١٦‏/٣‏/٢٠٠٦

حول رواية بنات الرياض



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد أبعث إليكم بهذا الرد الذي كتبته حول الضجة التي دارت مؤخراً حول رواية " بنات الرياض " .. وقد أرسلت لبعض الصحف لنشرها ولكنها لم تنشره, وبعضها اعتذر بأنهم اقفلوا باب الحديث عن هذه الرواية ... ولما تقومون به من دور كبير في هذا الموقع المبارك أبعث لكم بهذا المقال الذي أطرحه أمام أعينكم للحكم عليه والنظر في مدى صلاحية نشره في موقعكم من عدمها ..

ولكم شكري وتقديري ..




(( بنـــــــات الريـــــــــاض ))
ما أجملَ أن يكونَ الإنسانُ ذا موهبةٍ وإبداع .. وما أروعَ أن يكونَ ذا قلمٍ سيّالٍ.. وذهنٍ متفتقٍ .. وحضورٍ أدبيٍ وثقافيٍ .. ولكن !! * إذا كانَ الإبداعُ جنايةً على صاحبهِ .. وظلماً لمجتمعهِ .. فلا حاجةَ لنا في هذا الإبداع ! * وإذا كانَ الأدبُ داعياً إلى قيمٍ باليةٍ .. وفاضحاً وهاتكاً لأستارِ البشرِ .. فلا باركَ اللهُ في هكذا أدب !! بل هو حتماً من " قلةِ الأدب " . * وإذا كانَ المثقفُ أو الروائيُ أو الشاعرُ أو القاصُ متجرداً من لوازمِ الدينِ, أو عرى الحياءِ, أو ملابسِ الذوقِ العامِ, أو منها كلها .. فأتوني بأوراقهِ .. واجمعوا لي أقلامَه .. وأحضروا كتبَه وملفاتِه .. ثم أعينوني على رميها في بحرٍ لا ساحلَ له .. وليعذرنا سمكُ هذا البحرِ بعد ذلكَ على إيذائهِ .. وتكديرِ صفوهِ وتعكيرِ مزاجه !! * إذا كانَ هذا الإبداعُ في تقييمِ المثقفيـنَ والأدباءِ الحاذقيـنَ " خطيئةً أدبيةً " وَ " سقطةً ثقافيةً " , فهو إذن أدبٌ لا نريده .. وشعرٌ لا نقرأه .. ورواياتٌ نقذف بها في أتونِ نارٍ لا تنطفئ .. نارٍ تأكل الباليَ من الأفكار .. وتحرقُ السيئَ من الأذكار .. وتزيلُ من الوجودِ كلَّ محاولاتِ النيلِ من سيرِ المجتمعاتِ الحثيثِ نحوَ تحقيقِ كمالٍ إنسانيٍ في دينها .. ودنياها .. وأدبها .. وكلِّ شؤونها . * * * ذاتَ يومْ.. أطلعتنا صحفٌ وملاحقُ ومجلاتٌ على روايـةٍ لفتـاةٍ اسمهـا " رجاء ", واسمُ روايتها " بناتُ الرياض " .. أزبدت هذهِ الصحفُ وأرعدتْ ونفخت, وأعلنتْ غبطتها, وأشهرت حبورها بمنجزٍ ثقافيٍ وأدبيٍ سيحدث نقلةً في مسيرة الأدبِ السعودي !! وربما العربي !! أثارت هذه الهالةُ الكبيرةُ اهتمامي, وسعيتُ للإطلاعِ على هذا العملِ الذي هزَّ وجدانَ الأدباءِ والنقادِ والإعلاميين, حتى بدأتُ أنا أهتزُ دونَ شعور .. وبدأَ قلبي يتطلعُ لمعرفةِ كيفيةِ الظفرِ بهذا العملِ التأريخي !! وفي غمرةِ البحث هذه, أفقتُ على قرعِ كلامٍ لأحدِ الروائيينَ يشخصُ هذه الروايـةَ بعد قراءتـها فيـقول : " تورطتُ بقراءتها, وهي ليست وجبةً ثقافيةً مناسبةً في رمضان, لأن الروايةَ جريئة ......... " الخ. !! هل يقصدُ أنها قد تفسدُ صومَ الصائم ؟ وإذا كانت كذلك فلابدَّ أنَّ المذكورَ فيها أمرٌ فيهِ تعدٍ وتجريحٍ لهذا الصيام ! عموماً, تجاوزتُ كلامهُ بحجة : "هذا رأيهُ الشخصيّ, وقد يكونُ روائياً غيورا ". واصلتُ المسيرَ حتى عثرتُ في رأيٍ أدبيٍ آخرَ يقول : " لو أنَّ الكاتبةَ من الطبقةِ الفقيرةِ لدمرتها الحياةُ والمجتمعُ, وربما لن تجدَ وزيراً يقولُ عن روايـتها الساذجةِ إنها تستحق القـراءة " .. يا الله !! ساذجة ؟! لا .. لا .. لن أصدقَ كلامَ هذا الأديبِ أو هذا المثقفِ وأكذِّب العشراتِ غيره ممَّن أعجبوا بهذه الرواية .. سأواصلُ المسير .. يأتي أديبٌ ثقةٌ؛ وشاعرٌ معروفٌ بعدَ ذلك, وبعدَ انتهاءِه من قراءةِ الراويةِ ليطالبَ الكاتبةَ بالعودةِ إلى الحقِ وإعلانِ براءَتِها من هذا العمل .. لتزدادَ شكوكي وحيْرتي .. ويزدادُ أيضاً طلبي للمزيد . * * * قرأتُ كلاماً لأحدِ ساكني الرياض في إحدى الصحفِ المحلية, والمميز هنا؛ أنه رئيسٌ لنادي القصةِ السعوديِّ يقولُ فيه : " أن تنبري كتاباتُ النقادِ لعملٍ مثل (بناتِ الرياض) يكشف عن أن النقادَ الرجالَ لديهم مشكلةٌ مع الأنثى تندرجُ في سلوك (شجعوها، ربتوا على أكتافها....) إلخ. ثم يصفُ العملَ هذا بأنه " مجردُ هراء " ! تمعنوا جيداً - رئيسُ نادي القصة – ثم ارجعوا البصر كرتين في قولهِ إنَّ لدى هؤلاءِ النقادِ مشكلةٌ مع الأنثى ! فوا أسفى عندما يُباع النقد, ويُظلم الأدب, لأجلِ أنَّ من امتطى صهوةَ الروايةِ, وجنى على الذوقِ " أنثى " !! * * * وجدتُ أيضاً وفي ملحقٍ ثقافيٍ من يقول عن الرواية : " الذي جعلها بهذا الزخمِ أنها جاءت بلغةٍ أقربَ إلى الفجورِ منها إلى العقلِ، وأقربَ إلى البذاءةِ التصويريةِ منها إلى الاحتشام ". يا إلهي !! فجورٌ, وبذاءةْ !! ما الذي يحدث ؟ وهل انكبابُ المثقفينَ عليها مرجعهُ هذا الفجور ؟ أرجو أن تكونَ الإجابةُ بـ ( لا ) قويةٍ كقوة تعجبي !!! وفي صباحٍ من الصبا حياتِ التي أطالعُ فيها الصحفَ اليومية, لفتَ نظري مقالٌ لكاتبٍ وصفَ نفسهُ في نهايـةِ مقالهِ بأنـَّه " أكاديمي متخصص في الحكم المحلي ", وفي مطلعِ كتابتهِ هذه بدأتِ الأمورُ تتكشفُ بشكلٍ كبيرٍ لديّ, وبدأتُ أدركُ شيئاً من الحقيقةِ الغائبة, وعُدتُ إلى ثناءِ ومدحِ المادحينَ لأعرفَ سببَ هذا المدحِ وهذا الإطراء, بل وهذا الطيرانِ والتحليقِ بهذه الروايةِ عندما قرأتُ قوله : " مما تعلمتهُ في هذه الرواية عقليةَ البنتِ المعاصرة, وكيفيةَ إثارتها, والاستحواذَ على عواطفها " !! هكذا إذن ؟ روايةٌ تعلمُ الرجالَ, بل والكتابَ والمثقفينَ والأكاديميينَ منهم كيفيةَ إثارةِ البنات ؟! قلت في نفسي : " لا .. لا يمكنُ أنْ يصدرَ هذا من فتاةٍ مسلمةٍ تربت في مجتمعٍ وتعليمٍ أرضَعها القرآنَ, وغَذّاها بالتوحيدِ والأدبِ, ونمّاها وكبَّرها بالأخلاقِ الفاضلة والسجايا الكريمة " . عدتُ مرةً أخرى لكتابتهِ لأُصدمَ مرةً أخرى عندَ قولهِ بعدها بسطرين : " هذا العملُ الأدبيُ الجميلُ يفيدُ أيَّ شابٍ يريدُ أن يتعرفَ على مرتكزاتِ الأدبِ النسويِّ العاطفيِّ المعاصر, أو يريدُ الزواج, ويتعرفَ على الآلياتِ الفنيةِ للحصولِ على إعجابِ الفتاةِ الانترنتية " .. وهنا بانَ من وراءِ الأكمةِ ما لم يكن بائناً من قبل !! * * * ولأنني لا زلتُ أحتفظُ بحقي في أن أقررَ بنفسي مدى نجاحِ وصلاحِ, أو خسارةِ وفسادِ هذه الرواية, واصلتُ التقصي إلى أن وقعتُ يديَّ على إحدى صفحاتِ هذه الروايةِ في موقعِ الكاتبةِ ذاتها على شبكةِ المعلوماتِ, وهي رسالةٌ إلكترونيةٌ اعتمدتْ على بثِ أمثالها في كلِّ فصولِ روايتها, وفي مطلعها تقول : " أنتمْ على موعدٍ معَ أكبرِ الفضائحِ المحلية " !! إذن نحن أمامُ مهزلةٍ .. وبصددِ الخروجِ عن أطرِ الحياءِ .. ومقبلونَ على تعميمِ الفضيحةِ ونشرها مكتوبةً على الورقِ وأمامَ الملأ!! ثم بدأتُ أقلبُ الصفحاتِ إلى أن وصلتُ إلى نصٍ على الصفحتين ( 16- 17) أخجلُ ثم أتوارى من الخجل, ثم أربأ بنفسي أن أكتبهُ على أبوابِ دوراتِ المياه ! فضلاً عن أوراق صحيفةٍ أو مجلةٍ سيَّارةٍ محترمةٍ أو غيرِ محترمة, أو أيِّ ورقةٍ بيضاءَ لا يقبلُ بياضُها سوادَ النوايا, وظلمةَ العبارات, والتعدي على الأذواقِ, بل وعلى حصانةِ المجتمع, ولا يقبل أيضاً تجرؤَها على ما جاءِ الدينُ فنهى عن نشرهِ وإشاعتهِ بينَ المؤمنين. ثم اطلعتُ على نصوصٍ أشدُّ بشاعةً, وأكثرُ إيلاماً لفؤادِ الإنسانِ السويِّ العاقل, فضلاً عن المؤمنِ الذي يخشى ربَّه, ويُهمه أن يكونَ مجتمعهُ مجتمعاً أخلاقياً يسعى إلى سترِ الأخطاءِ وتصحيحها, لا نشرها والتطبيلِ لها واستفزازِ أصحابِ القلوبِ التي تنشدُ طهارةً ونقاءً لا يخدِشها ويُمرضها إلاَّ مثلُ هذا العملِ " البعيدِ عن الأدب ". * * * وهنا أتساءَل : - لماذا هذا الاحتفاءُ الكبير بهذا العمل ؟ - ولماذا يراهنُ بعضُ المثقفينَ على نجاحِ أعمالهم عندما ينزلونِ بها إلى مستنقعِ الألفاظِ البذيئةِ, والقصصِ المشينةِ, والعلاقاتِ الشيطانية ؟ - هل يحدثُ هذا لأنَّ الروايةَ التي تحملُ بين صفحاتها أحاديثاً عن الليالي الحمراءِ, وتوصيفاً للأجسادِ, وتعليماً للعشقِ والغرامِ, تتفقُ مع فكرِ ونهجِ وثقافةِ هؤلاء ؟ .. أرجو ثمَّ أرجو أن أكونَ واهماً . * * * أيُّها الأعزاء : نعمْ مجتمعنا ليسَ مجتمعاً معصوماً منزهاً عن الأخطاءِ والعيوبِ, ولا أعترضُ على معالجةِ مشكلاتنا والوقوفِ عليها, ولكن ! متى كانَ العلاجُ بمبضعٍ مسمومٍ, كريهِ الرائحة, لا يميِّز بين الصحيحِ والمريضِ .. كانتِ النتائجُ وفاةً, أو إعاقةً دائمةً في أحسنِ الأحوال .. ثم إنَّ اعترافنا بأخطائِنَا البشريةِ في الرياضِ وغيرِ الرياضِ لا يعني أنَّنا نستوي في ذلكَ مع المندسينَ في دهاليزِ " الحي الباريسي الخامس " أو السادرينَ في حاناتِ " سوهو اللندنية " أو السكارى والتائهينَ في " بلاثا مايور بمدريد الإسبانية ", فهم لا يعرفون معنى أنْ يخطئَ الإنسانُ ثم يتوب, ولا يعلمونَ أن خيْر الخطاءينَ التوابون, ثم حتى أنصفَ بعضَهم, أقول: إنهم قد عادوا وآبوا بعد أن علموا سوءَ أعمالهم, وملّوا السيرَ في كراديبِ المعصية وذلِّها, وفي طريقِ عودتهم لا زالوا يلتقونَ من مثقفينا من لا يزالُ مصراً على ورودِ موردهم, وخوضِ تجربتهم, حتى ولو كانتْ تتسببُ في سكرةٍ دنيويةٍ, وحسرةٍ أخروية !! * * * أكررُ ختاماً ما دعا إليه شاعرٌ صادقٌ, وأديبٌ مشفقٌ فأقول : " يا رجاء, عودي إلى الحقِ فأنتِ في أولِ الطريق, أعلني براءتكِ من هذا العمل .. أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعيدَكِ إلى الصواب " . * * * أما أنتنَّ يا بناتَ الرياضِ المؤمناتِ العفيفاتِ القانتاتِ الصادقاتِ فاسألنَّ ربكنَّ الثباتَ وحسنَ الختام, ومن كانت منكنَّ على خطأٍ وعدولٍ عن الصراطِ فلتعدْ ولتعلمْ أنَّ هنالكَ رباً كريماً يغفرُ الزلات, وإذا ما اقترفتنَّ إثماً أو معصيةً, أو ريتُنَّها فاستغفرنَ واستُرنْ, واطلبنَ العفوَ وأمرنَ بالعرفِ وأعرضنَ عن الجاهلينْ ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .



مصدر المقاله ,,

ليست هناك تعليقات: