٦‏/٧‏/٢٠٠٦

وقائع حفل زواج رجلين فى مصر

 
 
فى أحد الفنادق فى القاهرة الكبرى

و التى تعج بحياه حافلة على مدار الأيام .. و بشكل أكثر خصوصاً فى ليلة الخميس ..

كان فندق هيلتون رمسيس .

يعيش لحظات فريدة .. و استثنائية .. فقد تزين الفندق .. و تجمل . لا ليستقبل احتفالاً بمناسبة عادية .. أو بزفاف خاص .. أو ببهجة كتلك التى تحياها قاعاته كل ليلة .. بل كان الجو المحيط يُوحى بشئ غريب ... لم تعتده الأعين .. و لم تلمسه العقول .. و لم يخطر على عقل بشر

انتشرت الزهور .. و الورود .. و أُطلق البخور .. و استعدت فرق الرقص و الغناء .. لتنشد نغمات جديدة .. على وقع أهازيج .. تتمايل رياحينها هذه المرة بشكل لم تشهده مصر منذ حباها الله بدين الإسلام و المسيحية .

 

فعند الثانية عشرة مساءً بالتمام و الكمال .

كانت إحدى قاعات فندق هيلتون رمسيس

تشهد حفل زفاف هو الأول من نوعه فى بلد الأزهر الشريف ..

و قف الجميع مشدوهين . و هم يشهدون ( رجلين ) يترجلان من سيارة فخمة .. مزينة بالورود و الزينة .. توقفت عند باب الفندق ليهبطا منها .. و فى لحظات كان الرجلان يتأبطان بعضهما بعضاً و يتقدمان وسط فرقة الموسيقى التى راحت تزفهما فى مشهد غريب .. أثار كل الموجودين داخل الفندق .. و فى قاعات استقباله .. و فى ردهاته الرئيسية

توجه ( الرجلان ) بخطوات وئيدة إلى حيث موقع الإحتفال بهما ... فى حفل الزفاف الذى تقرر فى تلك الليلة الغريبة .

رجال و نساء جاءوا ليجلسوا فى مناضد متفرقة .. ( رجلان معاً ) .

. أو سيدتان معاً .. فقد كان المشهد غريباً و مثيراً .. و راح من يشهدون ما يجرى يفتحون أعينهم . غير مصدقين ما يحدث امامهم .

و ما هى إلا لحظات حتى دلف العروسان ( الرجلان ) إلى داخل القاعة .. تستبقهما أصوات زاعقة .. فيما راحا يتبادلان ابتسامات الإعجاب و الحب .. فى مشهد بدأ فيه كلاهما .. سعيداً متباهياً . و كأنه يُزف إلى الدنيا كلها

راح من شهدوا هذا الموقف الغريب .. يتساءلون عن هذا الذى يحدث !! ..

و راح آخرون يضربون كفاً بكف ..

و راح من شاء حظهم أن يتواجدوا مصادفة فى المكان يلعنون ما يشهدونه ..

و هم يرددون ( نستغفر الله العظيم .. من كل ذنب عظيم ) ..

و حين تنامت الأسئلة و تصاعدت عن

جنسية هذين اللذين أقدما على هذه الفعلة المرذولة و الغريبة على المجتمع المصري و التى تجرى على أرض قاهرة المعز ؟..

جاء الجواب على لسان بعض الحضور ( إنهم كوايته ) ..

رفض المجتمع الكويتى و الدولة هناك أن يسمحا لهما بهذا الزفاف ..

و لكن مصر رحبت ..

و فتحت لهما الأبواب ليكونا أول زوجين - رجلين

( يتزوجان بعضهما البعض على أرض مصر ).

* كان الجواب كالصدمة التى أصابت من تواجدوا مصادفة و من راحوا يرقبون مجريات ما يحدث .. و الغيظ يأكلهم .. و قلوبهم تتمزق .. و راحوا يسألون أنفسهم عن هذا الهوان .. و الإجتراء على الدين .. و تجاوز المقدسات .. و السماح بالمحرمات فى بلد الأزهر الشريف .. الذى تجرى على أرضه وقائع زفاف اثنين من الشواذ .


كان المشهد درامياً .. ففى منتصف القاعة

جلس العروسان .. الذكران ( الرجلان ) على كرسيين متجاورين .

تحيط بهما الزهور من كل اتجاه ..

بينما راحت أصوات الموسيقى الحالمة تصدح فى أروقة القاعة .

لتبعث بالراحة فى الآذان

 

كان الزوج - أو من أُطلق عليه هذا اللفظ .. ممتلئ الجسد .. ضخم الملامح .. و كان شعره يتدلى على ظهره و كأنه شعر فتاه .. أرادت أن تطلق شعرها لجذب مفاتنها للناظرين .. أما الآخر الذى اُطلق عليه الزوجة فكان ذا قوام نحيف .. رشيق بعض الشئ .. و إن كان شعره أقل من شعر الزوج ، كان الجميع يراقب نظراتهما . و ابتساماتهما .. و مغازلاتهما لبعضهما البعض .. كانا يتهامسان .. ثم تكسو وجهيهما ضحكة عريضة .. و فى مشهد لا يخلو من دلالات .. راح كل منهما ينظر إلى الحاضرين .. و يوزع ابتساماته عليهما ..

صوت الموسيقى يعلو .. و الجو يزداد سخونة .. أغان خليجية ... و أخرى أجنبية .. يتردد صداها فى أجواء القاعة .. يدعو منسق الفرقة الموسيقية العروسين .. الرجلين .. للتقدم إلى منتصف الصالة .. و على انغام الموسيقات المختلفة .. الصاخب منها .. و الكلاسيكى الهادئ .. راح كلاهما يستعرض مفاتنه فى وصلات راقصة .. لم تخل من إيحاءات بعينها .. حتى أن الرجل العروس كان يرقص و كأنه ينافس أشهر الراقصات ... أما ( العريس ) ضخم الجثة فكان يهز جسده بالكاد ... و يسعى قدر جهده لتوفير طاقته لاستخدامها فى الوقت و اللحظة المناسبتين . فبعد ساعات قليلة سوف يكون على موعد مع ليلة العمر

و حين راح ( العروسان الرجلان ) يواصلان وصلات الرقص على مختلف الموسيقات ... اندفع العديد من الشباب الخليجى إلى قلب القاعة .. يتمايلون و يرقصون .. و يرددون أغانى شاذة . و نشازاً ، و كانت اشكالهم جميعاً و ملامحهم تكشف عن طبيعتهم و تركيبتهم .. و كانت نظراتهم تحمل من الإيحاءات .. ما يتجاوز حدود الكلام .

* هكذا استمرت الرقصات الشبابية لأكثر من نصف ساعة .. وسط حالة من الفرح و البهجة الغريبة .. و فى لقطة درامية راح العريس يحكى وقائع قصة العشق و الوله التى ربطته بمحبوبه و عروسه الرجل .. نظر إلى الحضور .. و أمسك بسماعة الحضور ليروى .. بإثارة و تشويق وقائع الغرام الذى ربط بين قلبه و قلب الرجل الذى أحبه منذ سنوات طوال .. قائلاً إنه صعد فى مواجهة كل الضغوط التى تعرض لها .. لكى يظفر بمحبوبه .. و عشقه الأول فى الحياه . و راح يحكى بألم عن بلده و أهله فى الكويت الذين ضنوا عليه بالحنان .. و رفضوا أن يسمحوا له بإقامة حفل زفافه من حبيبه على أرض بلاده .. مُبدياً تأثره الشديد بهذا الموقف غير المبرر - حسب وصفه - و لكنه يحمد الله أن مصر .. الكبيرة .. و الحنونة قد فتحت له ذراعيها .. و قبلت أن يُقام حفل زفافه على حبيبه فوق أرضها .. و من هنا فقد قرر أن يأتى و يحتفل بزفافه فى مصر أرض الأهرامات و التاريخ و الحضارة . ليستمتع هو و حبيبه بشهر العسل على ضفاف النيل الخالد .. ليعيش لحظات السحر المصرى فوق ربوع هذا البلد الذى فتح لهما ذراعيه .. و احتضنهما .. بعد أن تجاهلهما أهلهما هناك فى الخليج .

و بعد وصلة من التصفيق الحار الذى قوبل به كلام العريس ( الرجل ) . راح العريس الرجل يحكى من جانبه قصة الذكريات السعيدة ... و لحظات الإرتباط الأولى التىجمعته بحبيب القلب .. و يروى وقائع الكبت و الحرمان و القيم البالية فى بلاده التى منعته من الإرتباط بأعز إنسان لديه فى الوجود .. و يوجه الاتهامات لما وصفها ( بالعادات الذميمة ) التى تحرم الغنسان ( الذكر ) من أن يمارس الحب مع حبيبه ( الذكر ) .. و لم ينس أن يشكر مصر ذات القلب الحنون التى جمعت المحرومين .. و المطاردين على أرضها و منحهما حبها لقبول زواجهما على أرضها

* و ما هى لحظات حتى كانت القاعة التى ازدحمت بالحضور تعلن عن بدء فاصل جديد من الرقص .. إذ تسللت إلى منتصف القاعة راقصة شابة .. كان المجون بادياً على وجهها . اتجهت صوب العروسين الرجلين و راحت تتمايل بينهما فى تؤدة .. و تعبر عن محبتها لشجاعتهما .. و راحت تدعو الفتيات الموجودات فى القاعة لكى يشاركنها فرحة الزفاف .. فاندفعن فى مساخر زاعقة .. يحيطن بها من كل إتجاه .. و هنا يتقاذفن ذات اليمين و ذات الشمال .. ليعربن عن سعادتهن بهذا الحدث الذى سيفتح الطريق أمامهن .. لكى تتزوج كل منهن من تحب من بنات جنسها .

و وسط السخط الذى عم المكان .. تقدم أحد العاملين بالفندق .. يدفع بتورتة كبيرة أمامه ( متر × 2 متر ) كتب عليها اسم الزوجين الرجلين ( الرجلين ) .. و كما يفعل فى حفلات الزفاف العادية .. راح يقدم لهما سكيناً ، و طلب منهما قطع تورته الزفاف .. إعلاناً ببدء الخطوات العملية لعقد الزواج الأبدى بين الزوجين .

على أنغام الموسيقى الهادئة .. تقدم الزوجان .. أمسكا بالسكين .. و برقة شديدة جرى قطع التورتة التى رُسمت على شكل قلب . فيما راح الحاضرون يصفقون إعجاباً .. ثم تواصلت الرقصات .. و راح برنامج الحفل ياخذ طريقه حتى الخامسة صباحاً .. وسط ضجيج الذكور .. و عواء الإناث الذين شاركوا العروسين الرجلين فرحتهما .

و بينما كانت مآذن القاهرة تصدح بآذان الفجر .. و كانت آيات الذكر الحكيم تصدح فى جنباتها و فيما كان المصريون يتأهبون للخروج إلى أعمالهم بسطاء و عمال و فقراء يستعيذون بالله من الشيطان .. و هم يتوضأون ليصلوا الفجر .. و يستعدون لبدء يوم جديد فى حياه شاقة .. ملؤها التفاؤل و الأمل .. كانت وقائع أخرى تجرى داخل الفندق .. حيث راحت فرقة الزفاف تزف العروسين ( الرجلين ) إلى غرفة مشتركة .. تم حجزها خصيصاً فى الفندق .. أُغلقت الأبواب و طُويت صفحة الفرح .. و شهد من شهد .. و بدأت أولى ليالى العمر بين رجلين .. ضاقت بهما أرض بلدهما الكويت . فوجدوا متسعاً فى مصرنا .. و فى قاهرة المعز .. ليرتكبا الرحام .. و ليمارسا الشذوذ من فوق شاطئ نيلنا الخالد .

و فيما كان الهدوء يخيم على المكان .. و فيما كانت بواكير الصباح تنبئ عن يوم جديد .. و كان المشهد العبثى يثير الحاضرين من إدارة الفندق .. إلى رجال الشرطة و السياحة و أجهزة الدولة .. لكن أحداً لم يعترض . فنحن فى أشد الحاجة إلى دخل السياحة .. و أموالها يجب أن تتدفق على خزانة الوطن . ليس مهماً الوسيلة أو الطريقة .. بل الغاية هى الهدف . ليس مهماً الحلال و الحرام .. ولا غضب الله سيحانه و تعالى .. بل كل شئ يهون طالما أن الدولارات و الدنانير تقتحم الجيوب .. ليس مهماً الإساءة إلى بلد الأزهر .. و لا المس بطهارة أولياء الله الصالحين .. القابعين على بعد خطوات من موقع المهزلة التى حدثت .. المهم فى نظر هؤلاء أن تكون مصر بلد الحضارة و الرياد ة.. و بلد الحرية .. و بلد كل شئ .. فلقد عز الشرف ... و غابت المعايير .. و تراجعت الأخلاق .. و سقطت قيم كنا نظنها صامدة .. و لكن .. و يا للمأساه.. فها هى تتحطم أمام أعيننا دون أن نحرك ساكناً

 


تحرير : محمود بكري

نقلاً عن جريدة الأسبوع بتاريخ 15 أغسطس 2005 - 10 رجب 1426 هـ

ليست هناك تعليقات: