٧‏/١٠‏/٢٠٠٦

صحيفة الصحافة - النسخة الالكترونية

البصلة وقشرتها

د. كامل إبراهيم حسن


لماذا تعثرت التنمية الإجتماعية والإقتصادية
موضوع النقاش لماذا تعثرت التنمية الإجتماعية والإقتصادية وما انفك ظل الديموقراطية ذو ثلاثة شعب.. وبصورة أخص إنطرح السؤال: هل فشلت الماركسية في توفير العلاج الناجع لأمراض المجتمعات الشرق-أوسطية وأين تكمن هل في الماركسية كمنهج ام في الانموذج السوفيتي أم الشرق الأوسط كونته ظروف خاصة جعلت منه شريحة متفردة لا تقبل الاطروحات الفكرية قبل ما تتلبس الخاص بتلك المجتمعات.. وأشار البعض لقراءة فريد هاليداي بوجهة نظر قد نتفق أو نختلف في بعض أو كل ما جاء فيها... ونحن نريدها ضربة بداية للتحاور.. وقد إستجاب الدكتور إبراهيم للنداء وقام بعرض وتلخيص أفكار هاليداي الواردة في كتابه (الماركسية والعالم العربي).
ندوة أبحاث فكرية
عرض وتلخيص د.ابراهيم حسب الله عبد المولي


الندوة إعتمدت كتاب: (الماركسية والعالم العربي) تأليف: فريد هاليداي أستاذ العلاقات الدولية في مدرسة لندن الإقتصادية كمرجع أساسي... ومن مؤلفات فريد هاليداي:
* إيران الدكتاتورية والتنمية
* الإسلام واسطورة المواجهة
* الشرق الأوسط والصراع الدولي


وقد ترجمت الكثير من مؤلفاته الى اللغة العربية. وأدناه نجد تلخيصاً لأهم الأفكار التي قدمها في الندوة تحت عنوان (ما بعد الماركسية).


ما بعد الماركسية
لعل بمقدوري أن أبدأ حديثي بذكري شخصية وقعت قبيل نحو «30» عاماً على وجه التقريب وأنا على مقاعد الدراسة في جامعة الدراسات الأفريقية والشرقية... كنت ضمن مجموعة لدراسة الماركسية (أو منبر ماركس) الذي يتوخى من بين دراساته الكثيرة بلورة تحليل ماركسى للشرق الأوسط.


كانت المجموعة تضم عدداً من الطلاب من العالم العربي بعضهم من المخضرمين، وآخرين من أحزاب شيوعية عربية وأخرين من حركة القوميين العرب وآخرين من أقطار آخرى متأثرة بما يحدث في الشرق الأوسط كالفرس والأكراد والترك.. وكنا في ذلك الوقت نعتقد أننا نعرف بدقة الوضع (الصحيح) القائم في الشرق الأوسط... فهنالك الإمبريالية وهنالك الصهيونية وهنالك الرجعيون العرب بالإضافة للقمع الرأسمالي .. وكل ما علينا القيام به هو تطبيق سلسلة منسقة من المفاهيم على الشرق الأوسط ولا بد من ذكر الأطراف المعنية وأفكارنا ضدها.. كانت هنالك ثلاثة أهداف وثلاث نقاط مرجعية حددت النقاش الماركسى بالصورة التي يؤثر بها على الناس هنا في أوربا أكثر مما في الشرق الأوسط.


الهدف الأول هو ما يمكن لنا أن نطلق عليه بصورة واسعة فضفاضة اسم (الإستشراق) وأعني بذلك التحليل التقليدي اللاتاريخي... ومفهوم (الإستشراق) يساء استخدامه كثيراً هذه الأيام ويمط بحيث يغطي كل ما يكتب عن الشرق الأسط اللامعقول منه والمعقول. ولكن كانت هنالك نقطة ثانية وهي نقد العلوم الإجتماعية السائدة في تلك الفترة ونعني بها نظرية التحديث «modernization theory». ودار الحديث عن الإمبريالية والحديث عن العقبات التي تعترض التحديث ويعني تقديم تاريخ مختلف عن منشأ وإنحدار مجتمعات الشرق الأوسط.. بالطبع هي لم تنحدر من ماضٍ (إسلامي) أو ماضٍ (عثماني) بل إنحدرت من نموذج خاص للهيمنة السياسية والإقتصادية.


أما النقطة المرجعية الثالثة فقد نشأت في داخل المنطقة العربية ذاتها وهي نقد الماركسية للقومية العربية خاصة الناصرية وإن نقطة الإنطلاق للنقاش عن العالم العربي تمحورت حول القومية العربية وقد تبلور دفاع عن الثورة المصرية في إطار مفاهيم ماركسية -سوفيتية تحدث عن التطور اللارأسمالي أو الثورة الوطنية الديموقراطية... من جهة أخرى برز نقد ماركسي- مصري لهذه الثورة تبلور في كتابات سمير أمين وأنور عبد الملك والتي إستندت الى مقاربة واحدة وهي القول بوجود طبقة جديدة وهي طبقة رأسمالية الدولة.


أتذكر أنني كنت مرة مع المقاتلين في عمان مطلع السبعينات وكنا نجتمع مساء بعد إنقضاء الدراسات مطلقين الشعارات التالية: فليسقط كل الملوك والشيوخ والسلاطين: بعد ذلك كان المقاتلون يطلقون هتاف: فلتسقط التحريفية.. ذات يوم سألتهم من هم هؤلاء التحريفيون فأجاب أحدهم: (لا أعرف من هم ولكننا ضدهم).


إن نظام الحكم في مصر كشف إفلاس البرجوازية الصغيرة وإننا بإزاء أزمة سلطة البرجوازية الصغيرة، من هنا فإن هنالك أزمة في مصر، والعراق، وسوريا، وهلمجرا... وكما قال روجر أوين ذات مرة: إن البرجوازية الصغيرة هي أكثر طبقة إجتماعية تعرضت للشتم والقذف في التاريخ المعاصر ولعل ذلك يعني عملياً أنها حققت ما لم تبلغه أية طبقة أخرى .. فما زال هنالك لحد معين ميل داخل المنطقة وخارجها لتكرار شعارات خاصة بعينها على نحو لا يتفق مع الواقع.


لقد طرأت كثير من الأحداث منذ ذلك الحين سواء في الشرق الأوسط أو في تاريخ الماركسية ذاتها ومن الجلي أن يقينات تلك الحقبة لم تعد قائمة... وأود أن ألقي نظرة على ما كتب عن ثلاث قضايا عريضة برزت في مجرى النقاش والبحث الماركسي غير العربي وأشدد على البحث الماركسي غير العربي في العالم الغربي. ولا تدور المسألة حول أجوبة جاهزة مرصوفة على الرفوف وفي متناول اليد بل يدورالسجال إذا كانت للماركسية صلاحية وبمقدار ما لها من صلاحية التطبيق على العالم العربي تعكس وجود أزمة في الماركسية بعامة من ناحية كما تعكس إرتقاء الماركسية وتطورها بعيداً عن الدوغمائية التي كانت سائدة.


دعوني أتناول هذه القضايا الثلاث... إن القضية المركزية التي إعتلت مركز الثقل في كثير من السجال الماركسي عن الشرق الأوسط وسواه تكمن في قضية الدولة وكانت نقطة الإنطلاق هي الدولة المصرية أو الناصرية وتوسع النقاش ليشمل العراق والجزائر... إن من أبرز التأثيرات الفكرية والعاطفية للبحث الماركسي عن الشرق الأوسط هو إنكار فرادته.. بالطبع هنالك خصائص تميز بلداً بعينه وتميز منطقة معينة لكن نموذج الدولة الذي تشكل في حقبة ما بعد الكولونيالية في الشرق الأوسط يتصف بخصائص مشتركة مع نموذج الدولة في بلد مثل باكستان أو بلدان أخرى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية... ولم يختصر السجال عن الطابع الإجتماعي للدولة أو المصالح التي تمثلها بل تعداه الى الكشف عن الموقع الذي تشغله الدول الشرق أوسطية في إطار نموذج عالمي أوسع . إن قضية الدولة تمس أيضاً -من بين أمور أخرى- قضية الوحدة العربية فإذا كانت هذه الدول صنائع أوجدتها الإمبريالية يمكن إزالتها لتدمج في كيان أكبر هو الدولة العربية الواحدة سؤال مركزي ومفصلي... ولكن نعرف أن تحقيق الوحدة العربية في التطبيق العملي ينطوي على مشكلات كبيرة ومرد ذلك أن بهذه الدول واقعاً قائماً في ما يتوفر لرقعة جهازها البيروقراطي ووزرائها وميزانياتها.. إن الأمارات العربية المتحدة مؤلفة من سبع دويلات ولها أربعة جيوش وخمسة مطارات دولية بينما هنالك دول عربية أكبر منها بكثير ولا تمتلك مطاراً واحداً بحالة جيدة مما يجعل الوحدة عصية وصعبة.. وبمعنى ما عاش العالم العربي تاريخ أمريكا اللاتينية مرة أخرى والواقع أن خريطة العالم العربي اليوم لا تختلف كثيراً عما كانت عليه في العام 1918... فلا نجحت الوحدة المصرية - السورية ولا المتحققة بالبنادق في حالة العراق والكويت... وبالنسبة لليمن فقد تحققت الوحدة السياسية إلا أن البلدين توحدا عن طريق الحرب أيضاً.. أود هنا أن أوصي على كتاب لسيمون بروملي (إعادة التفكير في سياسة الشرق الأوسط).


إذ سعى بروملي الى تحليل نموذج السلطة السياسية والإجتماعية بمنظور ماركسى واسع فوجد نفسه في مواقع نقد واضحة لمقاربتين أخريين... الأولى هي المقاربة اللاتاريخية أو الإستشراقية التي ترى أن الشرق هو على ما عليه بسبب الإسلام... ويحاول بروملي أن يبلور مفهوماً أعمق وأدق مبنى ومعنى عن كيفية خلق الإمبريالية لهذه الدول ودور عوائد النفط في إبقائها في الوجود.


البؤرة الثانية للسجال تقوم على التركيز على الحركات الإجتماعية وبخاصة إستخدام التحليل الطبقي في دراسة مجتمعات الشرق الأوسط... إن اكثر الكتابات التي وضعت باسم التحليل الطبقي تبسيطية وسطحية لا تشرح شيئاً ويصح هذا على الشرق الأوسط وعلى غيره. وذلك لم يمنع ظهور مجموعة من الكتابات المتميزة بحساسية أكثر رهافة تجاه وجود أيضاً الطبقات ووجود عوامل أخرى مثل: الهوية الوطنية، والهوية الإقليمية، والطوائف الدينية... الخ، التي تتداخل تفاعلاتها مع فعل الطبقات. وعليه فإن القضية ليست قضية القول إن تاريخ الشرق الأوسط هو تاريخ أفكار أو تاريخ إسلام أو أن تاريخه هو تاريخ طبقات بل أن المسألة تكمن في معاينة السبل الظرفية المتغيرة التي تلعب فيها طبقات شتى أدواراً معينة في التاريخ الحديث للشرق الأوسط إذ أن أغلب الأدب الأكاديمي كان يرفض الحديث عن الطبقات... وأعتقد أن المسألة تدور حول الأتي: ما هو دور الطبقة وما هي الأدوار التي تلعبها الطبقات المسيطرة في لحظات معينة من تاريخ الشرق الأوسط؟


وأعتقد أن كتاب حنا بطاطو "عن الطبقات الإجتماعية القديمة" في العراق وثورة تموز (يوليو) 1958 يقدم فيه محاولة خليقة بالتمعن في دور الطبقة والقبيلة والإثنية في تاريخ العراق الحديث ويشكل الكتاب إسهاماً ضخماً لا لفهم مجتمع الشرق الأوسط والعراق فحسب بل لإدراك كنه دور الطبقة في المجتمع الحديث.


في الثورة الإيرانية... إن الثورة صنعتها الجماهير وأن جلَّ هذه المجموعات التي أشعلت الثورة تنحدر على العموم من فقراء المدن بما في ذلك الطبقة العاملة الصناعية الكبيرة... والمفارقة في إنتصار الخميني أن هذا الظفر لم يتحقق بفعل خروج بشر يهتفون طوال الوقت «الله أكبر» بل جاء ثمرة شكل عنيف جداً من النضال يدعي (الإضراب السياسي العام) فهو الذي قوَّض حكم الشاه.


القضية الثالثة وهي الأكثر إثارة للجدل والخلاف ونعني بذلك قضية الإمبريالية... إن المقارنة المعتادة قبل «30» عاماً تفيد أن بلدان الشرق الأوسط عجزت عن تحقيق التطور الإقتصادي وذلك بسبب الإمبريالية... وهذه النظرة هي محاججة عامة (فكرة نظرية التبعية) ونقد هذه النظرية جاء من داخل هذا المبنى (مدرسة الدراسات الأفريقية والآسيوية) بالذات من قسم الإقتصاد ومن أستاذ القسم -بيل وارين- وكانت تربطه علاقة جيدة مع الحزب الشيوعي السوداني وأجرى دراسته على السودان كمثال... ونعني أن الرأسمالية لا تعيق التنمية بل اننا نعيش عالم اللا مساواة والنزاع الإجتماعي وينبغي علينا تطوير الصناعة في العالم الثالث بقدر ما علينا أن ندرس السبل التي تعيق بها الإمبريالية هذا التطور... إن مضامين دراسة وارين عن الشرق الأوسط تقول يجب ألا نلوم الإميريالية على كل شىء في الشرق الأوسط.


ثانياً إذا كنا نريد أن نبحث ونحلل محتوى أسباب عجز مجتمعات الشرق الأوسط عن التنمية فعلينا ألا نعزو ذلك للإمبريالية فالمسألة هنا هي طابع العلاقة بين إقحام هذه البلدان في السوق العالمي ونموذج تطورها الداخلي... ومما يؤكد ذلك نجاح التنمية الرأسمالية في عدد من بلدان العالم وإن تكن هذه ليست من بلدان الشرق الوسط... ولكن إذا كان ذلك لم يحصل في الشرق الأوسط... فما المانع؟ لماذا لا تتوق بلدان الشرق الأوسط الى ذلك المسار الذي قطعته تايلاند وسنغافورة أو تايوان؟ إن العائق لا يتمثل في الإمبريالية وحدها ولا فى نقص رأس المال وذلك بفضل النفط وعوائدة الضخمة.


أما الصيرورة الثانية المساندة لفكرة وارن فهي سلبية وليست ايجابية ونعنى بها بالطبع سجل ما حققته تلك البلدان التى إنفكت عن الامبريالية أو سعت الى مثل هذا الإنفكاك... إن سجلها الإقتصادى والسياسى يفتقر الى النجاح سواء فى اليمن الجنوبى أم في الجزائر أو سوريا أو العراق أو غيرها من البلدان.


دعونى أختتم إستعراضى هذا بالإشارة الى نقطتين عريضتين:
الأولى تتمثل فى أننا نواجه الآن وضعاً جديداً تماماً إثر صعود الحركات الإسلامية. ومن المحزن أن نجاح الماركسية الوحيد فى الشرق الأوسط قد يتجسد فى إعارتها الإسلاميين مفرداتها السياسية.
إن حوالى ثمانين فى المائة من مصطلحات الخمينى ومفاهيمه مسروقة من حزب(توده) ومن اليسار.
النقطه الثانية التى أود إثارتها اليوم على الصعيد الاكاديمى الخالص أن لغة النقد والخطاب والمقاربة البديلة السائدة هى لغة مستقاة من نقد إدورد سعيد للإستشراق ولكن المصطلحات الخاصة بالمدرسة التى انشأها والتى طرح بها فكرته فى كتابه (الإستشراق -1972) مصطلحات مربكة ومرتبكة.

صحيفة الصحافة - النسخة الالكترونية.

ليست هناك تعليقات: