١٥‏/٣‏/٢٠٠٦

حول كتاب تاريخ كيمبردج للأدب العربي

حول كتاب تاريخ كيمبردج للأدب العربي د. السبيل لـ "الرياض":فكرة إخراج الكتاب نبعت من قيمته في الأوساط الأدبية العربية والغربية


T444 حوار - يحيى الأمير

واحد من ابرز المؤلفات التي اخرجها نادي جدة الأدبي والثقافي ضمن ما تفعله المجموعة المنتجة القائمة على هذا النادي وأعماله، من رأسه من عبدالفتاح أبومدين وانتهاء بجميع اعضائه والعاملين فيه.
هكذا يصبح العمل الثقافي والادبي هماً قومياً وتصورا امميا يفتح المغلق والمغيب والمنسي ويأتي به الى دائرة الضوء.
هذا ما صُنع مع كتاب: تاريخ كيمبردج للأدب العربي، الذي تناول جميع عصور الادب العربي بدءا بالجاهلي وانتهاء بالعصر الحديث، ومع ما يشكله هذا الكتاب من اهمية بالغة بمختلف اجزائه ظل مغيبا ومنسيا وبعيدا عن الاهتمام من المؤسسات والهيئات الثقافية العربية ناهيك عن الداخلية، حتي نبه الاوفياء في نادي جدة الى حيويته واهميته وحسرة غيابه فقاموا بترجمة الجزء الأخير منه والذي يختص بالادب العربي الحديث ويضم خمسة عشر بحثاً كالتالي:
1- الخلفية لمحمد مصطفى بدوي وترجمة د. محمد الشوكاني.
2- الترجمات والتبني لبيير كاكيا وترجمة كذلك د. الشوكاني.
3- الشعراء الاحيائيون ل: س. شوميخ وترجمة احمد الطامي.
4- الشعراء الرومانسيون ل. أوستل وترجمة محمد العبداللطيف.
5- شعر الحداثة لسلمى الجيوسي وترجمة سعد البازعي.
6- نشأة الرواية لروجر ألن وترجمة لمياء باعشن،
7- الرواية الناضجة خارج مصر لروجر ألن وترجمة محمد القويفلي.
9- الرواية المصرية من زينب إلى  1980الميلادي كيلباترك وترجمة حسن النعمي.
9- القصة القصيرة الحديثة لصبري حافظ وترجمة عبدالعزيز السبيل.
10- المسرحية العربية.. التطورات المبكرة لمحمد مصطفى بدوي وترجمة ابتسام صادق.
11- المسرحية العربية منذ الثلاثينات لعلي الراعي وترجمة صالح الغامدي.
12- كتاب النثر لبيير كاكيا وترجمة عفت خوقير.
13- النقاد لبيير كاكيا وترجمة سعاد المانع.
14- الكاتبات العربيات لمريم كوك وترجمة أبو بكر باقادر.
15 شعر العامية لمارلين بوث وترجمة عبدالله المعيقل وسالم الخماش.
أسئلة ملحة وكثيرة يطرحها هذا الكتاب ناهيك عما يمثله ما طرح للتصور القائم عن الأدب العربي عند الآخر، أضف إلى ذلك الطرح المختلف عما درج عليه احيانا عند المؤرخين العرب، واسئلة كثيرة عن مصير بقية الأجزاء وعن المناطق العربية التي حضرت ضمن هذا الكتاب وغياب مناطق اخرى، والمنهج الذي اتخذه مختلف الكتاب في تناول الموضوعات التي بحثوها، ووجود كتاب عرب ومدى التباين او التشابه بين طرحهم وطرح سواهم من غير العرب الدكتور عبدالعزيز السبيّل استاذ الادب والنقد بجامعة الملك سعود بالرياض، كلية الآداب، وصاحب مشوار عريض مع نادي جدة هذا النادي الذي يمثل حرجاً لبقية الاندية بنجاحه واشتماله على اسماء كانت بجهودها خلف ذلك النجاح.
الدكتور السبيل احد محرري الكتاب والقائمين عليه اعدادا وترتيبا بل ومشاركة من خلال ترجمته لاحد البحوث التي تضمنها الكتاب.
تواصلنا معه في ثقافة اليوم مبتهجين متسائلين متداخلين حول هذا الكتاب بالغ الأهمية.. وانجلى ذلك التواصل عن هذه المحاور والاسئلة ضمن الحوار التالي:
ما الفكرة المشروعية التي تقف خلف اختيار الكتاب وتبني اخراجه؟
- نبعت الفكرة من قيمة الكتاب في الأوساط الأدبية سواء كانت عربية او غربية او القارئه لهاتين اللغتين، ومن جانب آخر كنا نبحث في اطار ادبنا العربي عن كتاب يتسم بالشمولية في تناول موضوعات الادب العربي الحديث ولم نجد كتاباً يتسم بهذا الطابع الشمولي لكافة اجزاء وجوانب الادب العربي ولذلك ثم اقتراح ترجمة هذا الكتاب من قبل متبني نشر هذا الكتاب وهو نادي جدة الأدبي.
ما أبرز القضايا والمحاور التي تناولتها هذه الدراسات؟
- الكتاب يتناول جزئيات متكالمة وشاملة بالنسبة للأدب العربي الحديث شملت الشعر باتجاهاته المختلفة بدءا من المدرسة الاحيائية وانتهاء بقصيدة الحداثة وما بينهما، الرواية ايضا منذ البدء إلى وقتها الحاضر، القصة القصيرة، المسرحية، جوانب أخرى ككتاب النثر والكاتبات العربيات، وغير ذلك.
هل للكتاب أجزاء اخرى تتناول مراحل مختلفة من الأدب العربي؟
- نعم.. الكتاب في أصله اربعة اجزاء، لكن نحن في المرحلة الأولى ركزنا على هذا الجزء والمتعلق بالادب العربي الحديث كمرحلة اولى ونأمل ان يكون بالامكان ترجمة الاجزاء الثلاثة المتعلقة بالادب القديم.
ما المرحلة الادبية التي شملتها بقية أجزاء من هذا الكتاب؟
- بدأت الدراسات من العصر الجاهلي وصولاً الى هذا العصر وهي خمسة مجلدات احدها الى نهاية العصر الاموي واثنان للعصر العباسي وآخر للادب الأندلسي.
متى بدأ تبني جامعة كيمبردج لهذا المشروع؟
- بالنسبة لهذا الجزء الخاص بالأدب العربي الحديث فقد صدر حسب علمي عام 1992م.
هل ينتمي كتاب هذه الدراسات لمدرسة فكرية معينة او توجه معين يعتبر جامعاً بينهم؟
- في الدرس الاكاديمي ومن خلال القراءة الاكاديمية يصعب تحديد ما اذا كان هذا الكاتب او ذاك صاحب توجه فكريّ معين على اعتبار ان هؤلاء الكتاب يتناولون هذه القضايا من منطلقات اكاديمية بحتة وكان هناك حرص على التعامل مع النصوص اكثر من محاولة اضفاء ايديولوجية معينة على هذه الكتابات، ثم انني انظر اليهم على انهم كتاب عرب فهم ممن درسوا الثقافة العربية دراسة واسعة وكل اهتماماتهم تصب على التأليف والكتابة في الادب العربي ولذلك فكل الذين ساهموا في هذا الكتاب لديهم كتابات كثيرة ومتعددة عن الأدب العربي.
ما القيمة المنهجية التي يضيفها هذا الكتاب على ما سبق وطرحه مؤلفون عربٌ في هذا المجال؟
- هنا تأتي مسألتان الأولى الرؤية التي نستطيع وصفها بالرؤية الموضوعية التي يشتمل عليها الكتاب في رؤيته الشمولية للأدب العربي الحديث، والثانية: شمولية الطرح في كتاب واحد يتناول هذه الاجزاء وهي اجزاء متكاملة.
بماذا يتميز هذا الكتاب في منهجه وتناوله عما طرح المؤلفون العرب من تاريخ للادب العربي؟
- انا لست هنا في مجال أن اقول: إن هذا الكتاب يتميز عن بقية الكتب الاخرى دعنا نقول انه يختلف كما يختلف اي كتاب عن كتاب آخر لكن يمزج هذا الكتاب بين جانبين الجانب التاريخي والجانب النقدي في التعامل مع النصوص، ولأن الكتاب كتب باللغة الانجليزية فلذلك يحرص مؤلفوه على الدخول في بعض التفصيلات لإعطاء القارئ الغربي وغير المتعرف بشكل كبير على الأدب العربي وهي تفصيلات شعرنا معها بان القارئ العربي لا يزال بحاة اليها، ففي كثير من المؤلفات العربية يتصور المؤلف العربي ان هذه قضية معروفة للقارئ فيتجاوز الكثير من المفاصل الادبية تاريخيا وفكريا لينطلق إلى فضاءات اخرى انما الامر ليس كذلك دائماً، نلحظ كذلك جانب التوثيق وبالذات فيما يتعلق بوفاة الكاتب وولادته وصدور الكتاب ودقة هذه المعلومات، انما لا يزال كثير من كتابنا العرب لا يهتم بهذه المسائل الاكاديمية الدقيقة وهي تلعب دوراً كبيرا في فهم النصوص ووضعها في اطارها التاريخي.
ما مدى اعتماد هؤلاء الكتاب على مصادر الأدب القديم ورجوعهم إليها لتأطير مسيرة الأدب العربي؟
- انت تعلم أن الكتاب يتحدث عن الأدب العربي الحديث وبالتالي فهو ليس مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالكتب الأدبية القديمة لكن حينما تقرأ تشعر أن الكتاب كان على وعي ومتابعة بالأدب العربي عموماً، ولذلك تلحظ أن كل واحد منهم كتب فصلاً يدخل ضمن إطار اهتمامه واختصاصه فروجر آلن مثلا لم يكتب عن الشعر شيئاً على اعتبار أن اهتمامه هو السرد والرواية تحديداً فبالتالي يرِّكز على جانب الرواية لان هذا هو الفن الذي يلم به ويتابعه منذ وقت طويل.
الا يمكن اعتبار ما تقوم به جامعة كيمبردج نوعا من الدراسات الاستشراقية خاصة في ضوء المفاهيم الحديثة والمستجدة في الدرس الاستشراقي؟
- انا لا ارى ان يدخل في هذا الاطار على اعتبار ان هؤلاء لا يدرسون الادب العربي ليقدمونه للعرب بتفسير مختلف بقدر ما هم يقدمونه للقارئ كمحاولة لتعريف بهذا الأدب والتعريف بالبصمات الكبرى التي تركها في مراحل مختلفة.
لكن الاستشراق له تجليات ومظاهر مختلفة غير ما ذكرت من انه تقديم المدروس لاهله بصورة مختلفة؟
- علينا ان ندرك في مثل هذه الحالة وحين التعامل مع مثل هذه الكتابات انها ليست من منطلقات استشراقية بل من منطلقات استشرافية فانا لا اجد فرقاً وانا اقرأ لصبري حافظ او لمادلين بوث، لانهما تبنيا هذه الثقافة لدرجة نشعر معها وكأنهما اصبحا جزءاً منها خلاف بعض الدراسات الاستشراقية التي تنطلق من محاولة تفسير بعض الرؤى العربية وبعض مظاهر الأدب العربي من منطلقات علاقتها بالغرب او الجانب الصدامي او مراحل العلاقات غير الايجابية بين العربي والغربي.
هل قامت جامعة كيمبردج بمثل هذا المشروع مع آداب أخرى غير عربية؟
- حدث ذلك مع آداب عالمية منها الأمريكي والانجليزي والألماني والإيطالي والروسي وأدب أمريكا اللاتينية.
على اعتبار أنهم صنعوا ذلك أم لم يصنعوه ترى ما المبرر الاختياري لتناول الأدب العربي بدراسات في مثل هذا الكم؟
- جامعة كيمبردة تدرك قيمة العربي وهي من الجامعات العريقة التي تقدم الأدب العربي وهناك أقسام كثيرة لدراسة الأدب العربي وبالتالي ففكرة وجود الأدب العربي من جامعة كيمبردج هذا ليس امراً جديداً او مزيدا فنحن ندرك لو اخذنا كمثال: مجلة الأدب العربي التي تصدر من هولندا وهي احدى المجلات المتخصصة في جامعة انديانا هناك سلسلة متخصصة تصدر عن الادب العربي والادب الاسلامي، وهكذا في جامعات كثيرة حينما تشتمل على اقسام تهتم بالدراسات الشرقية والدراسات العربية والاسلامية بشكل خاص، فبالتالي جزء من عمل هذه الاقسام ان تحاول خدمة هذا الادب وتقديمه.
كيف تعاملت الدراسات من الوجهة النقدية مع النصوص التي تعرضت لها؟
- احيانا يتعامل مع النص على انه نص فقط، وهذا ليس بالمستمر فاحيانا يتعامل معه بصفته وثيقة تاريخية فنحن ندرك انه حصل للشعر العربي وللرواية العربية تحولات ليست فنية وان كانت نتائجها فنية الا ان التحولات سياسية وايديولوجية وبالتالي اثرت على الاتجاهات الفنية في الادب ولذا تجد بعض الدراسات محاولة للاشارة لابرز هذه التحولات، اضف الى ذلك التعامل مع النص بمفرده ودلالاته الرمزية.
مؤخراً صدر عدد جديد من مجلة (فيندوت) أو النافذة وهي مجلة نرويجية، صدر العدد خاص بالأدب العربي وبخاصة الحديث واشتمل العدد على دراسات ذهب اكثرها الى الربط الاكتشافي بين ما يقدمه الأدب وبين صورة الحياة التي انتجت هذا الادب، كيف ترى هذا الطرح وهل قام كتاب كيمبردج على شيء من ذلك؟
- هنا يصعب الإلمام برواية كل كاتب حول ما طرحه لاننا نتعامل مع كثير من الاسماء والاعمال انما علينا ان ندرك مسألة مهمة ان وجهة نظر الناقد لابد ان تكون موجودة سواء كان مداحاً ام قادحاً، ام متعاملاً بحيادية ونحن نطلب من الناقد أن يكون له حضوره، ولذلك فهناك آراء مبثوثة ومطروحة على كل حال حول هذه المسائل ولكن الرؤية العامة التي أجدها في هذا الكتاب هي: غياب اعطاء وجهة نظر شخصية حول قضية من القضايا بقدر ما كان الحرص على تقديم الواقع فهو اشبه ما يكون بالمسح التاريخي او البانوراما التاريخية للأدب العربي الحديث اكثر من كونه تعاملاً نقديا نصيا مع معطيات هذا الأدب.
القارئ لم يطلع على الادب العربي بشكل متزن وممنهج.. هل تثق في ان الصورة التي يقدمها هذا الكتاب هي الصورة الوافية والمراد بعثها وتقديمها؟
- اثق في ان هذا الكتاب سيعطي صورة تقترب الى حد كبير من الواقع واكاد اجزم ان مثل هذا الكتاب لا يعدو ان يكون نافذة الى قراءة الأدب العربي في اطاره العام لكنه لا يدخل في كافة التفصيلات وان كانت تختلف من كاتب الى آخر، وبطبيعة الحال فمن المشاكل التي لاحظناها في هذا الكتاب التركيز على الآداب في مناطق معينة دون غيرها. وهي المراكز الثقافية التقليدية، مصر، الشام، فانا شخصياً ارى ان القاهرة، بيروت، دمشق، لم تعد هي المراكز الثقافية، تقليدياً هذا الكلام صحيح لكن الوضع الآن خلاف ذلك وهذا يقودنا الى اشكالية في تعاملنا مع الأدب العربي فما زال الأدب في مصر والشام مثلا يأخذ الحيّز الاكبر في دراسة الأدب فنحن في الجزيرة العربية أو في المغرب العربي، او السودان نعاني من ان الادب في هذه المناطق الى الآن لم يتم تناوله في مصر والشام.
من الاسباب توفّر هذه النصوص وان ابناء هذه المناطق ما زالوا تحت التأثير الثقافي القديم فهم حتى في الكثير من دراساتهم يتجهون الى دراسة تلك الآداب، فمن مظاهر هذا انك وانت تتحدث عن الادب الرومانسي ليس هناك حديث الا عن مصر وكأن الجزيرة العربية والمغرب مثلا لم يوجد فيها هذا التيار، بل حتى التيار الحداثي يتم التركيز في دراسته على تلك المناطق التقليدية، تأتي الى الرواية فلا تجد ذكرا لها الا في تلك المناطق، ولذلك رغم ثقتي في هذا الكتاب رغم شموليته الا انه ظل في اطار ضيق من حيث المساحة الجغرافية وفي ان الكتاب ظهر في التسعينات او قبل ذلك وحينما نتساءل نحن مع هؤلاء الكتاب تجد ان الاشكالية هي عدم توفر الكتب والمصادر لديهم.
مريم كوك في تناولها للكاتبات العربيات ذكرت بعض الاسماء من الجزيرة العربية وكان المصدر الذي اعتمدت عليه هو كتاب: ليلى محمد صالح أدب المرأة في الجزيرة العربية وهو كتاب جميل وجيد لكنه ليس كتابا نقديا مما يعطينا دلالة انه حتى الكتب التي ألفت عن ادبنا في هذه المنطقة لم يصل بعد الى كثير من دور العلم والدراسات والثقافات المختلفة وهذا ما تعاني منه كثير من البلدان العربية التي ظل ادبها - رغم قيمته الفنية الكبرى - محصورا في المنطقة الجغرافية الضيقة التي يعيش فيها.
وهذا لا يعني ان قصر الفترة العمرية للأدب او حداثة استهلاله كحركة يمثل عذرا فالآن ونحن في بداية قرن جديد وهناك انتاج ادبي ضخم سواء في الجزيرة العربية او غيرها من البلدان التي نشعر انها في منأى عن مراكز التأليف والنشر التقليدية كالشام ومصر فانا اشعر ان هناك مسؤولية يتحملها الأدباء والمثقفون والجهات الرسمية ذات العلاقة بالأدب المحلي فمن الضروري ان تبذل جهودا لايصال ذلك الأدب إلى مختلف المناطق والمراكز الثقافية والاكاديمية.
في رقبة من تعلق هذا الغياب لأدبنا وانتاجنا الثاقفي والابداعي؟
- الدور الثقافي والأدبي لا اعتقد انه في رقبة شخص او حتى مؤسسة واحدة لكن دعني اتساءل فيما يتعلف بالمؤسسات الثقافية المحلية من منطلقين: أولاً يجب ان تكون هناك قناعة من المؤسسة الثقافية بهذا الادب المنتج محليا، ثانيا: يجب أن يكون المسؤولون في هذه المؤسسات الثقافية على مستوى ثقافي واكاديمي وادبي بحيث يمكن لهم الحكم على هذه الاعمال، هناك جهود تبذل وهناك اموال تصرف ولكن في كثير من الاحيان نحن كثيرا ما نمزج بين الوجود الثقافي والاعلامي، فوجودنا في كثير من المثابر لا يعدو كونه وجودا اعلاميا اشبهه دائما بانه اقرب ما يكون للالعاب النارية التي تهج وتبهر في لحظتها لكنها سريعا ما تتلاشى ولذا فمن المهم ان نتحول نحن من هذا الوجود الإعلامي السريع الوضّاء المنطفئ بسرعة الى وجود آخر يتمثل في مستوى من الوجود افضل وحقيقي لادبنا بصورته الفعلية وصولا به خارج الحدود.
لو ان هذا المنتج الادبي وصل الى ارجاء مختلفة من الوطن العربي كيف تتوقع ان يكون تلقيه واين سيكون موقعه على ساحة الأدب العربي.
- دعني اعود تاريخيا لاتذكر طه حسين حينما اطلع على الشعر في الجزيرة العربية وفوجئ  بهذا المستوى وقال كأن للشعر القديم عودة لمنطقة الجزيرة العربية، وغيره كثير من الأدباء والنقاد العرب يفاجأون حينما يصلهم الادب المنتج في الجزيرة العربية لسبب بسيط فانا لا اعتقد ان انتاجا خاصا بالجزيرة العربية فنحن نتحدث مكانا فقط والا فهو استمرار واتصال لما هو منتج في الثقافة العربية فهؤلاء الكتاب هم انتاج للثقافة العربية وليس انتاجاً محليا صرفا، الا ان الغياب رسخ مسألة ثقافة الاطراف مع ان اصحاب ثقافة الاطراف هم اكثر ثقافة من ثقافة المراكز التقيدية في كثير من الاحيان.
المراكز والمؤسسات الثقافية المحلية الموجودة في الخارج الا ترى أنها ترسخ فقط مشهد الالعاب النارية والحضور الإعلامي فقط؟
- هذا - بكل أسف - ما اجده من خلال مشاهدة للكثير من الفعاليات سواء اكانت المؤسسات مقيمة في الخارج او جاءت على هيئة بعثات فقط وسأضرب لك مثلاً.. فقد تقام احيانا معارض - احيانا - للكتاب السعودي وتذهب فتفاجأ بغياب الكتاب الادبي والثقافي والابداعي ونجد الناس يتساءلون عن اسماء ثقافية وادبية معروفة فلا يجد شيئا لهم او عنهم وتكتشف ان الكتاب الممثل في هذه المعارض هو الكتاب الصادر من جهة رسمية حكومية اكاديمية او ثقافية. ونحن ندرك ان جزءا كبيرا من انتاجنا الثقافي والابداعي يصدر عن دور نشر تجارية محلية او عربية. هذا الانتاج يظل غائبا عن هذه المعارض وهذا يعني غياب جزء مهم من الثقافة المحلية، ويجدر بالجهات المنظمة ان تعمل على تلافي هذا القصور.
كيف يمكن ذلك؟
- الوسائل كثيرة وواضحة لمن يمثل هذا الامر بالنسبة له قضية، لكن عليك أن تدرك ان بعض المسؤولين عن هذه الفعالات الثقافية لهم باع طويل في العمل الاداري لكن الثقافة لا تمثل لهم هما او هاجسا، وما دام الامر كذلك فان نسبة التفاؤل تتضاءل.
هل هناك جديد ومختلف في تناول هؤلاء الكتاب والنقاد للأدب العربي - من خلال ما قرأت - عما هو موجود لدى الكتاب والنقاد العرب؟
- من خلال ما قرأت نجد ان هناك رؤى منثورة هنا او هناك تمثل فعلا شيئا جديدا او رؤية جديدة مثلها مثل تلك الرؤى التي يكتها ويبرزها الكتاب حول اي قضية ادبية يتناولونها.
العديد من الذين ارّخوا للادب العربي كان عملهم عبارة عن مسح تاريخي اصم دون تدخل او نقد لمراحل او اشخاص مثلا ما رأيك؟
- هذا الكلام قد يكون صحيحا بشكل عام لكن العديد من الكتاب توقفوا عند مظاهر معينة وابرزوا اشياء محددة وهذا يعد موقفاً بحد ذاته بالنسبة لكتاب كتّاب الادب العربي الصادر عن جامعة كيمبردج فهم لا يمثلون توجها واحدا بل كتب كل منهم بحكم اهتمامه وتوجهه ورؤاه لذلك تختلف هذه البحوث اذ تجد بعضها أقرب ما يكون للمسح التاريخي، في حين تجد بحثاً آخر تبرز فيه الرؤى النقدية والأحكام القرائية وبعضها يجمع بين هذا وهذا فهم في تناولهم الاكاديمي لا يسيرون على وتيرة واحدة فهناك الخط العام الاكاديمي الملتزم بشروط الخط الاكاديمي وهناك من يركز على تناول من ما في فترة معينة وهكذا.
هل ترى ان هناك حاجة لاعادة قراءة الآدب العربي وفق العقلية الجديدة والمحاكمة الجديدة ووفق ما ورثته الاجيال السابقة؟
- الأدب العربي - حتى الجاهلي منه - لا يزال هناك مجال كبير للتعامل معه والبحث فيه خصوصا حينما نبتعد عن تاريخ الادب الى دراسة الادب وهذه الدراسة لا اعتقد انها اعادة كتابة بقدر ما هي اضافة والاضافة مطلوبة ونحن نتوقع اننا في كل دراسة للنص الواحد عبر اذهان مختلفة اكاد اجزام اننا سنخرج برؤى مختلفة على اعتبار ان النص يظل حيا عبر الازمان.
نحن في دراسة نعيش مسكلة تقليدية كبرى تتمثل في انصرافنا إلى التاريخ اكثر من الادب، إلى اليوم لا نزال ندرس في مدارسنا وجامعاتنا الادب الجاهلي ثم الإسلامي، ثم الاموي ثم العباسي ونحن هنا لابد من تحول من دراسة الأدب عبر عصور التاريخ الى تناول الظواهر الادبية ودراستها عبر العصور لنرى ماذا يحدث من تحّول في مسار النص الأدبي.
البحوث والدراسات التي تناولت حركة الشعر الحديث وتحولاته هل ركزت على الخفيات والبواعث التي ادت الى تلك التحولات ووقفت خلفها؟
- في كثير من الاحيان - نعم - فالكير منها تربط بين التغيرات السياسية والاجتماعية وانعكاس ذلك على الأدب.
ماذا عن بقية الاجزاء.. ولم تأخرت ترجمة هذا الكتاب وتأخر الاحتفاء به؟
- اولا: لابد من وجود قناعة بأي عمل يراد ترجمته ولعل بعض الجهات رأت ان هذا العمل من قبيل (هذه بضاعنا ردت إلينا) هذا جانب، الجانب الآخر هو اننا في مؤسساتنا العربية لسنا على قدر كبير من التواصل مع ما يحدث في الغرب، فعدد كبير من المهتمين بالأدب العربي فوجئ بوجود هذا الكتاب أصلا باللغة الانجليزية.
اما بقية الاجزاء فبحكم مشاركاتي مع العديد من الزملاء في ترجمة هذا العمل يوجه لي هذا السؤال دائماً: ماذا عن بقية الاجزاء؟ ما زلت اتمنى أن نجد تلك المؤسسة الثقافية القادرة على تبني ترجمة بقية الأجزاء.

ليست هناك تعليقات: