٦‏/٨‏/٢٠٠٦

سرد ديناميكي له حيوية الانفتاح على العالم
محمد الحرز * - « صحيفة الشرق الأوسط » - 1 / 6 / 2006م - 9:02 ص

الرواية النسائية تستجيب بالدرجة الأولى للتحولات التي طالت جميع أوجه الحياة في بلادنا كما هو عليه الحال في الرواية الذكورية، إذا جاز لنا الفصل. لذلك لا يمكن الركون في تصوري إلى هذا النوع من التصنيف دون أن نقع في دائرة الالتباس التي تفضي بالباحث في مجمل الأحوال إلى معالجة الرواية المحلية من منطلقات تصورية مسبقة تفترض أن الكائن الأنثوي يعالج قضاياه الإنسانية والاجتماعية إبداعيا بمعزل عن المؤثرات الفنية والثقافية للكائن الذكوري.

وهذه إحدى القضايا التي طغت على مجمل القراءات التي تصدت للإبداع الروائي الذي تكتبه المرأة، ولكن لا يعني ذلك من جهة أخرى، أنها لم تحاول معرفة أو الكشف عن عوالم هذا الإبداع، بل وجدنا في الكثير من الكتابات التي تقارب هذا النموذج الروائي أو ذاك، الاستدلال الدقيق على السمات البنيوية التي تخص عالم المرأة الروائي.

وهي سمات تكشف بحسب تلك المصادر، الوعي الذي تشكل فنيا بأهمية السرد الروائي في التعبير عن التحولات التي طالت مجتمعنا في الآونة الأخيرة، وخصوصا ما يدور حول المرأة من إشكاليات وقضايا.

ربما يرى البعض أن هذا الوعي الفني عند المرأة ما زال طفوليا، أي أنه ما زال يتلمس طريقه في التشكل والنمو مقارنة بتاريخ الرواية في بلادنا الذي تشكل على يد السرد الروائي الذكوري، ولكن تبقى الرواية المحلية من منظورها الفني والثقافي عند المرأة أكثر ديناميكية وحركة، ليس المنظور الذي يحصر القيمة الفنية في معيارية الخبرة وكثرة الإنتاج والتي تدعمها في الغالب صحافة أدبية غير متخصصة على الإطلاق، ناهيك من تناول الأعمال الروائية الجادة خارج نطاق المؤسسات الرسمية.

ولكن المنظور الذي نعنيه هنا هو أن المرأة وجدت ضالتها إبداعيا في الجنس الروائي باعتباره الأكثر قدرة على تجسيد المرأة كما هي في مجتمعنا دون «كليشيهات» أو «رتوش»، لذلك جاءت رواية رجاء الصانع «بنات الرياض» لتعطي هذا الانطباع الذي يفتح الباب على عوالم كانت إلى حد قريب من التابو، وإن كانت الرواية الذكورية حاولت من جهتها أن تفتح هذه العوالم، مثل روايات غازي القصيبي أو تركي الحمد، أو في بعض روايات عبدو خال، إلا أن الفرق يكمن في اللحظة التاريخية التي تشكلت فيها تلك الروايات، وتلك التي تحاول أن تقولها المرأة في سردها الروائي، إنها تسرد على خلفية ثقافية لجيل من مقوماته الأساسية سهولة الانفتاح على العالم والتأثر به حد الجذور.

وهذه إحدى السمات التي يجب مناقشتها في العمق لأنها جعلت المرجعية الفنية لتقييم الأعمال الإبداعية عندنا تحت طائل الشك، حيث كان مد التغيير والتحول البنيوي فكك كل ثقافة ساكنة تطمئن بدرجة أو بأخرى لمسلماتها حول ذائقتها الجمالية.

وأصبحت الرواية النسائية إشكالية من هذا المنطلق وليس بسبب عوامل فنية كما يشاع غالبا. في رواية «الفردوس اليباب» لليلى الجهني رغم المنظور الرومانسي التي ظهرت به المدينة، غير أنها مثلت عالم المرأة بامتياز، أي أن التقاط الحياة السرية للمرأة هو اختصاص أنثوي لا يمكن أن يكون للرجل دور فيه مهما أبدع فنيا، رغم ما يمثل أمامنا من نماذج روائية ليست محلية فقط وإنما عالمية، أبدعت شخصيات نسائية على مستوى عال من التقنية والحياة الخلاقة، إلا أن ذلك يبقى استثناء.

إن اللافت للنظر من جهة أخرى هو اللهاث السريع في الإنتاج النسائي للرواية، وهي تشكل في ظني ظاهرة ثقافية وليست إبداعية، تعود كما قلنا سابقا إلى محاولة كسر الثقافة السائدة التي أخفت بآلياتها، صوت المرأة على المستوى الإبداعي التعبيري، لذلك رأينا كيف بدأت الأصوات النسائية تكسر قشر البيضة لتخرج إلى العلن، فعدا رجاء عالم، وأميمة الخميس، هناك نورة الغامدي، وزينب حفني، وبدرية البشر، وقماشة العليان.

وهي أصوات متباينة فنيا إلا أن مرحلة تشكل العمل الفني على خلفية ثقافية في إطار التشكل والتجدد، هذا بالنسبة لي مربط الفرس الذي ينبغي إبرازه في اللحظة الراهنة من تحولاتنا الثقافية والاجتماعية المهمة لأجيالنا القادمة.

كاتب سعودي - الأحساء

ليست هناك تعليقات: