٩‏/٩‏/٢٠٠٦

 

 

علم  العراق بين الشرعية والرفض *

{رؤية قانونية}

فارس عبد الستار البكَوع *

 

أبدأ وقبل الدخول في صلب الموضوع، شخصياً لا اعترض على استبدال العلم العراقي أو شعاره أو نشيده الوطني فمن حق أي دولة تتمتع بالسيادة والاستقلال، اختيارها العلم والشعار والنشيد الوطني المناسب، وكذلك لها استبدالهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

لكنني اختلف واعترض على الطريقة والتوقيت في عملية الاستبدال، فمن المعلوم أن مجلس الحكم وفي وقت لاحق اقر ما يسمى بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أو الدستور المؤقت للبلاد والذي نص في المادة الثامنة منه على (يحدد علم الدولة ونشيدها وشعارها بقانون)، وحدد الباب الرابع من القانون في المادة (30) وما بعدها السلطة التشريعية كيفية عملها وطريقة تشريع القوانين فضلا عن طريقة الترشيح لها وكيفية التصويت على مسودات القوانين، ولما كان العلم الذي تم اعتماده من قبل مجلس الحكم لم يراع في إقراره واعتماده الأصول القانونية وكذلك الحال بالنسبة للشعار وصدوره دون الاعتماد على التشريع الذي ينظم ذلك (قانون علم وشعار الدولة) لكونه لم يسن أصلا لعدم وجود السلطة التشريعية (الجمعية الوطنية) عليه فان هذا التغيير غير المبرر دستورياً وزمانياً لا محل له في الوقت الراهن وكان على مجلس الحكم رغم اعتمادهم للعلم بالأكثرية، وليس بالإجماع أن يستشعروا ويلتمسوا رأي الشارع العراقي بجميع أطيافه ومن ثم الإقدام على التغيير.

لماذا الإصرار على التغيير؟

الملاحظ إن كل عضو من السادة أعضاء مجلس الحكم ممن نالوا شرف الرئاسة الدورية للمجلس ترك بصماته على العراق وشعبه خلال فترة رئاسته القصيرة للمجلس، ويتضح ذلك بوضوح عبر القرارات الصادرة عن المجلس مثل قانون الأحوال الشخصية الذي قوم الدنيا ولم يقعدها إلا بإلغائه أو اتفاقية مع سلطات الاحتلال اثبت الزمن تعثرها رغم التدخلات الدولية واخر يوقع في ولايته أهم وثيقة تحدد وضع العراق المستقبلي والى غير ذلك من القرارات المصيرية والمعدة سلفا من قبل كل شخصية من أعضاء المجلس لفرضها على الشعب العراقي في ضوء الظروف الحالية وبتبرير المرحلة الانتقالية. ولعل اكثر شي آثار الجدل الداخلي والخارجي هو قانون الأحوال الشخصية والذي لم يرَ النور وبعده ومن خلال ما لمسناه من رد فعل الشارع العراقي وكذلك آراء عراقيو الخارج من المثقفين والمعنيين بالشأن العراقي هي مسألة اعتماد العلم العراقي الجديد فرغم المدة القصيرة بين اعتماده من قبل المجلس وكتابة هذه السطور فقد جوبه هذا القرار بالشجب والاستنكار وعلى كافة الأصعدة وبأشكال مختلفة ولنا في مواقع الانترنيت والصحافة المكتوبة خير شاهد على ذلك فالمواقع المهتمة بالعراق تكاد تكون الآراء المطروحة فيها تجمع على الرفض وعلى عدم الترحيب بهذه الراية أو العلم والحال نفسه في الصحف العراقية الصادرة داخل العراق وخارجه فالمتتبع يرى أن الرفض موجود ومن كل أطياف وأحزاب المجتمع باستثناء الصحافة الكردية أو المحسوبة على الجانب الكردي (جريدة التآخي) العدد 4217 في 27 نيسان 2004 الافتتاحية. أما باقي الصحف فالإجماع منعقد على الرفض وبالأخص على شكل العلم ورموزه.

الشارع العراقي والعلم الجديد:

كنت قد كتبت عن موضوع العلم العراقي بعدما لمست إصرارا من الجانب الكردي وخلال مؤتمر المصالحة في اربيل من عدم رفع العلم العراقي في المؤتمر فضلا عن عدم رفعه على أي دائرة في كوردستان أو في أي مقر أو منظمة في باقي أنحاء العراق تمثل الأكراد كمقرات الأحزاب الكردية وغيرها من المنظمات الكردية وكان لي رأي واضح في ذلك ورجوت من خلال المقال أعلاه السيد مسعود البرزاني باعتباره راعي المؤتمر أن يعالج موضوع العلم بموضوعية وان لا يحمل العلم العراقي ذنوب النظام السابق بعد إصراره على عدم رفع العلم العراقي رغم طلب الأطراف المعنية ذلك المهم في الأمر وبعد انفضاض المؤتمر انتشرت ظاهرة غريبة جدا وأنا أتحدث عن ما شاهدته بأم عيني في مدينتي الموصل ومن خلال المراقبة التلفزيونية لباقي أنحاء العراق هذه الظاهرة هي انتشار رفع العلم العراقي وبشكل ملفت للنظر في الشوارع وعلى أعمدة النور وأسطح الأبنية وبأحجام وطرق مختلفة بالإضافة إلى وضعه على السيارات الحكومية والأهلية هذه الظاهرة اتسعت وازدادت بشكل ملفت للنظر بعد يوم 27/4/2004 وهو اليوم الذي نشر فيه خبر تغيير العلم العراقي وشعاره بحيث اصبح كل شارع من بدايته وحتى نهايته وبين كل بضعة أمتار تشاهد العلم العراقي حتى إن قسم من أصحاب الدور والمحلات ونتيجة نفاذ الأعلام من السوق رسموا العلم بواسطة الطلاء على جدران دورهم أما بالنسبة للمسيرات العفوية الراجلة منها وبواسطة السيارات فحدث ولاحرج فقد طافت المدينة عدة مسيرات، وهي ترفع العلم العراقي القديم مع سيارات رافعة العلم وهتاف بالروح بالدم نفديك يا علم لا بل شاهدت بأم عيني أفراد من الشرطة العراقية وقد لفوا أجسامهم بالعلم العراقي ولحد المنتصف، والطريف في الأمر ما شاهدته في منطقة الجامعة وحي المثنى حيث رفعت أعلام بطول ما يقارب (50)متر وعرض اكثر من (10) أمتار والطرفة الثانية مشاهدتي للافتات من القماش خاصة بمناسبة الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى كل واحدة منها العلم العراقي وابتداء من شارع الفاروق ومرورا بمنطقة الساعة وهي منطقة يسكنها أغلبية مسيحية وصولا الى منطقة الباب الجديد.

رفض العلم الجديد :

من خلال ما سلف وبغض النظر عن الجانب القانوني الذي أبديناه أول المقالة ألا يدل ذلك على الرفض الجماهيري والشعبي لهذا التغيير وانه جاء خلافا لإرادة عموم الشعب ورغبة العراقيين وأظن وعسى أن لا يتحقق ظني بان الإصرار على التغيير للعلم في مثل هذه الظروف غير المؤاتية سيزيد من حالة الاحتقان التي يعيشها العراق والعراقيين وبالتالي تكريس حالة التمزق ونحن بحاجة الى الحكمة والتروي  وما وعدنا به من قبل قوات الاحتلال ومجلس الحكم بالشفافية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من الشعارات التي نتمنى تحقيقها.

وأخيراً اننا نناشد السادة أعضاء مجلس الحكم ومن ساهم بإقرار واعتماد هذا العلم أن يرجعوا عن قرارهم ولو في الوقت الحالي ولحين تنظيم استبدال العلم بالطرق القانونية، وحسب نص الدستور لوجود ما هو أهم من استبدال العلم العراقي وربما يكون الإصرار على تغييره مصيره مصير قانون الأحوال الشخصية الذي لم يرَ النور وولد ميتا وسيقود إلى مشكلات نحن في غنى عنها في الوقت الحالي خصوصاً بعدما أعلنت مرجعيات دينية عدم اعترافها بالعلم الجديد وكما يقال الاعتراف بالخطأ فضيلة.

 

 

 *نشرت في عدة مواقع وبعض الصحف بتاريخ  8/5/ 2004ونجد من المناسب إعادة نشرها في الوقت الحالي  .

* محام وناشط في حقوق الإنسان

ليست هناك تعليقات: