٢٩‏/٦‏/٢٠٠٦

الى ( صفيحة ) المدى وجاراتها : درس في الأمانة الثقافية

جمال علي الحلاق
beladalhallak@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 1596 - 2006 / 6 / 29

مرغما أجدني على الكتابة دون رغبة فيها ، يجرّني تأريخ ظاهر تتغافل عنه أعين كثيرة ، وحتى لا اتكيّف مثل الخيانة ، اقرّر الكتابة في الموضوع حتى ولو تقزّز وبر الابل .

لا اتحدّث عن الصحافة تحديدا ، بل عن الممارسة التي تتكرّر مع الشهيق والزفير ، اقصد كيفية التعامل مع رأي الآخر .

من فائض القول ان الدكتاتورية الطويلة جعلت الكثيرين من أزلامها بأضلاف جارحة ، لكن ما يؤرقني هنا ، هو استمرار الضلفيات على ممارسة دورها القديم ، فقد تحوّل فيها الى طبع .

أذكر ، يوم كنا في بغداد ، فرج الحطاب وعباس اليوسفي وانا ، قاطعنا الصفحة الثقافية لصحيفة الجمهورية ، بل واطلقنا عليها تسمية ( الصفحة الامية ) ، واطلقنا على مسؤولها - الذي يأخذ الآن مركز سكرتير تحرير المدى - ( مسؤول الصفحة الأمية ) ، لا نذكر الإسم ترفّعا .

كنا لا ننشر في الجمهورية ، وكان ما ينشر عنا فيها يقسم الى قسمين :

1- ما يكتب ضدنا بدفع من مسؤول الصفحة الأمية ، ينشر كاملا مصحّحا سليما من كلّ خطأ طباعي ، كمقالة ( علي بدر ) عن التسعينيين بعد ان اصدرنا بلا موافقة رسمية بياننا ( الرؤيا الآن ) عام 1997 ، واعتبروه جرثومة على الثقافة العراقية يومذاك .

2- ما يكتب عنا بحيادية تامة فإنه يمرّ الى إحدى ثلاث ممارسات :


أ – يرمى اذا كان إذا كان صاحب المقال ليس معروفا لديهم .

ب- ينشر بعد ان يتم رفع جمل كثيرة حتى تتحوّل الدراسة او المقال الى ما يشبه الكلمات المتقاطعة ، ويتم تصحيف العناوين قصدا ، أذكر هنا أن كاتبا وأظنه ( عيسى الصباغ ) كتب دراسة عن كتابي ( تقدم ايها الخرف _ 1999 ) ، واستثمر العنوان كعنوان لمقالته ، فجاءت ( تقدم ايها الخزف ) ، يومها عاتبت ( عبد الامير المجر ) وكان رئيس قسم التصحيح في الجمهورية ، فأجابني : ماذا أفعل لقد نزل العنوان بتوصية .

ج - وفي حال كون كاتب الدراسة اسما معروفا ، فإن الدراسة تتأخر كثيرا ، ويستخدم معها اسلوب ( النشر بالتقسيط ) فتنزل على دفعات متباعدة ، وبهذا تموت الدراسة ويموت تأثيرها ، أذكر هنا الاستاذ ( باقر جاسم محمد ) ، وكان كتب دراسة مهمة عن ( صعادات ) مجموعتي الثانية في بغداد ، وأخبرني أنها ستنشر في صحيفة الجمهورية ، قلت له يومها : لن تنشر ، وإن نشرت فسوف يتمّ حذف الكثير منها ، سيتمّ تشويهها . وما حصل أنني قرأت القسط الأول منها فقط .

هذا ما كان يحصل معنا في بغداد أيام زبيبة والملك .

وأكل الملك زبيبته التي ضاهت هكذا تكلم زرادشت كما وصفها سكرتير تحرير المدى الحالي يومذاك ، وكنا نعلّق يومها بأن يكون الحاج زبالة - صاحب أهم عصير زبيب في شارع الرشيد - الموزع الوحيد للكتاب .

وتأملنا أن يجرف التغيير قمامة الأرض ، لكن ما حصل أن الطوفان أضاف الى قمامة الأرض قمامة السماء .

لماذا اكتب كلّ هذا أنا البعيد قارة ومحيطا ؟
بعث لي الجميل ( محيي المسعودي ) ايميلا يخبرني فيه : " اليوم نشرت لك المدى العراقية ورقتك في مؤتمر سدني للشعر حاول الاطلاع عليها من خلال الانترنت "
وهو يقصد دراستي الاخيرة ( الشعر العراقي الحديث : قراءة اجتماعية ) ، التي ألقاها - بالانجليزية - نيابة عني الجميل محسن بني سعيد في مهرجان سدني للكتاب ، وكانوا قد خصّصوا جلسة كاملة للشعر العراقي ، كنا ( ظافر عويد وفاضل الخياط وانا ) ، وقد حقّقت الجلسة نجاحا جميلا ، أكثر من مائة وعشرين مستمعا من جنسيات كثيرة جاءوا ليسمعوا شيئا عن العراق ، حتى انهم طلبوا منا اعادة الجلسة في شهر تموز القادم .

وكنت قد نشرت الدراسة على موقع الحوار المتمدن http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=66182 ، ثم نشرت كاملة في صحيفة الديار الاردنية بعد يوم من القائها في سدني .

الذي فاجأني ، ان صحيفة المدى استخدمت نظام التقسيط القديم ، http://www.almadapaper.com/sub/06-703/p13.htm#1

ولم تكتف بذلك ، بل ( قرضت ) القسم الأول من الدراسة ، وشوّهت رأيي الشخصي تجاه الجواهري .

يبدو أن مجسّات التحسّس أصبحت في غاية الشفافية على حدّ تعبير الشاعر ( فرج الحطاب ) !

كيف أقرأ هذه الممارسة ؟

قبل يومين قلت أمام قرابة مائة إنسان من جنسيات كثيرة : الطغاة لا يتعلمون ، كلّ واحد منهم يكون ابتداء ، وهنا تكمن المأساة .

واليوم أقول بلسان فصيح : الأميّة لا تتعلم أبدا ، والكارثة أنّ لها من يحتضنها دائما ، الأميّة جندي أعمى جعلوه قناصا على مرّ التاريخ .

ما الفرق بين ان تجعل نفسك سيفا على رقاب الآخرين ، أو أن تجعل صمتك البليد نافذة لتشويه آراء الآخرين .

قالت لي صديقة خليجية وقد أحسّت قرفي : الحمد لله ان الدراسة نشرت كاملة في اماكن عديدة . ماذا لو لم تكن منشورة أصلا ؟

هنا تكمن خطورة الممارسة ، عندما يتمّ قمع أصوات لا منفذ لها ، عندما يتمّ تشويه الحقائق التاريخية ، عندما تلتفت فلا تجد غير الضلفيات !

من العادي جدا ان يكون لك وجهة نظر مختلفة ، لكن ، ان تفرض قراءتك على الآخر ، فإنك تجذّر لعنف يدوم ، خصوصا أنك لا تمنح الآخر حقّ الإعلان عن رأيه كما هو ، ثمّ ، كيف تبيح لنفسك ما لا تحتمله من الآخر ؟

قلت في ( صعادات – 1997 )

" لا يحقّ لأحد
ما لا يحقّ لي "

أقول لصحيفة المدى وجاراتها ، عندما نمتلك الجرأة على نشر الكلمات كما هي فلننشر ، أو فلنبتعد عن التشويه ، الذي لا يمكن الا ان يكون متعّمدا .

الوعي البديل ، الذي نحلم أن نراه على الشارع العراقي ، لا يمكن ان يتحقّق عبر آليات نسف الآخر أو تشويهه .

أشهد أنني كنت حرّا ، خرجت على الطوق وأنا في بغداد أيام زبيبة وطباليها ، وخرجت على الطوق وانا في عمان ، وما عاد لحضوركم الثقيل ثقلا ، لكنني أتألم لمن هم
هناك ، يعيشون معكم ، ويتأملون حياة أفضل

ليست هناك تعليقات: