١‏/٨‏/٢٠٠٦

جوليا...صوت أمل أم نذير شؤم؟

GMT 4:30:00 2006 الثلائاء 1 أغسطس

إيمان ابراهيم


  إيمان إبراهيم من بيروت: وقفت بكل ثقة وعزّة أمام مقر الأسكوا، الذي كان يتعرّض لعمليات تكسير احتجاجاً على تقاعس الأمم المتّحدة عن إيقاف دورة العنف، التي تقتل الأبرياء بعد ساعات قليلة على مجزرة قانا، وجّهت تحيّة صادقة إلى المقاومين، ولم يفت جوليا تسجيل موقفاً سياسياً من الحرب الدّائرة، فوجّهت تحيّة إكبار إلى السيّد حسن نصر الله، ولم يخلو خطابها العفوي من عتب شديد على الأمم المتّحدة.
 ذكّرتني وقفتها في تلك السّاحة التي اشتعل فيها الغضب الشّعبي، بظهورها قبل أكثر من عام عبر شاشة "الجزيرة"، في مقابلة خاصّة، دافعت فيها عن سوريا في عز تأجّج الغضب الشّعبي اللبناني ضد النّظام السوري إثر اغتيال الحريري، دافعت بشدّة عن العمّال السّوريين الذين كانوا كبش المحرقة حين طالتهم شرارة الغضب الشعبي، ولم يفتها هذه المرّة أيضاً تسجيل موقفاً سياسياً، هي المواطنة اللبنانيّة التي تنتمي إلى بيت لم يخف يوماً توجّهاته السّياسيّة، التي كانت ولا تزال تختلف مع محيطه.
لم تجامل ولم تحاول السّير بين الألغام لتجنّب موقف قد يورّطها مع جمهورها لاحقاً، وكأنّها تقول "أحبّوا فنّي فهو لكم، أمّا أفكاري فدعوها لي".
لذا كان صوتها عنوان انتفاضة الاستقلال التي لم تكن لتعترف بها، وأغانيها لا تزال عنواناً أي انتفاضة شعبيّة، أو أزمة وطنيّة، أو مجزرة وحشيّة، حين أصبحت الأغاني الوطنية مرادفاً لأصوات المدافع والحداد العام، حين علّمتنا الحرب أن نكره جوليا ومارسيل وأحمد قعبور، بوصفهم فنّاني حرب، ونذير شؤم، عوضاً عن أنّ نحبّ صدق أغانيهم التي كانت عنوان مرحلة الحرب والسلام وما بعدهما.
في بلد يضمّ 18 طائفة، اعتاد الفنّانون على إخفاء انتماءاتهم السّياسيّة وأحيانا الطّائفيّة، حيث يستبدلون أسماءهم ذات الطّابع الديني بأخرى حياديّة، والماضي شاهد على أفول نجم معظم الفنّانين الذين ارتبطوا بأحزاب لبنانيّة خلال الحرب، مثل الفنّان عازار حبيب الذي ارتبط اسمه بحزب القوّات اللبنانيّة، وربيع الخولي الذي التصق اسمه باسم الجنرال عون عام 1989، ليأفل نجمه بعد نفي الجنرال إلى فرنسا، قبل أن يعود ويقرّر اعتزال الفن، أمّا الفنّان مارسيل خليفة الذي ارتبط اسمه بالحزب الشيوعي، فقد عانى الأمرّين خلال الحرب من تبعات هذا الانتماء، ومنع من زيارة بلدته عمشيت طوال الحرب اللبنانيّة، غير أنّ روعة موسيقاه، وتخطّيها الطّابع الحزبي، جعلته فنّاناً لبنانياً شاملاً، فلم يأفل نجمه مع تراجع أسهم الحزب في الحياة السياسيّة اللبنانيّة، مثل الفنّان الراحل زكي ناصيف، الذي غنّى للجنرال عون في ما أطلق عليه حينها اسم "حرب التحرير" عام 1989 أغنية " عونك جايي من الله"، و"رح نبقى هون"، غير أن تاريخه الوطني لم يحصره في قالب سياسي معين، بل ظل فناناً وطنياً جامعاً، حيث أصبحت أغنيته "راجع يتعمر لبنان" أشبه بنشيد وطني.
أمّا الفنّان أحمد قعبور، فكان انتقاله مريباً من الخط اليساري إلى الخط الرأسمالي المتمثّل حينها بتيار المستقبل، حين انضمّ إلى تلفزيون "المستقبل" مطلقاً أغنيته الشهيرة "البلد ماشي والشغل ماشي والحكي ماشي، ولا يهمّك"، التي عزفت على وتر الوجع اللبناني المتمثل بالبطالة، وكانت ردود الفعل السلبيّة دافعاً ليعلن قعبور عن ندمه، خصوصاً أنّه لم يكن يهدف إلى إثارة الرّأي العام بقدر ما كان يهدف إلى إثارة روح التفاؤل.
ويبقى للفنّانة الكبيرة فيروز وضعاً خاصاً، فهي كانت ولا تزال فوق الانتماءات السياسيّة والطّائفيّة، حيث ظلّت متمسّكة ببيتها في منطقة الرّوشة، في أقسى مراحل الحرب الطّائفيّة، ورفضت مغادرة لبنان أسوة ببقيّة الفنّانين، وكانت الصوت الوحيد الذي يجمع أشلاء وطن ممزّق، وما يزال اللبنانيون يذكرون جملتها الشّهيرة في إحدى حواراتها النّادرة حين قالت "يؤسفني أنّ اللبنانيين يحبّونني ويكرهون بعضهم".
وتستمر الحرب على لبنان، ولا تجد محطّاتنا بداً من إخراج أرشيفها المعدّ لأيّام النكسات والأزمات وما أكثرها، يعود صوت فيروز ومارسيل وجوليا وماجدة الرّومي وأحمد قعبور ليرافق أمسياتنا المظلمة، المكفهرّة، يحاكي قلقنا من غد قد لا يأتي.
لذا قامت جوليا بعد انتهاء الحرب بمحاولة لتصحيح صورتها كفنانة شاملة، غير أنّ أغانيها الوطنيّة تبقى أرسخ في الذاكرة الشعبية اللبنانيّة، التي كلّما لاحت بوادر أزمة وطنيّة، وما أكثر الأزمات في وطني.

ليست هناك تعليقات: