٢٤‏/٩‏/٢٠٠٥

اللطمية والرادود كما يكتب موسى الحسيني

د . موسى الحسيني

- هذه المقالة مهداة للشاعر الذي كتب القصيدة موضوع البحث، والرادود الذي قرأها، وجميع اللاطمين، وكل شيعي ملتزم بخط آل البيت والتشيع العلوي، اخص بالذكر الدكتور عادل رضا الذي تسائل مرة في مقالة "ماذا بعد ياموسى" وستظل "بعد" هذه مفتوحة حتى انتصار خط التشيع العلوي

اذاعت محطة صوت الحق التي تبث برامجها في بغداد عبر احد موجات الاف. ام، وفي مختلف انحاء العالم عبر غرفة صوت الحق على الانترنت، مساء يوم 4/8/2005، تسجيلا لاحد شعائر العزاء الحسينية، قرأ فيها الردود (القارئ) قصيدة بعنوان "والله عار عالرجال النائمة"، اتصلت بمباشرة بالاخ ضياء الكواز طالبا منه اعادتها، بل ووضعها بشكل كامل على صفحة شبكة اخبار العرااق، ليعود لها من يشاء، لاهمية ما ورد بها من معاني عميقة، قد لاتكون واضحة حتى لبعض مثقفي الشيعة انفسهم. ولذلك قررت القيام بكتابة مقدمة لها لترجمة هذه المعاني، لانها تمثل صفحة مشرقة من التراث الثوري الشيعي العربي، العلوي، الحسيني، وتفرزه عن اولئك المتاجرين بالتشيع واسم الامام علي والحسين. كما انها تسجل لصفحة مشرقة من صفحات النضال الشعبي ضد الاحتلال الذي برز من خلال الانتفاضة الصدرية الاولى. هذا اضافة الى ما تعكسه القصيدة من تشخيص واقعي لطبيعة العدو المحتل، الذي يحمل قناعا اميركيا، الا ان هويته الحقيقية تظل اسرائيلية.

العزاء الحسيني:

اعتاد الشيعة ان يقيموا مثل تلك الشعائر في عاشوراء ( الايام العشرة الاولى من شهر محرم كل سنة) وفي كل مدينة او منطقة شيعية ، ينتقلون بعدها وتحديدا يوم 20 صفر الى مدينة كربلاء لاداء نفس الشعائر هناك، ويذهبون جماعات باسم المناطق او المدن الى هناك، وتسمى هذه الجماعات "مواكب"، ويرفعون عادة الاعلام السوداء والخضراء امام هذه المواكب وهي تسير لاطمة على الصدور. تردد أهازيج أو عبارات (تسمى بالردات – من الترداد او التكرار) مكتوبة من قبل الرادود (وهو مصطلح يطلق على القارئ الذي يتولى قرائة الشعر الذي يلطم على ايقاعه اللاطمون، بعد ان يتوقفوا في مكان محدد بعد انتهاء المسيرة).
كثيرا ما يخرج بعض الرواديد او القراء عن النمط الكلاسيكي، المعتاد للاشعار المقروءة، فبقرأ اشعارا ذات مضامين سياسية او اجتماعية. وكثيرا ما تحاول بعض القوى السياسية العراقية استثمار هذا الواقع فتستغل انتماء الرادود لها لتحرضه على اختيار ردات او قصائد عبارة عن شعارات سياسية. ويكشف حنا بطاطو في دراسته عن العراق كيف ان قيادات الحزب الشيوعي كانت تخطط لاستثمار هذه العزوات وطرح شعاراتها من خلال بعض الرواديد المتعاطفين مع الحزب. على أن هذا النمط السياسي يظل مربوطا عموما بالحالة الجماهيرية، في المناسبات العصيبة التي تمر بالعراق والامة العربية عادة، فيبرز احيانا بشكل عفوي نتيجة حالة التاثر الجماهيرية بالموقف السياسي. كما حصل في اعوام 56، 57، 1958، بعد تصاعد المد الثوري العرابي بعد حرب السويس في 1956، لذلك بادر عبدالكريم قاسم لمنعها عام 1958، وفرض ان تكون محصورة في اماكن محددة (المساجد والحسينيات)، وتوالت عمليات الشد والجذب بين الحكومة والجماهير الشيعية، بين منع العزوات، والسماح لها، حيث امر نظام صدام حسين بمنعها نهائيا ، في الفترات من 1977 – 2003.

بغض النظر عن صحة او عدم صحة هذه العزوات، فقد اصبحت جزء من التراث الشعبي عند الشيعة العرب، ومناسبة للتنفيس عن مكنونات النفس والتوجهات السياسية الجماهيرية. ولااتذكر المصدر الذي قرأت فيه ان اللطم بهذه الطريقة كان سائدا ورائجا ايام السومريين والبابليين في العراق، عندما يتوفى احد ملوكهم أو حكامهم. أضاف الشيعة الهنود والباكستانيين والفرس، شعائر التطبير (ضرب الرؤوس بالسيف)، والضرب على الظهر بالزناجيل الحديدية، التي تطورت الى تركيب بعض السكاكين الصغيرة على الزنجيل لتجريح الظهر.

حاول بعض العلماء الشيعة القول ببطلانها، الا انهم تعرضوا لنقد حاد، ما جعل بقية العلماء يتوقفون عن النقد والتحريم. اسغل جماعة التشيع الصفوي مبادرة السيد محمد حسين فضل الله للافتاء بتحريم التطبير والضرب على الظهور بالزناجيل الحديدية، ليشككوا بمرجعيته، بل وبتشيعه.

هناك نموذج أخر من هذه الشعائر الحسينية يطلق عليه أسم "التعزية أو القراءة". أي هناك عزاء، كما هناك تعزية. والعزاء كما عرفناه أعلاه حالة اللطم على الصدور، ترافق قراءة عاطفية، لقصيدة شعرية غالبا ما تكون مكتوبة باللهجة الشعبية، بايقاع غنائي حزين. أما التعزية فهي حالة عقلانية مختلفة من الوعظ والارشاد الديني، واستنباط المعاني الاخلاقية والمثل الدينية والانسانية في ثورة الحسين، تنتهي بذكر جانب من معاناة الامام الحسين وعائلته في خلال المعركة ، وتختم في الدقائق الاخيرة بقراءة قصيدة او مقطع من قصيدة مكتوبة، غالبا، بالفصحى. يعرف قارئ التعزية " بالقارئ او الخطيب" تميزا له عن الرادود. يختلف الخطيب عن الرادود في انه يفترض ان يكون مثقفا موسوعيا يمتلك معرفة واسعة بالتاريخ والفقه. لذلك تحتاج الخطابة الى التفرغ للدراسة، في حين أن الرادود لايحتاج لمثل هذه الثقافة الواسعة، فكل بضاعته هو صوته الجميل، وقدرته على اخيار القصيدة اعطاءها لحنا وايقاعا يتناسب مع حركات اللاطمين. فهو أقرب للمطرب والملحن في الاغنية العادية ، يختار القصيدة ويلحنها، موسيقاه هي صوته وضربات اللاطمين . فهو يخاطب العواطف بعكس الخطيب الذي يخاطب العقل .

الحسينيات:

بمناسبة الحديث عن العزاء ، نود الاشارة الى ان الحسينيات تاسست عادة على اساس انها مراكز لتجمع الناس بها والانطلاق في العزوات منها، او اقامة العزاء بداخلها عند يكون هناك ما يمنع انطلاقها بالشوارع، فهي ليست اماكن عبادة بل اماكن خاصة لاقامة الشعائر فقط ، باعتبار الحرمة المفروضة على دخول الجامع مالم يكن الانسان نظيفا طاهرا. وحرمة الدخول بالحذاء. والرغبة في الحفاظ على طهارة ارض الجامع واثاثه ومنع سقوط الدم او أي شئ أخر من النجاسات، كما يكره الاكل في الجامع، بعكس الحسينية التي هي ليست الا مكان عام لاحرمة ولاموانع فيه. الا ان الملاحظ في التوجهات الجديدة عند بعض ممن يريد استثمار التشيع كبضاعة لتحسين اوضاعهم المادية، بدؤا ببناء او تاسيس الحسينيات كبديل للجوامع. نعتقد ان ذلك يعود لسببين هما:

1 : أن الجامع يعتبر ملكية عامة، ووقف عام، تعود ملكيته لعموم المسلمين. بينما يمكن تسجيل الحسينية كملك شخصي، او كوقف عام. ولايخفى ما بين الاثنين من فرق، فالملك الشخصي يمكن بيعه وتحويل ملكيته، او تحويله لبناء اخر ولاغراض اخرى. لذلك تجمع الاموال بحجة بناء مساجد واماكن للعبادة لتتحول الى حسينيات او مؤسسات. ففي سوريا جمع السيد حسين الصدر مثلا، مئات الاف الدولارات بحجة بناء جامع، ثم بنى حسينية سجلها باسمه ولم يكلفه بنائها اكثر من 300 الف ليرة سورية (ستة الاف دولار) عاد فباعها عندما قرر الانتقال الى لندن بمبلغ 1200000 ليرة سورية، ليؤسس بعد ذلك مركزا جديدا في لندن.

أن مشروع بناء حسينية اصبح من المشلريع التجارية المربحة جدا هذه الايام ، فالحسينية تعني اقامة الشعائر الحسينية وهذه تحتاج لاموال تجمع عادة من تجار الشيعة والمتبرعين بشكل لايخضع لحساب او تدقيق، الا من قبل المشرف على الحسينية او مالكها. والحسينية ليست مركزا للعبادة لذلك يمكن تاجيرها كقاعة عامة في المناسبات كالزواج، او اقامة الماتم الخاصة . وهكذا يصبح كل شئ مبرر تحت شعار حب الحسين. وتستثمر دماء الحسين في التجارة وجمع الارباح.

هناك موضة أخرى جديدة تجري في أوربا خاصة، هي أطلاق أسم مؤسسة على الحسينية، لكي يتم تسجيلها كجمعية خيرية، ليحصل صاحبها بذلك على المساعدات التي تقدمها الجمعيات والخيرية الخاصة بدعم النشاطات الاجتماعية عادة، كما تؤمن لصاحبها وسيلة للهروب من الضرائب. لذلك نجد صاحب الحسينية يسجل معه في لجنة رئاسة الجمعية أفراد من اهل بيته أو أقاربه أو مؤيديه الخاصين ليضمن منع الاخرين من الاطلاع على موارده من هذه التبرعات.

نفس الحالة التي نجدها في العمليات التي يلجأ بها بعض الافراد لتشكيل جمعيات خيرية أو ثقافية للتعيش على المساعدات التي يحل عليها، أو لتحسين ظروفه المادية.

وبالعودة لموضوع حديثنا، القصيدة المعنية، تكشف كل هذا الزيف، عندما يذكر الشاعر:


"حسين مو قيمة وهريسة ولالطم

الحسين حرية وكرامة وعلم

واللي يحب حسين يعلن هالاسم

ينشف الدمعة ويطب بالملحمة "

فهو يغمز وينبه الى اؤلئك اللذين يريدوا ان يحولوا المثل الحسينية الى منافع مادية ودنيوية خاصة.

2 : أن لهذا التوجه لبناء الحسينيات أو ما يسمى بالمؤسسات في البلاد الاوربية، بدلا من الجوامع، هو توجه صفوي يهدف على ما يبدو الى عزل الشيعة عن بقية المسلمين العرب، فتغدو الحسينية وكانها بديل عن الجامع عند الشيعة. لذلك نجد ان المؤسسة الشيعية الايرانية تشجع بناء الحسينيات على بناء الجوامع.

عودة للقصيدة المعنية:

للاسف لم نتعرف على اسم الشاعر، ولااسم الرادود الذي قرأها.

القصيدة كتبت بلغة شعبية عراقية، بطريقة رمزية ، تهدف على مايبدو الى التمييز بين خطين متضادين للتشيع. سماهما الدكتور علي شريعتي، بخطي التشيع الصفوي، وخط التشيع العلوي، وهذا لايعني المساس بالشيعة الملتزمين بخط الامام علي حتى في ايران فالدكتور شريعتي هو ايراني– فارسي الاصل، فهو يتحدث عن توجه الدولة الايرانية التي تحاول استثمار المذهب لتحقيق مصالحها القومية، بدءً بالدولة الصفوية، ومن هنا ياتي استخدامه لمصطلح التشيع الصفوي.

لكن مفهوم التشيع الصفوي يشمل جميع اؤلئك اللذين يريدون استثمار المذهب لتحقيق ماربهم ومصالحهم الخاصة سواء اكانوا فرسا او عرب، فهم اقرب في سلوكهم الى النهج الاموي الذي يبرر كل شئ حتى الدين من اجل تحقيق المصلحة الخاصة.

ظهر هذا الاتجاه الاموي بين من يدعون التشيع في الانتفاضة الصدرية، مع انها الاكثر انسجاما في محتواها من التشيع الاثنى عشري. فقد طرح الامام الرابع علي زين العابدين، مفهوما واضحا للموقف من الغزو الاجنبي لديار المسلمين من خلال ما يعرف بدعاء الثغور(الثغور تعني الحدود السياسية بمفهومنا اليوم)، وهو دعاء قدمه الامام زين العابدين للجنود العرب المقاتلين على حدود الدولة الاموية في زمن الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، واذا اخذنا الامر بصورته الضيقة، سنستغرب من هذه الدعوة من الامام السجاد، فهؤلاء جنود نفس الجيش الذي قتل اباه وسبعين من اهل بيته، واخذوه هو نفسه، وكان مريضا، كاسير، فكيف يدعوا لهم بالنصر دعاء مخلصا في فحواه ومفاهيمه.

هل كان ذلك تقية، والتقية لاتصح في مثل هذه الاحوال، لانها تصبح ترويجاً للباطل، وحاشا الامام السجاد من ان يروج لمثل هكذا باطل.

كيف يفهم اذاً.. دعاء الامام السجاد..!؟

لايمكن ان يفسر أو يفهم بغير أن الامام كان يميز بين الدولة والحاكم. فالدولة هي دولة العرب والمسلمين يجب ان يتم الدفاع عنها، والحفاظ عليها بغض النظر عن الموقف من الحاكم اكان حاكم عدل، او ظالم.

والصحيفة السجادية بعد نهج البلاغة تعتبر نموذجا للخلق والمثل الشيعية، ترى الم يفهم ويدرك المتاسلمين أو المتشيعين هذه المعاني مع انهم لاينكرون بقية المعاني في الصحيفة السجادية، الا هذا الدعاء.. !؟ ترى لماذا يتم نسيان هذا الدعاء فقط..!؟

كشف احتلال العراق، او خط الحد الفاصل بين التشيع العلوي والتشيع الاموي. كما كشف زيف المتاجرين بدم الحسين. اولئك اللذين قلبوا الدنيا بالصراخ توجعا لضرب حسين كامل لقبة العباس في اذار1991، وظلوا في حسينياتهم وجامعاتهم التي اسسوها للتجارة ولتشويه صورة العلم ، يقيمون الاحتفالات الحزائنية السنوية في ذكرى ضرب قبة العباس (طبعا تجمع اموال هذه الاحتفالات من حقوق فقراء الشيعة)، الا انهم لم يحركوا ساكنا عندما ضربت وبتعمد قبة الامام علي – ابو العباس والحسين، بل وقفوا يتفرجون وكان الامر لايعني الشيعة، وكأن قبة الامام علي قبة شخص اخر لاعلاقة لتشيعهم به. انهم كشفوا انفسهم انهم شيعة امويين ..!

يقول الشاعر في القصيدة موضوع البحث:

" والله عار.. وعار عالناموا سبات

يعتب العباس راعي التضحيات

وين شيعتنا اللي ردناهم حماة

شو صفت كبة (قبة) ابوي مهدمة "

كما يشخص الشاعر هوية الغزاة، واهدافهم من غزو العراق عندما يقول:

" وصلت أسرائيل يم (قرب) الحسين"

وكذلك قوله:

" وصلت اميركا يم مرقد علي "

يلاحظ هنا الوعي السياسي الحاد والدقيق عند الشاعر الذي يقدم ذكر اسرائيل على اميركا، ليعطي معنى أن اميركا تقاتل نيابة عن اسرائيل ومن اجلها.

وهذه تساؤلات يطرحها الشاعر للتساؤل عما بقي من خطوط حمراء يهدد بها السستاني. فالاحتلال لم يحاول سحق التشيع بمفهومه ومثله العلوية بل حتى بمفهومه الصفوي، او ذاك الذي يصور قضية الحسين ومظلومية الشيعة، وكانها حفلات اكل جماعية للقيمة والهريسة، واللطم، فهذه القبب تهتك حرمتها، من قبل اعداء المسلمين، الذين سحقوا بدباباتهم وجزماتهم كل المثل والقيم الشيعية، بما فيها عظام الاجداد في مقبرة دار السلام في النجف، ماذا بقي كي يتحرك، تجار التشيع الاموي..!؟

يعبر الشاعر عن هذه الماساة في ازدواجية المعايير عند هؤلاء المتاجرين بدم الحسين واطفاله، فيقول:

" رد رضيع حسين ينزف منحره (نحره او رقبته)

والجيوش عالنجف بالمقبرة "

الرضيع هنا كناية عن أطفال الشيعة الذين ماتوا قتلا، وهم عطاشا، بما يعيد نفس مأساة عبد الله الرضيع. والقوات الاميركية تحشد وتجمع وحداتها في المقبرة، تدوس بزناجيرها، وجزمات جنودها على رفات الاجداد، ومع ذلك ظل هناك من يزعم بأنه سوف يتحرك عندما تتجاوز اميركا الخطوط الحمراء.

أية خطوط، وماذا بقي من مثل التشيع ورموزه ..!؟

يبدو أن الخطوط الحمراء هي منزل ومصالح السستاني، ولكي لاتداس هذه الخصوصيات، وليبرء نفسه من دماء اطفال النجف وهي تسيل امامه عليه أن يهرب متمارضا، وهذا بحد.. الكذب، عدا ما يعنيه من خروج على اساسيات المذهب لفرد عادي، ناهيك عن من يدعي أنه يمثل المذهب..! مراجع أو احزاب.

نص القصيدة، كتب يالخطوط العريضة، اما الكتابة بين الاقواس فهي توضيحا من الكاتب لمعانيها:

والله عار عالرجال النائمة

هجمت عالنجف جيوش الظالمة

والله عار وعار عالناموا سبات

يعتب العباس راعي التضحيات

وين شيعتنا اللي حسبناهم حماة

شو صفت كبة (قبته) ابوي مهدمة

وصلت اسرائيل يم (قرب) مرقد علي

والصدر يصرخ عليكم يا هلي

(الصدر المقصود هو السيد مقتدى الصدرالذي ظل يصرخ يا أهلي)

أنا لعراقي الابي مو بس الي

(انا اعمل للعراق وليس لنفسي)

هالشرف ذمة وعلينا مذممة

(هذا الشرف، مقاتلة الظالم والغازي والمحتل والدفاع عن كرامة المدن المقدسة، هي امانة وعلينا بشكل خاص كامتداد لاهل البيت والحسين علينا ادائها ، نذكر هنا بما أوردناه من حديث عن دعاء الثغور في أعلاه )

حانت الساعة أنعلن وقت الحرب

سدوا بالاجساد عالغازي الدرب

(أغلقوا باجسادكم على الغازي الطريق)

لاتنظرون الدعم من العرب

(أستخدم الشاعر هنا مصطلح النظر بدلا عن الانتظار، ليعطي صورة شعرية غريبة محملة بكثير من معاني الالم والخوف والانتظار والترقب للمعركة، فعادة ما يتوجه من وقع عليه بظلمأ أو حيفأ، بنظره صوب السماء ليقول لاشعوريا، أترى ما يجري لي يارب، ليس لي معين غيرك. أو قد ينظر المظلوم المحاصر، المهدد بالموت أو العدوان صوب الجهة التي يسكنها اهله واقاربه أو اخوته، نظرة فيها امل ونخوة في أن يروا ما يتعرض له كي ياتوا لمساعدته. كحالة ذاك الذي يجد نفسه في غابة او صحراء امام حيوان مفترس، نجد عينه اول ما تصوب على الطريق العام بامل أن تلتقط من ياتي لنجدتها. لكن الشاعر يعلن الخيبة، ويخاطب الثوار بأن لاحل الا أن تستعدوا للتضحيات، وتقطعوا الطريق على هذا الحيوان المفترس باجسادكم، كي لايصل الى مقدساتكم، مرقد الامام الحسين، ومرقد الامام علي.)

كاموا يصيحون ربنا محرمه

(بدؤا بالصراخ ان الله حرم دعم المقاومة العراقية، وهذه اشارة الى بعض الفتاوى التي قالت ان المقاومة ارهاب حرام)

وصلت اميريكا الكفر يم (بالقرب) الحسين

وينها الشربت فرات ودجلة وين

(اين تلك الجماهير العراقية التي شربت من ماء الفرات ودجلة)

وين اهل ذاك اللطم والخادمين ..

(أين اولئك اللذين يلطمون على الحسين ويدعون انهم بخدمته، مستعدين للقتال من اجل مبادئه)

ردت عا الحسين تلطم فاطمة

( نتيجة الخيبات التي راتها السيدة فاطمة الزهراء ببعض من يدعي انه من شيعة الحسين، عادت هي تلطم على الحسين وماساته وخيباته بهكذا شيعة غدارين)

(لماذا تلطم فاطمة الزهراء.. هذا الجزء يفسر ذلك..)

هم رجع عاشور هاليوم وطلع

(هم تعني بالعراقية الدارجة رجع الشئ او عاد وتكرر الحادث، وطلع تعني ظهر أو بان، للتاكيد على عودة الماساة الكربلائية)

وبأمر بوش الشمر على المذبح رجع

(الشمر هو احد قادة جيوش يزيد، وهو الذي تقدم بعد سقوط الحسين صريعا الى قطع رقبته، ورفع راسه دلالة للانتصار وانتهاء الحرب. بوش – الرئيس الاميركي – اعاد ذكرى الشمر اللعين في ذبحه للاطفال الشيعة والشباب الشيعة في النجف)

ظل غريب حسين والدين انفجع

من جديد، وهاي زينب لاطمة

(أعاد شمر العصر الحديث بوش الفاجعة في قتل الاطفال والشيعة في النجف، لذلك يعود الحسين غريبا. وتعود وثورته وما تحمله من معاني فاضلة وقيم غريبة ايضا على العصر، وهذه نكسة جديدة للدين الاسلامي – والتشيع خاصة - لذلك تعود زينب ابنة الامام علي الى اللطم ثانية لان الماساة تعود، بيزيد جديد، وشيعة متخاذلين جدد، عودة نفس الدورة التاريخية، وكأن زينب لم تضحي، وعليها أن تعود للتضحية ثانية لذلك هي نلطم. وزينب هنا كناية عن كل أمراة عراقية حرة شريفة تلتزم بقيم العروبة والاسلام.)

(لماذ تلطم زينب وفاطمة الزهراء ... يعود الشاعر لايضاح ذلك ثانية في هذه الاشطر الجديدة)

رد رضيع حسين ينزف منحره

.. (رجع عبد الله الرضيع ابن الامام الحسين الذي قتل بكربلاء ينزف نحره من خلال الاطفال الشيعة اللذين قتلوا بالنجف بنفس الطريقة، عطشا، وظلما.. لذلك تلطم فاطمة الزهراء)

والجيوش على النجف بالمقبرة

(تلتصق مقبرة النجف بالمدينة، ووجود الجيوش الاميركية في المقبرة دلالة على قربها من المدينة، اضافة لما تعنيه المقبرة من ان الحقد وصل للعظام، وليس فقط الاحياء والاطفال وانما عظام الاجداد ايضا)

وناس متورطة بامرها وحايرة ..

(الحيرة في ماساة كربلاء جائت من ان وعاظ يزيد قالوا على الحسين انه خارجي، فحارت الناس هل تقاتل مع هذا الخارجي ام ضده، وهذا السيد مقتدى الصدر خرج يقاتل الاحتلال، فوقف وعاظ اميركا كالسستاني وجماعة الحكيم وحتى حزب الدعوة ، ورغم ان الحقد وصل للعظام ورفات الموتى- لتقول انه متمرد مدفوع من الخارج، وحار بسطاء الشيعة هل يخرجون مع هذا المتمرد ام يسمعون لوعاظ اميركا. الشطر او الاشطر السابقة تؤشر، وبسخرية- بشكل غير مباشر لدعوى السستاني من انه هناك خطوط حمر لن يسمح للاحتلال في تجاوزها، مع ان الاحتلال لم يرعى اية خطوط حمر ولم يرعى اي قيم لم يدوس عليها بجزماته ودباباته، بما في ذلك عظام الجدود ورفاتهم، فماذا بقي من الخطوط الحمر السستانية)

أعداد القيود ملجمة ..

(الكلمة الاولى لم نستطيع التقاطها، الا ان المعنى العام تكملة لما سبقها، كون الناس ملجمة ومقيدة بتلك الفتاوى الباطلة لوعاظ يزيد – اميركا في حالة الصدر-)

حسين مو قيمة وهريسة ولا لطم ..

(اعتاد الناس ان يطبخوا اكلات خاصة مثل القيمة والهريسة ويوزعونها مجاناً بمناسبة عاشوراء، ويلجأ البعض الاخر الى اللطم على الصدور او الظهور أو الرؤوس بنفس المناسبة، والشاعر ينبه الى ان الحسين وذكراه لاتعني الاكل المجاني او اللطم بل لثورته معاني اكبر واسمى مما تفعلون، يجيب الشطر التالي عن هذه المعاني.

حاول جماعات النفعيين والمتاسلمين من قادة الحركات التي تدعي التشيع ان تختصر معاني التشيع، باقامة مثل هذه المراسيم توزيع القيمة والهريسة المجانية، ثم اللطم على الحسين- او ما يسمونه بمظلومية الشيعة، أي ان الشيعة محرومين من اداء مثل هذه الشعائر، على اساس ان هذا هو التشيع متغاضين او محاولين تعمدا طمس الاهداف الاساسية والمعاني والقيم النبيلة لثورة الحسين، لذلك يريد الشاعر ان يميز بين خطين للتشيع، خط اولئك النصابين والنفعيين اللذين يريدون استخدام اسم الحسين لتعزيز امتيازاتهم، وجني الارباح، وتشيع المثل وقيم الحرية والعدل والكرامة)

حسين، حرية، وكرامات، وعِِلم

واللي يحب حسين، يعلن هالاسم

(من يحب الحسين يعلن ماهي المعاني والمثل في ثورته، المعاني التي ذكرها الشاعر في الشطر السابق، الحرية، الكرامة، والعلم )

ينشف الدمعة ويطب (يدخل) بالملحمة ..

(من يدرك المعاني النبيلة لثورة الحسين، يتوقف عن البكاء على الحسين، ويدخل بالملحمة – المعركة – ضد المحتل الاميركي، وذلك هو التجسيد الحقيقي لمعاني ثورة الحسين وليس كما يروج النفعيين من انها مجرد توزيع لاكلات القيمة والهريسة او للطم – مظلومية الشيعة - )

كربلاء جيوش الكفر، والينها

(الولية تعني استهتار الظالم بظلمه بسبب امتلاكه لعناصر القوة، وتعني هنا الاسر، اي ان كربلاء وقعت اسيرة بايدي جيوش الكافرين، وهل هناك من دافع او حافز او مبرر اكثر من هذا لاعلان الجهاد، ومع ذلك يتقول السستاني حول الخطوط الحمر، وهل هناك خطوط حمراء اكثر من الذل الذي تعرضت له المدن المقدسة ، ككربلاء والنجف)

وفاطمة تعاين (تراقب) ترى (احذروا) بعينها

وين اعلام المواكب وينها..

(اعتاد الشيعة في العراق ان يذهبوا جماعات من كل المدن بمواكب مليونية الى النجف وكربلاء بمناسبة استشهاد الحسين في 10 محرم، يعلنون ويجددون البيعة للامام الحسين على انهم سيقاتلون من اجل مبادئه وقيمه، وهم عادة يحملون الاعلام كناية عن استعدادهم للحرب والمعركة، وهنا تعاتب الزهراء على لسان الشاعر على اهل هذه المواكب في انهم لم يفوا بعهدهم وهم يرون ابن الحسين السيد مقتدى الصدر يحاصر في حرم جده علي، ولا يتحركوا، والدبابات تدوس عظام ورفاة الاجداد، وكربلاء والنجف مسبيتان)

وينها اللي نزلت سواد محزمة

(النقاط كلمة غير واضحة، والشطر يعني تكرار لنخوة فاطمة الزهراء التي تناشد هؤلاء اللذين ينزلوا محزمين – دلالة عن الاستعداد – للوفاء ببيعتهم للحسين. وتساؤلهم لماذا لم يتحركوا لنصرة ابنها السيد مقتدى الصدر)

والله عار عالرجال النائمة

عانجف هجمت جيوش الظالمة

خاتمة:

القصيدة بمعانيها تشبه الى حد قريب القصيدة التي قرئها احد المشايخ من الفلوجة، وبطريقة الموالد النبوية، يرافق قرائتها ضرب الدفوف على ايقاع خاص، يشبه الضرب عند احياء الموالد النبوية، بعنوان

" حي الله أهل الفلوجة
اللي كلهم شجعان
ما دنوا راس وذلوا للاميركان "
تتشابه القصيدتان بما تعكسانه من ايمان بالاولياء، يستمد الثوار منه الدعم المعنوي، وعتب على المتخاذلين، وتصميم على القتال ضد العدو بقوة وايمان وشراسة. كما انها تشخص من هو العدو الحقيقي، الذي لايقتصر على المحتل الاميركي ، بل يشمل الجماعات الصهيونية والماسونية. حيث يقول أحد مقاطعها:

"تبقى الفلوجة بحيل الله المحمية
قلعة وتبقى تحارب بالماسونية
أم المساجد والمآذن هي
محروسة بعين الباري الفرد الديان "
نفس الاشارة الواردة في اللطمية الحسينية عندما تقول : "وصلت اسرائيل يم مرقد علي"
من الملاحظات المهمة، أن هذه القصيدة تبدأ بالانتخاء بالعباس، وتستمد منه العزيمة والقوة في محاربة العدو:
" حي الله أهل الفلوجة التيجان الراس
ولدين الله ورسوله وقفوا حراس
بيهم شارات اليمة (الائمة) وجدنا العباس
اش هالضربة البازوكة بساحات الميدان"
وفي القصيدة الحسينية يبدأ الشاعر بتذكير ببطولات العباس، ونخوته:
"والله عا وعار عالناموا سبات
يعتب العباس راعي التضحيات
وين شيعتنا اللي ردناهم حماة
شو صفت كبة ابوي مهدمة"
واذا كان الشاعر في القصيدة الاولى يشكك في تشيع المتقاعسين، ويونبهم، ويتهمهم بانهم اوجعوا السيدة فاطمة الزهراء بتقاعسهم هذا، كما خيبوا امال السيدة زينب بهم. فان الشاعر الفلوجي يعاتب على الاسياد عتب المحب وصاحب الحق في ان يطلب نخوتهم:
" ارد انخى جدودي السادة اللي ما فزعولي
ومن ردنا امداد العاجل شو ما جولي
هي السبب الاميركي يصول يجولي
يا ابن الرفاعي وينك وين الكيلان "

وهذه النخوة لها قصتها، فما بين النجف ودليم او محافظة الانبار هناك علاقات قوية، فعشائر آل فتلة الشيعية المقيمة بين النجف والديوانية، تنتسب بالاصل الى عشائر الدليم. وقد عرف آل فتلة بمواقفهم البطولية، وادوار شيخهم عبد الواحد السكر، في ثورة العشرين معروفة، كما هي أدواره الممتدة بطول حياته في مقارعة الظلم والاحتلال والعدوان. وعندما انتخى المراجع الشيعة في النجف وكربلاء بعشائر الدليم، والفلوجة تحديدا، ثارت عشائر زوبع بقيادة الشيخ ضاري الزوبعي (جد الشيخ حارث الضاري– رئيس هيئة علماء المسلمين). وعشائر الجنابات بقيادة الشيخ الشيخ خضير الحاج عاصي، وعشائر البو محيي بقيادة الشيخ علوان الشلال. الامر الذي اغض لجمن – الحاكم البريطاني للواء الدليم في حينها- فطلب الاجتماع بهم، وتسائل مستغربا كيف يشاركون بالثورة، محاولا التلاعب على وتر الطائفية، كون هؤلاء الشيوخ من السنة، والثورة تخضع لقيادات شيعية خاصة المرجع الميرزا محمد تقي الشيرازي .فأجابه الشيخ ضاري: "أن علمائنا حكومتنا وقد امرنا القران باطاعة الله ورسوله وأولي الامر منا، فاذا اعتديتم عليهم فأننا سننتصر لهم ونحاربكم بجانبهم.. والاولى أن تلبوا ما ارادوا"
الجواب الذي أثار حنق لجمن وغضبه على الشيخ ضاري ، وأدى الى تصاعد العداء بين الاثنين حتى اضطر الشيخ ضاري الى قتل لجمن بمساعدة ابنه الشيخ سليمان (والد الشيخ حارث الضاري). وهذا ما يدفعنا للقول لو كانت هناك مرجعية حقيقية حريصة على وحدة المسلمين وعلى وحدة العراق، وتستطيع أن تغالب هواها، أو أن هناك قوى سياسية حريصة فعلا على المثل الشيعية، لحاولت أن تستفاد من هذا التراث اللاطائفي، بل الملتزم بخط المرجعية عند الشيخ حارث، لتجعل منه الاساس لوحدة المسلمين في مواجهة محتل غاشم، داس أول ما داس على مقدسات الشيعة، كما اوضحت اللطمية اعلاه
الا أن مصلحة المرجعية والاحزاب المتاسلمة– المتشيعة، لاتلتقي مع المثل الشيعية، ولا مع مصلحة الطائفة او مصلحة المسلمين عامة، فهي اكثر التصاقاً بمصلحة المحتل واهدافه العلنية، المكشوفة، والمستورة ايضا.

الآراء المنشوره لا تعبر بالضروره عن رأي أسرة التحرير www.arabrenewal.com

ليست هناك تعليقات: