّبته واحداً من أبرز الشعراء في بلجيكا وهولندا، خاصة بعد أن رُشحت مجموعته هذه لأكثر من جائزة، من أهمها جائزة “C. Buddingh” الهولندية الشهيرة، وفي الأسبوع الأول من صدورها بيع منها أكثر من 2000 نسخة، وكانت أغلب قصائدها تتحدث عن الحب بشكل جديد على اللغة الهولندية، حيث تناوله لموضوعات فلسفية معقدة ينتهي بها إلى مفارقات لغوية تقترب في أحيان كثيرة من السخرية السوداء، أما على مستوى التمثيل والمسرح فقد قدم "رمزي ناصر" العديد من الأدوار السينمائية في أفلام بارزة من أهمها "الرجل مع الكلب" و"ماريكن" “Mariken”، وكشاعر مثَّل هولندا في أكبر المهرجانات الشعرية في أوربا ومن أهمها مهرجان الشعر العالمي “Poetry International Festival” الذي يقام سنوياً في مدينة روتردام الهولندية.

الذي يدفعنا اليوم إلى الكتابة عن "رمزي ناصر"، هو تنصيبه في السابع والعشرين من يناير الماضي، وفي يوم الشعر في بلجيكا وهولندا، ليكون شاعر مدينة "أنتورب" البلجيكية لعام 2005، في حفل التنصيب تسلم "رمزي ناصر" مفتاح المدينة ليكون أول شاعر من أصل عربي ينصَّب شاعراً لإحدى المدن الأوربية، هذا المنصب الذي استحدثته مدينة أنتورب قبل عامين فقط، وكان أول من تم اختياره ليكون شاعر المدينة في 2004 هو الشاعر البلجيكي الشهير توم لانوا “Tom Lanoye”، هذا المنصب يتطلب من الشاعر الذي يتقلده أن يقدم ست قصائد للمدينة يكتبها أثناء تقلده المنصب، وعلى المدينة أن تكتب قصائد شاعرها على حوائط ميادينها وبناياتها السياحية كي يقرأها الناس، إضافة إلى إقامة أمسيات شعرية للشاعر في العديد من المراكز الثقافية والجامعات وطباعة كتبه في نسخ شعبية تتاح للجميع، والمفارقة المدهشة في اختيار "رمزي ناصر" لهذا المنصب، هي أنه فلسطيني الأصل، والمدينة التي سيكون شاعرها المتوج لعام كامل هي واحدة من أكثر المدن الأوربية التي تحظى بكثافة سكانية لليهود المتشددين، جاءت هذه المفارقة لتفتح أبواب جهنم ضد شاعرنا، وزاد هو الأمر سوءاً حين كتب قبل تتويجه رسمياً شاعراً للمدينة مقالاً نشر في أكبر صحيفتين في هولندا وبلجيكا يناقش فيه الأوضاع غير الإنسانية التي يحياها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الصهيوني، لم يتوقف "رمزي ناصر" فقط أمام رصد بارد لهذه الظروف كغيره من الصحافيين، وإنما أشار إلى المساندة القوية والعلاقات التجارية التي تربط بين هولندا ودولة إسرائيل، بل قال بشكل واضح إن هولندا الآن بالنسبة للدول العربية هي إسرائيل الثانية في أوربا، نشرت هذه المقالة في منتصف أكتوبر 2004، أي قبل أن يتسلم "رمزي ناصر" مفتاح المدينة التي سيكون شاعرها، وفي الوقت الذي كانت هولندا فيه ترأس الاتحاد الأوربي، وهو ما فسره البعض بأن "رمزي ناصر" إنَّما وجه ضربته بذكاء إلى البلد الذي يحمل جنسيته، هذه المقالة دفعت الجماعات الصهيوينة في هولندا وبلجيكا إلى الانقلاب عليه، واتهامه بأنه يتعامل مع إسرائيل بعنصرية لا تسمح له بأن يكون شاعراً لمدينة بها كل هذا العدد من اليهود، وبدأت الأصوات تعلو لتطالب بعدم منحه لقب شاعر "أنتورب" لأنه ليس شاعراً بقدر ما هو سياسي عنصري!

يعترف "رمزي ناصر" بأنه لم يكن يتوقع أبداً أن تُحدث مقالته كل هذه الضجة، وقال: "لم أكن أبحث عن تضخيم للصراع القائم أصلاً، بقدر ما كنت أبحث عن حل يمكن عليه بناء سلام عادل للطرفين، وأنا لست شاعراً سياسياً كي أكتب شعراً عن الصراع الراهن في الشرق الأوسط، طالبت في مقالتي بزوال الاحتلال الإسرائيلي من المناطق الفلسطينية والعودة لحدود 1967، وإزالة السور العازل الذي بنته إسرائيل لا لتفصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين، وإنما لتفصل الفلسطينيين عن الفلسطينيين، حكيت في المقالة عن والدي الفلسطيني الذي جاء من قرية صغيرة في الضفة الغربية، هذه القرية التي رأيتها للمرة الأولى وأنا في الثانية والعشرين من عمري، حين رأيتها في العام 1996 لم تكن تلك القرية التي حكى لي أبي عنها، وإنما كانت مدينة إسرائيلية تحمل اسم "آرييل" يسكنها 45 ألف مستعمر إسرائيلي"، لم يتصور شاعرنا أن تنقلب ضده الآراء بهذا الشكل لمجرد أنه قال رأيه بصراحة، ولكن مؤازرة عدد كبير من الشعراء الهولنديين والبلجيكيين له جعلته أكثر تماسكاً، وكان على رأس الشعراء الذين ساندوا "رمزي ناصر" الشاعر البلجيكي توم لانوا “Tom Lanoye” الذي أعلن أن هناك لوبي يهودي يتكتل ضد ترشيح "رمزي ناصر" لمنصب شاعر "أنتورب" وعلى رأس هذا اللوبي السفير الإسرائيلي في هولندا، وإضاف أنه حين كان يشغل منصب المدينة نفسها قبل "ناصر" لم يمنعه أحد من قول رأيه في أية قضية مهما كانت درجة حساسيتها، وهو ما يعني أن ردة الفعل ضد "ناصر" لم تكن إلا عنصرية واضحة لمجرد أنه فلسطيني الأصل، وعلق "ناصر" على هذه الضجة قائلاً: "جعلتني هذه الأزمة أكتشف كم هو مؤلم أن يكرهك الناس لمجرد أن اسمك عربي، أنضجتني هذه التجربة، وجعلتني أيضاً أكثر شجاعة من قبل".

ولد "رمزي ناصر" في مدينة روتردام الهولندية في الثامن والعشرين من يناير 1974 لأب فلسطيني وأم هولندية، ثم ترك هولندا ليعيش في مدينة "أنتورب" البلجيكية حيث درس المسرح، وهي المدينة التي يقيم فيها منذ 13 عاماً، بعد مجموعته الشعرية الأولى وفي العام 2001 أصدر "رمزي ناصر" روايته الأولى "كابتن زايكسنور وثقافتين" “Kaptein Zeiksnor en twee culturen”، وكان من الواضح أنه يكتب فيها خصوصية وضعه وولادته بين ثقافتين، لكنه سرعان ما عاد للشعر في العام 2004 وأصدر مجموعته الشعرية الثانية “Onhandig Bloesemend” والتي يمكن ترجمة عنوانها إلى "الإزهار الساذج"، في هذه المجموعة تجلى واضحاً الفارق الشاسع بين لغتها ولغة مجموعته الشعرية الأولى، أصبح "رمزي ناصر" شاعراً ثقيلاً وذو مرجعيات شعرية واضحة ونقية، بدا صوته أكثر صفاء وقدرة على التعبير عما يريد قوله، في هذه المجموعة الشعرية تناول "رمزي ناصر" مقطوعات الموسيقي الألماني روبرت شومان”Robert Schumann” ((1810-1856 وحول موسيقاه إلى أغان وقصائد في لغة ترصد اللحظة الراهنة، هذه المزاوجة لم تتوقف فقط عند هذا الموسيقي الألماني بل وصلت في منتصف الشعرية إلى موسيقي آخر هو الروسي ديمتري شستاكوفتش “Dmitri Sjostakovitsj” (St.-Petersburg 1906 – Moskou 1975)، جعل "رمزي ناصر" هاذين الموسيقيين يتحدثان في قصائده ويحولانها إلى مونولوج مسرحي، بعد صدور هذه المجموعة كتب عدد من النقاد في بلجيكا وهولندا ليؤكدوا على أن "رمزي ناصر" قدم واحدة من أهم المجموعات الشِّعرية التي صدرت في اللغة الهولندية خلال السنوات العشر الماضية.

يقول "رمزي ناصر" عن شعره: "أكره أن يطلق عليَّ شاعر رومانسي، الشعر الذي أكتبه أبعد ما يكون عن كلمة الرومانسية، ومن يرونني شاعراً رومانسياً لم يفهموا كتابتي على وجهها الصحيح، شعري هو أنا، بكل تناقضاتي وتعقُّد شخصيتي، أرى أن الشعر له مكانته الرفيعة والعالية، وليس عليه أن يركع على ركبتيه كي يصل إلى الناس، على الشعر أن يظلَّ عالياً وعلى من يريده أن يذهب هو إليه، وأنا لست من الذين يؤمنون بأن هناك رسالة ما للشعر، والشاعر ليس نبياً كي يعلِّم الآخرين أو أن يشعر بما لا يشعرون"، وعن الفارق الذي يشعر به بين مزاولته الكتابة الشعرية والتمثيل، يقول: "ما شدَّني للشعر والكتابة بوجه عام، هو أن ذاتك تختفي تماماً وأنت تكتب، لا يبقى منك سوى ما تكتبه، أما في التمثيل، فمهما كانت عبقريتك وأنت تجسد دورك، يبقى جسدك موجوداً ليدل عليك، جسد الممثل هو سجنه الحقيقي، أما الشاعر والكاتب بعامة فهو متحرر من كل شيء إلا نصه، أن تذهب من نفسك لتدرس التمثيل معناه أن بداخلك قناعة ونرجسية تفيد بأنك موقن بأن بداخلك القدرة على جذب انتباه الناس والتأثير عليهم، أما الشعر فلا يُدرَّس، أكتب وجعي في الشعر، وسعيد بأنني قادر على هذا، هناك من يدفعهم وجعهم وآلامهم إلى إلقاء أنفسهم من فوق ناطحات السحاب أو تحت عجلات قطار بريء، أما أنا فقادر على تحويل آلامي وأوجاعي إلى فن يقرأه الآخرون".

عن "النهار" البيروتية
23 آب - أغسطس 2005
رمزي ناصر .. ليس على الشِّعر أن يركع على ركبتيه كي يصل إلى النَّاس.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

rania alharthi :
plz can you send ramzi naser`s e-mail.
thank you
e.mail:freedomraniah@yahoo.com