٢٤‏/٩‏/٢٠٠٥

شياطين الشيطان

شياطين الشيطان
*ادواردو غاليانو
Eduardo Galeano

إنّ هذه مجرّد مساهمة متواضعة في حرب الخير ضد الشر. يمنحنا الكاتب بعض الهويات لمساعدتنا على تحديد الأوجه المختلفة لأمير الظلمة. ترد هنا فقط الشياطين الموجودة منذ زمن طويل، الناشطة في العالم منذ قرون أو حتى عشرات القرون.

الشيطان مُسلِم كان دانتي نفسه على علم بأنّ محمّد كان ارهابياً. ألمْ يضعه وسط دوائر الجحيم، محكوماً للأبد بشطره من الأعلى الى الأسفل ؟ فقد غنّى الشاعر في كتابه "الكوميديا الالهية " ما يلي: "رأيته مشطوراً الى قسميْن، من اللّحية حتى أسفل البطن..."

وقد لاحظ عدة باباوات، منذ أن كانت المجموعات الاسلامية تقضّ مضاجع المسيحية، أنها لم تكن تضمّ أناساً من لحم ودم، إنما جيوش من الشياطين التي يتزايد عددها كلّما تعرّضت لضربة سيف أو رمح أو اطلاق نار من القربينات.

في أيامنا، كانت القذائف تخلق أعداء أكثر ممّا تقتل. لكن، في نهاية المطاف، ما مصير الله إن لم يعد هنالك أعداء؟ الخوف هو الآمر، والحروب تتغذى من الخوف. وقد أثبتت التجربة أنّ تهديد الجحيم فعّال أكثر من الوعود بالجنّة. فأهلاً وسهلاً بأعدائنا! في القرون الوسطى، كلّما اهتزّ عرش، بسبب الإفلاس أو السّخط الشعبيّ، كان الملوك المسيحيون يندّدون بالخطر المسلم، ويحرّكون الرعب ويطلقون حرباً صليبية جديدة، ليصبح كلّ شيء على ما يُرام. ومن فترة قريبة، أُعيد انتخاب جورج بوش رئيساً للعالم، بفضل الظهور المناسب للسيّد أسامة بن لادن، الغول الكبير الذي سيلتهم العالم، والذي أعلن على شاشة التلفزيون، عشيّة الانتخابات، أنه آتٍ لالتهام الأولاد الصغار نيئين.

في العام 1564، قام المتخصّص بعلم الشياطين، جوان واير، بإحصاء الشياطين التي كانت تعمل على الأرض، بدوام كامل، من أجل هلاك أرواح المسيحيين. وقد أحصى ما لا يقلّ عن سبعة ملايين وأربع مئة ألف وسبعة وعشرين، كانت تعمل موزّعة على تسعة وسبعين فيلق.

منذ هذا الاحصاء، سال الكثير من الماء الغالي تحت جسور الجحيم. ما هو اليوم عدد المبعوثين من مملكة الظلام؟ إنّ فن التخفي يجعل العدّ صعباً. فهؤلاء المخادعون يعتمرون العمامات لإخفاء قرونهم، ويلبسون جلابات واسعة لتستير ذيولهم الشبيهة بذيول التنانين، وجوانحهم الشبيهة بجوانح الوطاويط والقنبلة التي يحملونها تحت إبطهم.

الشيطان يهوديّ. هتلر لم يخترع شيئاً. منذ ألفي سنة حتى الآن، اليهود هم قتلة المسيح الذين لا يُغفر لهم، والمتهمون بكافة الشرور.

ماذا؟ ما الذي تقولونه؟ أنّ يسوع كان يهودياً؟ كما التلاميذ الاثنتا عشر والرسل الأربعة؟ مستحيل. إنّ الوقائع التي تظهر لا تحتمل أيّ شك ولا تتطلّب أيّ برهان سوى وجودها نفسه. فالأشياء هي ما نقوله عنها، ونقوله لأننا نعرف: في الكنيس، الشيطان يحتفل واليهود يصبّون اهتمامهم، منذ القدم، على تدنيس القربان وتسميم المياه المقدّسة. وهم سبب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية والهزائم العسكرية؛ هم الذين أتوا بالحمّى الصفراء والطاعون الأسود وكافة الأوبئة.

بريطانيا طردتهم، حتى آخر واحد، في العام 1290. لكنّ ذلك لم يمنع شوسر أو مارلو أو شكسبير، وهم كتّاب لم يروا يهودياً واحداً، من اتّباع التشويه التقليدي واعادة خلق شخصيات يهودية وفقاً للنموذج الشيطانيّ لمصّاص الدماء المتطفل والمرابي الجشع.

إنّ هؤلاء الملعونين، المتّهمين بخدمة الشيطان، عبروا القرون من نفي الى آخر ومن مجازر قتل الى عمليّات إبادة. وعلى مثال بريطانيا، طردتهم كلّ من فرنسا والنمسا وإسبانيا والبرتغال، اضافة الى العديد من المدن السويسرية والألمانية والايطالية. وطردهم الملوك الكاثوليك، ايزابيل وفردينان، خارج اسبانيا، بحجّة أنهم يفسدون الدم. وإنّ اليهود، الذين كانوا يعيشون في هذا البلد منذ ثلاثة عشر قرناً، أخذوا معهم مفاتيح منازلهم. لا يزال بعض الأنسباء يحتفظون بها حتى اليوم. لكنهم لم يعودوا أبداً.

شكّلت المذبحة الضخمة التي نظّمها هتلر ذروة تاريخ طويل من الاضطهادات والإهانات.

لطالما كان صيد اليهود رياضة أوروبية. والآن، إنّ الفلطسينيين، الذين لم يمارسوه أبداً، هم الذين يدفعون الحساب.

الشيطان امرأة.

يوصي كتاب "ماليوس ماليفيكاروم"، الذي يحمل أيضاً عنوان "مطرقة الساحرات"، باللّجوء الى التعويذ الذي لا يرحم ضدّ أيّ شيطان له نهدان وشعر طويل.

وضعه الكاتبان، القاضيان في محاكم التفتيش، الألمانيّان هاينرك كرامر وجاكوب سبرينغر، بطلب من البابا إينوسانتي الثامن، لمحاربة المؤامرات الشيطانية ضدّ المسيحية. وقد نُشر للمرة الأولى في العام 1486، وتمّ استخدامه حتى نهاية القرن الثامن عشر، كمرجع قضائيّ ولاهوتيّ لمحاكم التفتيش في مختلف البلدان. يصرّح فيه الكاتبان أنّ الساحرات، حريم الشيطان، يشملنَ كافة النساء في حالتهنّ الطبيعية: " إنّ الشعوذة تنبعث من الفسق الجسدي الشره عند المرأة. ويضيفان أنّ "تلك الكائنات الجذابة، ذات الملمس المقزّز، والتي تؤدّي معاشرتها الى الخراب"، تسحر الرجال، فتجذبهم بصفيرها الذي يشبه صفير الأفاعي وذيولها التي تشبه ذيول العقارب، من أجل القضاء عليهم. ويحذر هذان الكاتبان، المتهوّران من أنّ "المرأة أكثر مرارة من الموت. فهي مليئة بالأفخاخ. قلبها عبارة عن شباك، ويداها سلاسل حديدية."

إنّ هذا المرجع في علم الإجرام، الذي أرسل الآلاف من النساء الى محارق محاكمة التفتيش، ينصح بتعذيب كافة النساء المتّهمات بالشعوذة لحملهنّ على الاعتراف. في حال اعترفت المرأة، فهي تستحقّ نار المحرقة. وفي حال لم تعترف، فهي تستحقها أيضاً، فوحدها الساحرة، بتشجيع من الشيطان ـ عشيقها في محافل السحرة ـ تستطيع تحمّل عذاب كهذا دون أن يخونها لسانها.

أقرّ البابا هونوري الثالث أنّ الكهنوت مخصّص للرجال فقط: "لا يجب على النساء التعبير عن أنفسهنّ. فشفاههنّ تحمل وصمات حوّاء التي قادت الرجال الى هلاك أنفسهم." وبعد ثمانية قرون، لا تزال الكنيسة الكاثوليكية مصرّة على عدم السماح لبنات حوّاء بالوصول الى الكهنوت.

ولجأ المسلمون الأصوليون الى بتر العضو التناسلي للنساء وحجب وجوههن. أما اليهود الأورثوذوكس، المرتاحون لتجنّبهم القدر المشؤوم، فيهمسون في مطلع كلّ نهار: "شكراً يا الله لأنك لم تخلقني امرأة".

الشيطان مُثليّ الجنس.

منذ العام 1446، كان مصير مُثليّو الجنس في البرتغال المحرقة. ومنذ العام 1497، كان يتمّ حرقهم أحياء في اسبانيا. فقد كانت النار مصير هذه الفئة الشيطانية المحتقرة المولودة من نار جهنّم.

في المقابل، كان الغزاة الاسبان في أميركا، يفضّلون رميهم الى الكلاب. وكان فاسكو نونيز دي بالبوا، الذي حكم على العديد منهم بهذا العقاب القاسي، يعتقد بأنّ المُثليّة الجنسيّة مُعدية. وبعد خمسة قرون، سمعت الشيء نفسه على لسان اسقف مدينة مونتيفيديو.

عندما لاح أوّل الغزاة الاسبان في الأفق، كانت قبيلتا الأزتيك والانكا هما الوحيدتان، ضمن امبراطورياتهما التيوقراطية، الّلتان تعاقبان المُثلية الجنسية - بعقوبة الموت. أما باقي الشعوب الأميركية فكانت تتقبّلها، وحتى أنها كانت تحتفل بها في بعض المناطق، دون منعها أو قمعها.

كان من المفترض أن يثير هذا الاستفزاز غير المحمول الغضب الالهي. وبحسب الغزاة، إنّ أمراض الجدري والحصبى والحمّى، التي كانت أوبئة غير معروفة تبيد الهنود كالذباب، لم تكن تأتي من أوروبا بل من السماء. فالله كان يعاقب فجور الهنود الذين كانوا يمارسون بشكل طبيعيّ عاداتهم غير الطبيعية.

لم يُحصَ، لا في أوروبا ولا في أميركا، ولا حتى في أيّ مكان آخر، عدد مُثليّي الجنس الذين حُكم عليهم بالإعدام. لا نعرف شيئاً عن هذه الأزمنة البعيدة، ولا نعرف إلاّ القليل، أو بالأحرى لا شيء، عن الأزمنة الحالية.

في ألمانيا النازية، كان هؤلاء "المنحطّون المتّهمون بإهانة الطبيعة بطرق شاذة" مجبورين على حمل المثلث الوردي على ثيابهم. ما هو عدد الذين أُرسلوا الى معسكرات الإعتقال؟ ما عدد الذين ماتوا هناك؟ عشرة آلاف، خمسون ألف؟ لم يتمكّن أحد من معرفة ذلك. ما من أحد أحصاهم؛ بالكاد أُتيَ على ذكرهم. ولا نعرف المزيد عن عدد الغجر الذين أُبيدوا.

في 18 أيلول/سيبتمبر 2001، قرّرت الحكومة الألمانية والمصارف السويسرية "تعديل الإقصاء الذي طال مُثليّي الجنس بين ضحايا المحرقة". اتخذت عملية تصحيح هذا الإقصاء أكثر من نصف قرن. واعتباراً من هذا التاريخ، أصبح من حقّ مُثليّي الجنس الذين نجوا من معسكر أوشفيتز أو غيره من المخيّمات - اذا اعتبرنا أنها كانت موجودة- المطالبة بتعويض.

الشيطان هنديّ.

اكتشف الغزاة الاسبان الذين احتلّوا أميركا، أنّ الشيطان الذي طُرد من أوروبا وجد لنفسه ملجأًً في أميركا. ففي تلك الجزر وشواطىء البحر الكارايبي، التي تتضاربها ليلاً ونهاراً أمواجه المشتعلة، كانت تعيش كائنات غريبة في أبسط زيّ لها، كما خلقها الشيطان. كانت تعبد الشمس، الأرض، الجبال، الأنهار، وغير ذلك من الشياطين المتنكّرين بزيّ آلهة، وكانت تُطلق اسم "لعبة" على خطيئة الجسد التي كانت تمارسها في أيّ وقت دون قيود. كانت تجهل الوصايا العشر، والأسرار السبعة، والخطايا السبع المميتة. لم تكن تعرف معنى كلمة خطيئة ولا تخشى الجحيم؛ لم تكن تُحسن القراءة ولم تسمع أبداً بحقّ الملكية أو غيره من الحقوق؛ وكما لو أنّ كلّ ذلك لم يكن كافياً، جرتْ بينها العادة أن تتآكل، نيئة.

كان غزو أميركا عبارة عن عملية تعويذ طويلة وصعبة. فالشيطان كان متأصّلاً في هذه الأراضي، لدرجة أنه، عندما كان الهنود يركعون بخشوع أمام العذراء، كانوا في الحقيقة يعبدون الحيّة التي تدهسها برجلها؛ وعندما كانوا يقبّلون الصليب، لم يكونوا مهتمّين أبداً بابن الله، بل كانوا يحتفلون بتلاقي المطر بالأرض.

قام الغزاة الاسبان بمهمّتهم بإعادة الذهب الى الله، والمال والعديد من الثروات التي دنّسها الشيطان. لكنّ استعادة الغنيمة لم يكن بالأمر السهل. لحسن الحظّ أنّ يد العون كانت تمتدّ اليهم، من وقت الى آخر، من الأعلى. فعندما حضّر سيّد الجحيم كميناً داخل شعبة في الجبال، لقطع الطريق أمام الاسبان المتّجهين نحو مناجم الفضّة في سيرّو ريكو دي بوتوزي، نزل ملاك من السماء وأعطاه صفعة لا تُنتسى.

الشيطان أسود.

كالخطيئة، كالظلمات، إنّ الأسود هو عدوّ النور والبراءة. ذكر ماركو بولو، في قصته المشهورة عن رحلاته، سكّان زنجيبار: "كانت أفواههم كبيرة جداً، وشفاههم سميكة وأنوفهم تشبه أنوف القردة. كانوا يتمشّون بكامل عريهم وكانوا سوداً بالكامل، بحيث أنهم اذا ظهروا في منطقة أخرى من العالم، لاعتقد الناس بأنهم شياطين." بعد ثلاثة قرون، في اسبانيا، كان لوسيفر يدخل الى المسرح وجسده مطليّ بالأسود، خلال المسرحيات أو الحفلات، وهو يمتطي عجلة من النار. ولم تتمكّن القديسة تيريزا الطفل يسوع، التي لطالما حاربته، من التخلّص منه. فقد وقف ذات يوم بالقرب منها، وكان "زنجياً صغيراً كريهاً". مرة أخرى، رأتْ لهيباً أحمر ضخماً يخرج من جسده الأسود، بينما كان يجلس فوق كتابها المقدّس؛ وحرق صلواتها...

تذكير مختصر للعلاقات بين أوروبا وأفريقيا: خلال القرن السادس والسابع والثامن عشر، كانت أفريقيا تبيع العبيد وتشتري البنادق: عمل مقابل عنف. فالبنادق تنظّم الفوضى الشيطانية، وتعتبر العبودية أوّل خطوة نحو الخلاص. وقبل دمغهم بالحديد الأحمر، كان السود يتلقون دفقة من المياه المقدّسة. فالمعمودية تهرّب الشيطان وتنفخ الروح داخل هذه الأجساد الفارغة.

ثم، في القرنين التاسع عشر والعشرين، قدّمت أفريقيا ذهباً وماساً ونحاساً ورخاماً وكاوتشوكاً وقهوة، مقابل الكتب المقدسة. منتوجات مقابل كلمات. كانوا يعتقدون بأنّ قراءة الكتاب المقدّس بإمكانها تسهيل رحلة الأفارقة من الجحيم الى الجنة. لكنّ أوروبا نسيت أن تعلّمهم القراءة.

الشيطان غريب.

إنّ "آلة قياس التّهم" تشير بأنّ الأجنبيّ آتٍ ليسرق وظائفنا، و"آلة قياس الخطر" تشغل صفارة الخطر.

ففي حال كان الدخيل فقيراً وشاباً وغير أبيض، ذاك الآتي من بعيد، فهو محكوم عليه مسبقاً بسبب فقره وميله الى الفوضى ولون بشرته. في كلّ الأحوال، حتى وإن لم يكن فقيراً ولا شاباً ولا ملوّناً، ليس مرحّباً به لأنه مستعدّ للعمل بصورة مضاعفة مقابل نصف الأجر.

وفي ظلّ سيطرة المخاوف، إنّ التخوّف من فقدان العمل هو الأقوى؛ ويُستخدم الأجنبيّ كفزّاعة لدى اتّهام المسؤولين بالبطالة وانخفاض الأجور وعدم الأمان أو غير ذلك من مظالم المجتمع.

فيما مضى، كانت أوروبا تنشر في العالم حصّتها من الجنود والمساجين والفلاّحين الجائعين. وقد دخلت التاريخ شخصيات المغامرات الاستعمارية هذه على أنهم تجار الله المسافرين. فقد كانوا يمثلون الحضارة لإنقاذ البربرية.

في الوقت الحاضر، تتمّ الرحلة في الاتجاه المعاكس. فالواصلون أو الذين يحاولون الوصول، من الجنوب نحو الشمال، لا يحملون سكّيناً بين أسنانهم، ولا بندقيّة على أكتافهم. يأتون من دول معصورة كحبّات من الليمون الحامض، وليس في نيّتهم سوى الاستيلاء على وظيفة أو عمل صغير. ويُعتبر هؤلاء المشاركون في المغامرات الاستعمارية مبعوثين من الشيطان، يمثلون هجوم البربرية على الحضارة.

الشيطان فقير.

يتلمّظون عندما تأكلون، ويتجسّسون عليكم عندما تنامون: الفقراء يتربّصون بكم. في كلّ واحد منهم، يختبىء جانح، أو ارهابيّ حتى.

فممتلكات البعض مهدّدة من شرّ العديد. الأمر معروف. فالأمور تجري على هذا المنوال، منذ ان قُضّت مضاجع الأغنياء ومنذ لم يعد المفلسون يجدون ما يأكلونه.

إنّ جزر الكرامة، التي تتعرّض للتنكيد منذ آلاف السنين، مُحاصَرة ببحار متدفقة من البؤس. الأمواج الصاخبة تزمجر وتجبر الناس على العيش في حالة تأهّب دائمة. في مدننا المعاصرة، التي هي عبارة عن سجون يقفل السجناء فيها على أنفسهم خوفاً، المنازل هي الحصون والثياب أسلحة.

الوضع أشبه بحصار، يقضي بالتيقظ الدائم وتشديد الحراسة وعدم التسليم: إحصائياً، ما من أحد يستطيع الهروب منه؛ فعاجلاً ام آجلاً، ستتعرّضون لاعتداء أو خطف أو اغتصاب أو قتل. في الأحياء السيئة السمعة، المخفية في الظلّ، هنالك من يموتون من الحسد ويخفون نقمتهم: إنّهم صانعو بؤسكم المقبل. ليسوا سوى مشرّدين يمشون حفاة، ثمالى، مدمنين على المخدرات، من سلالات الجانحين أو الخسيسين، صعاليك مساكين دون أسنان ولا مشاريع ولا مستقبل. لا أحد مُعجَب بهم، لكن سارقو الدجاج هؤلاء يفعلون ما في استطاعتهم، عبر تقليدهم المتواضع للمعلّمين الذين يُطلعون العالم على وصفات نجاحهم. لا أحد يفهمهم، لكنّهم يطمحون بأنْ يُصبحوا مواطنين مثاليّين، على صورة أبطال الأزمنة المعاصرة، هؤلاء الذين يغتصبون الأرض ويسمّمون الهواء والمياه، ويخنقون الأجور، ويغتالون الوظائف ويسجنون دولاً برمّتها.

* كاتب من الأورغواي. من مؤلّفاته، "رأساً على عقب. مدرسة العالم مقلوباً"، هومنيسفير، باريس، 2004

ليست هناك تعليقات: