١‏/١٠‏/٢٠٠٥

الميثاق الجزائري يمكن أن يرسخ الإفلات من العقاب ويقوض المصالحة

نيويورك، 23 سبتمبر/أيلول 2005 – قال المركز الدولي للعدالة الانتقالية اليوم إن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي اقترحته الحكومة الجزائرية يمكن أن يؤدي إلى ترسيخ إفلات الجناة من العقاب، وحرمان الضحايا من حقوقهم واحتياجاتهم، وعرقلة إعادة بناء مجتمع في حالة تغير وتقلب مستمر.


ومن المقرر أن يصوت المواطنون الجزائريون على"الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية" في استفتاء عام يعقد في 29 سبتمبر/أيلول؛ وتعد وثيقة الميثاق بمثابة إعلان لمبادئ تسوية الحرب الأهلية التي أفضت إلى وفاة واختفاء نحو 200 ألف مواطن جزائري منذ عام 1991. ورغم أن الميثاق يهدف إلى تعزيز المصالحة، فإنه يهدر حقوق الضحايا في الحقيقة والإنصاف.

وإذا ما تم إقرار هذا الميثاق، فسوف يسمح الاستفتاء للرئيس الجزائري باتخاذ "الإجراءات الضرورية" للمضي قدماً في تنفيذ رؤيته للمصالحة، في الوقت الذي يجرِّم فيه المعارضة العلنية له في الواقع الفعلي، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات منح عفو فعلي عن مقترفي الجرائم الخطيرة، ومنع إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة بشأن الانتهاكات التي وقعت في الماضي.

وقد أعرب المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن بالغ قلقه لأن هذه الإجراءات من شأنها أن تؤدي إلى انتكاس المساعي الرامية لتحقيق الهدف المعلن للحكومة في تحقيق المصالحة بدلاً من دفعها قدماً.

وقال هاني مجلي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية "لقد اتضح جلياً من تجارب الدول الأخرى أن التدابير الحكومية لترسيخ الإفلات من العقاب لا تؤدي لشيء سوى زعزعة ثقة الجماهير في نظام القضاء؛ ولا ينبغي أن يحدث ذلك في هذه اللحظة بعينها من تاريخ الجزائر التي يتعين فيها ترسيخ سيادة القانون".

ويقترح الميثاق إصدار عفو عن أفراد جماعات التمرد المسلحة – التي اقترف بعضها انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان – ويجعل بالإمكان إصدار تشريعات مستقبلية تقر الحصانة من العقاب التي تنعم بها في الواقع الفعلي القوات الحكومية المسؤولة هي الأخرى عن الانتهاكات الخطيرة. ورغم أن الميثاق يشير إلى عدم جواز إصدار عفو عن مرتكبي المجازر، وجرائم الاغتصاب، والتفجيرات في الأماكن العامة، فإنه لا يستثني مرتكبي جرائم أخرى ليست بأقل خطورة، مثل التعذيب والإخفاء القسري. وحماية الإنسان من التعرض لهذه الجرائم هو حق من حقوقه التي لا يجوز المساس بها أو الانتقاص منها، مما يجعل مقترفيها غير أهل لأي عفو بموجب المعايير القانونية الدولية.

ومما يبعث على قلق المركز أيضاً أن الميثاق ينطوي على افتراض ضمني بأنه لا ضرورة لإنشاء لجنة للحقيقة في الجزائر؛ وبدلاً من افتراض أن عملاء وموظفي الدولة لم يرتكبوا انتهاكات واسعة النطاق، بدون إجراء أي تحقيق، فإن الأجدى والأدعى لتعزيز الجهود الرامية للتعامل مع الماضي هو وضع هذا الافتراض على محك الاختبار من خلال آلية مستقلة وجديرة بالتصديق لتحري الحقيقة، مثل إنشاء لجنة لتقصي الحقائق.

كما يعرب المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن قلقه بشأن نهج "التعويضات فحسب" الذي ينحوه الميثاق في التصدي لتركة الانتهاكات في الجزائر؛ إذ يقترح الميثاق تقديم تعويضات للأشخاص الذين تسبب عملاء الدولة في اختفائهم، أو تعويض عائلات الأشخاص الذين لا يزالون في عداد المفقودين. وتظهر الخبرة الدولية أن المبادرات التعويضية تكون أقصى فعالية عندما تواكبها مساعٍ حكومية حقيقية في مجالات العدالة، والمصارحة، والإصلاح المؤسسي، وتخليد الذكرى. وإذا ما تم تنفيذ برامج التعويضات في غياب مثل هذه الجهود، فسوف ينظر إليها في الغالب باعتبارها محاولة لشراء صمت الضحايا وذويهم، وليس باعتبارها محاولة صادقة لإصلاح أخطاء ومظالم الماضي.

ويجدر بالحكومة الجزائرية أن تستغل هذه اللحظة الفريدة في تاريخها للاستفادة من خبرات وتجارب الدول الأخرى، وتلافي تكرار الأخطاء التي وقعت فيها حكومات أخرى في حالات مماثلة. كما يجب على الجزائر اغتنام هذه الفرصة السانحة لانتهاج السبيل نحو إرساء مجتمع يقوم على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

وقال مجلي "إن الحكومة الجزائرية إذ هي تستعد لطرح ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لاستفتاء عام، فإنها تهيئ نفسها للفشل؛ فحتى إذا زكَّى الشعب الجزائري هذا الميثاق، فلن يفضي إلى شيء سوى الإيهام بتحقق المصالحة".

ولم يفت الأوان بعد لأن تغير الحكومة مسارها؛ ومن ثم فإن المركز الدولي للعدالة الانتقالية يحث السلطات الجزائرية على اتخاذ خطوات إيجابية فورية لتحقيق ما يلي:

محاسبة مرتكبي الانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
تيسير الكشف عن كامل الحقائق بشأن الضحايا ومرتكبي انتهاكات الماضي.
منح تعويضات شاملة للضحايا وذويهم.
وقد كان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية من قبل محل انتقادات المنظمات الدولية والوطنية، بما في ذلك الفريق العامل بالأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، والمركز الدولي للعدالة الانتقالية، وأبرز المنظمات الجزائرية المعنية بحقوق الإنسان والضحايا.

خلفية

كانت أول مرة اقترح فيها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة علناً إصدار عفو عام في نوفمبر/تشرين الثاني 2004؛ وجاء هذا الاقتراح في أعقاب اتخاذ تدابير مماثلة كان الهدف المعلن من ورائها هو تحقيق المصالحة الوطنية. وفي عام 1999، صدر القانون المعروف باسم "قانون الوئام المدني" الذي منح عفواً عن أعضاء الجماعات المسلحة ممن نبذوا العنف؛ ويقضي القانون بأن يُعفَى من الملاحقة القضائية من لم يقترفوا جرائم القتل أو الاغتصاب أو تفجير القنابل في الأماكن العامة؛ أما من ارتكبوا مثل هذه الجرائم فتُفرض عليهم عقوبات مخففة.

ولم تتوفر معلومات تُذكر عن تطبيق هذا القانون، وعن الإجراءات القضائية التي تم اتخاذها ضد أفراد الجماعات المسلحة الذين أدينوا بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وتشير تقارير دعاة حقوق الإنسان المحليين، والضحايا، وعائلاتهم، إلى أنه لم تجرِ أي تحقيقات قضائية في الأغلب والأعم، وأن الآلاف من أعضاء الجماعات المسلحة تم إعفاؤهم في الواقع الفعلي من الملاحقة القضائية، بدون النظر فيما إذا كانوا قد ارتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

وفي يناير/كانون الثاني 2000، صدر مرسوم رئاسي يمنح عفواً عن المئات من أعضاء الجماعات المسلحة التي أعلنت وقف إطلاق النار عام 1997، بغض النظر عما إذا كانت قد ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان.

وفي مارس/آذار 2005، أعلنت هيئة شكلتها الحكومة أنها أجرت تحقيقات بشأن الجرائم التي وقعت إبان الحرب الأهلية ولم يبت فيها بعد، وتبين أن قوات الأمن كانت مسؤولة عن 6146 من حالات الاختفاء. ولم تصدر هذه الهيئة أي تقرير علني قط عن نتائج تحقيقاتها، ثم زعمت فيما بعد أن هذه الأرقام مبالغ فيها.

للحصول على مزيد من المعلومات، يرجى الاتصال بـ:

سوزانا غريغو (Suzana Grego)، مديرة قسم الاتصالات

المركز الدولي للعدالة الانتقالية

هاتف: +1 917 703 1106؛ بريد إلكتروني: sgrego@ictj.org

ليست هناك تعليقات: