١٠‏/٣‏/٢٠٠٦

المخرج يوسف شاهين في عامه الثمانين/ أن تبقى في مصر يعني أن تصبح فاسدا

بلغ الفنان الشهير والمشاكس الأول في السينما العربية، المخرج يوسف شاهين عامه الثمانين. في مقابلة مع موقع قنطرة يصب يوسف شاهين جام غضبه على السياسة الأمريكية والرقابة المفروضة على الفنانين في مصر.




قنطرة: يقال أنّك انضممت قبل الانتخابات الرئاسية إلى حركة "كفاية" المعارِضة؟

يوسف شاهين: لم انضم في يومٍ من الأيام إلى حركة "كفاية"، فليس لديهم أي برنامج. دعوني ذات مرة لأتظاهر معهم. بيد أنني لست معتوهاً. كانوا أربعين متظاهرًا محاطين بثلاثة آلاف من أفراد قوى الأمن المدججين بالهراوات وقنابل الغاز. القمع وصل درجةً لا تصدّق، والمافيا التي تحكم البلاد شديدة للغاية، فهم يسيطرون على جهاز الشرطة والمخابرات والجيش وإذا اضطرهم الأمر سيجدون الجيش الأمريكي مستعدًا لمساندتهم. هم على درجة عالية من التنظيم وبالتالي تصعب مواجهتهم.



هل يزداد عدد المتظاهرين مع تطور الأحداث؟

إلى حدٍ ما. لكن لم يبلغوا بعد الحجم الكافي. نعيش في حالة الطوارئ منذ 23 سنة. ما يسمونه في الولايات المتحدة الأمريكية “Patriot act”. عندهم نفس الغوط الذي عندنا، بيد أننا متخلفون وبالتالي فالغوط عندنا أكبر. أردتُ أنْ أقدم هديةً للجامعة ذات مرة: هراوات غليظة، إذ أنّ الطلبة لا يملكون سوى كتبهم عندما يتظاهرون. ماذا يمكنهم أنْ يفعلوا بها؟ يتلقون الضربات في كل مرة يتظاهرون فيها. أتمنى لو نستطيع الرد عليهم بالضرب مرة.



ما هو الدور الذي يلعبه الفنانون في عملية التجاذب السياسي؟

عليك أنْ تعبِّر عن رأيك. لن تكون فنانًا، إنْ لم تكن ملماً بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يتعين عليك أنْ تعرف مشاكل المصريين عندما تتكلم عنهم. إما أنْ تساند الحداثة وإما أنك لا تعرف ما أنت فاعله.



هل تعتقد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا ستدعمان حركة "كفاية" كما دعما المعارضة في لبنان؟

لا! الولايات المتحدة الأمريكية لا تدعم سوى السيد مبارك. هم نصَّبوه على كرسي الرئاسة. بيد أنّه يبتزهم كذلك، فهو يقول لهم: إما أنا أو الاسلامويون!



سيد شاهين كنت معجبًا بالثقافة الأمريكية في السابق.

كنت مولعًا بالثقافة الأمريكية. وكنت قد حصّلت تعليمي الأكاديمي في باسادينا.



هل تغير موقفك الآن؟

حصلت قطيعة بيني وبينهم، لأنني لم أعد أتحمل ما يقومون به من أفعال. ليس في العراق وحسب، بل أيضاً معي أنا. أردت أنْ أُضمِّن فيلمي الأخير بعضاً من مقاطع من فيلمٍ أمريكي غنائي من الأربعينيات، يلعب فيه فرانك سناترا. فطلبوا مني مليوني دولار مقابل ذلك. قلت لهم أنني سأحتفي عبر المقاطع المأخوذة بالسينما الأمريكية. بيد أنّ الأمر كان بالنسبة لهم سيّان، فالمال هو كل ما يسعون إليه.



هل القطيعة مع أمريكا سياسية وحسب أم ثقافية أيضًا؟

لا أزال أحب الثقافة الأمريكية. هم مبدعون ويبتكرون دائمًا أشياء جديدة. بيد أنّ الفلسفة الرأسمالية منزوعة اللجام عنيفة للغاية. وهذا ما ينعكس أيضًا على الأفلام.



هل يُغيِّب هذا الاغتراب جزءًا من تاريخك الشخصي؟

هذا ما يثير حفيظتي. عالجت في عملي الأخير كيف غدا الأمريكيون غليظي المشاعر. الرقة اختفت. كانت الأفلام رومنطيقية في الأربعينيات: حيث كانت نساءٌ حسناوات يصعدن سلالم جميلة على وقعِ موسيقى خلابة. كنا نخرج من دور السينما بعد مشاهدة العرض ونحن نغني طرباً. اليوم تشعر بحاجة للتقيؤ بعد العرض.



ما أهمية نجاح أفلامك في مصر بالنسبة لك؟

حين يُمنع فيلمك في مصر تتحطم. هنا تكمن قوة أجهزة الرقابة. يتعين عليك أنْ تقدم السيناريو لهذه الأجهزة، حيث يقوم ثلاثة مغفلين بقراءته. يقولون أشطب هذا وأشطب ذاك. وأجيب: "لا لن أشطب شيئًا". ليجلس بعدها ثلاث نساء محجبات أمام طاقم العمل أثناء التصوير يراقبن ما تفعل. هنا عليّ أنْ أفكر بحيّلٍ ما. لديّ مساعد وسيم للغاية، أرسله ليتغزل بهن. يذهب بهن إلى الممر بعيدًا عني كلما أريد أنْ أصوِّر مشهدًا يحتوي شيئًا من السياسة أو الجنس.



تعبر عن رأيك السياسي ليس في الأفلام وحسب بل أيضًا في الإعلام.

لا يحبونني في التلفاز. لأنني أرفض أنْ أتحدث فيه، اللهم إلا إذا كان البث حيًا. وإلا لاقتطعوا الأجزاء التي لا تناسبهم. لا أقبل بذلك. الصحافة تختزل كلامي كذلك، لأنني أشتِم وزير الخارجية باستمرار. ولست سعيداً برئيس الجمهورية. وهو لا يحب المثقفين أبداً. لا يحب الأفلام بل كرة القدم وحسب. لا أستطيع أن افعل شيئًا حيال ذلك. نعيش في دولة دكتاتورية يتبوأ فيها أشخاصٌ معتوهون للغاية مواقع مهمة.



هل يمكنك أنْ تتصور مصر ليبرالية في الفترة الوجيزة القادمة؟

لا في الفترة القريبة ولا البعيدة. الناس تعبوا للدرجة التي لم يعد بمقدورهم الخروج معها إلى الشارع.



ألا يمنحك الأمل جيلُ الشباب وافر العدد في مصر؟

لا، لأنهم يافعون. أراهم يقفون طوابير أمام القنصلية الألمانية والقنصلية الفرنسية. كلهم يريد أنْ يهاجر. كنت سابقاً أقول لطلابي لا تفعلوا ذلك. لأنني من الجيل القديم وكنت قد رأيت بهاء الوطن. كنت أقول لهم: نحن بحاجةٍ لكم بعد أنْ تنهوا دراستكم. اليوم أقول لهم "إذهبوا" فلا فرصة لكم هنا. الفساد يعم مصر. أنْ تبقى هنا يعني أنْ تصبح فاسداً.



أجرى المقابلة موريتس بيريندت وكريستيان ميير
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة

ليست هناك تعليقات: